من
أشد المصائب التي يبتلى بها الإنسان داء البخل الذي يجعله يظن أن بخله
يحفظ أمواله من الضياع، أو أنه يزيده مالاً فوق ماله، مع أنه لو علم ما
يصيبه من الخسران في دنياه بانفضاض الناس من حوله وكراهيتهم له، ثم ما يحيق
به من العذاب في آخرته، فإنه لو أدرك ذلك لكانت حسرته على نفسه شديدة
وأليمة، ويكفي أن يقرأ هؤلاء البخلاء ما جاء في كتاب الله العزيز عما أعد
لهم من عذاب وهوان، فقد قال جل وعلا: {وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا
بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [آل عمران:180].
ويقول تعالى في سورة التوبة:
{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ(34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا
جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35) }.
ففي
الامتناع عن أداء الزكاة إثم عظيم، وضررٌ كبير على الفقراء والمحتاجين،
وتعرض لغضب الله وعاجل عذابه الذي لا يصيب الذين ظلموا خاصة، بل يعم الجميع
والعياذ بالله.
وقد
شدّد الإسلام على مانعي الزكاة وأوقفهم عند حدهم، لأنهم يهدمون بناء
المجتمع بطمعهم وجشعهم وأنانيتهم المفرطة. فمن امتنع من الأغنياء عن أداء
الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً، ولو أدى ذلك إلى عقابه في النفس والمال، فإن
كان الممتنع عن أدائها فرداً أو أفراداً لا سلطان لهم صح للإمام أن يؤدبهم
ويعاقبهم حتى يؤدوها، وصح له أن يصادر عليهم نصف أموالهم سياسة شرعية زجراً
لهم عن سوء صنيعهم.
وإن
كان الممتنع عن أداء الزكاة جماعة لهم سلطان وقوة، حق على الإمام أن
ينذرهم عاقبة منعها، فإن لم يجُدِ فيهم الإنذار وجب عليه أن يقاتلهم حتى
يؤدوا الزكاة، فإن لم يفعل أثم وعصى. ولقد قاتل أبوبكر رضي الله عنه
والمسلمون معه مانعي الزكاة ـفي حروب الردةـ وكان معه في رأيه الخلفاء
الثلاثة وسائر الصحابة رضي الله عنهم، فكان ذلك إجماعاً منهم على قتال
مانعي الزكاة.
وخلاصة موقف الإسلام من مانعي الزكاة :
أن الإسلام يفرق بين الممتنعين حسب أحوالهم، فيتخذ موقفاً محدداً من كل قسم حسب حاله على ما يأتي:
1. الممتنع عن أداء الزكاة مع الإنكار لوجوبها :
موقف
الإسلام منه يختلف حسب حاله إن كان ممن لا يخفى عليه أمرها حكم بكفره
وقوتل على منعها. فإن كان يخفى عليه أمرها، كمن أسلم حديثاً ونشأ في
البادية فهذا لا يحكم بكفره، بل يعرف بوجوبها عليه وتؤخذ منه قهراً، فإن
جحدها بعد ذلك حكم بكفره وقوتل عليها لقيام الحجة عليه.
2. الممتنع عن أدائها بخلاً بها مع اعترافه بوجوبها :
فموقف
الإسلام منه أنه لا يحكم بكفره، بل تؤخذ منه قهراً، ويعزر إن لم يكن له
عذر، ويصرفها الإمام العادل في مصارفها الشرعية. أما إن كان له عذر، بأن
كان الإمام ظالماً يأخذ أكثر من الواجب، أو يصرفها في غير مصارفها الشرعية
فإنه يؤمر بإخراجها، ويحذّر عاقبة منعها، ولا يلزمه دفعها إلى الإمام
الظالم.