أثر الزكاة في معالجة التضخم والوقاية منه
الثلاثاء, 10/30/2007 - 11:07
د. عبد الله العمراني
الكاتب:
عبد الله بن محمد العمراني
الزكاة
فريضة من فرائض الإسلام وركن من أركانه العظام شرعت لحكم بالغة، وغايات
كريمة لها آثارها الإيجابية في الفرد والمجتمع، فهي تطهر النفس من البخل
والشح وتزكيها بالمواساة والإحسان وتطهر المال وتنميه "ما نقصت صدقة من مال
بل تزده"، كما أنها تقي المجتمع من الآفات "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا
منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا".
ومنع الزكاة سبب
للآفات والمصائب في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وشتى الشؤون الحياتية،
عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال "ما خالطت
الزكاة مالاً إلا أهلكته".
ويُعد التضخم النقدي من الأمراض الاقتصادية التي تحدث آثاراً سيئة في الاقتصاد، وله أسباب متعددة ليس المجال التحدث عنها بالتفصيل.
وقد
أشار بعض الاقتصاديين إلى أن الزكاة تعالج التضخّم في حالة زيادة الطلب عن
العرض، حيث تكون النقود المتاحة داخل المجتمع أكبر من قيمة السلع
المعروضة؛ وهو ما يدفع الأسعار للزيادة، فترتفع الأجور لتلبية زيادة
الأسعار، وهكذا دواليك. ويكون لتطبيق فريضة الزكاة أثره في كبح جماح
التضخّم من خلال:
توفير التدفقات النقدية: فانتظام انسياب حصيلة الزكاة
مع بداية كل حَوْل قمَريّ يوفر كميات النقد اللازمة للتداول دون الحاجة إلى
لجوء السلطات النقديّة لعمليات الإصدار النقديّ.
وضبط الطلب الكلي:
فتطبيق فريضة الزكاة يضمن توفير حدّ الكفاية لجميع أفراد المجتمع، ويتجه
المجتمع بصفة عامة للإقبال على السلع الأساسية، ويحول هذا دون ارتفاع
مستويات الطلب على الاستهلاك الكماليّ.
كذلك فإن توزيع زكاة الزروع والثمار والماشية في صورتها العينية يسهم إلى درجة كبيرة في الاحتفاظ للنقود بقيمتها الشرائية دون تدهور.
كذلك
فإن فرض الزكاة كنفقة واجبة الاستحقاق على رأس المال النامي فعلاً أو
تقديرا يدفع بأصحاب رؤوس الأموال إلى الاستمرار في الاستثمار حتى لو كان
المعدل المتوقع للربح أقل من نسبة الزكاة 2.5 في المائة، طالما كان هذا
المعدل أكبر من الصفر. ويرجع ذلك إلى أن الاختيار الممكن أمام المستثمرين
في هذه الحالة هو بين استثمار أموالهم أو اكتنازها، وليس الاختيار بين
استثمارات متعددة. ونظرًا لأن الاكتناز اختيار غير مطروح، فإن الاستثمار هو
الخيار الأمثل "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة".
وتُعَدّ
التكلفة الناجمة عن احتساب سعر الفائدة عن الأموال المقترَضة أحدَ عناصر
تكاليف الإنتاج؛ لذا فإن التقلبات التي تطرأ على هذا السعر يكون لها
تأثيرها في سعر المنتج وَفقًا لأهمية هذا العنصر في هيكل التكاليف، حيث
يؤدي ارتفاع سعر الفائدة المَدِينة إلى إضافة عنصر جديد إلى عناصر تضخّم
التكاليف. ويؤدي إلغاء سعر الفائدة "الربا" في الاقتصاد الإسلاميّ إلى طرح
هذه النفقة التضخّمية عن رأس المال، بينما يؤدي فرض الزكاة على الرساميل
النامية فعلاً أو تقديرًا، واحتسابها عند سعر منخفض "ربع العشر في مقابل
سعر للفائدة المَدِينة يراوح بين 11 و16 في المائة" على الرساميل المُعَدّة
للتجارة والاستثمار وعائدها وأرباحها ـ إلى تخفيض هذه النفقة من هيكل
النفقات.
هذا ما ذكره بعض الاقتصاديين، ويمكن أن يضاف إلى ما سبق أن
الغارمين الذين عليهم ديون هم من مصارف الزكاة الثمانية وفي دفع الزكاة لهم
تسديد لديونهم وحماية لهم من اللجوء إلى تراكم الديون واحتساب الفوائد في
بعض الحالات التي تعد أحد الأسباب الرئيسية للتضخم النقدي، ففي تشريع
الزكاة تكافل بين أفراد المجتمع وتوزيع عادل للسيولة بين أفراده، بحيث لا
يكون دولة بين الأغنياء دون الفقراء.
وإني بهذا أدعو جميع المسلمين
أفراداً وشركات ومؤسسات إلى العناية الفائقة بإخراج الزكاة على الوجه
المشروع وعدم إنقاصها عن المقدار الواجب أو التحايل أو التغافل عن بعض
الأموال التي تجب فيها الزكاة، وأن يخرجوها طيّبة بها نفوسهم تزكو بها
أموالهم ويسلم للمسلمين اقتصادهم وتآلفهم.
المصدر:
موقع الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد و التمويل