سنناقش، معًا، العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وهي عينها العلاقة بين ذاتك والبيئة. البيئة ليست المدينة أو البلدة أو القرية التي تعيش فيها وحسب، بل هي البيئة الطبيعية أيضًا. فإذا انعدمت علاقتك مع الطبيعة، انعدمت علاقتك مع الإنسان. الطبيعة هي المروج والبساتين والأنهار، هي الأرض الرائعة بأسرها، هي الأشجار وجمال الأرض. إذا انعدمت علاقتنا مع ذلك كله، انعدمت علاقة بعضنا مع بعض. إذ إن الفكر لم يخلق الطبيعة، الفكر لم يصنع النمر، ولا المياه المسائية، والنجوم منعكسة على صفحتها؛ لم يخلق الفكر الجبال الشاهقة المكللة بالثلج على خلفية السماء الزرقاء، ولا غروب الشمس والقمر المتوحد حين لا يوجد أي نجم آخر. الفكر، إذن، لم يخلق الطبيعة.
الطبيعة واقع. وما خلقناه بين البشر هو الآخر واقع، لكنه واقع فيه نزاع، فيه صراع، حيث يحاول كل واحد أن يصير شخصًا مرموقًا – جسمانيًّا وداخليًّا على حدٍّ سواء، وكذلك "روحيًّا"، إذا جاز لي أن أستعمل تلك الكلمة. عندما يحاول أحدهم أن يصير، يحاول أن يحصِّل مكانة ما، سياسيًّا أو دينيًّا، إذ ذاك تنعدم علاقته مع الآخر، ومع الطبيعة أيضًا. يعيش كثيرون منكم في مدن، بكل حشودها وضوضائها وقذارة بيئتها. أغلب الظن أنك لم تُلاقِ الطبيعة مرارًا. لكن هناك هذا البحر الرائع، وعلاقتك معه معدومة. تراك تنظر إليه، ولعلك تسبح فيه؛ أما الشعور بهذا البحر، بحيويته وطاقته الهائلتين، بجمال موجة تتكسر على الشاطئ… التواصل معدوم بين حركة البحر الرائعة تلك وبينك. إذا انعدمت علاقتك بذاك، كيف يمكن لك أن تكون على علاقة مع إنسان آخر؟ إذا لم تكن تدرك البحر، خاصية الماء، الأمواج، حيوية المدِّ والجزر العظيمة منداحًا ومنحسرًا، كيف يمكن لك أن تعي العلاقة الإنسانية أو تكون حساسًا بها؟ رجاءً، من المهم للغاية أن يُفهَم هذا، لأن الجمال، إذا جاز للمرء أن يتكلم عليه، ليس في محض الشكل الفيزيائي، لكن ماهية الجمال هي خاصية الحساسية تلك، خاصية رصد الطبيعة.
بومباي، 24 كانون الثاني 1982