مقدمة:
إن الكون كله, بفضل الحواجز التي أزيلت ووسائل الاتصالات التي قربت و
طبائع العزلة التي أسقطت, و التطورات التكنولوجية التي سيطرت, قـد أصبح
نسيجا و كيانا واحداً, إذ اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر و
الحمى.
لقد وصف أهل الذكر الاقتصادي و السياسي ما سبق قوله "بالعـولمـة", و تضارب
هؤلاء حول حقيقة معناها, فذهب البعض إلى أنها مرادف للامركزية, و ذهب
البعض الآخر إلى جعلها مرادف للأروبة (الاستعمار التقليدي), و ذهب البعض
أنها تعني اقتصادا كونيا, و هذا على حد قول مكماهون: على سطح الأرض لم يعد
هناك ركاب... فقد تحولنا جميعا إلى طاقم قيادة.
و الأمر المتفق عليه بين كافة الفرقاء هو أن العولمة أصبحت أمرا واقعا,
لكن الخلاف يستعر بينهم حول أسبابها و نتائجها و مضارها, و منافعها, و ما
هو الثمن الذي سيدفعه الأغنياء؟ و ما هو حجم الكارثة التي سيتعرض لها
الفقـراء ؟
صحيح أن العالم منذ قرون عديدة يشهد تحولات ملموسة, تدفع كل الشعوب و
الدول نحو المزيد من الارتباط و الاعتماد المتبادل, و لكن العولمة تتوافق
مع العديد من وسائل الاتصال التي لم تكن موجودة من قبل, بدءا من أسواق
النقد الأجنبي, و أسواق رأس المال التي يصل بعضها ببعض على الصعيد العالمي.
لم يكن للعولمة أن تأخذ ملامحها المميزة دون وجود مؤسسات ذات طابع عالمي,
و تمتاز بقدر من الفاعلية و المشروعية, مثال ذلك: المنظمة العالمية
للتجارة, و كذا مؤسستي بريتون وودز, و كذا الشركات المتعددة الجنسيات.
و قد زاد من ترسيخ العولمة تلك الأطـر و القواعد القانونية ذات النطاق
العالمي, حيث تم التوصل إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنظم شؤون
التجارة العالمية, و التي تنظم الحقوق و الواجبات فيما يخص مسائل الملكية
الفكرية, خاصة أن هذه الاتفاقيات يتم إسنادها و دعمها بآليات قوة,
لتنفيذها على صعيد الواقع, و هي ذات طابع إلزامي إذ تلتزم بها الحكومة
الوطنية.
من خلال ما سبق ذكره, نصل إلى الإشكالية محل البحث و التي نجسدها في التساؤل التالي:
مـا المقصـود بالـعولـمـة الاقتصاديـة ؟
و هذا بدوره بتضمن أسئلة فرعية:
ما هي مظاهر و خصائص العولمة ؟ أو بالأحرى: ما لسياق التاريخي الذي أفرز هذه الظاهرة ؟
ما هي خصائص و مظاهر هذه الظاهـرة ؟ و مل لمقصود بما يسمى: العولمـة الماليـة ؟
ما هي مغانم و مغارم على جميع الدول على حدّ سواء و خاصة الدول النامية ؟ و بالخصوص الجزائر.
-و من دوافع قيامنا لهذا البحث:
1- أهمية الموضوع على الساحة الدولية, فقد أصبح حديث الملتقيات و الندوات و الشغل الشاغل لسكان المعمورة.
2- لمتطلبات المقياس