يشكل الطوارق المجموعة الأمازيغية الأكثر توغلا في أفريقيا جنوب الصحراء والأكثر انفصالا عن السكان العرب بالشمال الأفريقي، ومن المفارقة أنهم في أسلوب عيشهم ونمط حياتهم أقرب الناس إلى البدو العرب.
وقد درج المهتمون بالطوارق على كتابة اسمهم بالطاء وكان الأولى أن يكتب بالتاء، لأن اسمهم -حسب بعض الباحثين- مأخوذ من كلمة "تاركة" وهو واد في منطقة فزان بليبيا، والنسبة إليها "تاركي"، فالاسم مأخوذ من مكان بليبيا لا من اسم القائد المسلم طارق بن زياد.
ويطلق عليهم أيضا في الكتابات الأوروبية "الرجال الزرق" نظرا لكثرة استعمالهم القماش الأزرق لباسا. ويفضل الطوارق أن يطلق عليهم اسم "إيماجغن" أو تماشق" وهما مرادفان لأمازيغ ومعناها الرجال الأحرار.
وبحكم مجاورتهم للعرب في الشمال وللأفارقة الزنوج في الجنوب، صار الطوارق شعبا مهجنا يجمع في دمائه أعراقا طارقية وعربية وأفريقية.
العدد والفضاء الجغرافي
ما زال الطوارق محافظين على لهجتهم
"تماشق" وعلى كتابتها بحرفهم الخاص "تيفيناغ"
"
في غياب إحصاءات دقيقة وموثقة لا يمكن إعطاء رقم صحيح عن عدد الطوارق في منطقة الساحل الأفريقي أو في دول شمال أفريقيا. وثمة تقديرات غير رسمية تذهب إلى أن عددهم الإجمالي يناهز 3.5 ملايين، نسبة 85% منهم في مالي والنيجر والبقية بين الجزائر وليبيا. وتذهب نفس التقديرات إلى أنهم يشكلون من 10% إلى 20% من إجمالي سكان كل من النيجر ومالي.
ويوجد الطوارق في مناطق صحراوية تمتد من الجنوب الليبي حتى شمال مالي، ففي ليبيا يوجدون بمنطقة فزان أما في الجزائر فيوجدون بمنطقة الهقار. وفي مالي يوجد الطوارق بإقليمي أزواد وآدغاغ، أما في النيجر فوجودهم أساسا بمنطقة أيِّير.
وتتميز هذه المناطق الأربع بأنها الأكثر جفافا والأقل سكانا من غيرها من مناطق الدول المذكورة. وقد ظل الطوارق إلى عهد قريب خبراء هذه الصحراء الكبرى العارفين بمسالكها المؤمنين لحركة القوافل بها، وقد أعانهم على ذلك صبرهم وشجاعتهم ومعرفتهم بأماكن الماء وإتقانهم الاهتداء بالنجوم.
ويتيمز الطوارق عن غيرهم من الأمازيغ بحفاظهم على لهجتهم الأمازيغية "تماشق" وعلى كتابتها بحرفهم الخاص "تيفيناغ" الذي يكتب من اليمين إلى الشمال ومن فوق إلى تحت والعكس.
المجتمع الطارقي
ينقسم المجتمع الطارقي -شأنه في ذلك شأن المجتمعات البدوية التقليدية- انقساما وظيفيا، حيث تحدد مكانة الشخص حسب انتمائه إلى طبقات اجتماعية محددة. وفي أعلى الهرم الاجتماعي الطارقي نجد:
"إيماجغن": وهم السادة، ويليهم
"إينسلمن": وهم الطبقة المهتمة بالتعليم والتعلم والدين ثم
"إيمغاد": الطبغة الغارمة
"إينادن": طبقة الصناع التقليديون
"بلاس" أو "بزوس": الأرقاء المحررون.
"إكلان": طبقة العبيد
وتحظى المرأة الطارقية بمكانة خاصة، فمجتمعهم يعد –حسب الباحثين في علم الاجتماع- من المجتمعات الأمومية. وجميع الطوارق مسلمون متمسكون بالمذهب السني المالكي.
والطوارق عبارة عن كونفدراليات قبلية كبيرة يمكن توزيعها إلى مجموعات من أبرزها:
كل تماشق أي "المتكلمون بالأمازيغية" (وهم أساسا كل أهغار وكل أجر ويوجدون بالجزائر وليبيا).
كل أيِّير
كل غريس
أولمدن كل دنيك (النيجر)
أولمدن كل أتاريم (مالي)
كل تادمكت أو كل السوق (مالي)
كل آدغاغ (مالي)
كل أنتصر ويذهبون إلى أن نسبهم من الأنصار (مالي)
"
أسهم العامل البيئي من حر في الصيف وبرد في الشتاء في غلبة اللثام على الطوارق
"
يغلب على الطارقي وضع لثام يبلغ طوله أحيانا أربعة أو خمسة أمتار. ويلازم اللثام الرجل الطارقي في الحل والترحال ويلفه بإحكام على جميع وجهه حتى لا يظهر سوى العينين. ولا يرفع الطارقي لثامه ولو عند تناول الطعام، وغالبا ما كان من القماش الأسود.
ويشارك الطوارقَ في وضع اللثام بعض المجموعات الصحراوية مثل قبائل صنهاجة الذين عرفوا بالملثمين. وتعددت تفاسير تمسكهم باللثام، فمنها الحياء الغالب على تلك الشعوب. وقد ذكر ذلك الشاعر الأندلسي أبو حامد المعروف بالكاتب حين مدح دولة المرابطين وكان أمراؤها صنهاجيين بقوله:
قوم لهم درك العلا من حمير
وإن انتموا صنهاجة فهم هم
لما حووا إحراز كل فضيلة
غلب الحياء عليهم فتلثموا
ولعل للعامل البيئي دورا حاسما في غلبة اللثام على هذه الشعوب
الصحراوية، فالعواصف الرملية والحرارة المرتفعة في الصيف والبرد القارس في الشتاء تتطلب غطاء يقي رأس الإنسان الصحراوي.
الطوارق اليوم
قاوم الطوارق الاستعمار الفرنسي ببسالة واشتهر قتل الفرنسيين عام 1916 لرئيسهم الأمنوكال (الشيخ) فهرون قائد أولدمن (كل أترام).
ومنذ استقلال الدول التي يوجد بها الطوارق وعلاقتهم بالأنظمة المتعاقبة غير ودية خاصة مع مالي والنيجر.
كان أول تحرك سياسي للطوارق سنة 1963 مطالبين بحقوقهم السياسية في مالي، إلا أن حكومة الرئيس السابق مودبو كيتا قمعتهم بشدة وزجت بأغلب نشطائهم في السجون.
ومع بداية تسعينيات القرن الماضي نشطت حركات مسلحة طارقية في مالي والنيجر، وقامت الجزائر بوساطة بين مالي والمسلحين فقد تم توقيع اتفاق سلام بتمنراست في يناير/ كانون الثاني 1991، وهو اتفاق لم يحترمه الطرفان المتنازعان في الغالب. وقد تزايد العنف بين الجيش المالي وحركة التمرد مما دفع الآلاف من الأسر للجوء إلى موريتانيا والجزائر وبوركينا فاسو.
وقد عرف طوارق النيجر هجرة واسعة إلى ليبيا في عهد الرئيس السابق سيني كونتشي، وبعد موته سنة 1987 حاول خلفه الرئيس علي سيبو أن يتصالح مع المعارضة الطارقية في ليبيا، غير أن مواجهات دامية بين الطوارق والجيش النيجري اشتعلت بعد القمع الساحق الذي تعرض له الثوار على أيدي الدرك النيجري.
ورغم رعاية الجزائر وبوركينا فاسو لعدة اتفاقيات سلام بين المسلحين وكل من مالي والنيجر، لم يصل الوضع بعد إلى حد السلام والوئام، فلا الطوارق حصلوا على حكم ذاتي فضلا عن الانفصال، ولا مالي والنيجر
استطاعتا السيطرة على مناطق الطوارق الواسعة الأرجاء الصعبة المسالك.