ثقافة التسامح عند المسلمين
من أشد الأمور خطرا، والتيتهدد المجتمعات بالتمزق والتعادي، بل قد تفضي إلى إشتعال الحروب بين المجتمعاتبعضها وبعض، بل بين أبناء المجتمع الواحد، والوطن الواحد: التعصب
انغلاق المرءعلى عقيدته أو فكره، واعتبار الآخرين جميعاً خصومه وأعداءه، وتوجس الشر منهم،وإضمار السوء لهم، وإشاعة جو من العنف والكراهية لهم، مما يفقد الناس العيش في أمانواطمئنان. والأمن نعمة من أعظم نعم الله على الإنسان، لهذا امتن الله على قريشفقال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍوَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش:4،3).
واعتبر القرآن الجنة دار أمن كامل: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ} (الحجر
انغلاق المرء على عقيدته أوفكره، واعتبار الآخرين جميعاً خصومه وأعداءه، وتوجس الشر منهم، وإضمار السوء لهم،وإشاعة جو من العنف والكراهية لهم، مما يفقد الناس العيش في أمان واطمئنان. والأمننعمة من أعظم نعم الله على الإنسان، لهذا امتن الله على قريش فقال: {فَلْيَعْبُدُوارَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش:4،3). واعتبر القرآن الجنة دار أمن كامل: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ} (الحجر:46).واعتبر شر ما تصاب به المجتمعات: الجوع والخوف، فقالتعالى:
{فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوايَصْنَعُونَ} (النحل:112)
ومن الناس من يتصور أنالإيمان الديني ملازم للتعصب لا يفارقه لا محالة.
لأن المؤمن بدينة يعتقد أنهعلى الحق، وما عداه على الباطل،
وهذه التصورات للآخرين: تنشئ العداوة والبغضاءبين الناس بعضهم وبعض، وكثيراً ما تؤدي إلى حروب دموية بين الطوائف والشعوبالمختلفة دينياً
ومصادر ثقافة التسامح لدي المسلم كثيرة وأصيلة.
وأعظمها بلاريب هو: القرآن الكريم؛ الذي أسس أصول التسامح، ورسخها في سوره المكية والمدنية،بأساليبه البيانية المعجزة، التي تخاطب الكيان الإنساني كله، فتقنع العقل، وتمتعالعاطفة، وتحرك الإرادة.
أن الدعائم الشرعيةوالمنطقية التي سنعتمد عليها في الدعوة إلى التسامح وإشاعته وتثبيته: مستمدة منالقرآن أساساً
ومن مصادر ثقافة التسامح لدى المسلم: الواقع التاريخي لأنالإسلام، بهذا التاريخ قام على التسامح مع المخالفين،
إقرار التعددية
الركيزةالأولى وهى: اقرار ظاهرة التعددية، أو التنوع، وأنها ظاهرة طبيعية، وسنة كونية، كمايؤمن المسلم بوحدانية الخالق، يؤمن بتعددية الخلق في مجالات شتى.
الاختلاف واقع بمشيئة اللهتعالى
والركيزة الثانية: أن اختلاف الدين واقع بمشيئة الله تعالى، المرتبطةبحكمته سبحانه، فلا يشاء إلا ما كان فيه حكمة، لأن من أسمائه (الحكيم) فهو لا يخلقشيئاَ باطلا، ولا يشرع شيئاً عبثاً
وقد أعلن القرآن أن هذا الختلاف الديني واقعبمشيئة الله عز وجل كما قال:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِكُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس:99) وقال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَاتَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (الأنعام:35)
حساب المختلفين إلى يومالقيامة
والركيزة الثالثة: أن حساب المختلفين في دياناتهم ومذاهبهمواتجاهاتهم الدينية والأخلاقية التي نشأوا عليها، ليس إلينا، ولكن إلى خالق الجميع،إلى الله وحده وليس في هذه الدنيا، ولكن في الدار الآخرة، يوم القيامة. وهذا ماقرره القرآن في مواضع شتى. يقول تعالى مخاطبا رسوله:
{وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الحج:68،69
اعتبار البشرية كلها أسرةواحدة
والركيزة الرابعة: أن الإسلام ينظر إلى البشرية كلها – أيا كانتأجناسها وألوانها ولغاتها وأقاليمها وطبقاتها- بوصفها أسرة واحدة، تنتمي من جهةالخلق إلى رب واحد، ومن جهة النسب إلى أب واحد، وهذا ما نادى به القرآن الناس؛ كلالناس، فقال:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْمِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاًكَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1
البر والقسطللمسالمين من غير المسلمين
إذا أردنا أن نجمل تعليماتالإسلام في معاملة المخالفين له - في ضوء ما يحل وما يحرم- فحسبنا آيتان من كتابالله، جديرتان أن تكونا دستورا جامعا في هذا الشأن. وهما قوله تعالى: {لايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْيُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّاللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَقَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىإِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُالظَّالِمُونَ } سورة الممتحنة:8 ،9
العداوات بين الناس ليستأمرا دائما
والركيزة السابعة، التي قررها الإسلام، وعلّمها للمسلمين، وغرسها فيعقولهم وضمائرهم: أن الناس قد يعادي بعضهم بعضا، لأسباب مختلفة، دينية أو دنيوية،ولكن هذه العداوات – على حق كان أو على باطل- لا تدوم أبد الدهر، فالقلوب تتغير،والأحوال تتبدل، وعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، وبعيد اليوم قد يصبح قريب الغد،وهذه قاعدة مهمة في علاقات الناس بعضهم ببعض، فلا ينبغي أن يسرفوا في العداوة، حتىلا يبقوا للصلح موضعا، وهذا ما نبه إليه القرآن بوضوح بعد نهيه عن موالاة أعداءالله وأعداء المسلمين في أول سورة الممتحنة، وضرب مثلا بصلابة إبراهيم والذين معهإذ قالوا لقومهم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِاللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُوَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }(الممتحنة:4). بعدهذا قال تعالى:
{عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَعَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌرَّحِيمٌ}(الممتحنة:7