مقدمة :
عصف الضعف بدولة الموحدين إثر الهزيمة العسكرية الكبيرة التي لحقت بجيوشها في موقعة حصن العقاب بالأندلس ( 1212 م ) ونتج عن ذلك تفكك في أوصالها وزوال نفوذها وبرزت على أنقاضها ثلاث دويلات مستقلة انفرد حكمها الولاة الذين كانوا يعملون في خدمة الموحدين بها وهي: - الدولة الحفصية : التي استقلت بتونس وطرابلس والشرق الجزائري..
- الدولة الزيانية : التي انحصر نفوذها في القسم الأوسط والغربي من الجزائر. - الدولة المرينية : التي فرضت سلطانها على المغرب الأقصى
لقد نتج عن هذا الواقع الجديد أوضاعا عامة فرضت نفسها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب العربي إبان الفترة الممتدة بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين كانت على النحو الآتي :
أ – من الناحية الاقتصادية : استمر الازدهار الاقتصادي الذي يعود الفضل فيه إلى تنظيمات الموحدين قائما ومما ساعد على بقائه وتطوره مجيء مهاجري الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي ، مما أدى إلى ازدهار الحرف ، وتوسع المبادلات التجارية ، ونشوء بعض المدن الجديدة وتضخم بعض المدن القديمة : تطوان - تلمسان - قسنطينة - المدية - بجاية - الجزائر - تونس... بالسكان .
ب - من الناحية الاجتماعية والثقافية : انتقل مركز الإشعاع الفكري في عهد الدولة الزيانية من بجاية إلى تلمسان فأصبحت هذه الأخيرة تضاهي في مكانتها العلمية، القاهرة وبغداد وقرطبة لما احتوته مكتبتها من مؤلفات في علوم الفقه والفلك والحساب والجبر والهندسة ، والأدب ، وقد اشتهر من علماء هذه الفترة : محمد السنوسي في الجبر ، وابن الفحام في الهندسة المعمارية ، وعبد الرحمن الثعالبي في التفسير القرآني.......
ج / من الناحية السياسية : فقد المغرب العربي وحدته السياسية التي عاش في ظلها قويا مهابا زهاء قرن ونصف ، خلال العهد الموحدين وتحول إلى دويلات متنافرة ، استحكم العداء فيما بينها ، بسبب الحروب المحلية التي كانت الأطماع التوسعية لكل دولة وراء اندلاعها ، مما سهل على الغزاة ( البرتغاليين والاسبان ) تحيقيق أهدافهم الاستعمارية. ففي الوقت الذي كانت فيه دويلات المغرب العربي يعيش عصر الكيانات السياسية المستقلة ، ذات العلاقات المضطربة ، كانت أوروبا قد تدخلت عصر تاريخي حاسم ألا و هو عصر النهضة الذي غير وجه الحياة الأوروبية .إن كانت مظاهر هذه النهضة أدبية في إيطاليا ، وإصلاحية في ألمانيا فإنها اتخذت في كل من اسبانيا والبرتغال طابع الاكتشافات الجغرافية التي تحولت فيما بعد إلى حركة استعمارية تبشيرية عانى منها المغرب العربي زمنا طويلا ، وكانت عاملا من عوامل اندلاع حرب صليبية جديدة ، وظهور العثمانيين في المغرب العربي.
المغرب العربي قبل الوجود العثماني:
تعرض المغرب العربي مع بداية القرن السادس عشر الميلادي إلى اعتداءات صليبية استعمارية ، وكان لإسبانيا اليد الدور الكبير في شنها. وكرد فعل ايجابي على هذا العدوان ظهرت حركة جهاد بحري جريء استهدفت نقل مهاجري الأندلس المسلمين إلى بلاد المغرب العربي ، والتصدي لغارات القراصنة الأوروبيين.
وقد اشتهر من بين مجاهدي هذه الحركة البحاران العثمانيان عروج و شقيقه خير الدين اللذان ذاع صيتهما في البحر المتوسط كقوة مضادة للقرصنة الأوروبية.
وهذا ما دفع المدن المغربية التي اجتاحها الغزو الاسباني إلى الاستنجاد بهذه القوة الجديدة التي لم تتردد في تقديم مساعدتها لكل مسلم يطلبها. *ففي عام 1510 هبت سفن المجاهدين بقيادة عروج وخير الدين إلى بجاية لمؤازرة سكانها في التخلص من العدو الاسباني. *في عام 1514 تمكن الأخوين ومن معهم من المجاهدين البحارة من النزول في جيجل و طرد الجنويين نهائيا منها. *اتخذها المجاهدون مدينة جيجل مركزا لأسطولهم الحربي. وسرعان ما واجهت مدينة الجزائر التهديد الاسباني لاحتلالها ، سارع سكانها إلى الاستنجاد بالأخوين عروج وخير الدين لدفع الخطر المحدق بمدينتهم ، فاستجابا لهم ونزلا بأسطولهما في الميناء حيث ساهمت قواتهما مع الجزائريين في صد الحملة الاسبانية سنة 1516. حذت مدينة تلمسان حذو مدينة الجزائر حين طلبت العون من عروج ورفاقه لتخليصها من التبعية الاسبانية ، فدخلها جيش عروج بمساعدة أهالي المدينة وطردوا سلطانها المتعاون مع الاسبان أبو حمو الثالث ولكن عروج استشهد بعد أن أعاد الاسبان هجومهم على تلمسان في عام 1517 برفقة السلطان المخلوع.
نرى أن ظهور عروج وخير الدين في الجزائر كان مرتبطا بمرحلة الاضطرابات التي عاشتها الجزائر خلال فترة الاعتداءات الاسبانية بهدف احتلال المنطقة .
ارتباط الجزائر بالدولة العثمانية :
بعد صد الحملة الاسبانية الثانية التي استهدفت احتلال مدينة الجزائر عام 1518 استطاع خير الدين إقناع أغلب الجزائريين بأهمية انضمام بلادهم إلى السلطة العثمانية ، وقد كان يهدف من وراء ذلك إلى: 1/ تدعيم قوته العسكرية وخاصة بعد استشهاد أخيه عروج أثناء الدفاع عن تلمسان 2/ إكساب حكمه للجزائر الصفة الشرعية حين يكون ممثلا للسلطان بها 3/ مواجهة المتآمرين عليه من الحفصيين 4/ التصدي للأمراء الزيانيين المحرضين من الاسبان. 5/ إحساس الجزائريين باستمرار الخطر الاسباني وعجز الحكام المحليين عن دفعه 6/ التشابه العقائدي بينهم وبين العثمانيين: الدين الإسلامي كان للدين الإسلامي أكبر الأثر في تقبل الجزائريين لفكرة الانضمام إلى الدولة العثمانية التي وافقت على ذلك وكان لهم ما أرادوا رسميا عام 1518
مراحل الحكم العثماني في الجزائر :
دام الحكم التركي بالجزائر أكثر من ثلاثة قرون 1518 - 1830 ويمكن تقسيمه حسب المراحل التي مر بها إلى.
أ - عصر البيلربايات : 1518 - 1588 :
بدأت هذه الفترة منذ أن أسند السلطان سليم الأول إلى خير الدين أمر حكم الجزائر رسيا عام 1518 مانحا إياه لقب بيلرباي أي( أمير الأمراء ) وأهم ما ميز مرحلة البيلربايات في الجزائر : 1/ مواصلة الجهاد ضد العدو الاسباني 2/ نجاح الجيش الجزائري عام 1530 في إخراج الأسبان من حصن البينيون الذي بنوه في المكان المعروف اليوم باسم برج الفنار 3/ صد الحملة الاسبانية الثالثة على مدينة الجزائر عام 1541 من بقيادة الإمبراطور شارلكمان. 4/ تحرير بجاية نهائيا في عهد البيلرباي صالح ريس في عام 1555من الاسبان 5/ إنهاء الوجود الاسباني في تونس على عهد البيلرباي علج علي عام 1574 .
ملاحظة : تمثل مرحلة البيربايات أزهى عصور الحكم العثماني للجزائر من الناحيتين الاقتصادية والعمرانية حيث لعب مهاجرو الأندلس دورا كبيرا في نقل كثير من المظاهر الحضارية التي عاشوها في الأندلس إلى الجزائر.
ب - عصر الباشاوات : 1588 - 1659 :
بعد أن لمست الدولة العثمانية ضعف الارتباط بينها وبين ولاتها على الجزائر في أواخر عهد البيلربايات ، عمدت إلى إجراء تعديلات إدارية فيما يتعلق بنظام الولاية على الجزائر بحيث حددت مدتها بثلاثة أعوام .
واستبدلت لقب البيلرباي بلقب الباشا و كان دالي أحمد أول من حمل لقب باشا في ايالة الجزائر ، ونظرا لقصر المدة التي كان يقضيها الباشا في ولايته والتي لا تزيد عن ثلاثة سنوات ، انصرف كل باشا إلى الاهتمام بمصالحه الشخصية ، وجمع الأموال دون أن يعبأ بمشاكل الشعب وأحواله .وهذا ما جعل الشعب الجزائري يؤيد ويناصر الطبقة العسكرية الانكشارية أثناء صراعها على السلطة مع الباشاوات. أما أهم الأحداث التي ميزت هذه المرحلة فكانت :
1/ تعرض الجزائر لحملة اسبانية رابعة على عهد الباشا سليمان سنة 1601 . 2/ اشتداد التنافس بين فرنسا وبريطانيا وهولندا من أجل الحصول على امتيازات استثمار المرجان عبر السواحل الجزائرية 3/ سعي فرنسا وبريطانيا وهولندة للحصول على حق إقامة القواعد العسكرية لحماية سفنهم التجارية في الجزائر.
ج - عصر الأغوات : 1659 - 1671 :
تمثل هذه الفترة القصيرة غياب السيادة العثمانية الفعلية ، بحيث أصبح الديوان الذي يتألف من كبار ضباط الانكشارية هو الذي يقوم بانتخاب الآغا المنتدب للحكم ، بعدما كان الحاكم يعين من قبل السلطان العثماني خلال مرحلتي البيلربايات والباشاوات . وأبرز ما نتج وانجر عن هذا الأسلوب الجديد في نظام الولاية : 1/ تنافس الضباط فيما بينهم للوصول إلى الحكم 2/ قيام تكتلات عسكرية داخل الفرق الانكشارية عادت على البلاد بفقدان الأمن ، 3/ ضعف الهيبة العسكرية للجزائر أمام الأعداء 4/ تأييد السلطان العثماني والشعب الجزائري قادة القوى البحرية الرياس أثناء صراعهم مع الآغوات قادة القوى البرية الانكشارية 5/ استياء السلطان من قطع الأغوات لكل صلة بالأستانة 6/ تذمر الشعب الجزائري من تفشي الفساد والفوضى إبان حكم الأغوات.
. د - عصر الدايات : 1671 - 1830 :
يمثل هذا العصر عودة النفوذ والسلطة إلى رجال البحرية الرياس وكان الداي ينتخب من بين أعضاء الديوان لمدى الحياة ، وبعدها تؤخذ موافقة السلطان على تسميته دايا. وبينما التزم الدايات في بداية الأمر بتعميق الارتباط مع الدولة العثمانية
فإن المتأخرين منهم قد تخلوا عن هذه السياسة ولم يبق للسلطان غير السيادة الاسمية
وأصبح الداي : 1/ يعلن الحرب 2/ يتولى عقد الاتفاقيات الدولية 3/ يستقبل البعثات الدبلوماسية . ملاحظة: هذا الوضع لا يعني انقطاع كل تعاون أو تعاطف بين الجزائر والدولة العثمانية ، ففي حالة الحرب كانت الجيوش الجزائرية تشترك مع الجيوش العثمانية في عملياتها الحربية . وقد اتضح ذلك من خلال اشتراك الأسطول الجزائري مع الأسطول العثماني في موقعة نافرين 1827.
ملاحظة:
ظهرت معالم الدولة الجزائرية ككيان مستقل رسميا عن الدولة العثمانية في عصر الدايات وذلك من خلال :
1/ ظهور الراية الخاصة بها 2/ إبرام المعاهدات مع الدول الأوربية 3/ استقبال السفراء 4/ صك عملة محلية 5/ إصدار أختام خاصة بها 6/ إعلان الحروب دون الرجوع إلى السلطان 7/ عقد الصفقات التجارية 8/ إنشاء أسطول بحري قوي 9/ فرض الأتوات
......./..........