من اساليب الارشاد : العلاج بالواقع
انتشر
العلاج بالواقع بصورة سريعة بين المرشدين في منتصف الستينات واستخدم في
الإرشاد الفردي والجماعي في المؤسسات والمدارس 0 والعلاج بالواقع هو أحد
الاتجاهات الجديدة في الإرشاد والعلاج النفسي ، وهو اتجاه يعتمد على
الإدراك والتفكير ، ويربط ما بين الاضطراب العقلي والسلوك اللامسؤول 0 حيث
يقول صاحب النظرية ( وليام جلاسر ) : " إن السلوك اللامسؤول هو سلوك
انهزامي يستدعي إيذاء الذات وإيذاء الآخرين " 0 وتركز هذه النظرية على فكرة
أن الإنسان كائن عقلاني ومسؤول شخصيا عن سلوكياته 0 وعندما كان ( جلاسر)
يعمل في التعليم كمرشد في الستينات ، طبق مفاهيمه الأساسية للعلاج بالواقع
على وسائل التعليم والتعلم 0
• التعريف بصاحب النظرية :
صاحب
النظرية هو ( وليام جلاسر ) ، ولد في عام 1925 ، في مدينة كليفيلاند ، في
ولاية أوهايو ، بالولايات المتحدة الأمريكية 0 حصل على البكالوريوس في
الهندسة الكيماوية ، وعلى درجتي الماجستير والدكتوراه في علم النفس
الإكلينيكي من جامعة Case Western Reserve ، في كليفيلاند ، ثم انتقل إلى
جامعة UCLA ، ليقوم بأبحاثه في الطب النفسي 0 وفي آخر سنة من بحثه قضاها في
مستشفى إدارة الأطباء المتخصصين في لوس انجلوس وجد أن مريضين قد تخرجا في
سنة واحدة ، وهي نسبة ضئيلة جدا ، مما أدى إلى اعتراضه على برنامج العلاج
النفسي التقليدي المتبع ، وتكوين آرائه الخاصة حول العلاج الواقعي 0 وقد
انتقل عام 1957 إلى كاليفورنيا كرئيس الأطباء النفسيين في مركز للفتيات
الجانحات ، وكانت فرصة له لتنفيذ أفكاره حول طريقة العلاج الواقعي 0 وقد
لاقت أفكاره نجاحا كبيرا ، إذ كانت النتائج مذهلة ، وغير متوقعة ، حيث
أصبحت نسبة التخريج 100% تقريبا خلال أربع سنوات0 وفي عام 1961 نشر ( جلاسر
) الأشكال الأولى للعلاج الواقعي في كتاب ( الصدمة العقلية والمرض العقلي )
، ثم نقحت المفاهيم الواردة في هذا الكتاب ووسعت ، ثم أعيد طبعها في كتاب (
المعالجة الواقعية ) وذلك في عام 1965 0 وفي عام 1990منحته جامعة سان
فرانسيسكو الدكتوراه الفخرية ، وذلك لإسهاماته 0 وفي عام 2003 نال جائزة
(ACA) وهي جائزة على مستوى الدولة وتقدم للإسهام العلمي في التطوير المهني ،
وذلك نظير إنجازاته في مجال العلاج النفسي 0
• النظرة للإنسان كما تراه نظرية العلاج بالواقع :
يرى
( جلاسر ) أن التعليم السائد يركز على الذاكرة ، وعلى المعرفة بالحقائق ،
بينما يقللون من استخدام أساليب حل المشكلات ، والتفكير النقّاد 0 وذلك
يعود لثقة ( جلاسر ) بشكل كبير في قدرة الطلاب على تحديد ملائمة خبرتهم
التعليمية ، والمساعدة في اتخاذ قرارات جديدة ، كما يرى أن المعلم يسهل
العملية التعليمية 0 وبهذا يرى أن كل شخص قادر على توجيه حياته وبوسع الناس
إذا اعتمدوا على قراراتهم أكثر من اعتمادهم على مواقفهم أن يحيوا حياة
مسؤولة وناجحة 0 ويلخص ( جلاسر ) قوله بالنظرة الإيجابية للناس ، فيقول : "
إننا نعتقد أن كل فرد لديه قوة للصحة وللنمو ، وأن الناس في الأساس يريدون
أن يكونوا مسرورين ، وأن يحققوا هوية نجاح ، وأن يظهروا سلوكا مسؤولا ،
وأن تكون لديهم علاقات شخصية ذات معنى " 0 ( الشناوي ، 1989 ) 0
• المفاهيم الأساسية للنظرية :
تعرف هذه النظرية بـــ (3R) ، وسأفسر سبب تسميتها بهذا الاسم بعد أن يتم تناول مفاهيم النظرية ، وهي كما يلي :
1ـ
الواقع Reality : وهو عبارة عن الخبرات الواقعية الشعورية في الحاضر ،
بعيدا عن المثالية أو الخيال ، أو الأحلام 0 وأن الفرد السوي هو الذي يتقبل
الواقع الذي يعيشه ، بغض النظر عن الظروف المصاحبة 0 وأن إنكار الواقع ــ
جزئيا أو كليا ــ يسبب اضطرابا في السلوك 0 ويرى ( جلاسر ) أن من أهداف
نظريته هو تدعيم الواقع لدى العميل أو المسترشد0
2ـ المسؤولية
Responsibility : وهي مسؤولية الفرد عن إشباع حاجاته 0 وتتمثل هذه الحاجات ،
في الحاجات الفسيولوجية ، مثل : الحاجة إلى الأمن ، والحاجة إلى الحب ،
والحاجة إلى الاحترام ، والحاجة إلى تقدير الذات 0 والإنسان السوي هو الذي
يكون مسؤولا عن إشباع حاجاته ، ويكون مسؤولا عن سلوكه ونتائجه 0 وأن السلوك
غير المسؤول ، ونقص القدرة على إشباع الحاجات الأساسية يسبب اضطراب السلوك
0
3ـ الصواب والخطأ Right & Wrong : أي قدرة الإنسان على فعل
الصواب ، وتجنب الخطأ ، وذلك حسب ما يمليه عليه الدين ، والقوانين ،
والأعراف السائدة في كل مجتمع 0 وهو سلوك معياري ، متى ما احترمه الفرد حقق
له حياة اجتماعية ناجحة ، والعكس بالعكس0 ومن خلال العناصر الثلاثة
السابقة ، سميت هذه النظرية بــ (3R) ، وهي : Reality + Responsibility+
Right 0
4ـ السلوك Behavior : حيث يرى ( جلاسر ) أن التركيز يجب أن يكون
منصبا على السلوك ، أكثر من العواطف ، لأن السلوك هو الذي يمكن تغييره 0
فالعلاج الواقعي ، يعتقد أنه من السهل أن يضبط العملاء ، أو المسترشدين
سلوكهم ، من أن يضبطوا مشاعرهم وعواطفهم 0
5ـ الاضطرابات Disorders :
يقول ( جلاسر ) إن الاضطرابات تنشأ عند الشخص في حال فشل في تحقيق حاجاته
كلها ، أو بعض منها مما يشكل له معاناة قد يخفيها ، وقد يظهرها 0 ودور
الإرشاد هنا هو الكشف عن هذه المشكلات ، ومن ثم مساعدة المسترشد على إيجاد
حل لها 0
وقد حدد ( جلاسر ) أسباب اضطراب السلوك ، وهي :
1ـ نقص إشباع الحاجات للفرد ، أو فشله في إشباعها 0
2ـ ارتفاع المعايير الأخلاقية للمريض بدرجة غير واقعية 0
3ـ فشل الفرد في القيام بدوره الاجتماعي الموكل إليه 0
4ـ ضعف أو انعدام المسؤولية لدى الفرد ( اللامبالاة ) 0
5ـ إنكار الواقع ، أو فقدان الاتصال بالواقع 0
• تطبيقات النظرية :
تتلخص أهم إجراءات عملية الإرشاد بالواقع فيما يلي :
1ـ
إقامة علاقة إرشادية : وأساسها المشاركة ، والاندماج ، والاهتمام ، وكسب
ثقة العميل ، ومصادقته 0 وهذا يتطلب المودة ، والدفء ، والتقبل ، والصبر ،
في مناخ يسوده الفكاهة ، وإحياء الأمل عند العميل ، وتشجيع العميل على
التعبير حول حاجاته التي لم يشبعها 0
2ـ دراسة السلوك الحاضر : ويكون
التركيز على السلوك الحالي للعميل ( هنا والآن ) ، وخاصة السلوك غير
الواقعي ، وعدم التركيز على الماضي ، مع نظرة مستقبلية تتيح فرصة وضع خطة
أفضل للمستقبل 0
3ـ تقييم السلوك الحاضر : أي مواجهة ما هو موجود في
الواقع ، وتقييم السلوك الحالي ومدى مسايرته للواقع ، ومدى إشباعه للحاجات ،
ومدى مسايرته للمعايير الاجتماعية 0 ويقوم بذلك العميل ، ولا يصدر المرشد
أحكاما ، بل يساعد العميل على إصدار أحكام واقعية 0
4ـ التخطيط للسلوك
الواقعي المسؤول الصائب : أي وضع خطة تتضمن تحديد احتمالات ، وبدائل السلوك
الواقعي ، المسؤول ، الصائب ، المشبع للحاجات 0 ويجب أن تكون الخطة محددة
وواضحة ، ومنطقية ، وقابلة للتنفيذ 0
5ـ التعاقد على الالتزام بالخطة :
وهنا يتم التعاقد بين الطرفين على الالتزام بالخطة الموضوعة التي تؤكد
التزام العميل بتحمل المسؤولية ، لتغيير سلوكه إلى سلوك صائب ، لإشباع
حاجاته في ضوء الواقع 0
6ـ تقييم جدية الالتزام : وهنا يتم تقييم جدية
الالتزام بالخطة ، وتقييم النتائج السلوكية لتنفيذ الالتزام 0 وعلى العميل
أن لا يقدم الأعذار التي تعفيه من مسؤولية تنفيذ الاحترام 0 وعلى المرشد أن
لا يتقبل الأعذار 0
7ـ تعليم وتعلم السلوك الملتزم : ويتضمن ذلك إتاحة
الخبرات ، وتقديم المعلومات 0 وهنا يتم تعزيز السلوك الملتزم ، وتعزيزه ،
وتدعيمه ، وتصحيح الذات عند ارتكاب الأخطاء 0
8ـ المثابرة حتى يتحقق
الهدف : يحب المثابرة ، وعدم الاستسلام من جانب الطرفين ، حتى يتحقق الهدف 0
وحتى إذا فشلت الخطة ، وجبت المحاولات مرات عديدة 0
• نقد النظرية :
نظرية العلاج بالواقع لوليام جلاسر فيها من القوة والضعف ، وفي البداية سأذكر جوانب القوة التي تتميز بها نظرية العلاج بالواقع 0
أولا ـ جوانب القوة :
1ـ نظرية العلاج بالواقع ، نظرية سهلة التطبيق ، وتتصف بالمرونة التي تلائم المرشد ، والمسترشد على السواء 0
2ـ يكون الإرشاد فيها متمركزا حول المسترشد ، ودور المرشد هنا مساعد 0
3ـ
نظرية العلاج بالواقع لا تنظر إلى ماضي العميل أو المسترشد ، لأن الماضي
لا يمكن تغييره في ضوء هذه النظرية 0 وهي في هذه النقطة تخالف نظرية
التحليل النفسي التي تهتم بماضي العميل 0
4ـ تتصف نظرية العلاج بالواقع بالجدية في إجراءات تطبيقها مع زرع ثقة العميل بنفسه ، لكي يقوم هو بحل مشكلاته 0
5ـ نظرية العلاج بالواقع ، صالحة كجانب وقائي ، وعلاجي على حد سواء 0
6ـ اعتمادها بصورة رئيسية على المعرفة والحقيقة في الإرشاد 0
7ـ يمكن استخدامها في عدد من الجلسات ومع أعداد مختلفة من الأفراد ، أي في الإرشاد الجمعي 0
8ـ يمكن استخدامها مع جماعات صغيرة أو كبيرة ، كما هو الحال في غرفة الفصل الدراسي 0
9ـ يمكن استخدامها في حل المشاكل التعليمية ابتداء من الروضة ، وحتى المدارس الثانوية 0
10ـ يمكن استخدامها من قبل الآباء والمعلمين خلال وقت قصير وبفاعلية 0
11ـ
تعتبر فعالة في معالجة الأفراد الذين صنفوا على أنهم يصعب التعامل معهم ،
مثل : الجنوح ، والمنحرفين ، والفصاميين ، والمكتئبين ، والمدمنين على
المخدرات ، والصراعات الزوجية ، والذهان ، وفي حالات التوتر 0
ثانيا ـ جوانب الضعف في نظرية العلاج بالواقع :
1ـ
صعوبة استخدام العلاج بالواقع مع بعض حالات التخلف العقلي ، وحالات
الاجترارية الذاتية في الأطفال Autism ، وكذلك مع حالات الأمراض الذهانية ،
وحيث توجد اضطرابات في الجوانب المعرفية 0
2ـ تركز نظرية العلاج
بالواقع على السلوك وتقلل أهمية المشاعر وترى أن السلوك هو الأهم في
الاهتمام وفي التغيير ، وهذا التركيز يتعارض مع رؤية نظريات نفسية أخرى 0
3ـ لا توجد أساليب محددة يستند إليها المرشد في محاولاته لتغيير السلوك بخلاف مساعدة المسترشد على الوفاء بخطة التغيير 0
4ـ
التعارض الذي تشتمل عليه النظرية بين الدور الذي تلعبه المسؤولية ، والدور
الذي يلعبه الاندماج في تكوين هوية النجاح ، أو تكوين هوية الفشل 0 فعلى
حين ترى أن الاندماج شرط مبدئي للوفاء بالحاجات ، فإنها تقرر أن الفرد لديه
القدرة على الوفاء بحاجاته بمسؤولية ، ودون شروط مسبقة 0
5ـ ترى
النظرية أنه يمكن توجيه النقد من جانب المسترشد للمرشد ، وإمكانية أن يطرح
المرشد مشكلاته على المسترشد لا يتسق مع ما تفرضه معظم النظريات من وجود
حدود مهنية بين المرشد والمسترشد ، وضرورة أن تكون العلاقة مهنية 0
6ـ
ما أشار إليه ( جلاسر ) على أنه صحيح أو الحق ، لم يحدد لنا معياره ، وإنما
تركه للمعايير الأخلاقية التي يراها المرشد ، ولاستبصارات المسترشد
بمعايير المجتمع 0 وبهذا فإنها يمكن أن تشتمل على جوانب ذاتية للمرشد قد لا
تكون هي الصحيح دائما 0
7ـ المدى الواسع الذي يقرره ( جلاسر) لإمكانيات
طريقته في العمل مع عديد من الحالات 0 بينما نجد أن الاستخدامات الحقيقية
للإرشاد بالواقع ، أو العلاج بالواقع لا تخرج عن إطار المدارس والمؤسسات
الإصلاحية والتعليمية بصفة خاصة 0
8ـ إن ترك الحكم على السلوك للمسترشد
وحده قد يستغرق وقتا طويلا ، وربما لا يحدث إطلاقا إذا كانت هناك مشكلات
معرفية ( عقلية ) لدى هذا الشخص