معنى الفلسفة والمذاهب
كثر الحديث في الاونة الاخيرة عن الفلسفة ومعناها ، وتعريفها وفي ما تبحث ،
وهل هناك تعريف جامع مانع للفلسفة ؟ وهل الحاجة اليها ضرورية ام انها
اصبحت غير ذات معنى مع تطور العلم وتشعب ميادينه ؟ وغيرها من الاسئلة التي
تحاول النفس الانسانية سبر اغوارها والبحث في معانيها ؟ ..
بداية نقول ان التعاريف التي وضعت للفلسفة ، ونحن نجدها كثيرة في كتب
الفلسفة والفلاسفة ، منذ اول ناطق بها الى يومنا هذا . تكاد تحتل مكان
الصدارة من حيث الكثرة اذا ماقارناها بسائر العلوم والمعارف الاخرى .
فمن حيث اللغة فان كلمة فلسفة ترجع الى الكلمة اليونانية الاصل (فيلوسوفيا )
، والتي هي مركبة من جئرءين هما ( فيلو) بمعنى (محبة ) ( وسوفيا ) بمعنى (
الحكمة ) ، وعليه تدل كلمة الفلسفة من الناحية الاشتقاقية على محبة الحكمة
وايثارها ، وقد نقلها العرب الى العربية بهذا المعنى في عصر الترجمة . وفي
هذا المعنى يقول ابو نصر الفارابي ت 950 هـ اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل
على العربية ، وهو على مذهب لسانهم فيلوسوفيا ومعناه ايثار الحكمة او محبة
الحكمة ، والمؤثر للحكمة عند اليونان هو الذي يجعل كل حياته ، وغرضه من
عمره الحكمة .
وقد عرف الجرجاني الحكمة بانها العلم الذي يبحث فيه عن حقائق الاشياء على
ماهي عليه بقدر الطاقة البشرية ، فهي اذا علم نظري غير الي وقد اوصى الله
تبارك وتعالى الناس بالحكمة فقال :
(يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا
اولوا الالباب) صدق الله العظيم . " والحكمة ضالة المؤمن انى وجدها اخذها "
كما بين ووضح رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) .
هكذا كانت الفلسفة بمعنى الحكمة عند الاغريق وعند العرب ايضا اسمى الدراسات
واجلها . وكان فيثاغورس 572- 497 ق. م اول من وضع معنى محددا لكلمة
الفلسفة فقد نسب اليه انه قال " ان صفة الحكمة لاتصدق على اي كائن بشري
انما الحكمة لله وحده " لذلك وصف نفسه بانه ليس حكيما بل محبا للحكمة . وقد
ذكر سقراط 470 - 399 ق. م ذلك في محاورة فيدون فقال ان الحكمة لاتضاف الا
لله اما البشر فحسبهم محبتها .
الا ان افلاطون 428 - 348 ق . م هو الذي اسبغ على الفلسفة معنى فنيا محددا
حين وصف الفيلسوف بانه شخص يصب اهتمامه على الحقيقة وليس على المظهر ويعني
بادراك الوجود الماهوي للاشياء وطبيعتها ، ومن ذلك الحين اصبحت الفلسفة
باوسع معانيها تدل على محاولة تاملية ومعقولة لمعرفة خصائص وطبيعة الكون
بماهو كل .
هذا من حيث الكلمة واشتقاقاتها ، اما من حيث الاصل :
فقد نشات الفلسفة في ما يقول ارسطو 384 - 322 ق . م من الدهشة وحب
الاستطلاع ، فحين وجد الانسان نفسه حيال تغيرات كثيرة مطردة وقف منها
موقف المندهش الحائر ، وسعى الى معرفة اسبابها وخفاياها والوقوف على
اسرارها ليزيل عن نفسه الاندهاش ويذهب الشك والحيرة ، ويعيد الى نفسه
الاستقرار ، فطرح سؤالين مختلفين هما :
ما هي الاشياء ؟ وكيف تحدث الاشياء؟
وربما يقع الخطأ في ظن البعض عندما يعتقدون ان هذين السؤالين يعودان الى
اصل واحد ، لان السؤال الاول فلسفي بحت والثاني علمي بحت ، وقد نشات
الفلسفة عندما حاولت الاجابة على السؤال الاول ، ونشا العلم في محاوله منه
للاجابة على السؤال الثاني .
ومهما يكن من امر فقد نشات الفلسفة والعلم وكأنها موضوع واحد لاحدود ولا
فواصل بينهما ولاعجب ان ظل العلم غير متميز عن الفلسفة ولا الفلسفة عن
العلم طوال قرون متعددة.
والواقع ان العلوم الخاصة كالفيزياء والفلك والرياضيات وعلم النفس كلها
كانت منضوية تحت لواء الفلسفة ، ولعل هذا هو السر في ان الفلاسفة القدامى
كانوا علماء كذالك الى جانب كونهم فلاسفة ، فلقد كانت كتاباتهم تشتمل على
مباحث فلسفية واخرى علمية على حد سواء ، وكان كل واحد منهم من امثال
افلاطون وارسطو وابن سينا 980 n 1037 وابن رشد 1126- 1198 وتوما الاكويني
1225- 1274 وديكارت 1596- 1650 وغيرهم عالم رياضيات وعالم طبيعة الى جانب
كونه فيلسوفا . وهاهو ديكارت يقول : " ان الفلسفة اشبه بشجرة جذورها
الميتافيزيقا وجذعها الفيزياء وفروعها الطب والميكانيكا والاخلاق " .
وقد استمر اقتران العلوم بالفلسفة حتى القرن السابع عشر ، فمع البعد
الزمني الشاسع بين افلاطون وديكارت استمرت العلوم في عصر ديكارت تعد فروعا
من الفلسفة ، وهذا يرجع الى النهج الذي انتهجه رجال الفكر في الفلسفة
والعلوم والذي كان منهجا واحدا ويقوم على النظر العقلي للاشياء .
وبعد ذلك شهدت العصور الحديثة حركة انشقاق متوالية داخل الفلسفة ، وذلك حين
ادخلت طريقة الملاحظة التجريبية والفرضية والتحقق في مجال العلوم ،
فانفصل عن الفلسفة اول ما انفصل علم الفيزياء على يد كل من غاليلو
1564-1642 ونيوتن 1642-1727 وبعدها انفصل علم الكيمياء على يد لافوازيه
1743- 1794 ، واستقل علم الاحياء على يد كلود برنار1813 -1878 وتبعها علم
النفس ثم علم الاجتماع وغيرها من العلوم .
وحين انفصلت العلوم عن الفلسفة ظن رجال الفكر وعلى رأسهم اوغست كونت
1798-1857ان الفلسفة اصبحت غير ذات موضوع لانه لاطائل تحتها ولافائدة منها ،
فقد غدت في نظر هؤلاء عقيمة لانها تبحث في ما لايمكن معرفته بحال من
الاحوال ، فتصور هؤلاء ان الفلسفة قد تراجعت وضعفت ولم تعد لها القدرة على
الاطلاع بما اوكل اليها من مهمات ، ولابد لها ان تتراجع امام العلوم
المتخصصة .
الا ان نظرة كهذه الى الفلسفة ، وان كان لها مايسوغها من بعض النواحي لم
تلق استجابة من رجال الفكر والفلسفة ، لذلك لم يتوقف هؤلاء وغيرهم عن
مواصلة التفلسف في المسائل الاساسية للوجود والاخلاق والمنطق والمصير
الانساني وغيرها ، بل اننا نجد على العكس من ذلك ان المسائل الفلسفية اخذت
تتعقد وتتفرع والبحوث الفلسفية تتزايد والصراعات الفكرية تحتدم وتشتد بين
الانظمة الاجتماعية المختلفة ، وهذا يعني على العكس مما يتصور البعض ، فان
للفلسفة فعالية ملازمة للانسان بوصفه كائنا عاقلا ، وانه لن يكف عن التفلسف
الا حين يتخلى عن انسانيته وعن عقلانيته .
اما حيث التعريف الاصطلاحي لكلمة ( فلسفة ) فانها وكما اسلفنا سابقا فهي
كثيرة ، ولعل التعريف المناسب للفلسفة هو الذي ذهب اليه بعض الفلاسفة من
انها المعرفة الناشئة عن العقل . وان هذا التعريف على اختصاره ، فانه جدير
بالاختيار .
وان جدارة هذا التعريف لاتعني ان هذا التعريف هو الوحيد للفلسفة وانه جامع
مانع لهذه الكلمة ، بل ان هناك الكثير من التعاريف نورد بعضا منها :
سقراط : الفلسفة هي البحث العقلي عن حقائق الاشياء التي تؤدي الى الخير .
افلاطون : الفلسفة : هي البحث عن حقائق الموجودات ونظامها الجميل لمعرفة المبدع الاول .
ديوجانيس : الفلسفة : علم السعادة في الحياة والعمل على تحقيقها .
الكندي : الفلسفة : هي علم الاشياء بحقائقها .
الفارابي : الفلسفة : العلم بالموجودات بما هي موجودة .
ابن رشد : الفلسفة : هي النظر بالموجودات من جهة دلالتها على الصانع .
جون لوك : الفلسفة : دراسة العقل البشري .
اذاً فالفلسفة : هي دراسة فكرية عميقة تبحث في الله والكون والانسان ، من
اجل الوصول الى حقائق الاشياء ، والوقوف على اسباب وجودها وهل بالامكان
النظر بالموجودات من حيث العقل ام من حيث الحواس ؟ ام كلاهما .
والمعروف ان جمهرة الفلاسفة على اتفاق في ان للفلسفة موضوعا تعالجه ومبحثا
تدرسه وتحاول البحث فيه ، وان طبيعة كل موضوع تبحث فيه الفلسفة هي التي
تحدد مناهج البحث فيه ، شانها في ذلك شان العلم الطبيعي الذي له موضوع
يترتب عليه منهج يلائم طبيعة الموضوع الذي يدرسه ، فمثلا اذا تحدد موضوع
الفلسفة الميتافيزيقية بالوجود اللامادي ، تحتم ان يكون منهج البحث فيه
عقليا استنباطيا ولايمكن ان يعالج هذا الموضوع بمناهج التجربة . واذا تحدد
موضوع العلم الطبيعي بالجزئيات المحسوسة كان الانسب لدراسة ذلك اصطناع
المنهج التجريبي .
ولكن الوضعيين قد انكروا هذا الموقف التقليدي وزعموا ان الفلسفة غير ذات
موضوع واستبعد اتباع الوضعية المنطقية الميتافيزيقا في مجال البحث على ان
قضاياها فارغة غير ذات معنى ، وعدوا ان الفلسفة منهج بغير موضوع ، وانها
مجرد طريقة لتحليل الالفاظ تحليلا منطقيا ، وهكذا انصرفت الفلسفات المعاصرة
عن دراسة الوجود المطلق المجرد والبحث في طبيعة المعرفة وتحديد مصادرها .
اما موضوع الفلسفة ومباحثها في وضعها التقليدي الشائع فقد شملت ثلاثة مباحث رئيسية هي :
1- الانطلوجيا او مبحث الوجود .
2- الابستمولوجيا او نظرية المعرفة.
3- الاكسيولوجيا او مبحث القيم .
الانطولوجيا او مبحث الوجود
ويشمل مبحث الوجود او الانطولوجيا ( Ontology ) النظر في طبيعة الوجود على
الاطلاق مجردا من كل تعيين او تحديد ، وبذلك يترك للعلوم الجزئية البحث في
الوجود من بعض نواحيه ، فالعلوم الطبيعية مثلا تبحث في الوجود من حيث هو
جسم متغير ، والعلوم الرياضية تبحث في الوجود من حيث هو كم او مقدار ، اما
البحث في الوجود من حيث هو وجود على الاطلاق فمن شأن مبحث الوجود او مابعد
الطبيعة عند القدماء . وبهذا تنصرف العلوم الجزئية في البحث في ظواهر
الوجود.
ويدخل ضمن مبحث الوجود البحث في خصائص الوجود عامة لوضع نظرية في طبيعة
العالم ، والنظر في ما اذا كانت الاحداث الكونية تقع على اساس قانون ثابت
او تقع مصادفة او اتفاقا ؟ وفي ما اذا كانت هذه الاحداث تظهر من تلقاء
نفسها ام تصدر عن علل ضرورية تجري وفق قوانين الحركة ؟
وفي ما اذا كان هناك اله وراء عالم الظواهر المتغير ؟ وكذلك يبحث في صفات
الله وعلاقته بمخلوقاته ، وفيما اذا كان الوجود ماديا صرفا او روحيا خالصا ،
او مزيجا منهما ؟ الى غير ذلك من ميادين الدراسات التي يدخل في مبحث
الوجود ، وقد وضعت هناك عشرات المذاهب والنظريات حلا لهذه المشكلة
الفلسفية.
مبحث الابستمولوجيا او نظرية المعرفة
اما مبحث الابستمولوجيا Epistemology او مايسمى بنظرية المعرفة فهي البحث
في امكان العلم بالوجود او العجز عن معرفته ، هل في وسع الانسان ان يدرك
الحقائق او ان يطمئن الى صدق ادراكه وصحة معلوماته ؟ ام ان قدرته على معرفة
الاشياء مثار للشك ؟
واذا كانت المعرفة البشرية ممكنة وليست موضعا للشك في حدود هذه المعرفة .
اهي احتمالية ترجيحية ام انها يقينية ؟ ثم ماهي منابع هذه المعرفة وحقيقتها
؟ وما علاقة الاشياء المدركة بالقوى التي تـــدركها؟
فهي اذن تبحث في اربع مسائل هـي:
1- اصل المعرفة البشـــرية ومصدرها.
2- طبيعة المعرفة البشرية .
3- صدق المعرفة ، اي كيف يمكن التمييز بين المعرفة الصادقة والمعرفة الكاذبة .
4- حدود المعرفة البشرية .
لذلك فان نظرية المعرفة تنصب على طبيعة المعرفة البشرية وتفسير ماهيتها ،
وكذلك تتعرض لدراسة اصولها وادواتها وتتناول بالبحث امكان قيامها او الشك
في وجودها .
ونتيجة لذلك ظهرت مذاهب واتجاهات شتى في نظرية المعرفة ، بعد ان درسوا
مشكلة المعرفة ومنابعها ، كل منها ادعى لنفسة الحق في معرفة الحقائق
وادراكها والوصول اليها . وهذه المذاهب والنظريات هي :
1- المذهب العقلي Rationalism :
يتميز اصحاب المذهب العقلي باهتمامهم بالعقل مصدرا لكل صنوف المعرفة
الحقيقية ، وهذه المعرفة في نظر العقليين تتميز بالضرورة والشمول . واذا
كان التجريبيون يعدون الحواس المصدر الوحيد لكل معرفة فان العقليين يردون
المعرفة الى العقل ويرون انها تمتاز بالضرورة والتعميم . ويراد بالضرورة ان
المعرفة العقلية صادقة ويتوجب صدقها ضرورة عقلية . وكذلك يرى العقليون ان
العقل قوة فطرية في الناس جميعا ، والتجربة عندهم تزود الانسان بمعلومات
مفرغة اي انها لاترقى باجتماع بعضها بالبعض الاخر الى حقائق كاملة ، وان في
العقل مبادئ فطرية لم تؤخذ من التجربة ، كمبدأ الذاتية الذي يرى بان الشيء
هو عين ذاته ولايمكن ان يكون شيء اخر ، وكذلك مبدأ عدم التناقض non
contradiction والذي يقرر ان الشيء لايمكن ان يكون موجودا او غير موجود
في ان واحد .
ويرى اصحاب المذهب العقلي ان اليقين الملحوظ في العلوم الصورية كالرياضيات
والمنطق هو المثل الاعلى الذي ينشدونه في كل فروع المعرفة . ويعد ديكارت
امام المذهب العقلي .
2- المذهب التجريبي Experimental:
اما اهم ما يمتاز به اصحاب المذهب التجريبي فهو مايلي :
1- رفضوا التسليم بالافكار الفطرية الموروثة والمبادئ العقلية .
2- ردوا المعرفة في كل صورها الى الحواس .
3- انكروا الحدس الذي يدرك الاوليات الرياضية والبديهيات المنطقية .
4- ليس في العقل شيء الا وقد سبق وجوده في الحس اولا .
ويعد جون لوك امام المذهب التجريبي .
وبينما يغالي العقليون في اهمية العقل ، والتجريبيون في اهمية الحواس
والتجربة مصدرا للعقل اليقيني ، يغالي اصحاب المذهب الحدسي في اهمية الحدس
Intuition والذي يدرك الحقائق البسيطة ادراكا مباشرا دفعة واحدة ومن غير
مقدمات تسلم اليها .
وقد ظهر مذهب اخر الا وهو مذهب الشك ، والذي راى اصحابه ان الثقة بالعقل او
غيره من ادوات المعرفة كانت مثارا للشك ، اذ انهم اخضعوا هذه الادوات لمحك
النقد ، وانتهوا من نقدها الى التردد في التسليم بامكان وجود معرفة صحيحة
او قدرة على ادراك الحقيقة .
اذاً فالشك Skepticism كنظرية في المعرفة يراد بها التوقف عن اصدار حكم
ما استنادا الى ان كل قضية تقبل السلب والايجاب بقوة متعادلة وان ادوات
المعرفة من حس او عقل او غير ذلك لاتكفل اليقين .
الا كسيولوجيا او مبحث القيم
اما مبحث القيم او الاكسيولوجيا فيبحث في المثل العليا او القيم المطلقة وهي :
الحق والخير والجمال .
فهو يبحث في هذه القيم من حيث ذاتها لا بوصفها وسائل الى تحقيق غايات . هل
هي مجرد معان في العقل تقوم بها الاشياء ؟ ان لها وجودا مستقلا عن العقل
الذي يدركها ؟ والى غير ذلك من مباحث يتضمنها علم المنطق وعلم الاخلاق وعلم
الجمال بمعناها التقليدي اي من حيث هي علوم معيارية تبحث في ما ينبغي ان
يكون وليست علوما وضعية يقتصر بحثها بما هو كائن.
1- فعلم المنطق : يضع القواعد التي تعصم مراعاتها من الوقوع في الخطأ والزلل ، اي يبحث بما ينبغي ان يكون عليه التفكير السليم.
2- علم الاخلاق يضع المثل العليا التي ينبغي ان يسير عليه سلوك الانسان ،
اي انه يبحث فيما ينبغي ان تكون عليه تصرفات الانسان . فهو اذن يحلل
الالفاظ والعبارات التي نستخدمها في حياتنا الاخلاقية .
3- علم الجمال : يضع المستويات التي يقاس بها الشيء الجميل ، اي يبحث في ما ينبغي ان يكون عليه الشيء الجميل .
وهذه العلوم المعيارية الثلاثة تؤلف مانسميه بالاكسيولجيا او فلسفة القيم .
اما مايخص السؤال حول ضرورة الفلسفة من عدمها ، هل هي حاجة فكرية ملحة
للانسان ام لا ؟ فنعتقد انه و ايا كانت وجهة النظر التي نتخذها نحو الفلسفة
، فاننا نجد ان للفلسفة فعالية فكرية خالصة تحاول فهم العالم بما هو كل ،
وانه لاغنى عن الفلسفة والتفلسف حتى لاعدائها ، فانت حين تريد ان اتثبت
اوتبرهن قضية ما فانك تحتاج الى الفلسفة لكي تثبت وتبرهن هذه القضية اوتلك.
وان ما تتصف الفلسفة به من شمولية وتجريد يجعلها ذات طابع انساني يتخطى
حدود القوميات والاوطان ، ويجعلها من اهم وسائل التعاون والتفاهم والتأخي
الفكري بين ابناء البشر .
والواقع ان المستوى الثقافي ولاية امة من الامم يقاس بمقدار شيوع التفلسف
الصحيح فيها وتطوره عند ابنائها ، وبالعكس ان تدهور الثقافة وتراجعها هو
على الاكثر نتيجة انحلال التفكير الفلسفي وجموده فيها . وذلك اذا فهمنا
معنى الفلسفة بالشكل الصحيح والمعقول ، من دون تضليل ومن دون اي تحيزذاتي
او هوى شخصي . فالتطور الثقافي للامم يتماشى مع التطور الفلسفي رقيا
وانحطاطا ، وصعودا وهوبطا . لذلك فان الفلسفة تقف وراء معظم ما انجزه
الانسان من الاعمال والمنجزات الكبرى سواء في مجال الفن والادب ام العمران
والموسيقى . ونحن نقول انه لو كان التاريخ سمع اصوات الفلاسفة والمفكرين
لكان طريق الانسانية اقل دموية واسرع نضجا واوسع معرفة .
كما ان الفلسفة بما امتازت به من نزعة الى النقد ، تزعزع اعتقادات الانسان
الراسخة وتحرر تفكيره من سلطان التقليد ، فلا يعود ينظر الى الافكار
التقليدية على انها نهائية ومطلقة تسمو على النقاش وترتفع على الجدل ، بل
على انها لم ولن تبلغ درجة اليقين النهائية ، ولذلك تستهدف دائما المراجعة
والتعديل . وهذا مايساعد على شيوع روح التسامح الفكري والتعايش الثقافي بين
شعوب الارض .
واذا كانت الفلسفة نقدا حرا للافكار فان وضع اية قيود عليها قيد للثقافة
وذنب لايغتفر ، وكل مجتمع يعمد الى فرض القيود على التفلسف الحر ومهما كانت
الدوافع والاسباب ، مجتمع متخلف ثقافيا لانه ينتهي في اخر المطاف الى صب
الفكر في قوالب جامدة تكتسب مع الزمن صفة القدسية ، فلا يجرؤ احد على
مناقشتها الاتحت طائلة العقاب الصارم ويموت في ذلك المجتمع روح الابداع
والاصالة . وهذا كفيل بان يغلق طريق التقدم والنمو ، وهذا مايحدث بالضبط في
المجتمعات القائمة على نظام واحد والتي تمنع او تحظر الفلسفات المعارضة
لفلسفاتها ، فيتخلف بذلك الفكر وتتخلف الثقافة ويتخلف معها المجتمع وكل
ماهو انساني بمعنى من المعاني .
**منقول**