1- ضرورة الحكم الشرعي:
بعد أن آمن الإنسان بالله والإسلام، وعرف أنه مسؤول بحكم كونه عبداً لله تعالى عن امتثال أحكام الله، يصبح ملزماً بالتوفيق بين سلوكه في مختلف مجالات الحياة وبين الشريعة الاسلامية، ومدعواً بحكم العقل والشرع إلى بناء كل تصرفاته الخاصة وعلاقاته العامة مع الأفراد والمجتمع على أساس الحكم الشرعي.
فإن واجهته مشكلة معينة في معترك الحياة فلا يحق له أن يتصرف معها بما تملي عليه نفسه وإلاَّ يكون بذلك خارجاً عن دائرة العبودية، بل عليه من ملاحظة حكم الله فيها، فإن كان أمراً فعليه الالتزام به، وإن كان نهياً فعليه منع نفسه عنه.
وبهذا يكون داخلاً في ساحة العبودية التي يؤمن بها وخارجاً من ساحة الشيطان الذي يكفر به.
2- شروط التكليف:
يجب على كل إنسان جامع لشروط التكليف الإلتزام بأحكام الله تعالى ومع فقدها لا يتوجه إليه التكليف الشرعي الإلهي.
وهذه الشروط هي:
1- العقل: فلا تكليف على المجنون.
مسألة: المجنون الإدواري يجب عليه الالتزام بالحكم الشرعي في أوقات صحوه.
2- البلوغ: فلا تكليف على الصغير.
مسألة: البلوغ عند الذكر هو وصوله لسن 15 عاماً هجرية أي ما يعادل 14 عاماً و7 أشهر ميلادية، أو الاحتلام أو نبات الشعر على العانة.
وعند الأنثى هو وصولها لسن 9 أعوام هجرية أو ما يعادل 8 أعوام و9 أشهر ميلادية.
3- القدرة: فلا تكليف على العاجز.
3- كيف يعرف المكلف حكمه الشرعي؟
يعرف كل مكلف منَّا حكمه الشرعي عبر طرق ثلاث:
الأول- الاجتهاد: وهو استنباط الحكم الشرعي من القرآن والسنّة النبوية وغيرهما من مصادر التشريع المقررة.
الثاني- الإحتياط: وهو مراعاة كل الإحتمالات الفقهيَّة للمورد المبتلى به مما يحتمل وجوب مراعاته.
مسألة: العمل بالاحتياط غير يسير حيث أن العمل به متوقف على معرفة موارده وعلى العلم بكيفية الاحتياط ولا يعرفها إلاَّ القليل.
مسألة: يتعذر الاحتياط في بعض الموارد )كما لو اجتمع الحكم بالوجوب والحرمة في أقوال من نحتاط بين آرائهم( لذا يتوجب على المكلف التقليد في هذه الحالة.
الثالث- التقليد: وهو العمل استناداً إلى فتوى المجتهد الجامع للشرائط الذي يجب تقليده فعلاً. وهذا الطريق هو الذي يتبعه أكثر المكلفين لمعرفة الحكم الشرعي.
مسألة: عمل العامي من غير تقليد باطل. فيجب عليه إعادة ما قام به من أعمال، إلاَّ إذا كان عمله قد وافق فتوى المجتهد الحي الذي يجب عليه تقليده فعلاً أو طابق عمله الواقع.
مسألة: إذا ترك المكلف تعلم المسائل الشرعية المبتلى فيها مما أدّى ذلك إلى ترك الواجب أو فعل حرام كان عاصياً.
مسألة: لا يجوز التقليد في أصول الدين كالتوحيد والنبوة ولا في ضروريات الدين كوجوب الصلاة والصوم.
4- شروط المرجع:
يجب تقليد المجتهد الجامع لشرائط الافتاء والمرجعية وهذه الشرائط هي:
1- الاجتهاد: بأن يكون قادراً على استنباط الحكم الشرعي من مصادره.
2- الذكورة: فلا يصح تقليد المرأة.
3- الايمان: بأن يكون شيعياً إثنا عشرياً.
4- طهارة المولد: فلا يصح تقليد ابن الزنا.
5- أن تكون ذاكرته جيدة: فلا يصح تقليد من ينسى كثيراً أو من كان يهجر.
6- العدالة: وتتحقق بفعل الواجب وترك المحرمات.
مسألة: نظراً إلى حساسية وأهمية منصب المرجعية يشترط على الأحوط وجوباً في مرجع التقليد إضافة إلى العدالة التسلّط على النفس الطاغية وعدم الحرص على الدنيا.
7- الحياة:
فلا يصح تقليد المجتهد الميت إبتداءً على الأحوط وجوباً.
مسألة: إذا مات المرجع الذي يقلده المكلف وجب عليه الرجوع إلى أعلم الأحياء على الأحوط وجوباً لمعرفة فتواه في هذا المجال والعمل بها.
وقد تكون أحد هذه الآراء:
أ - يجب البقاء على تقليد الميت إذا كان أعلم من الأحياء.
ب- يجوز البقاء على تقليد الميت في المسائل التي يتذكرها فقط أما التي نسيها فيجب تقليد الأعلم الحي فيها.
ج- البقاء على تقليد الميت في جميع المسائل حتى في التي لم يعمل بها جائز ومجزٍ.
والسيد القائد ولي أمر المسلمين قدس سره رأيه هو القول الأخير في جواز البقاء على تقليد الميت مطلقاً.
مسألة: إذا عدل المكلف بعد موت مرجعه إلى مجتهد آخر. فلا يجوز له على الأحوط وجوباً العود إلى تقليد من كان يُقلد مرة ثانية.
مسألة: إذا بقي المكلف على تقليد مرجعه الميت بفتوى المرجع الأعلم الحي، جاز له أن يعدل بعد ذلك في أية مسألة شاء إلى تقليد الحي الأعلم لكن بعد العدول لا يجوز له العود ثانية في نفس المسألة إلى تقليد الميت.
مسألة: إذا تحقق التقليد من الأشخاص غير المكلفين في حياة المجتهد فلا إشكال في البقاء على تقليده برأي الحي الأعلم.
8 - الأعلمية:
فيجب تقليد المجتهد الأعلم على الأحوط وجوباً.
وملاك الأعلمية أن يكون المجتهد أقدر من بقية المجتهدين على معرفة حكم الله تعالى، واستنباط التكاليف الإلهية من أدلتها ومعرفته بأوضاع زمانه بالمقدار الذي له مدخلية في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية وفي ابداء الرأي الفقهي المقتضي لتبيين التكاليف الشرعية التي لها دخل في الاجتهاد أيضاً. وينبغي أن يكون مديراً ومدبراً.
مسألة: إذا قامت البيّنة الشرعية على أعلمية مجتهد جامع للشرائط فتكون حجة شرعية يعول عليها ولا حاجة عندئذٍ إلى الفحص عن الشهادات المعارضة.
مسألة: إحراز إجتهاد وأعلمية مرجع التقليد لا بد وأن يكون بالاختبار أو بحصول العلم ولو من الشياع المفيد للعلم أو بالاطمئنان أو بشهادة عدلين من أهل الخبرة.
مسألة: لو قلد المكلَّف غير الأعلم مع وجود الأعلم فتقليده باطل، وكذلك أعماله التي قام بها على رأي غير الأعلم، إلاَّ إذا وافقت أعماله فتوى الأعلم فتكون صحيحة أو تكون أعماله مطابقة للواقع أو الاحتياط.
9- معرفة أمور الزمان والمكان، والاهتمام بأمور المسلمين:
وهذا الشرط أوضحه وكشف عنه الإمام الخميني رحمهم الله قائلاً: »يجب على المجتهد أن يكون ملماً بأمور زمانه، وليس مقبولاً للناس والشباب أن يقول مرجعهم ومقلَّدهم أنا لا أعطي رأياً في المسائل السياسية«.
للمطالعة
سيرة الشهيد الأول
الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي صاحب الفضل وبدر سماء الفقاهة وقمر فلك الرفعة والسعادة والزهد والعبادة.
العالم الجليل من بخل الزمان بمثله وعقمت الأمهات عن إنجاب شبهه. مشهود له بالعلم والفقاهة والذكاء والنباهة.
وقد قال الشيخ جعفر النجفي: بقي الفقه على بكارته لم يمسه أحد إلا أنا والشهيد الأول وولدي موسى.
وهذا نتيجة جدّه وبحثه وإصراره على بلوغ المراتب العالية وعدم الملل من تحصيل المعارف الإلهية، وقد كان إذا غلبه النعاس يضع حديدة محماة على رأسه حتى تساقط شعره. من أجل العلم والتعلم.
وهكذا كانت حياته رحمهم الله بين العلم والتعليم وتهذيب النفس ومساعدة الآخرين. حتى بلغ الحاسدون له مبلغاً. وأرادوا الانتقام والنيل منه. فوشوا به إلى السلطان واتهموه بالتشيع والولاء لأهل البيت (ع) وأنه خرج عن مذهب الحق. وبقوا وراءه حتى أخذوا الحكم بقتله وإعدامه. وفي كيفية استشهاده قصتان.
الأولى: أنهم ربطوا رجله بجمل ويده بجمل ووجهوا الجملين كلاً إلى جهة وكان بذلك نيل السعادة له رحمه الله.
الثانية: أنهم قتلوه بالسيف ثم صلبوه وبعد ذلك أنزلوه وحرقوه.
استشهد رضوان الله عليه في 19 جمادى الأولى سنة 786ه.