معرفة الخالق
هل وجد الكون من العدم؟ ومن أوجده؟
وما هي الأدلة على وجود الله؟
قال الإمام الصادق (ع): "بعضكم أكثر صلاةً من بعض، وبعضكم أكثر حجاً من بعض، وبعضكم أكثر صدقة من بعض، وبعضكم أكثر صياماً من بعض، وأفضلكم أفضلكم معرفة".
فما هي المعرفة التي يفضّل الإنسان بها على غيره؟
وكيف نهتدي الى معرفة الله؟
التفكر في مصدر الوجود:
لا ريب أن الإنسان لم يوجد نفسه في هذا العالم، وكل واحد منا يدرك ذلك بوجدانه على نحو القطع واليقين، ومن غير المعقول لدى الطبع البشري أن يكون قد جاء من لا شيء، إذ اللاشيء هو العدم، والعدم لا يمكن أن يعطي وجوداً، وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله: "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون"(1).
إذن لا بد أن خالقاً غير الإنسان هو الذي أوجده، فمن هو هذا الخالق؟
وهذا السؤال هو السؤال الأول الذي يواجه أي إنسان عاقل يستخدم عقله للتدبر والتفكر، وهو السؤال الذي اشرنا إليه في الدرس الماضي ب"من أين"؟ ولا يقصد بكلمة "أين" هنا المكان، وانما السبب والعلة؟
إن الجواب عن هذا السؤال يفتح أمام الإنسان المجال للتقدم في تفكره وتدبره حتى يصل إلى المعرفة الكاملة، وبدون الإجابة عنه يبقى في جهله وفي حيرته. إذن الهدف هو معرفة الخالق.
الدليل على وجود الخالق:
على نحوين:
النحو الأول: أن نتفكر في المعلولات الموجودة في الآفاق، لنعرف من خلالها علة وجودها، وتسمى المعرفة الآفاقية.
النحو الثاني: أن نتفكر في المعلولات الموجودة في النفس البشرية، أي داخل كل واحد منا لنعرف علة الوجود، وهى التي تسمى بالمعرفة الأنفسية.
إذاً هناك طريقان:
الأول: المعرفة الآفاقية أو الطريق من الخارج.
الثاني: المعرفة الأنفسية أو الطريق من الداخل.
وإلى هذا المعنى يرشدنا قوله تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..."(2).
وكمثال على المعرفة الآفاقية نسوق دليل النظام، وهو يقول:
كل ما في هذا الكون منظم بشكل دقيق ومتكامل وهو خال من كل تناقض وتضارب فيما بينه كالشمس والقمر والكواكب وحركة كل منها في فلك خاص دون ان ترتطم ببعضها البعض.
إن وجود هذا النظام الدقيق لا يعقل أن يوجد من تلقاء نفسه ولا من الفوضى، فلا بد أن قوة حكيمة عليمة هي التي أوجدته. تلك القوة هي ما نسميه( الله) تعالى.
وكمثال على المعرفة الأنفسية نشير إلى دليل الفطرة الذي ارشدنا إليه الإمام الصادق (ع) حينما سأله رجل عن طريق لمعرفة الخالق فقال: يا ابن رسول الله، دلني على الله ما هو، فقد أكثر علي المجادلون وحيروني.
فقال له الإمام (ع): يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟
قال: نعم.
قال (ع): فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟
فقال: نعم.
قال (ع): فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟
قال: نعم.
فقال (ع): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث.
وهذه الوسيلة التي استخدمها الإمام (ع)لإيقاظ هذا الانسان الغافل وإرشاده الى الخالق عزّ وجلّ يعبر عنها القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة: "وإذا مسَّكم الضرّ في البحر ضلَ من تدعون إلاَّ إيَّاه فلمّا نجّاكم الى البرّ أعرضتم وكان الإنسان كفوراً"(1).
فكلما نظر الإنسان الى أعماق نفسه وجد أن هناك شعوراً قوياً يقوده الى الإيمان بخالق عظيم، وصحيح أن بعض الناس يخالفون فطرتهم من خلال الإخلاء الى الدنيا إلاّ أنهم يعودون ليستيقظوا من جديد عند وقوع الإبتلاءات والحوادث المهولة.
الخلاصة:
إن كل ما في الوجود، بما أنه مخلوق ومعلول لغيره، فهو يشكل دليلاً على وجود الخالق، وفطرة الإنسان تشهد لذلك، فإنه بحسب فطرته التي فطر عليها يجد قلبه متعلقاً بشيء هو قادر على أن يساعده وينجيه في شدائده، ذلك الشيء هو الله تعالى؟
فالله تعالى جعل في كل شيء دليلاً عليه: "وله في كل شيء آية"، والأصول العقائدية بغالبيتها أمور فطرية ليست بحاجة إلاّ الى شيء من الإلتفات وتوجيه العقول والقلوب إليها وتنقيتها من الشبهات والأضاليل والعمل على إزالة غفار الغفلة عن البصائر..