بعد أيام طويلة من أعمال الخير والطاعات الرمضانية، تجيء "ليلة القدر" في الثلث الأخير من رمضان، لتتوّج تلك العبادات وتحصد أجرها في ساعاتٍ معدودة، فهذه الليلة التي فضّلها الله عز
وجل في العبادات عن ألف شهر هي موسم عبادي يستحق التفرغ الكُلي لإحيائها وتحرّيها ابتغاءً للأجر والثواب الذي كتبه الله لمن يستثمرها، فهل سيكون لنا في رسول الله أسوة في إحيائها لننير حياتنا ونخرجها من ظلمة المعاصي؟:
نتقرب لله من خلالها
علاء سليم، شاب في العشرينات، يوضح بأنه يزيد من عبادته في شهر رمضان على وجه الخصوص، كقراءة القرآن الكريم، وصلة الأرحام في بداية الشهر، مع المحافظة على أدائه المهني في وظيفته، مبينًا أنه ما أن تأتي العشر الأواخر حتى يبدأ اعتكافه في المسجد المجاور لمنزله، وفقًا لجدول يومي يوازن فيه بين العمل والعبادة التي تتضاعف في ليلة القدر حيث يحرص على التقرب من ربه فيها.
فيما بيّن الطالب الجامعي"أنور الشيخ خليل" حرصه الشديد على عدم الدراسة خلال هذا الفصل الصيفي، بهدف التفرّغ للعبادة في رمضان، مقسماً وقته ما بين العبادة، ومساعدة أهل الحي في أعمال الخير طوال هذا الشهر، "ثم أتفرغ للاعتكاف طوال العشر الأواخر بغية تلمس ليلة القدر ونيل أجرها".
أما المواطنة "صفاء الشوا"، فأشارت إلى أنها لا تعتكف في المسجد ولا تقيم الليل سوى في ليلة السابع والعشرين من رمضان لاعتياد المساجد والمصلين على إحيائها، "وشعوري بالأمان حال خروجي من المنزل يومها" كما قالت لـ "فلسطين.
من جهتها، فقد رفضت المواطنة "سمية داود" قيامها بتغيير كبير في جدول أعمالها خلال شهر رمضان، كونها ربة منزل، وتقضي غالبية وقتها في القيام بأعمال المنزل، والاعتناء بأطفالها الصغار، مشيرةً إلى أنها تحاول قدر الإمكان أن تجتهد في ختم القرآن الكريم عدة مرات، مع تعذر صلاتها في المسجد بسبب أولادها، وعدم قدرتها على الاعتكاف.
أُمّة لها السبق
ولتسليط مزيد من الضوء على "ليلة القدر"، وفضائلها وأجرها، فقد بين لنا عضو رابطة علماء فلسطين، د. سالم سلامة أن تسمية "ليلة القدر" باسمها جاء من القدر العظيم الذي جعله الله لهذه الليلة لأنها "خير من ألف شهر" كما وصفها جلّ وعلا في القرآن الكريم، قائلاً: "كم مرة يمر رمضان على الإنسان، فتمر معه ليلة القدر"، لافتًا النظر إلى أنها ليلة تعدل أكثر من ألف شهر يريد الله بها أن يجعل من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضلها ويكون لها السبق على قصر أعمارها.
وأوضح في حديثه لـ "فلسطين" أن هذه الليلة ارتبطت بتنزيل القرآن الكريم، كما جاء في الآية "إنا أنزلناه في ليلة القدر"، وتليها الآية "وما أدراك ما ليلة القدر"، وتأتي ليشدّ الله عز وجل فيها انتباه المسلمين إلى تقدير هذه الليلة، وإعطائها حقها.
وتابع: "لذا يقدر المسلمون "ليلة القدر" ويقومون في هذه الليلة بما لا يقومون به في غيرها من الليالي"، في إشارة لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، مبينًا أنه تغفر الذنوب التي تقدمت للمسلم إذا كان مخلصاً في قيامه لله عز وجل ومحتسبًا أجره عنده، يصلي ويدعو الله، ويقرأ القرآن، ويذعن ويخشع بين يدي الله، وأضاف: "فيكون ذلك من تمام تسمية الليلة بـ"ليلة القدر" حتى ينال هذا المسلم العابد القائم القانت قدر هذه الليلة التي لا يقدرها إلا الله سبحانه وتعالى".
أجر معظّم
وأشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى التماس هذه الليلة في العشر الأواخر من شهر رمضان، وتحرّي وقتها في الليالي الوتر من العشر الأواخر، لأن الرسول الكريم كان قد خرج يخبر المسلمين عن "ليلة القدر" ويدعوهم لالتماسها في يوم كذا وكذا، ولكنه وجد اثنين يتشاحنان – يتشاجران- فما أن فزع لهما المسلمون وفضوا بينهما، حتى أنسى الله عز وجل رسوله موعد هذا.
وأضاف:"عندها سيقوم المسلمون طوال هذه الليلة الوحيدة، ولا يتعبدون في غيرها"، ولكن الله عز وجلّ أراد أن يعظم الأجر لهم في هذه الأيام فأنسى نبيه موعدها ليقوم المسلمون العشر الأواخر جميعها.
وبين د.سلامة أهمية الاستعداد الجيد لهذه الليلة من خلال أخذ فترات من القيلولة في نهارها بما يقارب ساعة أو ساعتين، "وبذلك يستعين ويتقوى على القيام في الليل فلا يشعر بنعاس، أو تعب فيقعد عن قيامها وطلبها" وفقًا لقوله.
الاستعانة بالله
وأشار إلى أهمية الاستعانة بالله، وأن يجعل نيته صادقة لوجه الله تعالى على أن يقوم هذه الليلة ويعتكف في المسجد حتى يكتب له الأجر، مؤكدًا أنه حتى لو مرض أو انتابه شيء يكتب له الأجر بالنية وفقًا لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
وتابع د.سلامة:"وعليه بتحين صلاة المغرب والعشاء والفجر جماعة، وصلاة التراويح والقيام، وقراءة القرآن، والاستماع للدروس والمواعظ، ونصح الناس وزيادة أعمال الخير لنيل الثواب والأجر من الله عز وجل".
وبذكر فضائل "ليلة القدر"، أكد د.سلامة أنها تفوق غيرها من الليالي، "فهي أفضل ليلة في العام، كما نهار يوم عرفة أفضل نهار في العام"، مشيرًا إلى أن فضل هذه الليلة يكون من خالقها عز وجل الذي ينعم السلام والأمن على أهل الأرض، والملائكة التي ينزلها بالرحمة على عباده.
وأوضح أن المسلم حال اغتنامه قيام هذه الليلة يحصّل فوائد كثيرة وعظيمة، قائلاً: "يكون الإنسان مع الله سبحانه وتعالى في كل صغيرة وكبيرة مما يعيشه في حياته"، وبين أن قيام هذه الليالي وخاصة "ليلة القدر" يجعل الإنسان ربانيًا لا يسير إلا في الخير، ولا يقول إلا خيرًا، مما يضفي على قلبه السكينة والطمأنينة.
ليلة السَكِينة
ولفت إلى أنه من المتعارف عليه عند الناس أن "ليلة القدر" هي ليلة سكينة وهدوء، وما وصفه العلماء من أن الشمس تخرج صبيحة "ليلة القدر" بيضاء من دون شعاع لا حمراء كبقية الأيام، فيحل الأمن والأمان والأنس والطمأنينة على أهل الأرض ولا يسمع نباح الكلاب، "ولكن لا يعني أن شخصا نبح في وجهه كلب ينفي أن تكون الليلة "ليلة القدر""، مشيرًا إلى أنها تكون ليلة القدر بأعمال العبادة فيها، وتقدير قدرها من الخالق والمقدر الله عز وجلّ.
صحيفة فلسطين