بسم الله الرحمن الرحيم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، إخواني أخواتي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
أشارت دراساتٌ عربية حديثة إلى أن العرب ينفقون سنوياً ما يعادل نحو 5 ملايير دولار على أعمال السحر والشعوذة، وأن هناك دجالاً واحداً لكل ألف مواطن عربي. ومع أن إحدى الدراسات أكدت أن أعمال الشعوذة قد تراجعت في العقود الأخيرة بسبب الحملات التحسيسية التي يقوم بها الدعاة والفقهاء ووسائل الإعلام المختلفة مقارنة بالعقود السابقة، إلا أنها مع ذلك لا تزال منتشرة بشكل واسع.
وتدعو هذه الدراسات إلى التساؤل عن حجم الأموال التي كان العرب سينفقونها لو لم تتراجع الشعوذة إذن وبقيت في نفس المستويات التي كانت عليها في عقود الستينيات والسبعينيات؟ وكم مشعوذ سيقابل كل ألف مواطن عربي في هذه الحالة؟ أما أهم سؤال برأيي فهو: لماذا بقيت هناك شعوذة وسحرٌ أصلاً في بلاد يدين أهلها بالاسلام الذي يحرِّم مثل هذه الأعمال الشيطانية بشكل قاطع ليس فيه أي لبس أو أدنى غموض ويصنفها ضمن الموبقات ويتوعد مقترفيها بسوء المصير والعذاب والعياذ بالله؟
إن "إيمان" العرب بالعرافين والمشعوذين وإتيانهم واستشارتهم وتطبيق وصفاتهم وانفاق ما يعادل 5 ملايير دولار عليهم سنوياً.. هو أمرٌ يدعو إلى التعجب والاستغراب والحسرة في نفس الوقت؛ فهل يُعقل أن يترك العرب آلاف مشاريع المساجد المتوقفة أو التي تسير أشغالُها بوتيرة بطيئة بسبب ضعف التبرعات، ويتركوا مختلف المشاريع الخيرية دون دعمها بدينار واحد وكذا آلاف الفقراء والمساكين والعجزة وأمهات اليتامى دون التصدق عليهم بدينار واحد ثم ينفقون دون حساب على السحرة الكفرة؟
كان على هؤلاء أن يقاطعوا مناكر شياطين الإنس والتي ما كانوا ليتمكنوا من اقترافها لولا عقدهم أحلافاً مع شياطين الجن يقومون بموجبها باهانة كتاب الله وتدنيسه بالنجاسة أكرمكم الله، ولكنهم عوض مقاطعة الكفرة الفجرة، فضلوا دعم أعمالهم الشيطانية بالإنفاق عليهم بسخاء وتلبية شروطهم ومطالبهم المادية العالية دون نقاش.
ولاشك أن هذه الأرقام كفيلة بتوضيح مدى استشراء الجهل والخرافات في بلادنا الاسلامية برغم كل مظاهر الحداثة والعصرنة التي غزت حياتنا اليومية وكذا انتشار العلم والتعليم في كل مدينة وفي كل قرية وتجمع سكاني وانتشار المساجد في كل قرية وحي ومنطقة؛ فتفشي آفة الشعوذة والتنجيم والرجم بالغيب ومختلف مظاهر السحر والعرافة يؤكد فعلاً أن الجهل قد ضرب أطنابه وأعشاشه في مختلف أصقاع بلادنا العربية بنفس القدر الذي انتشرت فيه المدارس والجامعات والمساجد ووسائل الاعلام، وذلك كله أمرٌ يدعو إلى العجب والذهول.
قد يعود تفشي هذا الوباء في جانب منه إلى عدم حزم السلطات العربية مع هذه الآفة برغم تجريمها قانونياً، وعدم متابعة المشعوذين وتضييق الخناق عليهم أسوة بما يحدث بالسعودية مثلاً، ولكن ذلك لا يبرر تفشي هذا الوباء في وقت انتشرت فيه الرقية الشرعية على نطاق واسع، وانتشر فيه التعليم والوعظ والارشاد في المساجد والفضائيات، وانتشر فيه الطب النفسي أيضاً.
إن تفشي هذا الوباء يعني كذلك أن الذين أخذوا على عاتقهم مهمة التكفل بمحاربته مدعوون لمضاعفة جهودهم وكذا أساليبهم لاقناع ملايين العرب وربما مئات الملايين من الملسمين، بترك تجارة أعمال الشيطان تبور من خلال العزوف عنها والتمسك بحبل الله والاستشفاء بآياته وحسن التوكل عليه. ولا شك أن عملاً كبيراً لا يزال ينتظر هؤلاء لتحجيم المرض وتحويله إلى استثناء وعمل مرذول في نظر الجميع حتى في نظر أكثر الناس جهلاً.