شبكة اخباريات/ محمد عثمان - غزة: مَنْ قال أن الإبداع يقتله حصار أو دمار فهو مخطئ, ومَنْ قال بأن الحصار والحاجة هما أم الاختراع فهو صادق, في قطاع غزة ليس
لك إلا أن تقول معلنا عن إعجابك "جزى الله الشدائد كل خير"... سكان حوصروا فأبدعوا ووقفوا سدا منيعا في وجه ذلك الغول "الحصار" فهدموا بعقولهم جداره الممتد من أول الروح إلى آخر نقطة على أرض الوطن...
معركة أبطالها الشباب...
ترتطم الكلمات بالمسافات الضيقة بين المعاناة والمعاناة فتخرج طاقة لا مثيل لها تدفع مكامن الإبداع لدى الشباب للظهور, فمنذ اللحظة الأولى للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة قبل أكثر من ثلاث سنوات, خاض الفلسطينيون معركة البقاء من خلال الإبداع, وهي استكمالا لمعركة التحرر من الاحتلال والتي بدأت منذ ستين عاما ويزيد, فكان لاختراع اسمه الأنفاق تحت الأرض بديلا ولو مؤقتا كي يواصل الغزيون حياتهم التي أرادها لهم الاحتلال الإسرائيلي جحيما كان له صدى, وما تبعه من عمليات لتجاوز الأزمات التي كانت تنتج عن ذلك الحصار من استخدام للزيت النباتي كبديل عن وقود السيارات التي منع دخوله الاحتلال إلى القطاع والكثير الكثير من الإبداعات على أيدي شباب القطاع, إبداعات كان للحصار الفضل فيها, فكان آخرها توجه شباب غزة إلى قطاع التكنولوجيا لأنهم يعلمون علم اليقين بأن المعركة اليوم مع المحتل إنما هي معركة للبقاء وسلاحها التكنولوجيا وليس السلاح العسكري فقط.
التكنولوجيا سلاح البقاء الفعال...
لأن التكنولوجيا استخدمها الغرب كسلاح فعال في معركة بقائه فكان الأحرى على الفلسطيني بأن يتوجه إلى ذلك السلاح لاستخدامه والإبداع فيه في ظل ظروفه الصعبة... عطية البرش وماهر الجمل, من قلب النار خرج الإبداع, ومن وسط ركام مخيم جباليا المحاذي للشريط الحدودي مع الأراضي المحتلة
عام 1948 أبدع طالبين في قسم البيئة والجيولوجيا بكلية العلوم بالجامعة الإسلامية في غزة, حيث قاما مؤخرا باختراع جهاز متطور في عمله وبسيطا في شكله لاستخراج الغاز المنزلي من المخلفات العضوية مهما كانت والتي تصل نسبتها في غزة إلى أكثر من سبعين في المائة من نفاياته, حيث يقول الطالب ماهر الجمل عن هذا الاختراع " هو تطبيق وابتكار, حيث نعمل من خلاله للحصول على الغاز الحيوي من المخلفات العضوية, والحصول على غاز الميثان من عملية تخمر تلك المخلفات, حث يتم جمع النفايات المنزلية وما يطلق عليها بالنفايات البلدية ووضعها في برميل وتتم عملية التخمر لمدة أسبوعين عن طريق الباكتيريا اللاهوائية في وجود الظروف اللاهوائية للباكتيريا, حيث يتم تخمر المخلفات العضوية بعد أسبوعين بوجود محلول هيدروكسيد الكالسيوم المنقي يتم الحصول على ما نسبته 99 في المائة من غاز الميثان وهو ما يطلق عليه بالغاز الحيوي"
وعن جدوى هذا المشروع والاختراع يؤكد الطالب الجمل لشبكة اخباريات:" لو تم تعميم المشروع على كل مناطق قطاع غزة سوف تعم الفائدة بحيث أنه سوف يخفف من المعاناة الكبيرة التي يعانيها شعبنا بسبب نقصان غاز الطهي, وأود الإشارة إلى أن المخلفات البلدية في قطاع غزة تصل إلى سبعين في المائة منها هي مخلفات عضوية ناهيك عن أحواض الصرف الصحي المنتشرة في قطاع غزة وبدل أن تذهب هباء منثورا ويتكاثر عليها البعوض وتقوم بتلويث البيئة فالأفضل أن نقوم بالاستفادة منها واستخراج غاز الطهي الذي نحن بحاجة ماسة له"
عقول فذة...
في خطوة كانت هي الأولى ليس في فلسطين وبالشرق الأوسط قام المهندس الفلسطيني وسيم الخزندار بتحويل سيارته التي تعمل على البنزين أو حتى سيارات السولار إلى سيارة تعمل على الكهرباء, بحيث يتم الاستغناء بشكل كامل عن الوقود, وفكرة هذا المشروع قائمة على استخدام البطاريات وبعض الأجهزة المساعدة التي تقوم على تحويل الكهرباء إلى حركة.
وقد وصف المهندس وسيم الخزندار هذا الاختراع بأنه صديق البيئة, ويضيف " إن المحرك الجديد يعمل فقط على الكهرباء ويتم شحنه لمدة 6 ساعات ليعطي قدرة تشغيلية قادرة على تحريك السيارة مسافة 250 كيلو متر وبسرعة تصل إلى 100 كيلو متر في الساعة "
وقال الخزندار لشبكة اخباريات أن تكاليف المشروع تعتبر منخفضة مقارنة مع أي أجهزة أخرى يمكن أن تستورد من الخارج، لأن البطاريات المستخدمة في المشروع يتم تصنيعها في غزة وهناك بعض الأجهزة والمواتير الصغيرة المتوفرة وبتكلفة غير مرتفعة، حيث آن تكاليف المشروع لا تتجازور الأربعة آلاف دولار .
ويتحدث الخزندار هنا على أن الباعث على اختراع هذا المحرك الجديد هو حالة الحصار التي يشهدها قطاع غزة والحصار المشدد الذي أدى إلى قطع كافةإمدادات الوقود عن غزة.
من حصار اليابسة إلى قلب البحر...
كي يتجاوز الإنسان أي أزمة يتعرض لها فيجب عليه أولا أن يتجاوز في تفكيره كل شئ كي يتمكن من الوصول إلى المعقول من الحلول على أرض الواقع, فالحصار الإسرائيلي طال كل شئ ومنها الكهرباء مما أدى إلى تفاقم أزمتها يوما بعد يوم, فمن الكهرباء إلى البحر كانت المحاولة لحل هذه الأزمة من قبل الشباب في غزة, فارتأى ثلاثة من طلبة الهندسة المدنية في الجامعة الإسلامية في غزة بأن المخرج بالنسبة لهم هو البحر, فقاموا بابتكار جهازا يعمل على توليد الطاقة الكهربائية من خلال أمواج البحر, حيث يقوم هذا الجهاز بعمل شلالات اصطناعية داخل البحر, الشاب محمود ماهر جحجوح الخريج من كلية الهندسة المدنية بالجامعة الإسلامية واحد أعضاء فريق الابتكار يتحدث عن الاختراع " مميزات طاقة الأمواج هي أن كثافتها عالية جدا, فحين نذهب إلى أحد الشواطئ ونشاهد على مسافة كيلومتر واحد منه ونرى الكم الكبير من الأمواج التي تصطدم فيه بالدقيقة الواحدة, وبالمقارنة مع القوة التي تحدثها الأمواج والرياح فنجد أن القوة الموجية أضعاف مضاعفة من قوة الرياح"
ويضيف في سياق حديثه مع شبكة اخباريات عن الهدف الرئيسي لتوجههم إلى مثل تلك الاختراعات قائلا "وهكذا حاولنا العمل على القوة الموجية حيث كان الدافع الأساسي لنا هو محاولة التخفيف من حصارنا في قطاع غزة حيث أغلق من البر والبحر والجو وأصبحت موارد الطاقة شحيحة خاصة الكهرباء, ولا يوجد مهندس وطني ونزيه إلا ويفكر لحل هذه الأزمة, عرضنا على مشرفنا للعمل على هذا المشروع, وقد بدأ في هذه الفكرة زملاء قبلنا في الجامعة حيث صمموا نموذجا أوليا و كان مغامرة لكنه كان يفتقد للحسابات الدقيقة وبنفس الوقت نجح وتم توليد الطاقة"
ويؤكد جحجوح هنا عن أن هذا المشروع الذي بدأوا بالعمل فيه هو تطوير للمشروع السابق من حيث الكفاءة وبآلية حسابية دقيقة جدا بحيث أنه يخرج من دائرة المغامرة كما قال إلى دائرة إمكانية تنفيذه على أرض الواقع, حيث كلفهم الدكتور المشرف بالتعديل على هذا النموذج ومضاعفة كفاءته .
لا شئ مستثنى....
من الغاز المنزلي إلى الكهرباء حتى الماء كان كله في دائرة الاستهداف من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي, فكان الماء له نصيب من الإبداع, فكل الاختبارات أثبتت على أن نسبة المياه الصالحة للشرب من المياه الجوفية في قطاع هو أقل من ثمانية في المائة فقط مما يدلل على حجم الكارثة التي يتعرض لها الخزان الجوفي والإنسان في قطاع غزة نتيجة لصب مياه الصرف الصحي غير المعالجة في أي مكان سواء على اليابسة أو في البحر, ومن هنا صب طالبين جهدهما لمحاولة حل هذه المشكلة بشكل بسيط وفعال, حيث قام الطالبين سمير مطر وعمر مطر من قسم الهندسة البيئية في غزة باختراع جهاز يقوم على عملين بالأساس, الأول هو تنقية المياه غير المعالجة والثاني فحص المياه ومحاولة تنقيتها وتقطيرها أيضا, حيث يقول سمير شبكة اخباريات: " المشكلة تكمن بأن المياه الخارجة من محطات المعالجة في قطاع غزة تخرج معالجة بنسبة تقارب 75 بالمائة, وبعد خروج هذه المياه غير المعالجة بشكل كامل تصب في البحر ما سبب مشكلة, حيث أن البحر أصبح الآن ملوثا ولا يصلح للسباحة, ففكرنا في حل فعال لحل هذه المشكلة وتلافي صب المياه العادمة في البحر, فاخترعنا جهازا يستخدم الطاقة الشمسية المتجددة والمتوفرة بحيث أننا لو وضعنا هذه المياه العادمة وركزنا الطاقة الشمسية عليها فيمكن عن طريق التسخين والاشعات الموجودة في الطاقة الشمسية كالاشعة فوق البنفسجية وغيرها من الاشعات معالجة المياه وتعقيمها وقتل للميكروبات الخارجة من هذه المياه العادمة, وبالتالي ال25 في المائة من التلوث الموجود في المياه المعالجة في المرحلة الأولى سوف تتقلص بنسبة كبيرة جدا"
ويشير الطالب مطر إلى أن أهم انجاز لهم في هذا المشروع هو مشاركتهم به في المؤتمر الهندسي الثالث بالجامعة الإسلامية بغزة في شهر أكتوبر من عام 2010م, وتم وعدهم من أساتذة الجامعة بأن المشروع لن يتوقف عند هذا الحد من نتائج قد توصلوا إليها أو عند المؤتمر, بل سوف يعملون على جلب الدعم له ولعمل الفحوصات الأخرى والجديدة والتي تكون لازمة لأمور أخرى يمكن الاستفادة منها مستقبلا.
فالإبداع لا يتوقف والجهد الشبابي متواصل وحكاية المعاناة مستمرة, وأصوات الشباب المبدعين تتعالى في ظل إهمال ملحوظ لهم من قبل المسئولين والمؤسسات في قطاع غزة, ولسان حال هؤلاء الشباب المبدعين والمبعدين قصرا كان في مرحلة ما عن ساحة الإبداع العربية يقول لا تهملونا وإبداعاتنا.