منذ طفولته، كان واضحا أن ليونيل ميسي يتمتع بموهبة فريدة ، موهبة حفرت في أذهان سكان "لاباخادا"، الحي المتواضع الواقع جنوبي مدينة روساريو حيث لا تزال تعيش أسرته، وحيث ينزل هو كلما زار الأرجنتين.
وتقول والدته سيليا كوتشيتيني عن ولدها الثالث من أربعة أبناء ، والمولود في 24 حزيران/يونيو عام 1987 “كان مختلفا، مختلفا عن الجميع".
ويتفق مع هذا الرأي، أدريان كوريا، مدربه في قطاع الناشئين بنادي نيويلز أولد بويز الذي رحل عنه عام 2000 في سن الثالثة عشرة للانتقال إلى برشلونة، حيث يقول "كان لاعبا مختلفا".
ويعود كوريا، الذي يعاون حاليا مواطنه خيراردو مارتينو المدير الفني لمنتخب باراجواي لكرة القدم، بالزمن إلى الوراء ويقول "ذات ليلة، رأيت طفلا أعسر يعدو بالكرة كالماكينة. كان ليو".
ويؤكد المدرب أن ليو الصغير "كان يتمتع بغريزة تهديفية غير عادية، بتمريرات قصيرة وانطلاق بالكرة وقدرة على الاحتفاظ بها. كان لديه كل شئ".
وتحول ذلك الأعسر اليوم إلى أفضل لاعبي العالم وأمل الكرة الأرجنتينية في كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا.
ولا يزال المرمى مرسوما باللون الأحمر، على الحائط القديم لأحد المنازل المنخفضة في "لاباخادا" شاهدا على الأهداف الأولى للصغير المعجزة، الذي كان يلعب في الشارع مع أصدقاء، عادة ما كانوا جميعا أكبر منه سنا.
ويحكي مالك ذلك المنزل ، بفخر ، أن ميسي كان يلعب هناك، رغم أنه كان كثيرا ما ينهره ساعة القيلولة حينها لأن لوحات المنزل كانت تهتز جراء قوة تسديداته.
أما ميكانيكي الحي فيؤكد أنه "من المستحيل نسيان ليو".
ومكتشف ميسي يدعى سلفادور أباريسيو. فقد كان ينقصه لاعب واتفق مع عائلة ميسي على منح الطفل الصغير قميص برتقالي لفريق "جراندولي" للصغار، رغم أنه كان بسنواته الخمس أصغر بكثير من بقية زملائه.
و"جراندولي" هو ناد للناشئين يقع بالقرب من "لاباخادا" يملك ملعبا وحيدا من النجيل محاط بمجموعة من المساكن ذات الطابق الواحد.
وفي قاعة النادي الصغيرة، التي تستخدم كمخزن ومكتب وغرفة لتغيير الملابس وواجهة لعرض الصور والكؤوس، حفظت الإنجازات الأولى لميسي.
بالنسبة لأطفال كثيرين، تمثل تلك الصور القديمة عنوانا من الأمل في مستقبل مختلف عن ذلك الذي يحدق بالطبقات الفقيرة في الأرجنتين.
نفس تلك الابتسامة ترتسم اليوم على شفاه الصغار الذين يعيشون في "لاباخادا" عندما يسئلون عن ميسي. أسطورة ميسي لا تزال حية في ذلك الحي، رغم أن بعضهم لا يملك حتى كرة ليقلد بها مثله الأعلى.
ورأته جماهير نيويلز وهو ينضج كرويا في مقر النادي بحي "بيلا فيستا". ويقول كوريا "كان يلعب الدوري الافتتاحي لإقليم روساريو والناس كانت تأتي ساعتين مبكرا فقط لكي تراه، ما كان يفعله بالكرة كان مذهلا".
ويؤكد المدرب أنه "كان من المستحيل" أن يجلس ميسي "خمس دقائق على مقاعد البدلاء لأن الفريق كان يحتاجه". لكن ذات مرة كان عليه ألا يلعب وهو ما علمه "أننا جميعا سواء".
ويقول المدير الفني "ليو يتمتع بشخصية متميزة جدا، إنه يعرف ما يريد، ولن يدع أحدا يقضي عليه، هو في المقدمة دائما. أنظر كيف يتعرض للضرب من قمة رأسه حتى أخمص قدميه منذ كان طفلا، ومع ذلك يواجه الأمور ببنيانه هذا حتى وسط المدافعين العمالقة”.
ومع عدم رغبة الأندية الأرجنتينية في مواجهة مشكلات النمو التي كانت تهدد بوقف مسيرته الرياضية الواعدة، وجد والداه في عرض برشلونة شعاعا من الأمل وانتقلت الأسرة إلى أسبانيا.
وبفضل معرفته بجوهر ليونيل ميسي الطفل، يتفهم كوريا وضعه الحالي في المنتخب الأرجنتيني ، فالضغوط التي تضعها عليه الجماهير الأرجنتينية كبيرة في ظل شعورها بالإحباط لأنه لم يقدم بعد مع راقصي التانجو الأداء المذهل الذي يظهر به مع النادي الكتالوني.
ويقول "لم يرغب ليو قط في أن يكون النجم المتألق واللاعب الذي إذا غاب لا يستطيع الفريق أن يلعب. على العكس، لطالما كان متواضعا وهادئا. لكنه قائد كروي، لا أعرف إذا ما كان قائدا بذكائه أو بطبيعته. إنه لاعب يصنع الفارق دائما وقادر في دقيقة على أن يغير أوضاع مباراة ما. لابد من منحه ذلك الحيز".