يسمع المواطن العادي كل مرة عن استثمارات في رؤوس الأموال والصناعة والفلاحة وفي السياحة ومجالات عدة ،ولكنه لا يشعر بالملموس في حياته اليومية على الأقل في الوقت الراهن، ولا يشعر بأن ذالك يعنيه بصفة مباشرة، لأن الأمر يتطلب الجهد والوقت والكثير من الأموال والأفكار والمشاريع ، ولكن الاستثمار السهل الذي أعود للحديث عنه في كل مرة هو في كرة القدم والرياضة و في هذه الروح السائدة اليوم لدى الجزائريين في الداخل والخارج بفضل منتخب كرة القدم ، وفي هذا التجاوب الرسمي والجماهيري منذ رحاة تصفيات كأس العالم 2010 .
أنا لاأقصد التوجه نحو الاستغلال السياسي للعبة ولنتائج المنتخب ، ولا أقصد الاهتمام فقط بكرة القدم دون المجالات الأخرى ، ولا أقصد أيضا تقزيم الجزائر وحصرها، في منتخبها وفي كرة القدم فحسب ،ولكنني لاأتمنى تفويت هذه الفرصة الذهبية دون الاستثمار فيها خاصة و أن الأمر لا يتطلب رؤوس أموال وجهود كبيرة كما في المجالات الأخرى ..
الاستثمار الفعلي والمفيد والمربح الذي أقصده هو في هذه الروح الوطنية السائدة في الأوساط الشعبية التي استعادت ثقتها في قدراتها، و اعتزازها بوطنها، وهي مهيأة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكي تتجاوب مع مشروع المجتمع الذي نريده لأبنائنا وأجيالنا القادمة.
الاستثمار في ظاهرة انتشار الراية الوطنية في مختلف ملاعب العالم بفضل جماهيرنا و لاعبينا الذين لايخجلون من انتمائهم كما كان الشأن في السابق، ولا يترددون في ذكر الجزائر وأفضال الجزائر عليهم في كل المواقع والمواقف .
الاستثمار في إقبال الشباب على ممارسة الرياضة وكرة القدم ورغبتهم في تحقيق ذاتهم، وتقديرهم للجهد وضرورة البذل من أجل النجاح، بعدما كانت الكرة الجزائري لسنوات رمزا للفشل والإخفاق.
الاستثمار في هذه الهبة الوطنية ، والتناغم الشعبي والرسمي في المواقف وردود الفعل على كل من يتجرأ ويسيء إلينا ، وكل من كان يعتقد بأن الجزائر قتلها وقضى عليها الاستعمار والإرهاب والمشاكل والأزمات .
الاستثمار في هذا الاستعداد الغير مسبوق للاعبين المزدوجي الجنسية الذين يحلمون بالالتحاق بالمنتخب الجزائري الذي لم يعد يختلف في القيمة عن أي منتخب وأي بلد في العالم لإعادة اللحمة مع ملايين الجزائريين الذين يعيشون خارج الوطن.
الاستثمار في تجاوب السلطات العمومية لمتطلبات الكرة من خلال تجسيد الإجراءات المتخذة مؤخرا على مستوى الحكومة ، إدراكا منها بأن الاحتراف هو السبيل الوحيد للنهوض بالكرة عندنا .
الاستثمار في روح الانتصار والتحدي والتفوق والتألق التي صارت تلازم كل جزائري وكل عائلة وجمعية ومؤسسة، وفي كل المجالات منذ التأهل إلى المونديال .
الاستثمار في عودة الأمل إلى نفوس الجزائريين في جزائر أفضل وأقوى ، وجزائر تقدر الجهد والعطاء ولا يتحالف أبنائها مع أعداء النجاح ، ولا يتقاتلون من أجل المال والجاه ، ولا يختلفون حول مبادئ الحق والعدل، ويجتمعون من أجل الوطن ..
وبعد أن استثمرنا في روح نوفمبر لأكثر من نصف قرن ،نريد الاستثمار في روح أم درمان التي سنلعب بها في المونديال وما بعد المونديال، و نستثمر بنفس الروح في كل مجالات الحياة ، ونواصل بها المشوار بعيوبنا ونقائصنا دون رؤوس أموال كبيرة.
hafder@yahoo.fr
" نقلا عن جريدة الهداف الجزائرية "