هجرة الطيور . الطيور . إلى أين تهاجر الطيور . معلومات عن هجرة الطيور
كيف تحدد الطيور طريق هجرتها؟
تحت ضغط رغبة داخلية لاتقاوم يقوم حوالي مليارين من الطيور بالهجرة مرتين في العام قاطعين مسافات هائلة عبر الصحاري وقمم الجبال العالية والمحيطات. بدقة عالية للغاية تصل هذه الطيور الى هدفها في وقت واحد يتطابق مع الوقت التي وصلت فيه في العام السابق. مالذي يجعلهم قادرين على ذلك؟
نصف انواع الطيور المعروفة وعددها 10000 طير، هي من الطيور المهاجرة. من خلال تنقلهم بين منطقة وضع البيض التفقيس في الربيع وبين منطقة قضاء فصل الشتاء يتمكن الطيور من الحصول على افضل الظروف. بعض الانواع تصل المسافة التي تقطعها في هجرتها الى 50 الف كيلومتر في السنة، البعض الاخر تستمر بالطيران بدون انقطاع لمدة تصل الى 100 ساعة. وبالرغم من ان هذه الارقام تثير الاندهاش إلا ان منظومة تحديد الاتجاهات عند الطيور هي التي اعطاها العلماء اغلب اهتماماتهم.
الان نعلم ان الكثير من عادات الطيور المتعلقة بالهجرة هي عادات وراثية، ولكن توجد انواع من الطيور تقوم بتلقين افراخها طريق الهجرة لينتقل هذا العلم عبر الاجيال. وبالرغم من ان الطيور تتعلم طريق هجرتها ذهابا وايابا ولكن العلماء اكتشفوا ان هناك بعض الطيور تختار ان تغير هذا الطريق وحتى ان تغير المنطقة التي تتوجه اليها. هذا الاكتشاف مهم للغاية، إذ يشير الى ميكانيزم اكتشاف الطيور لطرق جديدة.
عام 1899 قام المعلم الدانماركي Christian Cornelius بوضع، لاول مرة، حلقات حديدية حول اقدام الطيور، من اجل اكتشاف اين يختفون في الشتاء، ومنذ ذلك الوقت جرى تأشير 200 مليون طير. وبالرغم من انه لم تعد الا كمية قليلة من هذه الحلقات إلا انها اعطت معلومات هامة عن مكان إقامة الطيور عبر الفصول.
الحلقات في ارجل الطير كشفت طرق هجرة الطيور ولكنها لم تكشف كيفية معرفتها للاتجاه الصحيح. من اجل دراسة طريقة الطيور في تحديد الاتجاه وضع العلماء طيور مهاجرة في قبة كبيرة مغلقة. وجود الطيور في مكان مغلق لم يمنع شعورهم بالقلق الذي يبدأ في وقت الهجرة ويجبرهم على ترك اماكن اقامتهم. هذا القلق لايزول حتى ولو قام العلماء بنقل الطيور الى الطرف الاخر من الكرة الارضية. في السعي لمعرفة العوامل البيلوجية التي تقف خلف نشوء هذا القلق، قام العلماء بوضع الطيور في بيئة ذات حرارة ثابتة ولكن ضوء متغير. وحتى عندما لاتكون الطيور في بيئتها الطبيعية يبدأ القلق عندها تقريبا في نفس الوقت الذي يبدأ عند الطيور الاخرى. الان نعلم ان هذا القلق لاعلاقة له بالعوامل الخارجية وانما ينطلق بالارتباط مع ميكانيزم بيلوجي في داخل الطيور.
الطيور في القبة البيضاء المغلقة تعطي الامكانية لمعرفة الاتجاه الذي يختاره الطيور. عند بدء القلق يحدد الطير على الفور الاتجاه الذي سيذهب اليه، وعلامات اقدامه على الحائط تشير بوضوح الى اصراره. القلق ليس فقط اشارة للبدء بالرحلة وانما ايضا حافز لتحديد الاتجاه وهو يستمر بضعة ايام، ويمكن قرائته عمليا بالشكل التالي " استمر بالطيران لمدة ستة ايام بهذا الاتجاه تصل الى المنطقة المطلوبة".
السؤال الكبير هو كيف تعلم الطيور ان هذا الاتجاه الى الجنوب وذلك الى الشمال؟
من اجل الاجابة على هذ السؤال تم بناء العديد من الوسائل داخل قاعة دائرية كبيرة، مثل حقل مغناطيسي واضاءة قوية تمثل الشمس وبالامكان تغيير موقعها، كما تم انشاء قبة سماوية يمكن التحكم بمواقع النجوم فيها، وتم تجربة سماء صافية وسماء مليئة بالغيوم. لقد قاموا بنقل طيور من اماكن جغرافية بعيدة من اجل دراسة فيما إذا كان المكان الجديد قادر على ان يؤثر على قدرتهم على تعيين الاتجاهات. كلما زادت التجارب تعقيدا كلما اصبحت الصورة عن قدرات الطيور اكثر كمالا.
لقد ظهر ان الطيور تملك العديد من الطرق لإلتقاط الاشارات الضرورية لتحديد الاتجاه. في الايام الصافية تقوم الطيور بإستخدام الشمس لتحديد الاتجاه، ولكن الشمس لوحدها لاتكفي اذا تفترض قدرة الطيور على معرفة خط سير الشمس في مختلف ساعات النهار. في الليل تكون النجوم وسلة اكثر ثقة لتحديد خط السير بمساعدة نجم الشمال.
في الايام الغائمة تستخدم الطيور الحقل المغناطيسي للارض من اجل تحديد الاتجاه. ولكن لاتقرأ الطيور اتجاه الشمال الغربي كما نفعل نحن بإستخدام البوصلة وانما يشعرون بزاوية الحقل المغناطيسي مع سطح الارض. بالاقتراب من القطب المغناطيسي تصبح الخطوط المغناطيسية بإتجاه ان تكون قائمة مع سطح الارض، في حين تتوازى مع سطح الارض قرب خط الاستواء. لذلك فان خطوط الحقل المغناطيسي تعطي معلومات لاتتعرض للتغيير بسبب حالة الطقس. عندما يقوم العلماء بتقديم معلومات متعارضة بين حالة النجوم في القبة السماوية وبين الحقل المغناطيسي تختار الطيور الحقل المغناطيسي.
بعض الانواع لها القدرة على الطيران لمسافات طويلة، ليلا ونهارا، دون توقف. هذه القدرة هامة للغاية للتمكن من عبور الصحراء الكبرى مثلا، التي تمتد 2000-3000 كيلومتر بدون طعام او ماء. قبل بدء رحلتهم لعبور الصحراء تقوم الطيور بأكل طعام غني بالدهون. قام العلماء السويديين ببحث العوامل التي تحفز شهية الطيور على الاكل قبل رحلة الصحراء. لقد قاموا بتعريض نوع من الطيور الى اشعة مغناطيسية تشبه الاشعة الموجودة في شمال الصحراء الافريقية. النتائج ظهرت بسرعة. الطيور بدأت بالاكل السريع وكأنهم امام رحلة الصحراء مع انهم لازالوا في المختبر السويدي.
المعطيات الجديدة عن هجرة الطيور تظهر بوضوح ان هذه العملية تخضع لتحكم العديد من الظواهر الطبيعية. بعض الطيور مثل Cuculus canorus (gökunge), لاتتعلم الطريق من والديها ولذلك فأن خارطة الطريق لابد انها موجودة في المورثات، وهذه الطيور تهاجر الى جنوب افريقيا، بغض النظر فيما اذا قام بتربيتها طيور اخرى مثل rörsångar التي تقوم بالهجرة الى غانا او إذا ربتها طيور svarthättan (القبعة السوداء) وتسمى باللاتيني Parus palustris الذي تقوم بالهجرة الى جنوب انكلترا.
الباحثين الالمان استخدموا نوعين من طيور القبعات السوداء احدهم يعيش في جنوب المانيا والاخر في النمسا من اجل اثبات ان القلق الذي يفرض الهجرة تتحكم فيه الجينات. هذين النوعين يصلون الى مناطق هجرتهم عبر طريقين مختلفين. النوع الالماني يبدأ الهجرة في الخريف في اتجاه الجنوب الغربي، في حين النوع النمساوي يتوجه الى الجنوب الشرقي عبر البلقان. عندما قام العلماء بتزويج النوعين بين بعضهم البعض جاءت الافرخ تحمل مورثات من كلا الطرفين وانعكس ذل على الطريق التي اختارته الافراخ، لقد اختاروا طريقا وسط بين الطريقين، واصبحوا يتجهون مباشرة الى الجنوب.
عندما قام الباحثين الالمان بتزويج طيور القبعة السوداء الالمانية مع مثيلتها من جزر افريقية تتميز بكونها لاتهاجر على الاطلاق ظهرت الافراخ بمواصفات جديدة. القبعة السوداء الالمانية يستمر وقت قلقها 450 ساعة، في حين الافراخ المشتركة لم تكن تملك الا 210 ساعة من القلق المؤهل للهجرة. بمعنى اخر نصف الوقت الموجود عند احد الاباء. هذا الامر يدل بوضوح على ان القلق الباعث على الهجرة وخريطة الطريق كلاهما موجودين مسبقا في المورثات، عند هذا النوع من الطيور.
وحتى لو كانت المورثات تملك اهمية بالغة عند هذا النوع من الطيور لتقرير مستقبل بدء الهجرة وخط السير الا ان ذلك لايعني ان الامور باكملها مُتحكم بها ببرنامج مكتوب مسبقا. لقد اظهرت هذه الطيور قدرتها على التعامل الخلاق مع اختيار الطريق واختيار وقت بدء الهجرة. قبل بضعة عشرات السنين كانت القبعة السوداء نادرة في انكلترا، ولكن منذ عام 1960 اصبحت تقضي الشتاء في جنوب انكلترا. هذه المجموعة انحدرت عن المجموعة الالمانية ولاقت نجاحا في اختيارها. ببضعة سنوات تمكنوا من ان يصبحوا مجموعة مستقلة بذاتها.
هذه المجموعة برهنت على قدرات التطور الكامنة، من اجل التلائم مع معطيات البيئة المتغيرة. خلال 20-10 جيل تحولت هذه المجموعة من طيور مهاجرة لمسافات متوسطة الى طيور مهاجرة لمسافات قصيرة. العلماء يسمون هذه الظاهرة بالتطور الاصغر. مالذي جرى لهذه الطيور خلال هذه الفترة القصيرة تجاوز كل توقعات العلماء حول شكل التطور عند فصيلة الحيوانات الفقرية