تمهيد:
*يجدر بنا قبل دراسة بعض نماذج الأدب الجاهلي من (الشعر والنثر) وإن كان النثر قليلا جدا مقارنة بالشعر أن نقدم بهذه اللمحة عن بيئة الأدب،و مظاهر الحياة العربية المختلفة من سياسية، واجتماعية، ودينية وعقلية فالأدب صورة للحياة وللنفس وللبيئة الطبيعية و الاجتماعية.
*ويطلق الأدب الجاهلي على أدب تلك الفترة التي سبقت الإسلام بنحو مائة وثلاثين عام قبل الهجرة.وقد شب هذا الأدب وترعرع في بلاد العرب،يستمد موضوعاته ومعانيه،ويستلهم نظراته وعواطفه من بيئتها الطبيعية والاجتماعية والفكرية،ويحدد لنا بشعره ونثره فكرة صادقة عن تلك البيئة.مما يعين الدارس على فهم أدب ذلك العصر،واستنتاج خصائصه التي تميزه عن سائر العصور الأدبية التي جاءت بعده مع أن الكثير منه مجهول لضياع أثاره ولا نعرف عنه إلا القليل.
لغة العرب:
*اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية التي نشأت عن أصل واحد،وهي:(الاشورية والعبرية والسريانية والحبشية)،وتقتصر اللغات العربية في كتابتها على الحروف دون الحركات،ويزيد حروفها عن اللغات الآرية مع كثرة الاشتقاق في صيغها وقد مرت اللغة العربية بأطوار غابت عنها مراحلها الأولى،ولكن مؤرخي العربية اتفقوا على أن للعرب منذ القديم لغتين:جنوبية أو قحطا نية،ولها حروف تخالف الحروف المعروفة، وشمالية أو عدنانية،وهي أحدث من لغة الجنوب،وكل ما وصلنا من شعر جاهلي فهو بلغة الشمال،لأن الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم إما من قبيلة ربيعة أو مضر،وهما منا القبائل العدنانية،أو من قبائل يمنية رحلت إلى الشمال، كطيئ وكندة و تنوخ،وقد تقاربت اللغتان على مر الأيام بسبب الاتصال عن طريق الحروب و التجارة والأسواق الأدبية كسوق عكاظ قرب الطائف،وذي المجاز و مجنة قرب مكة. وبذلك تغلبت اللغة العدنانية على القحطانية،وحين نزل القران الكريم بلغة قريش،تمت السيادة للغة العدنانية،وأصبحت معروفة باللغة الفصحى. وقد كان لنزول القران بها اثر في رقيها وحفظها وإثرائها بكمية هائلة من الألفاظ و التعبيرات و المعاني مما أعان على بسط نفوذها،واستمرار الارتقاء بها في المجالات العلمية والأدبية إلى عصرنا الحالي.
*حياة العرب العقلية:
*العلم نتيجة الحضارة،وفي مثل الظروف الاجتماعية التي عاشها العرب،لا يكون علم منظم،ولا علماء يتوافرون على العلم،يدونون قواعده و يوضحون مناهجه إذ أن وسائل العيش لا تتوافر،ولذلك فإن كثيرا منهم لا يجدون من وقتهم ما يمكنهم من التفرع للعلم،والبحث في نظرياته وقضاياه.
*وإذا كانت حياة العرب لم تساعدهم على تحقيق تقدم في مجال الكتب والعمل المنظم،فهناك الطبيعة المفتوحة بين أيديهم،و تجارب الحياة العملية وما يهديهم إليه العقل الفطري،وهذا ما كان في الجاهلية،فقد عرفوا كثيرا من النجوم ومواقعها،والأنواء وأوقاتها،واهتدوا إلى نوع من الطب توارثوه جيلا بعد جيل،وكان لهم سبق في علم الأنساب والفراسة،إلى جانب درايتهم القيافة والكهانة،كما كانت لهم نظرات في الحياة. *أما الفلسفة بمفهومها العلمي المنظم،فلم يصل إليها العرب في جاهليتهم ،وإن كانت لهم خطرات فلسفية لا تتطلب إلا التفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون،من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد،من مثل قول زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
*واكبر ما يتميز به العرب الذكاء وحضور البديهة وفصاحة القول لذلك كان أكبر مظاهر حياتهم الفكرية: لغتهم وشعرهم وخطبهم ووصاياهم و أمثالهم.
أغراض الشعر الجاهلي:
وأغراض الشعر الجاهلي التي نريد بسط القول فيها هي: المدح، الجاء، الرثاء، الفخر، الوصف، الغزل، الاعتذار، الحكمة، مع أن القصيدة العربية الواحدة تشمل عدداً من الأغراض؛ فهي تبدأ بالغزل ثم يصف الشاعر الصحراء التي قطعها ويتبع ذلك بوصف ناقته، ثم يشرع في الغرض الذي أنشأ القصيدة من أجله من فخر أو حماسة أو مدح أو رثاء أو اعتذار، ويأتي بالحكمة في ثنايا شعره فهو لا يخصص لها جزءاً من القصيدة.
ومن أهم أغراض الشعر الجاهلي المدح فلنبدأ به:
الهجـاء:
سبيل الشاعر إلى غرض الهجاء وهدفه منه: تجريد المهجو من المُثًل العليا التي تتحلى بها القبيلة، فيجرد المهجو من الشجاعة فيجعله جباناً، ومن الكرم فيصفه بالبخل، ويلحق به كل صفة ذميمة من غدر وقعود عن الأخذ بالثأر بل إن الشاعر يسعى إلى أن يكون مهجوه ذليلاً بسبب هجائه، ويؤثر الهجاء في الأشخاص وفي القبائل على حد سواء فقبيلة باهلة ليست أقل من غيرها في الجاهلية ولكن الهجاء الذي تناقله الناس فيها كان له أثر عظيم وهذا هو السر الذي يجعل كرام القوم يخافون من الهجاء ويدفعون الأموال الطائلة للشعراء اتقاء لشرهم.
وممن خاف من الهجاء الحارث بن ورقاء الأسدي؛ فقد أخذ إبلاً لزهير ابن أبي سلمى الشاعر المشهور، وأسر راعي الإبل أيضاً فقال فيه زهير أبياتاً