الفائزون بجائزة نوبل..أحدثوا تغييرا في حياة البشرية
وضعوا منذ 4 عقود الأسس العلمية لنقل البيانات عبر الألياف البصرية والتصوير الرقمي المستخدمة في الفحص الداخلي للجسم
جورج إي سميث
ويلارد بويل
تشارلز كي كاو
واشنطن: ديفيد براون*
معذرة في السؤال، ولكن اسمحوا لي أن أسألكم هل أجرى أحدكم فحصا للقولون من قبل؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فعليك أن تشكر تشارلز كي كاو وويلارد بويل وجورج إي سميث الذين فازوا بجائزة نوبل في الفيزياء الأسبوع الماضي.
فمنذ أربعة عقود مضت وضع هؤلاء العلماء الأسس العلمية لنقل البيانات عبر الألياف البصرية (الضوئية) والتصوير الرقمي، وهاتان التقنيتان تستخدمان الآن جنبا إلى جنب ـ أو بالأحرى إحداهما قبل الأخرى ـ في الفحص الداخلي للجسم والمستخدمة على نطاق واسع في التشخيص الطبي والجراحة.
من المعروف أن الألياف البصرية مسؤولة عن نقل الكثير من المعلومات والصور والأصوات دون توقف حول الكرة الأرضية. وقد حوّل «الجهاز المزدوج الشحنة» أو المكونات الداخلية للكاميرا الرقمية أسلوب تسجيل الصور من عملية كيميائية إلى عملية إلكترونية. وقلما يوجد اختراع حصل على جائزة نوبل ترتبط بحياة المواطن العادي أكثر من هذا الاختراع.
فريدريك ديلا، مدير المعهد الأميركي للفيزياء، قال معلقا «إذا ما قرنا الاختراعين معا، فربما يكونان صاحبي التأثير الأكبر على حياة البشر أكثر من غيرهما خلال السنوات الخمسين الماضية». ولكن في الواقع على الرغم من أن هذين الاكتشافين ارتبطا بأسس نظرية كبيرة فإنهما جوبها لدى تطويرهما بمشاكل عملية جدية. لقد عمل كاو عندما كان مهندسا شابا في بداية عقد الستينات من القرن الماضي في مختبرات ستاندارد تيليكوميونيكشين لابوراتوريز للاتصالات، وهي الذراع البحثي لشركة هاتف بريطانية، وكانت أبحاثه تدور حول إمكانية استخدام الضوء كبديل لموجات الميكرويف في نقل المعلومات عبر المسافات البعيدة. غير أن المشكلة التي واجهته كانت أن أشعة الضوء المرسلة في الفضاء غير مستقرة، ولذا فكر كايو في إمكانية استخدام الزّجاج كموصل.
ولكن في حين يمر الضوء بصورة طبيعية في الزجاج بخط مستقيم، جاء عمل كاو ـ الذي ساعده العديد من المهندسين والعلماء ـ دليلا على أنه تحت شروط معينة يمكن دحض هذا التعميم، العموميات، فأحيانا يمكن حفظ بعض الضوء داخل الألياف الزجاجية كحفظ الماء في الأنابيب. وهذا ما أنجز عبر استغلال ميل الضوء إلى الانحناء عندما يمرّ من وسيط شفاف إلى آخر. وهي الظاهرة التي تسمى «انكسار الضوء» التي تحدث لأن سرعة الضوء تنخفض وموجاته تقصر عندما تدخل مادة «أبطأ» (عادةً ما تكون أكثر كثافة).
ولقد أدرك كاو والفيزيائيون الآخرون أنه إذا ما سلط أشعة من الضوء على ليفة زجاجية لها خصائص بصرية معينة، فإن الزاوية التي ينكسر عندها الضوء لدى اصطدامه بحد زجاجي، ستحافظ على بعض الأشعة على الأقل داخل الليفة وهو ما يجعلها تتراقص بين الجدارين. إنه جزء من هذه الأشعة، لكنه غير كاف. وفقط يتبقى 1% منها بعد قطعها مسافة 50 قدما، أما باقي الأشعة فقد تبدد في الزجاج، أو امتصته الذرات أو الجزيئات داخل الزجاج ذاته. بدا الأمل معدوما، إلى أن تمكن كاو وزميله الخبير في النظريات جورج هوكهام من إنجاز بعض العمليات والحسابات، وقرّرا أنه إذا ما أمكن إزالة الشوائب التي تبدد أشعة الضوء في الزجاج، وإذا ما استخدما طول موجة لا يمكن لجزيئات الزجاج امتصاصها سيكون بإمكانهما نقل المزيد والمزيد من الضوء داخل الليفة البصرية. حسب تشيري موراي، عميدة كلية الهندسة والعلوم التطبيقية في جامعة هارفارد ورئيس جمعية الفيزياء الأميركية «لا أعتقد أن أحدا فكر في ذلك من قبل، وهذا هو ما اتضح جليا الآن». ومن المؤكد أن هذا ما يصدق على أهم الاكتشافات العلمية.
بعد أربع سنوات، وبعد نشر كاو وهوكهام بحثهما عام 1996 أنتجت شركة كورنينغ لصناعة الزجاج في الولايات المتحدة ليفة زجاجية تحمل نفس الأوصاف التي حددها الباحثان. واليوم تحفظ الألياف البصرية ـ المكسوة بمادة تمنع الاحتكاك لدى ضمها في حزمة واحدة ـ 95% من الضوء في نهاية كيلومتر (0.62 ميل). كاو أشار خلال مقابلة أجريت معه عام 2004 إلى سعادته بتضافر الكثير من السمات في اختراعه، إذ قال: «المادة رخيصة جدا، فإنني توجّهت صوب أرخص مادة على الأرض»، في إشارة إلى أن السيليكون الذي يعدّ المكون الرئيس للزجاج والذي يمثل 26% من وزن القشرة الأرضية. وأردف «ثم إن الألياف ذاتها متينة جدا جدا. إنها أرخص وأقوى مادة يمكنك استخدامها».
هذا، وأحسن ويلارد بويل وجورج سميث، العالمان الآخران اللذان تقاسما الجائزة مع كاو، استغلال السيليكون على الرغم من اختلاف النتائج. ولقد عمل العالمان في أواخر الستينات في مختبرات بل في ولاية نيوجيرسي الأميركية على تطوير أجهزة الذاكرة وتخزين المعلومات. وكان الهدف الرئيسي من أبحاثهما إزالة صدى الصوت المزعج الذي ينتج في بعض الأحيان في المكالمات الهاتفية بين المسافات البعيدة.
واستخدم العالمان مجموعة من المربّعات الصغيرة المصنوعة من مادة شبه موصلة من السيليكون، إذ إن «أشباه الموصلات» تستطيع توليد شحنة كهربية على الرغم من أنها ليست بمستوى المعادن والموصلات الأخرى. ومن ثم يمكن للإلكترودات (القضبان الكهربية) الحفاظ على الشحنات في أماكنها ومنعها من التشتت. وعلى غرار حجارة الدومينو ذات القيم المختلفة، يعمل صف من مربعات «أشباه الموصلات» تسمى «بيكسلز» مرتبطة بالإلكترودات على الحفاظ على الشحنات المختلفة. وإذا ما تم وضع مجموعة بصورة صحيحة يمكن للشحنات أن تنتقل من «البيكسلز» وتقرأ.
عام 1969 بنى بويل وسميث أول نموذج لجهازهما. بيد أنهما عندما قاما بتجربته لاحظا أنه يعمل بصورة أفضل عندما تطفأ أضواء المختبر. وبعد فترة من التفكير أدركا أن الضوء الساقط على «أشباه الموصلات» تحول إلى طاقة كهربية (تفسير هذه الظاهرة، يسمى التأثير الكهروضوئي» وهي التي منحت ألبرت أينشتاين جائزة نوبل عام 1921). وبالتالي، إطفاء الأضواء في المعمل أمكن ضبط الوضع.
وهذا ما يشرحه أنتوني تايسون الذي عمل في مختبر بل مع الرجلين، والذي يعمل الآن أستاذا للفيزياء في جامعة كاليفورنيا ـ ديفيس، بقوله: «لقد وضعا اثنين واثنين معا واكتشفا أنهما اخترعا آلة تصويرية».
وهكذا، عبر مزج ـ التأثير الكهروضوئي ـ ميل الضوء لطرد الإلكترونات من الذرة لخلق شحنة كهربائية ـ والقدرة على الحفاظ ونقل مجموعة كاملة من الشحنات بصورة منظمة تمكن العالمان من وضع أساس التصوير الرقمي.
وكما تبين فإن «الجهاز المزدوج الشحنة»، كما يطلق على «مستشعرات الصور»، هو أكثر حساسية بـ100 من المستحلب التصويري في مجال اكتشاف الضوء، وهو ما جعله مثاليا بالنسبة لمشروع أنتوني تايسون الحالي. فتايسون اليوم مدير تليسكوب الأبحاث المسحي الضخم الذي تقرّر البدء في إنشائه العام المقبل على قمة جبل في شيلي (أميركا الجنوبية). وسيحتوي هذا التليسكوب على كاميرا رقمية بقدرة 3 مليارات بيكسلز، وهو ما يجعله التليسكوب الأضخم في العالم. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من العمل به في 2015 ومن ثم سيتمكن من تصوير فيلم للسماء يمكن للجمهور مشاهدته وقت حدوثه.
وفي الأسبوع الماضي قال تايسون عن المشروع: «إن التليسكوب سيكون نافذة جديدة تماما على العالم بواسطة الجهاز الذي اخترعه سميث وبويل. لقد أحدث التصوير الرقمي تقدما في عدد من المجالات بدءا من الطب إلى الطاقة المظلمة الكونية».