ThE sIleNt
عضو فضي
مشاركات : 2951
العمر : 124 الجنس : الدولة : sireio المدينة : بلد الفقر و السعادة تاريخ التسجيل : 28/03/2012
| موضوع: تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الأربعاء مايو 01 2013, 15:04 | |
| المقدمة : المسؤولية المدنية هي الالتزام بتعويض الضرر المترتب على الإخلال بالتزام أصلي سابق، والالتزامات الأصلية ينشأ بعضها من العقد، والبعض الآخر من القانون. لذا فقد جرى الفقه على التمييز بين نوعين من المسؤولية المدنية، فتعرف المسؤولية الناشئة عن الإخلال بالتزام عقدي مسؤولية عقدية، والمسؤولية المترتبة عن الإخلال بالتزام قانوني مسؤولية تقصيرية([1])، ويفترض النوع الأول من المسؤولية قيام رابطة عقدية بين المسؤول والمضرور، أما المسؤولية التقصيرية فتقوم حين تنتفي هذه الرابطة بينهما. ومتى أخل شخص بالتزام مقرر في ذمته وفسقا لأحد نوعي المسؤولية المدنية، وترتب على هذا الإخلال ضرر للغير، أصبح مسؤولا قبل المضرور وملتزما بتعويضه عما أصابه من ضرر. ولقد كان الالتزام بالتعويض عن الضرر يقوم على فكرة عقاب المخطئ في ظل الشرائع البدائية والقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، ثم بدأ التعويض يقتصر على الوظيفة الإصلاحية التي تهدف إلى جبر الضرر وهذا في ظل فقه الشريعة الإسلامية من ناحية وفيما خلص إليه القانون الفرنسي القديم، لتصبح هذه الوظيفة هي الوظيفة الوحيدة للتعويض بوضع التقذين المدني الفرنسي([2])، وتنفصل بذلك المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجنائية. ولقد قنن المشرع الجزائري أحكام التعويض في المواد من 124 إلى 133 ثم من المادة 182 إلى 187 من التقنين المدني مستمدا إياها من التقنين الفرنسي، ناقلا الفكر الذي استقر عليه هذا الأخير، باعتبار أن وظيفة التعويض هي الإصلاح لا عقاب المخطئ. وإن كان الأمر لا يتوضح في الإصطلاح العربي المخصص لفكرة جبر الضرر، وهو مصطلح "التعويض" من خلال المواد السالفة الذكر، فإن استعمال مصطلح "réparation" باللغة الفرنسية، والذي يترجم إلى العربية "بالإصلاح" لا يدع مجالا للشك حول نية المشرع من تقرير التعويض. وتهدف الوظيفة الإصلاحية للتعويض إلى جبر الأضرار اللاحقة بالمضرور، دون حاجة إلى التعويض الكامل الذي ارتبط بتأسيس المسؤولية على الذنب الأخلاقي. وبابتعاد المسؤولية عن هذا الأساس بدأت فكرة التعويض الكامل تقل ليحل محلها التعويض العادل. وتقدير هذا التعويض قد يقوم به المشرع بالنص الصريح أحيانا أو عن طريق تحديد المسؤولية بحد أقصى أحيانا أخرى، وهو التقدير القانوني للتعويض، وقد يتركه لاتفاق الأطراف يقومون به وفقا لما يبدو لهم من ظروف المعاملات وملابساتها وهو التقدير الإتفاقي للتعويض، وفي كلا حالتي التقدير هاتين يكون القاضي ملزما بهذا التحديد. وأخيرا قد يمنح المشرع حرية مطلقة للقاضي لتقديره، وذلك هو التقدير القضائي للتعويض. وهذا هو الأساس الذي اعتمدت عليه في إعداد هذه الدراسة، فجعلت "القاضي" هو محور تقسيمها، لأني أردتها أن تكون دراسة تطبيقية، فقسمت البحث إلى فصلين جعلت الفصل الأول للتقدير الملزم للقاضي والذي يشمل التقدير القانوني والتقدير الإتفاقي للتعويض، أما الفصل الثاني فخصصته للتقدير القضائي للتعويض وعنونته بحرية القاضي في تقدير التعويض، لأنه متى زال النص أو الإتفاق المحدد للتعويض أطلقت يد القاضي في تقديره وفقا لضوابط معينة سنبينها من خلال هذه الدراسة. وقد قسمت هذا الفصل بدوره إلى شطرين، خصصت الشطر الأول لتحديد المجال الذي ينصب فيه التقدير القضائي للتعويض وهو الضرر المستحق للتعويض .أما الشطر الثاني فيتعلق بسلطة القاضي في تقدير هذا التعويض ورقابة المحكمة العليا عليه.
الخطـة
الفصل الأول : التقدير الملزم للقاضي. المبحث الأول : التقدير القانوني للتعويض في المسؤولية المدنية. المطلب الأول : التحديد القانوني للتعويض – التعويض الجزافي – المطلب الثاني : التحديد القانوني للمسؤولية. المبحث الثاني : التقدير الإتفاقي للتعويض في المسؤولية المدنية. المطلب الأول : ماهية الشرط الجزائي. المطلب الثاني : شروط إستحقاق الشرط الجزائي. المطلب الثالث : سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي.
الفصل الثاني : حربة القاضي في تقدير التعويض المترتب عن المسؤولية المدنية. المبحث الأول : مناط تقدير التعويض – الضرر المستحق للتعويض – المطلب الأول : أنواع الضرر المستحق للتعويض. المطلب الثاني : الشروط الواجب توفرها في الضرر المستحق للتعويض. المطلب الثالث : وقت تقويم الضرر الموجب للتعويض. المبحث الثاني : سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض ورقابة المحكمة العليا عليه. المطلب الأول : سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض. المطلب الثاني : رقابة المحكمة العليا.
الخاتمـة.
الفصل الأول. التقدير الملزم للقاضي
الالتزام بالتعويض التزام جزائي يفرضه القانون على كل من تسبب بخطئه في ضرر للغير بجبر الضرر الذي لحق المصاب. بمعنى أن القانون يفرضه على المدين به جزاء إخلاله بواجب معين. وتقدير هذا التعويض يتولاه القاضي، وهو الأصل ويحدده وفقا لسلطته التقديرية. ومع ذلك وفي أحوال معينة وضع المشروع قيودا على هذه السلطة التقديرية الواسعة والممنوحة للقاضي. فقد يقوم القانون بوضع قواعد يتم من خلالها تحديد التعويض بمبلغ جزافي وقد يترك الأمر لحرية الأفراد يحددونه وفقا لما يبدو لهم من ظروف التعاملات وملابساتها. وفي كلتا الحالتين ألزم المشرع القاضي بهذا التقدير. وهذا الأمر هو الذي سنعالجه من خلال هذا الفصل، لذا سنخصص المبحث الأول للتقدير القانوني للتعويض والمبحث الثاني للتقدير الاتفاقي للتعويض.
المبحث الأول. التقدير القانوني للتعويض في المسؤولية المدنية: الأصل الغالب في تقدير التعويض أن يتم بمعرفة القاضي، غير أنه قد يتولى القانون تقدير التعويض، وذلك بوضع أحكام وقواعد يسمح تطبيقها بالوصول إلى مبلغ جزافي يكون هو التعويض، كما فعل بالنسبة لبعض القوانين الخاصة كقانون التعويض عن حوادث السيارات، وقانون حوادث العمل. وقد يعمد المشرع في بعض الأحيان إلى تحديد المسؤولية، فيقوم بوضع أسس لتقدير التعويض ولو بصفة غير مباشرة، من خلال تحديد سقف لا يمكن أن يتجاوزه التعويض، ولو كان الضرر الواقعي يجاوز هذا القدر. فمتى وصل الضرر حدا من الجسامة يناسب الحد الأقصى الذي حدده المشرع للتعويض أو فاقه كنا أمام تقدير قانوني للتعويض، أما قبل ذلك الحد فالتقدير متروك للقاضي يقدره بما يتناسب والضرر ويمارسه وفقا للقواعد العامة. وعادة ما يرتبط هذا النوع من التحديد للمسؤولية بالجانب الاقتصادي، كتحديد مسؤولية أصحاب الفنادق، وتحديد مسؤولية الناقل البحري من خلال القانون البحري وتحديد مسؤولية الناقل الجوي في قانون الطيران المدني، ويعود ذلك إلى أنه لو تم إلزام هؤلاء المسؤولين عن تعويض كل الأضرار لأدى ذلك إلى إفلاسهم. لذا فستتناول في هذا المبحث: التحديد القانوني للتعويض أو ما يعرف بالتعويض الجزافي في مطلب أول ونخصص المطلب الثاني للتحديد القانوني للمسؤولية.
المطلب الأول : التحديد القانوني للتعويض (التعويض الجزافي) :
قد يعمد المشرع إلى وضع أحكام تتعلق بتحديد للتعويض تحديدا إجماليا، وعادة ما يربط الفقه هذا التحديد القانوني بالفوائد القانونية.
فغالبا ما تذهب التشريعات([3]) إلى تحديد نسب قانونية تعرف بالفوائد القانونية تكون مستحقة الدفع عن مجرد التأخير في الوفاء، بغير حاجة إلى أن يثبت وقوع ضرر للدائن لأن الضرر مفترض في الديون النقدية نتيجة الحرمان من استثمارها اقتصاديا.
ويجدهذا التقدير القانوني للتعويض عن التأخير تطبيقه في مجال المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية.
وبالنسبة للمشرع الجزائري فلم ينص على الفوائد التأخيرية تأثرا منه بمبادئ الشريعة الإسلامية التي تنظر إلى تلك الفوائد على أنها ربا ومحرمة شرعا.
وهذا ما يتضح من نص المادة 454 مدني بقولها " القرض بين الأفراد يكون دائما بدون أجر، ويقع باطلا كل نص يخالف ذلك ".
ومع ذلك فإن المشرع قد قرر نصا آخر جعل فيه للدائن الحق في الحصول على تعويض عن الضرر اللاحق به جراء تأخر المدين في الوفاء بالتزامه، إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود ومعين المقدار وقت رفع الدعوى، لكنه أناط تقدير التعويض بالقاضي وفقا للقواعد العامة ولم يحدده مسبقا.([4])
غير أن القانون رقم 84 – 21 المؤرخ في 24 ديسمبر 1984 المعدل والمتمم للقانون المدني أجاز من خلال المادة 456 لمؤسسات القرض التي تمنح قروضا قصد تشجيع النشاط الاقتصادي الوطني أن تأخذ فائدة على أن يحدد مقدارها بموجب قرار من الوزير المكلف بالمالية.
ولكن هذه الفوائد تستحق عن مجرد الاقتراض كمقابل للانتفاع بالنقود ومنح أجل للوفاء، وليست فوائد عن التأخر في سداد القرض.
ومن تطبيقات التقدير القانوني للتعويض أو التعويض الجزافي، ما نصت عليه بعض القوانين الخاصة ومثالها – الأمر رقم 74-15 الصادر بتاريخ 30/01/1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ، وبنظام التعويض عن الأضرار المادية والجسمانية الناتجة عن حوادث السيارات. - والذي وضع أسسا لحساب التعويض.
- قانون 83-13 المؤرخ في 2/7/83 المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-19 المؤرخ في 6/7/96 المتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية.
وقد اختلف الفقه حول أساس التعويض في هذه القوانين، بمعنى هل هو تعويض يقوم على أساس المسؤولية المدنية أم هو نظام قائم بذاته يخرج عن نطاق أحكام هته المسؤولية.
وغرضي من طرح هذا التساؤل هو مناقشة مدى إمكانية إدراج هذا النوع من التعويضات الجزافية ضمن بحثي، باعتبار أنني مقيدة بموضوع تقدير التعويض في المسؤولية المدنية دون غيرها من أنظمة التعويض.
لذا سأتطرق في فرع أول إلى التقدير القانوني للتعويض المنصوص عليه في أمر 74 – 15 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات والتعويض على الأضرار المادية والجسمانية وأساسه.
وفي فرع ثان إلى التقدير القانوني للتعويض المنصوص عليه في قانون 83-13 المتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية وأساسه.
الفرع الأول : التقدير القانوني للتعويض – المنصوص عليه في أمر 74-15 المؤرخ في 30/01/1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ، وبنظام التعويض عن الأضرار المادية والجسمانية الناتجة عن حوادث السيارات وأساسه.
نتيجة للمشاكل الكبيرة التي عرفتها مرحلة ما قبل 1974 بإصلاح آثار حوادث المرور الجسمانية المعتمدة على أساس المسؤولية المدنية القائمة على الخطأ القابل لإثبات العكس بنفي مسؤولية السائق، وما ترتب عنها من حرمان جزء هام من ضحايا حوادث المرور من الاستفادة من التعويض بسبب مسؤوليتهم في الحادث، مما جعل هؤلاء الضحايا أو ذوي حقوقهم يعيشون مشاكل اجتماعية حادة في غياب تشريع يحمي الأشخاص المصابين في الحادث أو ذوي الحقوق في حالة الوفاة.([5])
كل هذا حمل المشرع الجزائري على إصدار أمر 74-15 بتاريخ 30/01/1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات وبنظام التعويض عن الأضرار المادية والجسمانية الناتجة عن حوادث السيارات، والذي جعل من خلال المادة 8 منه التعويض مضمونا قانونا في كل الحالات لأي متضرر من حادث المرور دون البحث عن توفر الخطأ أو الشخص المتسبب في الضرر، ودون اعتبار لصفة الضحية، مما أدى بالفقه والقضاء إلى الاختلاف حول تحديد أساس التعويض. فذهب البعض إلى تأسيسه على المسؤولية الموضوعية أو المسؤولية بدون خطأ لكن انتقد هذا الرأي على اعتبار أن المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة – حتى ولو كانت قائمة بدون خطأ – يمكن نفيها بالسبب الأجنبي مما يترتب عنه عدم استحقاق التعويض، لكن التعويض طبقا لأمر 74-15 يتميز بأنه تلقائي بمعنى أنه متى كان هناك حادث سير سبب ضررا لضحية ما ، استحقت هاته الضحية التعويض تلقائيا حتى ولو ارتكبت خطأ ، وكذلك بغض النظر عن ارتكاب السائق المتسبب في الضرر لخطأ أولا.
كما أن التعويض الذي يترتب كجزاء للمسؤولية المدنية من خصائصه أيضا أن وظيفته الإصلاح (La réparation) بمعنى أن يكون جابرا للضرر، لكنه في قانون حوادث المرور هو تعويض جزافي لا يغطي جميع الأضرار.
مما يتوضح معه أن التعويض طبقا لأمر 74-15 لا يقوم على أساس المسؤولية المدنية.
ولقد أسست المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 9/7/90 عن الغرفة الجنائية الثانية التعويض على أساس الخطر واعتبرته خارجا عن إطار المسؤولية.([6])
وذهب رأي أخير إلى أن أساس التعويض هو نظرية الضمان أو تحمل التبعة، فالغرض من قانون حوادث المرور هو ضمان سلامة الأشخاص وهذا الرأي ينظر من جانب المضرور بغض النظر عن المتسبب في الضرر.([7])
وهذا الرأي هو الذي يتوافق من وجهة نظرنا مع أحكام قانون حوادث المرور من خلال ضمانه عن طريق المادة 8 من أمر 74-15 التعويض لأي متضرر من حادث مرور وفي كل الحالات، مما يبين وبصفة جلية انصرافه عن تأسيس التعويض على المسؤولية التقصيرية بنوعيها سواء تلك التي تقوم على الخطأ أو المسؤولية الموضوعية.
وهدف المشرع من تقرير هذا النظام هو تحقيق عدالة اجتماعية إذ انه لوحظ كما سبق بيانه أنه نتج عن تطبيق قواعد المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة، وذلك قبل صدور هذا الأمر، حرمان جزء هام من ضحايا حوادث المرور من الاستفادة من التعويض بسبب مسؤوليتهم في الحادث، مما جعلهم يعيشون مشاكل اجتماعية حادة في غياب تشريع يحميهم.
وقد جاء أمر 74-15 بتحديد للأضرار المعوض عنها كما قرر طريقة يمكن معها حساب التعويض عن كل ضرر.
ونورد في هذا الشأن بعض الأمثلة، فقد قرر المشرع التعويض مثلا عن الأضرار التالية :
- التعويض عن الضرر المعنوي يساوي 3 مرات قيمة الأجر الشهري الوطني المضمون عند تاريخ الحادث.
- التعويض عن مصاريف الجنازة يتم في حدود 5 مرات الأجر الشهري الوطني المضمون عند تاريخ الحادث.
وهذا يعد تقديرا قانونيا للتعويض.
ومع أن نظام التعويض عن حوادث المرور لا يقوم على أساس المسؤولية المدنية كمبدأ إلا أن هناك حالات استثنائية أوردها المشرع أسس فيها المسؤولية على الخطأ وجعله يلعب دورا في التعويض.
منها حالة ما إذا كان سائق المركبة هو المتسبب في الضرر بخطئه بأن كان تحت تأثير سكر أو كحول أو مخدرات أو منومات محظورة، وكان هو المتضرر في آن واحد.
فهنا متى صدر حكم بإدانته لا يمكن تعويضه.
ولكن إستثناءا على هذا الاستثناء أجاز –الأمر- تعويض السائق المخطئ متى تجاوزت نسبة العجز الدائم النسبي اللاحقة به 66 %.
كما أنه في حالة وفاته ، يعوض ذوي حقوقه باعتباره ضحية لحادث المرور، وذلك وفقا لأحكام الأمر 74-15.([8])
الفرع الثاني : التقدير القانوني للتعويض – المنصوص عليه في قانون 83-13 المؤرخ في 2/7/83 المتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية المعدل والمتمم بأمر 96-19 المؤرخ في 6/7/96 – وأساسه :
ويصدق على هذا النظام للتعويض ما توصلنا إليه في الفرع الأول من هذا المطلب، إذ أنه يقوم على أساس الضمان وتحمل التبعة بدلا من المسؤولية المدنية المؤسسة على الخطأ.
فمن تطبيقات التقدير القانوني للتعويض أو التعويض الجزافي، حق العامل في التعويض عن الأضرار الناتجة عن إصابة في العمل.
ويقوم نظام التعويض ([9]) كما بينا على فكرة تحمل التبعة أو الضمان دون اشتراط خطأ من رب العمل.
وقد بدأ ظهور هذا النظام في نهاية القرن التاسع عشر كمظهر لاستجابة المشرع الفرنسي لما نادى به بعض الفقه الفرنسي من تأسيس التعويض على فكرة تحمل التبعة بدلا من الخطأ. وقد كانت إصابات العمل هي المجال الهام الذي أظهر قصور أحكام المسؤولية المدنية عن ملاحقة التطور الصناعي السريع الذي أدى إلى ازدياد عدد حوادث العمل، وصعوبة إثبات الخطأ فيها.
وقد صدر أول تشريع لتعويض إصابات العمل في فرنسا في 9 أفريل 98 يقضي بمسؤولية رب العمل عن حوادث العمل، تأثر به المشرع الجزائري وأخذ بنفس النظام عنه من خلال أمر 21/1/66 ثم في قانون 2/7/89 مع بعض التعديلات.
وقد حدد المشرع من خلال هذا القانون كيفية حساب التعويض الجزافي المستحق للعامل المتضرر جراء حادث عمل ، وهذا التعويض هو تعويض قدره القانون ويلتزم به القاضي عند الحكم بالتعويض.
ويتضمن التعويض الجزافي في حالة حادث العمل أداءات عينية وأخرى نقدية.
فتتمثل الأداءات العينية في دفع مصاريف العلاج ، إعادة التأهيل الوظيفي ، وإلى غير ذلك، وهي محددة في المواد من 29 إلى 31 من هذا القانون.([10])
أما الأداءات النقدية فتكون إما في شكل تعويضات يومية تحسب على أساس أجر العامل في حالة العجز المؤقت ، أو في شكل إيراد مدى الحياة في حالة العجز الدائم وذلك بحسب نسبة العجز المحددة في الخبرة الطبية التي يقوم بها طبيب الضمان الاجتماعي.
وقد حددت المواد من 36 إلى 41 كيفية حساب هذه الآداءات.
على أنه وإن كان نظام التعويض عن حوادث العمل لا يقوم على المسؤولية المدنية المؤسسة على الخطأ كمبدأ، إلا أن هناك حالة استثنائية تترتب فيها المسؤولية المدنية لصاحب العمل، ومع ذلك يستحق العامل التعويض الجزافي، وفي هذه الحالة يعد تقديرا قانونيا للتعويض في المسؤولية المدنية.
وتتعلق هذه الحالة على الخصوص بالخطأ المرتكب من طرف رب العمل إذا كان غير معذور أو متعمد،([11]) حسبما هو منصوص عليه في المادة 47 من قانون 83-15 المؤرخ في 2/7/83 المتعلق بالمنازعات في مجال الضمان الاجتماعي. وقد بينت هذه المادة في فقرتها الأخيرة بأن العامل في هذه الحالة يستحق التعويض طبقا للقانون رقم 83 – 13.
وباعتبار أن هذا التعويض الجزافي المنصوص عليه قانونا ، يقل عن التعويض الكامل، فقد أجازت نفس المادة للعامل المصاب أو ذوي حقوقه المطالبة بالتعويض الإضافي، لكي يصبح التعويض المتحصل عليه كاملا وجابرا لجميع الأضرار وذلك على أساس المسؤولية المدنية.([12])
المطلب الثاني. التحديد القانوني للمسؤولية: ويتم تقدير التعويض في هذه الحالة في الحدود الموضوعة من طرف المشرع، إذ قد يقوم المشرع في حالات معينة بوضع حد أقصى لا يمكن أن يتجاوزه التعويض الذي يستحقه المتضرر، ولو كان الضرر الذي أصابه يفوق المبلغ المحدد. وهذا التحديد القانوني للمسؤولية يختلف عن التقدير الجزافي للتعويض في أنه لا يستحق بطريقة تلقائية دون اعتبار للضرر الحقيقي اللاحق بالمتضرر، وإنما هو بمثابة حد أقصى لما يدفعه المسؤول من تعويض، بحيث إذا ثبت أن قيمة الضرر أدنى من هذا الحد، فلا يستحق المضرور إلا التعويض المساوي لهذه القيمة، دون أن يكون له الحق في الحصول على الحد الأقصى للتعويض المقرر قانونا، فيشترط للحصول على هذا الحد أن يكون الضرر مساويا له أو أكبر، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن أنظمة التعويض التلقائية لا تقوم على المسؤولية المدنية كما بيناه في المطلب الأول، ولا يقع على عاتق المتضرر إثبات أركانها، وإنما بمجرد ما يتبين أنه قد لحقه ضرر ترتب تعويضه بينما فيما يتعلق بالتعويض وفقا للتحديد القانوني للمسؤولية فإنه لا يتأتى للمطالب به إلا بعد أن تقوم المسؤولية وتتحقق أركانها وهذا بغض النظر عن أساسها إن كانت مسؤولية موضوعية أو مسؤولية تقوم على أساس الخطأ بحسب أنواعه. كما أن المشرع حدد في التعويض الجزافي قواعد يمكن معها الحصول على التعويض بصفة دقيقة، في حين أنه التحديد القانوني للمسؤولية فمادام أن الضرر لم يصل إلى درجة الحد الأقصى للتعويض المحدد فإن القاضي هو الذي يقدر التعويض وفقا للقواعد العامة. والأمثلة في هذا الشأن عديدة كتحديد مسؤولية أصحاب الفنادق فيما يتعلق بالنقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة عن تعويض لا يجاوز خمسمائة دينار جزائري، كما بينته المادة 599 في فقرتها الثانية من التقنين المدني. غير أن هذا التحديد للمسؤولية يجد مجال تطبيقه الظاهر في مسؤولية الناقل، كما هو عليه الحال في كل من القانون البحري وقانون الطيران المدني. وهو ما سنتعرض إليه ولو بصفة وجيزة من خلال الفرعين التاليين : خصص الفرع الأول للتحديد القانوني لمسؤولية الناقل الجوي، بينما يتعلق الفرع الثاني بالتحديد القانوني لمسؤولية الناقل البحري.
الفرع الأول. التحديد القانوني لمسؤولية الناقل الجوي: لقد تناول المشرع الجزائري مسؤولية الناقل الجوي من خلال القانون رقم 98-06 المؤرخ في 27/06/98 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالطيران المدني. وقد استقى الأحكام المنظمة لها من قواعد اتفاقية فارسوفيا المؤرخة في 12/10/29 وبرتكول لاهاي المؤرخ في 28/09/55 المصادق عليها من طرف الجزائر([13]). فيترتب على كل نقل جوي إبرام عقد نقل، وأهم ما يرتبه هذا العقد من التزامات على عاتق الناقل الجوي، الالتزام بضمان سلامة الركاب وبالمحافظة على البضاعة والعناية بها، وأخيرا بعدم التأخير. ولما كانت المسؤولية هي جزاء الاختلال بالالتزام عقديا كان أم غير عقدي، استتبع ذلك مساءلة الناقل عن الأضرار الناشئة عن وفاة الراكب أو جرحه أو إصابته بأي أذى بدني آخر، وعن تلك الناجمة في حالة هلاك البضاعة أو ضياعها، وكذلك عن الأضرار الناتجة عن التأخير في نقل الركاب أو البضائع([14]). ومتى أخل الناقل الجوي بالتزاماته وأخفق في إقامة الدليل على انتفاء خطئه([15]) انعقدت مسؤوليته، والتزم بتعويض الضرر الذي يلحق بالركاب. والأصل أن التعويض يجب أن يكون عن كل الضرر، غير أن المشرع الجزائري خرج عن هذا الأصل ووضع للتعويض الذي يتحمله الناقل حدا أقصى. فقد نصت المادة 150 من قانون الطيران المدني على أنه "تمارس مسؤولية الناقل الجوي إزاء كل شخص منقول طبقا لقواعد اتفاقية وارسو المؤرخة في 12 أكتوبر 99 وبرتكول لاهاي في 28 سبتمبر 55 والمصادق عليهما من طرف الجزائر. وتحدد قيمتها بمائتي وخمسين ألف (250.000) وحدة حسابية كحد أقصى عن كل مسافر. يقصد بالوحدة الحسابية في مفهوم هذا القانون وحدة حساب متشكلة من خمسة وستين ميلغراما ونصف من الذهب على أساس تسعمائة من الألف من الذهب الخالص، ويمكن أن تحول وحدات الحساب المذكورة للعملة الوطنية بأرقام صحيحة، ويتم التحويل في حالة دعوى قضائية حسب قيمة الذهب للعملة المذكورة في تاريخ النطق بالحكم". وكما وضحنا عند تقديمنا لهذا المطلب : هذا القدر من التعويض الذي حددته المادة 150 السابقة الذكر، لا يستحق بطريقة تلقائية دون النظر إلى الضرر الحقيقي الذي لحق المسافر، وإنما هو لا يعدو عن كونه حدا أقصى، بمعنى أنه متى ثبت أن الضرر أقل من هذا الحد، لم يستحق المضرور إلا التعويض المساوي لهذا الضرر([16]).
الفرع الثاني. التحديد القانوني لمسؤولية الناقل الجوي: وقد تناول المشرع الجزائري مسؤولية الناقل البحري من خلال الأمر رقم 76-80 المؤرخ في 23 أكتوبر 76 المعدل والمتمم بالقانون رقم 98-05 المؤرخ في 25/06/98 والمتعلق بالقانون البحري. ويرتب عقد النقل البحري على عاتق الناقل التزامات تتمثل في أخذ الناقل البضاعة على عاتقه ونقلها وتسليمها إلى المرسل إليه أو إلى ممثله القانوني. ومتى تم الإخلال بهته الالتزامات، ترتبت مسؤولية الناقل البحري، ولما كان التزامه التزاما ببذل عناية([17]) تتمثل في نقل البضاعة إلى ميناء الوصول، وتسليمها إلى المرسل إليه سليمة في الميعاد المتفق عليه، فإنه يكون مسئولا عن بذل عناية في نقله للبضاعة ويكون مسئولا عن الأضرار والخسارة التي تصيب البضاعة، ولا ترتفع المسؤولية عنه إلا إذا أثبت أن عدم قيامه بتنفيذ التزامه، إنما يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه يتمثل في إحدى الحالات التي نصت عليها المادة 803 من القانون البحري([18])، وأنه قام بجميع الإجراءات الضرورية لمنع تحقق النتيجة. فإذا ترتبت المسؤولية في جانب الناقل، التزام بالتعويض، ويكون هذا التعويض متناسبا مع الضرر اللاحق، مادام أن هذا الضرر لم يتعد الحد الأقصى الذي حدده المشرع. فمتى فاق الضرر هذا الحد لم يكن للمتضرر الحق في التعويض إلا بهذا الحد الأقصى دون زيادة، هذا ما لم يتبين أن الخسارة أو الضرر الذي لحق بالبضائع ناتج عن عمل أو إهمال من قبل الناقل كما بينته المادة 809 من القانون البحري. ولا يسري هذا الحكم إلا في حالة ما إذا لم يصرح الشاحن أو ممثله بطبيعة وقيمة البضائع قبل شحنها، ولم يدون في وثيقة الشحن أو في وثيقة أخرى، لأن التعويض في هذه الحالة يحدد حسب قيمة البضاعة المصرح عنها، ويتم طبقا للقواعد العامة طبقا للمادة 805 من القانون البحري، والتي نصت "... فلا يعد الناقل مسئولا عن الخسائر أو الأضرار التي تصيب البضائع أو التي تتعلق بها بمبلغ يزيد عن 10.000 وحدة حسابية عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 30 وحدة حسابية عن كل كيلوغرام يصاب بخسائر أو أضرار من الوزن الإجمالي للبضاعة للحد الأدنى المطبق وبمقدار يعادل مرتين ونصف من أجرة النقل المستحقة الدفع عن البضائع المتأخرة التي لم تسلم في الوقت المتفق عليه، أو في الوقت المعقول المطلوب من ناقل حريص أن يسلم فيه البضائع، ولكن لا تزيد عن مجموع أجرة النقل المستحقة بموجب عقد النقل البحري". وقد حددت قيمة الوحدة الحسابية كما هو الشأن لقانون الطيران المدني.
المبحث الثاني : التقدير الاتفاقي للتعويض في المسؤولية المدنية
أجاز القانون للمتعاقدين اللجوء إلى تقدير مسبق للتعويض في العقد الذي يرتب التزاماتهما المتبادلة في حالة استحالة تنفيذ المدين لإحدى هته الالتزامات المترتبة في ذمته عينا أو التأخر في تنفيذها. ويستحق هذا التعويض المسبق للدائن متى ثبت أن إخلال المدين قد ألحق به ضررا. وهذا النوع من الاتفاق يعرفه الفقه بالشرط الجزائي، وقد يدرجه المتعاقدان في العقد كبند فيه أو في اتفاق لاحق كما سيتم توضيحه من خلال هذا المبحث. وهناك طريقة أخرى قد يلجأ إليها الأطراف يكون من شأنها تحديد مسؤولية المدين ويترتب عليها تعديل في أحكام التعويض. والغالب في الاتفاق على تحديد المسؤولية المدنية أن يكون اتفاقا على الإعفاء منها برفعها كلية عن مرتكب الفعل الضار أو المخل بالتزامه ومنع مطالبته بالتعويض الذي تقضي به القواعد العامة، وقد يقتصر التعديل محل هذا الاتفاق على تخفيف المسؤولية برفع جزء منها من على عاتق المسؤول وحصر مساءلته على الجزء الباقي، كما يجوز بالعكس من ذلك أن يقصد بالتعديل زيادة مسؤولية مرتكب الفعل الضار عما تقضي به القواعد العامة. ([19]) فيمكن الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة كما يمكن الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي مثلما نصت عليه المادة 177 من التقنين المدني. ولن يهمنا في هذا المبحث دراسة تحديد المسؤولية لأنها لا تهدف إلى إعطاء تقدير محدد وواضح للتعويض كما هو الحال بالنسبة للشرط الجزائي، لذا فسنقصر الدراسة عليه، ومن ثمة سنخصص المطلب الأول لماهية الشرط الجزائي والمطلب الثاني لشروطه، أما المطلب الثالث فسنتناول فيه سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي.
يكمل .........
| |
|
ThE sIleNt
عضو فضي
مشاركات : 2951
العمر : 124 الجنس : الدولة : sireio المدينة : بلد الفقر و السعادة تاريخ التسجيل : 28/03/2012
| موضوع: رد: تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الأربعاء مايو 01 2013, 15:05 | |
| الفصل الأول. التقدير الملزم للقاضي
الالتزام بالتعويض التزام جزائي يفرضه القانون على كل من تسبب بخطئه في ضرر للغير بجبر الضرر الذي لحق المصاب. بمعنى أن القانون يفرضه على المدين به جزاء إخلاله بواجب معين. وتقدير هذا التعويض يتولاه القاضي، وهو الأصل ويحدده وفقا لسلطته التقديرية. ومع ذلك وفي أحوال معينة وضع المشروع قيودا على هذه السلطة التقديرية الواسعة والممنوحة للقاضي. فقد يقوم القانون بوضع قواعد يتم من خلالها تحديد التعويض بمبلغ جزافي وقد يترك الأمر لحرية الأفراد يحددونه وفقا لما يبدو لهم من ظروف التعاملات وملابساتها. وفي كلتا الحالتين ألزم المشرع القاضي بهذا التقدير. وهذا الأمر هو الذي سنعالجه من خلال هذا الفصل، لذا سنخصص المبحث الأول للتقدير القانوني للتعويض والمبحث الثاني للتقدير الاتفاقي للتعويض.
المبحث الأول. التقدير القانوني للتعويض في المسؤولية المدنية: الأصل الغالب في تقدير التعويض أن يتم بمعرفة القاضي، غير أنه قد يتولى القانون تقدير التعويض، وذلك بوضع أحكام وقواعد يسمح تطبيقها بالوصول إلى مبلغ جزافي يكون هو التعويض، كما فعل بالنسبة لبعض القوانين الخاصة كقانون التعويض عن حوادث السيارات، وقانون حوادث العمل. وقد يعمد المشرع في بعض الأحيان إلى تحديد المسؤولية، فيقوم بوضع أسس لتقدير التعويض ولو بصفة غير مباشرة، من خلال تحديد سقف لا يمكن أن يتجاوزه التعويض، ولو كان الضرر الواقعي يجاوز هذا القدر. فمتى وصل الضرر حدا من الجسامة يناسب الحد الأقصى الذي حدده المشرع للتعويض أو فاقه كنا أمام تقدير قانوني للتعويض، أما قبل ذلك الحد فالتقدير متروك للقاضي يقدره بما يتناسب والضرر ويمارسه وفقا للقواعد العامة. وعادة ما يرتبط هذا النوع من التحديد للمسؤولية بالجانب الاقتصادي، كتحديد مسؤولية أصحاب الفنادق، وتحديد مسؤولية الناقل البحري من خلال القانون البحري وتحديد مسؤولية الناقل الجوي في قانون الطيران المدني، ويعود ذلك إلى أنه لو تم إلزام هؤلاء المسؤولين عن تعويض كل الأضرار لأدى ذلك إلى إفلاسهم. لذا فستتناول في هذا المبحث: التحديد القانوني للتعويض أو ما يعرف بالتعويض الجزافي في مطلب أول ونخصص المطلب الثاني للتحديد القانوني للمسؤولية.
المطلب الأول : التحديد القانوني للتعويض (التعويض الجزافي) :
قد يعمد المشرع إلى وضع أحكام تتعلق بتحديد للتعويض تحديدا إجماليا، وعادة ما يربط الفقه هذا التحديد القانوني بالفوائد القانونية.
فغالبا ما تذهب التشريعات([3]) إلى تحديد نسب قانونية تعرف بالفوائد القانونية تكون مستحقة الدفع عن مجرد التأخير في الوفاء، بغير حاجة إلى أن يثبت وقوع ضرر للدائن لأن الضرر مفترض في الديون النقدية نتيجة الحرمان من استثمارها اقتصاديا.
ويجدهذا التقدير القانوني للتعويض عن التأخير تطبيقه في مجال المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية.
وبالنسبة للمشرع الجزائري فلم ينص على الفوائد التأخيرية تأثرا منه بمبادئ الشريعة الإسلامية التي تنظر إلى تلك الفوائد على أنها ربا ومحرمة شرعا.
وهذا ما يتضح من نص المادة 454 مدني بقولها " القرض بين الأفراد يكون دائما بدون أجر، ويقع باطلا كل نص يخالف ذلك ".
ومع ذلك فإن المشرع قد قرر نصا آخر جعل فيه للدائن الحق في الحصول على تعويض عن الضرر اللاحق به جراء تأخر المدين في الوفاء بالتزامه، إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود ومعين المقدار وقت رفع الدعوى، لكنه أناط تقدير التعويض بالقاضي وفقا للقواعد العامة ولم يحدده مسبقا.([4])
غير أن القانون رقم 84 – 21 المؤرخ في 24 ديسمبر 1984 المعدل والمتمم للقانون المدني أجاز من خلال المادة 456 لمؤسسات القرض التي تمنح قروضا قصد تشجيع النشاط الاقتصادي الوطني أن تأخذ فائدة على أن يحدد مقدارها بموجب قرار من الوزير المكلف بالمالية.
ولكن هذه الفوائد تستحق عن مجرد الاقتراض كمقابل للانتفاع بالنقود ومنح أجل للوفاء، وليست فوائد عن التأخر في سداد القرض.
ومن تطبيقات التقدير القانوني للتعويض أو التعويض الجزافي، ما نصت عليه بعض القوانين الخاصة ومثالها – الأمر رقم 74-15 الصادر بتاريخ 30/01/1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ، وبنظام التعويض عن الأضرار المادية والجسمانية الناتجة عن حوادث السيارات. - والذي وضع أسسا لحساب التعويض.
- قانون 83-13 المؤرخ في 2/7/83 المعدل والمتمم بالأمر رقم 96-19 المؤرخ في 6/7/96 المتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية.
وقد اختلف الفقه حول أساس التعويض في هذه القوانين، بمعنى هل هو تعويض يقوم على أساس المسؤولية المدنية أم هو نظام قائم بذاته يخرج عن نطاق أحكام هته المسؤولية.
وغرضي من طرح هذا التساؤل هو مناقشة مدى إمكانية إدراج هذا النوع من التعويضات الجزافية ضمن بحثي، باعتبار أنني مقيدة بموضوع تقدير التعويض في المسؤولية المدنية دون غيرها من أنظمة التعويض.
لذا سأتطرق في فرع أول إلى التقدير القانوني للتعويض المنصوص عليه في أمر 74 – 15 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات والتعويض على الأضرار المادية والجسمانية وأساسه.
وفي فرع ثان إلى التقدير القانوني للتعويض المنصوص عليه في قانون 83-13 المتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية وأساسه.
الفرع الأول : التقدير القانوني للتعويض – المنصوص عليه في أمر 74-15 المؤرخ في 30/01/1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ، وبنظام التعويض عن الأضرار المادية والجسمانية الناتجة عن حوادث السيارات وأساسه.
نتيجة للمشاكل الكبيرة التي عرفتها مرحلة ما قبل 1974 بإصلاح آثار حوادث المرور الجسمانية المعتمدة على أساس المسؤولية المدنية القائمة على الخطأ القابل لإثبات العكس بنفي مسؤولية السائق، وما ترتب عنها من حرمان جزء هام من ضحايا حوادث المرور من الاستفادة من التعويض بسبب مسؤوليتهم في الحادث، مما جعل هؤلاء الضحايا أو ذوي حقوقهم يعيشون مشاكل اجتماعية حادة في غياب تشريع يحمي الأشخاص المصابين في الحادث أو ذوي الحقوق في حالة الوفاة.([5])
كل هذا حمل المشرع الجزائري على إصدار أمر 74-15 بتاريخ 30/01/1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات وبنظام التعويض عن الأضرار المادية والجسمانية الناتجة عن حوادث السيارات، والذي جعل من خلال المادة 8 منه التعويض مضمونا قانونا في كل الحالات لأي متضرر من حادث المرور دون البحث عن توفر الخطأ أو الشخص المتسبب في الضرر، ودون اعتبار لصفة الضحية، مما أدى بالفقه والقضاء إلى الاختلاف حول تحديد أساس التعويض. فذهب البعض إلى تأسيسه على المسؤولية الموضوعية أو المسؤولية بدون خطأ لكن انتقد هذا الرأي على اعتبار أن المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة – حتى ولو كانت قائمة بدون خطأ – يمكن نفيها بالسبب الأجنبي مما يترتب عنه عدم استحقاق التعويض، لكن التعويض طبقا لأمر 74-15 يتميز بأنه تلقائي بمعنى أنه متى كان هناك حادث سير سبب ضررا لضحية ما ، استحقت هاته الضحية التعويض تلقائيا حتى ولو ارتكبت خطأ ، وكذلك بغض النظر عن ارتكاب السائق المتسبب في الضرر لخطأ أولا.
كما أن التعويض الذي يترتب كجزاء للمسؤولية المدنية من خصائصه أيضا أن وظيفته الإصلاح (La réparation) بمعنى أن يكون جابرا للضرر، لكنه في قانون حوادث المرور هو تعويض جزافي لا يغطي جميع الأضرار.
مما يتوضح معه أن التعويض طبقا لأمر 74-15 لا يقوم على أساس المسؤولية المدنية.
ولقد أسست المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 9/7/90 عن الغرفة الجنائية الثانية التعويض على أساس الخطر واعتبرته خارجا عن إطار المسؤولية.([6])
وذهب رأي أخير إلى أن أساس التعويض هو نظرية الضمان أو تحمل التبعة، فالغرض من قانون حوادث المرور هو ضمان سلامة الأشخاص وهذا الرأي ينظر من جانب المضرور بغض النظر عن المتسبب في الضرر.([7])
وهذا الرأي هو الذي يتوافق من وجهة نظرنا مع أحكام قانون حوادث المرور من خلال ضمانه عن طريق المادة 8 من أمر 74-15 التعويض لأي متضرر من حادث مرور وفي كل الحالات، مما يبين وبصفة جلية انصرافه عن تأسيس التعويض على المسؤولية التقصيرية بنوعيها سواء تلك التي تقوم على الخطأ أو المسؤولية الموضوعية.
وهدف المشرع من تقرير هذا النظام هو تحقيق عدالة اجتماعية إذ انه لوحظ كما سبق بيانه أنه نتج عن تطبيق قواعد المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة، وذلك قبل صدور هذا الأمر، حرمان جزء هام من ضحايا حوادث المرور من الاستفادة من التعويض بسبب مسؤوليتهم في الحادث، مما جعلهم يعيشون مشاكل اجتماعية حادة في غياب تشريع يحميهم.
وقد جاء أمر 74-15 بتحديد للأضرار المعوض عنها كما قرر طريقة يمكن معها حساب التعويض عن كل ضرر.
ونورد في هذا الشأن بعض الأمثلة، فقد قرر المشرع التعويض مثلا عن الأضرار التالية :
- التعويض عن الضرر المعنوي يساوي 3 مرات قيمة الأجر الشهري الوطني المضمون عند تاريخ الحادث.
- التعويض عن مصاريف الجنازة يتم في حدود 5 مرات الأجر الشهري الوطني المضمون عند تاريخ الحادث.
وهذا يعد تقديرا قانونيا للتعويض.
ومع أن نظام التعويض عن حوادث المرور لا يقوم على أساس المسؤولية المدنية كمبدأ إلا أن هناك حالات استثنائية أوردها المشرع أسس فيها المسؤولية على الخطأ وجعله يلعب دورا في التعويض.
منها حالة ما إذا كان سائق المركبة هو المتسبب في الضرر بخطئه بأن كان تحت تأثير سكر أو كحول أو مخدرات أو منومات محظورة، وكان هو المتضرر في آن واحد.
فهنا متى صدر حكم بإدانته لا يمكن تعويضه.
ولكن إستثناءا على هذا الاستثناء أجاز –الأمر- تعويض السائق المخطئ متى تجاوزت نسبة العجز الدائم النسبي اللاحقة به 66 %.
كما أنه في حالة وفاته ، يعوض ذوي حقوقه باعتباره ضحية لحادث المرور، وذلك وفقا لأحكام الأمر 74-15.([8])
الفرع الثاني : التقدير القانوني للتعويض – المنصوص عليه في قانون 83-13 المؤرخ في 2/7/83 المتعلق بحوادث العمل والأمراض المهنية المعدل والمتمم بأمر 96-19 المؤرخ في 6/7/96 – وأساسه :
ويصدق على هذا النظام للتعويض ما توصلنا إليه في الفرع الأول من هذا المطلب، إذ أنه يقوم على أساس الضمان وتحمل التبعة بدلا من المسؤولية المدنية المؤسسة على الخطأ.
فمن تطبيقات التقدير القانوني للتعويض أو التعويض الجزافي، حق العامل في التعويض عن الأضرار الناتجة عن إصابة في العمل.
ويقوم نظام التعويض ([9]) كما بينا على فكرة تحمل التبعة أو الضمان دون اشتراط خطأ من رب العمل.
وقد بدأ ظهور هذا النظام في نهاية القرن التاسع عشر كمظهر لاستجابة المشرع الفرنسي لما نادى به بعض الفقه الفرنسي من تأسيس التعويض على فكرة تحمل التبعة بدلا من الخطأ. وقد كانت إصابات العمل هي المجال الهام الذي أظهر قصور أحكام المسؤولية المدنية عن ملاحقة التطور الصناعي السريع الذي أدى إلى ازدياد عدد حوادث العمل، وصعوبة إثبات الخطأ فيها.
وقد صدر أول تشريع لتعويض إصابات العمل في فرنسا في 9 أفريل 98 يقضي بمسؤولية رب العمل عن حوادث العمل، تأثر به المشرع الجزائري وأخذ بنفس النظام عنه من خلال أمر 21/1/66 ثم في قانون 2/7/89 مع بعض التعديلات.
وقد حدد المشرع من خلال هذا القانون كيفية حساب التعويض الجزافي المستحق للعامل المتضرر جراء حادث عمل ، وهذا التعويض هو تعويض قدره القانون ويلتزم به القاضي عند الحكم بالتعويض.
ويتضمن التعويض الجزافي في حالة حادث العمل أداءات عينية وأخرى نقدية.
فتتمثل الأداءات العينية في دفع مصاريف العلاج ، إعادة التأهيل الوظيفي ، وإلى غير ذلك، وهي محددة في المواد من 29 إلى 31 من هذا القانون.([10])
أما الأداءات النقدية فتكون إما في شكل تعويضات يومية تحسب على أساس أجر العامل في حالة العجز المؤقت ، أو في شكل إيراد مدى الحياة في حالة العجز الدائم وذلك بحسب نسبة العجز المحددة في الخبرة الطبية التي يقوم بها طبيب الضمان الاجتماعي.
وقد حددت المواد من 36 إلى 41 كيفية حساب هذه الآداءات.
على أنه وإن كان نظام التعويض عن حوادث العمل لا يقوم على المسؤولية المدنية المؤسسة على الخطأ كمبدأ، إلا أن هناك حالة استثنائية تترتب فيها المسؤولية المدنية لصاحب العمل، ومع ذلك يستحق العامل التعويض الجزافي، وفي هذه الحالة يعد تقديرا قانونيا للتعويض في المسؤولية المدنية.
وتتعلق هذه الحالة على الخصوص بالخطأ المرتكب من طرف رب العمل إذا كان غير معذور أو متعمد،([11]) حسبما هو منصوص عليه في المادة 47 من قانون 83-15 المؤرخ في 2/7/83 المتعلق بالمنازعات في مجال الضمان الاجتماعي. وقد بينت هذه المادة في فقرتها الأخيرة بأن العامل في هذه الحالة يستحق التعويض طبقا للقانون رقم 83 – 13.
وباعتبار أن هذا التعويض الجزافي المنصوص عليه قانونا ، يقل عن التعويض الكامل، فقد أجازت نفس المادة للعامل المصاب أو ذوي حقوقه المطالبة بالتعويض الإضافي، لكي يصبح التعويض المتحصل عليه كاملا وجابرا لجميع الأضرار وذلك على أساس المسؤولية المدنية.([12])
المطلب الثاني. التحديد القانوني للمسؤولية: ويتم تقدير التعويض في هذه الحالة في الحدود الموضوعة من طرف المشرع، إذ قد يقوم المشرع في حالات معينة بوضع حد أقصى لا يمكن أن يتجاوزه التعويض الذي يستحقه المتضرر، ولو كان الضرر الذي أصابه يفوق المبلغ المحدد. وهذا التحديد القانوني للمسؤولية يختلف عن التقدير الجزافي للتعويض في أنه لا يستحق بطريقة تلقائية دون اعتبار للضرر الحقيقي اللاحق بالمتضرر، وإنما هو بمثابة حد أقصى لما يدفعه المسؤول من تعويض، بحيث إذا ثبت أن قيمة الضرر أدنى من هذا الحد، فلا يستحق المضرور إلا التعويض المساوي لهذه القيمة، دون أن يكون له الحق في الحصول على الحد الأقصى للتعويض المقرر قانونا، فيشترط للحصول على هذا الحد أن يكون الضرر مساويا له أو أكبر، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن أنظمة التعويض التلقائية لا تقوم على المسؤولية المدنية كما بيناه في المطلب الأول، ولا يقع على عاتق المتضرر إثبات أركانها، وإنما بمجرد ما يتبين أنه قد لحقه ضرر ترتب تعويضه بينما فيما يتعلق بالتعويض وفقا للتحديد القانوني للمسؤولية فإنه لا يتأتى للمطالب به إلا بعد أن تقوم المسؤولية وتتحقق أركانها وهذا بغض النظر عن أساسها إن كانت مسؤولية موضوعية أو مسؤولية تقوم على أساس الخطأ بحسب أنواعه. كما أن المشرع حدد في التعويض الجزافي قواعد يمكن معها الحصول على التعويض بصفة دقيقة، في حين أنه التحديد القانوني للمسؤولية فمادام أن الضرر لم يصل إلى درجة الحد الأقصى للتعويض المحدد فإن القاضي هو الذي يقدر التعويض وفقا للقواعد العامة. والأمثلة في هذا الشأن عديدة كتحديد مسؤولية أصحاب الفنادق فيما يتعلق بالنقود والأوراق المالية والأشياء الثمينة عن تعويض لا يجاوز خمسمائة دينار جزائري، كما بينته المادة 599 في فقرتها الثانية من التقنين المدني. غير أن هذا التحديد للمسؤولية يجد مجال تطبيقه الظاهر في مسؤولية الناقل، كما هو عليه الحال في كل من القانون البحري وقانون الطيران المدني. وهو ما سنتعرض إليه ولو بصفة وجيزة من خلال الفرعين التاليين : خصص الفرع الأول للتحديد القانوني لمسؤولية الناقل الجوي، بينما يتعلق الفرع الثاني بالتحديد القانوني لمسؤولية الناقل البحري.
الفرع الأول. التحديد القانوني لمسؤولية الناقل الجوي: لقد تناول المشرع الجزائري مسؤولية الناقل الجوي من خلال القانون رقم 98-06 المؤرخ في 27/06/98 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالطيران المدني. وقد استقى الأحكام المنظمة لها من قواعد اتفاقية فارسوفيا المؤرخة في 12/10/29 وبرتكول لاهاي المؤرخ في 28/09/55 المصادق عليها من طرف الجزائر([13]). فيترتب على كل نقل جوي إبرام عقد نقل، وأهم ما يرتبه هذا العقد من التزامات على عاتق الناقل الجوي، الالتزام بضمان سلامة الركاب وبالمحافظة على البضاعة والعناية بها، وأخيرا بعدم التأخير. ولما كانت المسؤولية هي جزاء الاختلال بالالتزام عقديا كان أم غير عقدي، استتبع ذلك مساءلة الناقل عن الأضرار الناشئة عن وفاة الراكب أو جرحه أو إصابته بأي أذى بدني آخر، وعن تلك الناجمة في حالة هلاك البضاعة أو ضياعها، وكذلك عن الأضرار الناتجة عن التأخير في نقل الركاب أو البضائع([14]). ومتى أخل الناقل الجوي بالتزاماته وأخفق في إقامة الدليل على انتفاء خطئه([15]) انعقدت مسؤوليته، والتزم بتعويض الضرر الذي يلحق بالركاب. والأصل أن التعويض يجب أن يكون عن كل الضرر، غير أن المشرع الجزائري خرج عن هذا الأصل ووضع للتعويض الذي يتحمله الناقل حدا أقصى. فقد نصت المادة 150 من قانون الطيران المدني على أنه "تمارس مسؤولية الناقل الجوي إزاء كل شخص منقول طبقا لقواعد اتفاقية وارسو المؤرخة في 12 أكتوبر 99 وبرتكول لاهاي في 28 سبتمبر 55 والمصادق عليهما من طرف الجزائر. وتحدد قيمتها بمائتي وخمسين ألف (250.000) وحدة حسابية كحد أقصى عن كل مسافر. يقصد بالوحدة الحسابية في مفهوم هذا القانون وحدة حساب متشكلة من خمسة وستين ميلغراما ونصف من الذهب على أساس تسعمائة من الألف من الذهب الخالص، ويمكن أن تحول وحدات الحساب المذكورة للعملة الوطنية بأرقام صحيحة، ويتم التحويل في حالة دعوى قضائية حسب قيمة الذهب للعملة المذكورة في تاريخ النطق بالحكم". وكما وضحنا عند تقديمنا لهذا المطلب : هذا القدر من التعويض الذي حددته المادة 150 السابقة الذكر، لا يستحق بطريقة تلقائية دون النظر إلى الضرر الحقيقي الذي لحق المسافر، وإنما هو لا يعدو عن كونه حدا أقصى، بمعنى أنه متى ثبت أن الضرر أقل من هذا الحد، لم يستحق المضرور إلا التعويض المساوي لهذا الضرر([16]). | |
|
ThE sIleNt
عضو فضي
مشاركات : 2951
العمر : 124 الجنس : الدولة : sireio المدينة : بلد الفقر و السعادة تاريخ التسجيل : 28/03/2012
| موضوع: رد: تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الأربعاء مايو 01 2013, 15:06 | |
| الفرع الثاني. التحديد القانوني لمسؤولية الناقل الجوي: وقد تناول المشرع الجزائري مسؤولية الناقل البحري من خلال الأمر رقم 76-80 المؤرخ في 23 أكتوبر 76 المعدل والمتمم بالقانون رقم 98-05 المؤرخ في 25/06/98 والمتعلق بالقانون البحري. ويرتب عقد النقل البحري على عاتق الناقل التزامات تتمثل في أخذ الناقل البضاعة على عاتقه ونقلها وتسليمها إلى المرسل إليه أو إلى ممثله القانوني. ومتى تم الإخلال بهته الالتزامات، ترتبت مسؤولية الناقل البحري، ولما كان التزامه التزاما ببذل عناية([17]) تتمثل في نقل البضاعة إلى ميناء الوصول، وتسليمها إلى المرسل إليه سليمة في الميعاد المتفق عليه، فإنه يكون مسئولا عن بذل عناية في نقله للبضاعة ويكون مسئولا عن الأضرار والخسارة التي تصيب البضاعة، ولا ترتفع المسؤولية عنه إلا إذا أثبت أن عدم قيامه بتنفيذ التزامه، إنما يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه يتمثل في إحدى الحالات التي نصت عليها المادة 803 من القانون البحري([18])، وأنه قام بجميع الإجراءات الضرورية لمنع تحقق النتيجة. فإذا ترتبت المسؤولية في جانب الناقل، التزام بالتعويض، ويكون هذا التعويض متناسبا مع الضرر اللاحق، مادام أن هذا الضرر لم يتعد الحد الأقصى الذي حدده المشرع. فمتى فاق الضرر هذا الحد لم يكن للمتضرر الحق في التعويض إلا بهذا الحد الأقصى دون زيادة، هذا ما لم يتبين أن الخسارة أو الضرر الذي لحق بالبضائع ناتج عن عمل أو إهمال من قبل الناقل كما بينته المادة 809 من القانون البحري. ولا يسري هذا الحكم إلا في حالة ما إذا لم يصرح الشاحن أو ممثله بطبيعة وقيمة البضائع قبل شحنها، ولم يدون في وثيقة الشحن أو في وثيقة أخرى، لأن التعويض في هذه الحالة يحدد حسب قيمة البضاعة المصرح عنها، ويتم طبقا للقواعد العامة طبقا للمادة 805 من القانون البحري، والتي نصت "... فلا يعد الناقل مسئولا عن الخسائر أو الأضرار التي تصيب البضائع أو التي تتعلق بها بمبلغ يزيد عن 10.000 وحدة حسابية عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 30 وحدة حسابية عن كل كيلوغرام يصاب بخسائر أو أضرار من الوزن الإجمالي للبضاعة للحد الأدنى المطبق وبمقدار يعادل مرتين ونصف من أجرة النقل المستحقة الدفع عن البضائع المتأخرة التي لم تسلم في الوقت المتفق عليه، أو في الوقت المعقول المطلوب من ناقل حريص أن يسلم فيه البضائع، ولكن لا تزيد عن مجموع أجرة النقل المستحقة بموجب عقد النقل البحري". وقد حددت قيمة الوحدة الحسابية كما هو الشأن لقانون الطيران المدني.
المبحث الثاني : التقدير الاتفاقي للتعويض في المسؤولية المدنية
أجاز القانون للمتعاقدين اللجوء إلى تقدير مسبق للتعويض في العقد الذي يرتب التزاماتهما المتبادلة في حالة استحالة تنفيذ المدين لإحدى هته الالتزامات المترتبة في ذمته عينا أو التأخر في تنفيذها. ويستحق هذا التعويض المسبق للدائن متى ثبت أن إخلال المدين قد ألحق به ضررا. وهذا النوع من الاتفاق يعرفه الفقه بالشرط الجزائي، وقد يدرجه المتعاقدان في العقد كبند فيه أو في اتفاق لاحق كما سيتم توضيحه من خلال هذا المبحث. وهناك طريقة أخرى قد يلجأ إليها الأطراف يكون من شأنها تحديد مسؤولية المدين ويترتب عليها تعديل في أحكام التعويض. والغالب في الاتفاق على تحديد المسؤولية المدنية أن يكون اتفاقا على الإعفاء منها برفعها كلية عن مرتكب الفعل الضار أو المخل بالتزامه ومنع مطالبته بالتعويض الذي تقضي به القواعد العامة، وقد يقتصر التعديل محل هذا الاتفاق على تخفيف المسؤولية برفع جزء منها من على عاتق المسؤول وحصر مساءلته على الجزء الباقي، كما يجوز بالعكس من ذلك أن يقصد بالتعديل زيادة مسؤولية مرتكب الفعل الضار عما تقضي به القواعد العامة. ([19]) فيمكن الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة كما يمكن الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي مثلما نصت عليه المادة 177 من التقنين المدني. ولن يهمنا في هذا المبحث دراسة تحديد المسؤولية لأنها لا تهدف إلى إعطاء تقدير محدد وواضح للتعويض كما هو الحال بالنسبة للشرط الجزائي، لذا فسنقصر الدراسة عليه، ومن ثمة سنخصص المطلب الأول لماهية الشرط الجزائي والمطلب الثاني لشروطه، أما المطلب الثالث فسنتناول فيه سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي.
المطلب الأول : ماهيــة الشرط الجزائي
قد يتبين للمتعاقدين من ظروف وملابسات العقد، ومدى التزاماتها المتقابلة أن التعويض الذي يقدر وفقا للقواعد العامة بمعرفة القاضي عن الإخلال بأحد الالتزامات التي يرتبها العقد لا يكون عادلا بالنسبة لأحدهما أو كليهما، فيتفقان على تحديد قيمة التعويض مقدما بما يتفق وما يريانه عادلا من وجهة نظرهما المشتركة. وقد نظم المشرع من خلال المادة 183 وما يليها من التقنين المدني الشرط الجزائي، وبين أحكامه، وسنتعرض من خلال هذا المطلب إلى توضيح مفهومه وذلك في فرع أول، والفرع الثاني نخصصه لتكييفه القانوني.
الفرع الأول : مفهومه
قد يلجأ المتعاقدان إلى الاتفاق مسبقا على مقدار التعويض الذي يستحقه أحدهما إذا لم يقم الآخر بتنفيذ التزامه، وهذا ما يعرف بالتعويض عن عدم التنفيذ. كما قد يتفقان على مقدار التعويض الذي يستحقه أحدهما إذا تأخر الآخر في تنفيذ إلزامه وهو التعويض عن التأخير.
وهذا الاتفاق المسبق على التعويض يعرفه الفقه بالشرط الجزائي.([20]) ولقد سمي بالشرط الجزائي لأنه عادة ما يرد كشرط من شروط العقد الأصلي، ويرتبه المتعاقدان كجزاء في حالة إخلال المدين بالتزامه سواء بعدم تنفيذه أو بالتأخر في تنفيذه. وقد نصت عليه المادة 183 من القانون المدني بقولها " يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق ...". ويتضح من نص هذه المادة، أن التعويض الاتفاقي المسبق يمكن أن يتضمنه اتفاق لاحق للعقد، لكن يشترط في هذه الحالة أن يتم تقديره قبل وقوع الضرر الذي قرر هذا الشرط الجزائي للتعويض عنه.([21]) بمعنى أن المتعاقدين يبرمان العقد ويبدأن في تنفيذه ثم يتبين لهما إمكانية عدم حصول التنفيذ عن إلتزام معين رتبه العقد، أو التأخر فيه، فيعمدان إلى إبرام اتفاق لاحق يتضمن تقديرا للتعويض عن الضرر الذي يتوقع حصوله. ويجد اشتراط وجوب تقدير التعويض قبل وقوع الضرر، تبريره، في أنه في حالة الاتفاق عليه بعد حصول الضرر، فمن شأنه أن يعتبر بمثابة صلح بين المتعاقدين. ([22]) والأصل في الشرط الجزائي أن يطبق بصدد المسؤولية العقدية، مثلما وضحته المادة 183 من التقنين المدني، بأن يتفق المتعاقدان على التعويض مسبقا في العقد. والأمثلة على ذلك كثيرة كأن ينص في عقد البيع على إلزام البائع بدفع مبلغ معين إذا تأخر في تسليم العمل الموكل له في الموعد المحدد. وكذا في شركات إنتاج الأغاني عندما ترتبط بعقد مع مطرب لإنتاج أغانيه، فعادة ما يتضمن هذا العقد شرطا جزائيا بدفع أحد الطرفين مبالغ ضخمة في حالة إخلاله بالتزام معين رتبه العقد. أما بخصوص المسؤولية التقصيرية ، فلا يمكن في الغالب تصور أن يتم الاتفاق على التعويض إلا بعد تحقق المسؤولية باعتبار أن المسؤول المتسبب في الضرر لا يعرف المضرور إلا منذ وقوع الفعل الضار. ومع ذلك فإن الفقه ([23]) أورد أمثلة يمكن معها تصور الاتفاق على التعويض قبل تحقق الفعل الضار، منها : تحديد المتعاقدين لمبلغ التعويض في حالة فسخ العقد، فالمسؤولية المتولدة عن فسخ العقد هي مسؤولية تقصيرية. كذلك الحال إذا تم الاتفاق على تعويض يقدمه الخاطب لخطيبته في حالة عدوله عن الخطبة، والإخلال بوعد الزواج، فالإخلال يرتب قيام مسؤولية تقصيرية. وما قد يحدث في مباريات السباق، فيتفق المتسابقون مقدما على تعويض معين إذا حدث ضرر لأحدهم. ([24])
الفرع الثاني : التكييف القانوني للشرط الجزائي. إن الشرط الجزائي بإعتباره بندا في العقد الذي يربط الدائن بالمدين بحسب الأصل. وأنه لا يستحق إلا في حالة إخلال المدين بالتزامه المحدد في العقد. فإن هذا يستتبع أن الالتزام بالشرط الجزائي هو إلتزام تابع لا التزام أصيل. بمعنى أنه التزام تابع لما ألتزم به المدين أصلا بالعقد، طبقا لأشكال الالتزام المحددة قانونا إما منح أو فعل أو الامتناع عن فعل، ثم يتفق الطرفان على مبلغ معين يقدران به التعويض فيما إذا أحل المدين بالتزامه. ويترتب على ما سبق شرحه أمران : - عدم استحقاق الشرط الجزائي إذا كان تنفيذ الالتزام الأصلي ممكنا، متى كان الاتفاق على استحقاق الشرط الجزائي يتعلق بحالة استحالة تنفيذ الالتزام. - بطلان الالتزام الأصلي يرتب بطلان الشرط الجزائي.
أ- عدم استحقاق الشرط الجزائي إذا كان تنفيذ الالتزام الأصلي ممكنا. متى تم الاتفاق على استحقاق الشرط الجزائي كبديل لاستحالة تنفيذ الالتزام، لأنه في حالة ما إذا تم الاتفاق على استحقاق الشرط الجزائي عن مجرد التأخير في تنفيذ الالتزام، فلا يهم مدى إمكانية تنفيذ الالتزام الأصلي، ويستحق الشرط الجزائي بمجرد التأخير. يستفاد مما سبق أنه لا يمكن للدائن مطالبة المدين بالشرط الجزائي ما دام تنفيذ الالتزام الأصلي ممكنا ، ولا يتسنى له ذلك إلا إذا أصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا بخطأ من المدين ، ويترتب على هذا أن يتغير محل الالتزام الأصلي ليصبح تعويضا تكفل الشرط الجزائي بتقديره. أما إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مستحيلا بسبب أجنبي، عد منقضيا([25])، ويترتب عليه إنقضاء الشرط الجزائي بإعتباره التزاما تخييرا، فلا يمكن للدائن الاختيار بين الحصول على تنفيذ الالتزام الأصلي وتنفيذ الشرط الجزائي باعتباره التزما تابعا له. ويتضح مما سبق أن الشرط الجزائي لا يعد التزاما تخييريا، فلا يمكن للدائن الاختيار بين الحصول على تنفيذ الالتزام الأصلي، وتنفيذ الشرط الجزائي. كما أن الشرط الجزائي ليس التزاما بديلا، لأنه لا يمكن للمدين أن يرجع عن تنفيذ الالتزام الأصلي، بتنفيذ الشرط الجزائي مادام تنفيذ الالتزام الأصلي ممكنا.
ب- بطلان الالتزام الأصلي يرتب بطلان الشرط الجزائي. إذا كان الالتزام الأصلي باطلا لأي سبب من الأسباب ([26])، كان الشرط الجزائي باطلا وهذه نتيجة طبيعية لاعتبار الشرط الجزائي التزاما تابعا للالتزام الأصلي، طبقا لقاعدة الجزء يتبع الكل والفرع يتبع الأصل. كما يترتب على هذا أنه إذا تم فسخ العقد لإخلال المدين بالتزامه, فإن الالتزام الأصلي يسقط ويسقط معه الشرط الجزائي, ويتحول التعويض المترتب على الفسخ من التقدير الاتفاقي إلى تعويض يقدره القاضي, وفقا لما سيتم شرحه لاحقا. إلا أنه إذا كان الشرط الجزائي باطلا, فإن هذا لا يترتب بطلان الالتزام الأصلي لأنه إذا كان الفرع يتبع الأصل فالعكس غير صحيح. ونخلص في الأخير وبناء على كل ما تقدم أن الشرط الجزائي لا يعد مصدر استحقاق التعويض الاتفاقي أو سببه, وإنما ينشأ التعويض من مصدر آخر هو إما العقد في حالة ترتب المسؤولية العقدية, أو العمل غير المشروع في حالة المسؤولية التقصيرية. وعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه هو السبب في استحقاق التعويض عن عدم التنفيذ, وتأخير المدين في تنفيذ التزامه هو السبب في استحقاق التعويض عن التأخير. ولا يعدو الشرط الجزائي على أن يكون تقديرا من طرفي الالتزام مقدما لكلا التعويضين.
المطلب الثاني : شروط استحقاق الشرط الجزائي إن شروط استحقاق الشرط الجزائي باعتباره تعويضا حدده المتعاقدان سلفا هي شروط قيام المسؤولية المدنية بصفة عامة, وذلك على أساس أنه لا يستحق إلا في حالة إخلال المدين بالتزامه, وهذا يرتب قيام المسؤولية المدنية. وتتمثل هذه الشروط في وجود خطأ من المدين, ضرر يصيب الدائن, وعلاقة سببية تربط الخطأ بالضرر. ويضاف إلى هذا شرط إعذار المدين. وقد تضمنت هذه الأحكام المواد من 176 إلى 181 من التقنين المدني بعد ما أحالت عليها المادة 183 من نفس التقنيين. فسنتناول من خلال هذا المطلب شروط قيام المسؤولية المدنية في فرع أول وشرط إعذار المدين في فرع ثان.
الفرع الأول : شروط قيام المسؤولية المدنية
وسنتناول في هذا الفرع شروط الخطأ, الضرر, علاقة السببية بين الخطأ والضرر. 1- شرط الخطأ : والخطأ فقها([27]) هو الإخلال بواجب قانوني، ويختلف هذا الواجب القانوني حسب صور المسؤولية المدنية، فهو في المسؤولية العقدية إلتزام رتبه العقد، أما في المسؤولية التقصيرية فهو واجب عام يترتب على الإخلال به قيام المسؤولية. ولهذا التمييز آثاره، إذ أن مسؤولية المدين عن الإخلال بالتزامه التعاقدي، لا تسفر عن إنشاء إلتزام جديد، وإنما هي أثر لالتزام قائم مصدره العقد. أما المسؤولية التقصيرية فهي تتضمن التزاما قائما بذاته، نشأ بالإخلال بالواجب العام المفروض على الناس جميعا هو الالتزام بالتعويض.([28]) واشتراط الخطأ كركن في المسؤولية التقصيرية مكرس قانونا بنص المادة 124 من التقنين المدني كما هو ظاهر من النص الفرنسي.([29]) أما بخصوص المسؤولية العقدية فلم يرد نص متضمن لقاعدة عامة تشترط الخطأ كأساس لمسؤولية المدين في المسؤولية التعاقدية، غير أنه يستشف من خلال عدة نصوص متفرقة أوردها التقنين المدني اشتراط الخطأ صراحة في بعض العقود، منها عقد المقاولة طبقا لنص المادة 568 في الفقرتين الثانية والثالثة، وعقد الوكالة في المادة 579 منه. ([30])
ويترتب على اشتراط الخطأ أن المسؤولية لا تتحقق إذا كان الإخلال بالالتزام راجع لفقد المدين للتمييز، إذ لا ينسب الخطأ إلى غير المميز. كما أن هذا الخطأ يمكن نفيه من خلال إثبات السبب الأجنبي، إذ تنص المادة 176 من التقنين المدني ([31]) بأنه إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ إلتزامه، ما لم يثبت بأن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب لا بد له فيه. ومتى ترتب السبب الأجنبي انتفت المسؤولية ونتج عن ذلك عدم استحقاق الشرط الجزائي. ومتى انتفى الخطأ انتفت المسؤولية المدنية أيضا. وباعتبار أن الشرط الجزائي يغلب وجوده في المسؤولية العقدية، ويندر في المسؤولية التقصيرية، كما سبق توضيحه، فسأخص بالدراسة انتفاء الخطأ في المسؤولية العقدية. ولتحديد انتفاء الخطأ لابد من التفرقة بين الخطأ في الالتزام بتحقيق نتيجة والخطأ في الالتزام ببذل عناية.
أ. الخطأ في الالتزام بتحقيق نتيجة : وفي هذه الحالة يقوم الخطأ في ركنه المادي بمجرد عدم تحقق النتيجة أو بعدم تحققها على الوجه المتفق عليه بما فيه التأخر في تحقيقها. وبمجرد عدم تحقق النتيجة، افترض القانون وجود قرينة بأن سبب عدم تحققها يعود إلى فعل المدين، لذا يلزم بأداء التعويض المتفق عليه، وليس على الدائن أن يثبت أن المدين قد ارتكب إهمالا معينا. وهذه القرينة هي قرينة بسيطة كما بينته المادة 176 من التقنين المدني، بمعنى أنه يمكن للمدين إثبات عكسها بإقامة الدليل على أن سببا أجنبيا لابد له فيه، جعل تحقق النتيجة مستحيلا. ولا يكفي لكي يتخلص المدين من المسؤولية أن يثبت أنه لم يهمل، وأنه قد بذل عناية الشخص العادي لتحقيق النتيجة المقصودة. ولابد من التوضيح أن السبب الأجنبي المتسبب في استحالة التنفيذ لا يؤدي إلى نفي علاقة السبيبة بين هته النتيجة والخطأ، وبالتالي لا ينفي عن الإخلال بالالتزام المقرر في العقد، الناتج عنه عدم التنفيذ، وصف الخطأ، وإنما ينفي نسبة الخطأ إلى المدين بالالتزام.
ب. الخطأ في الالتزام ببذل عناية : ونفرق هنا بين حالتين : حالة ما إذا لم يقم المدين أصلا بالعمل المطلوب فهنا نطبق المادة 176 من التقنين المدني بأن يفترض أن عدم القيام بالالتزام يعود لخطأ المدين. ويترتب على ذلك إلزام هذا الأخير بالتعويض، ما لم يثبت، وجود سبب لا بد له فيه جعل القيام بالالتزام مستحيلا. أما الحالة الثانية فتتمثل في أن المدين قام بالعمل المطلوب منه، ولكن ثار نزاع بين طرفي العقد حول مدى بذل المدين العناية اللازمة في القيام بذلك العمل. فهنا يكون المدين قد ارتكب إهمالا جعله ينحرف عن السلوك الواجب للشخص العادي ويقع على الدائن بالالتزام ببذل عناية إثبات إهمال المدين، وباعتبار أن الإهمال واقعة مادية فإنه يتم إثباتها بكافة الطرق. فإذا أثبت الدائن مثلا واقعة تدل على الإهمال دلالة كافية لترجيح وقوعه ولو لم تكن قاطعة، قامت قرينة قضائية على عدم تنفيذ الالتزام، وينتقل عبء الإثبات إلى المدين، بأن يثبت أنه قد بذل العناية اللازمة. ولا سبيل لدى المدين لنفي الخطأ عن نفسه بعد ثبوت الواقعة التي ترجح إهماله إلا أن يبين الظروف التي تمت فيها الواقعة والتي من شأنها أن تنفي عنها وصف الإهمال، بأن يثبت أن الشخص العادي لو كان في مثل ظروفه لتحققت نفس النتيجة. من ذلك قيام الطبيب بتشخيص المرض تشخيصا غير صحيح، فهنا يكفيه لنفي الخطأ عنه أن يثبت أن هذا الغلط في التشخيص من الأغلاط التي يقع فيها الأطباء ([32]). ونشير في الأخير إلى أنه إذا انتفى الخطأ في جانب المدين، انتفت مسئوليته، ولا يكون التعويض الاتفاقي المسبق مستحقا.
2- شرط الضرر : ([33]) الضرر ركن أساسي لقيام المسؤولية، وهو شرط أساسي لاستحقاق الشرط الجزائي، فقد نصت المادة 184 من التقنين المدني " لا يكون التعويض المحدد في الاتفاق مستحقا ، إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر". فإذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن ، لم يكن التعويض الاتفاقي مستحقا، ذلك أن هناك حالات يتحقق فيها خطأ المدين دون أن يصاب الدائن من جرائه بضرر ما. وعادة ما تقوم هذه الحالة في الأوضاع التي يقتصر فيها خطأ المدين على مجرد التأخير في تنفيذ الالتزام ، كما لو تأخر البائع أو المسؤول عن نقل البضاعة في تسليمها، ولا يتبين أن هذا التأخير قد أضر بأي وجه بالدائن، قلا تقوم المسؤولية ، ولا يستحق التعويض الاتفاقي المسبق. والأصل طبقا للقواعد العامة أن عبء إثبات الضرر يقع على عاتق الدائن، لأنه يقع على المدعي إثبات ما يدعيه، ولا يمكن الخروج عن هذه القاعدة بنقل عبء الإثبات للمدين إلا إذا ورد نص قانوني خاص بذلك، وهو ما فعله المشرع من خلال نص المادة 184 من التقنين المدني. فيكفي الدائن إثبات إخلال المدين بالتزامه لكي يفترض الضرر، ويستحق الشرط الجزائي إلا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر، فانتقل بفعل الشرط الجزائي عبء الإثبات إلى المدين. ولا مانع من أن نشير إلى أن القانون المدني الجزائري ([34]) يختلف في تنظيمه للشرط الجزائي عن القانون المدني الفرنسي، فالقانون الفرنسي في تنظيمه له احترم إرادة الطرفين احتراما كاملا. إذ أن المادة 1152 ([35]) من التقنين المدني الفرنسي تنص على أنه إذا اشترط في الاتفاق أن الطرف الذي يخل بالتزامه يلتزم بدفع مبلغ معين على سبيل التعويض فلا يسمح للطرف الآخر باقتضاء مبلغ أقل أو أكثر. ففي كل حالة عدا حالات الغش أو الخطأ الجسيم أو التنفيذ الجزئي، لا يكون للقاضي تعديل قيمة الشرط الجزائي بالزيادة أو بالنقصان. ويستحق الدائن الشرط الجزائي بمجرد إثباته عدم التنفيذ ولو لم يصبه أي ضرر، ولا يمكن للمدين الدفع بعدم إصابة الدائن بأي ضرر من جراء عدم تنفيذ الالتزام ولو أثبته. فإذا كانت قيمة الشرط الجزائي تجاوز مدى الضرر وأراد الدائن التمسك به فإنه لا يكلف إلا باثبات عدم التنفيذ ووجود الشرط الجزائي ، فيقضى له به. أما إذا كانت قيمة الشرط الجزائي تقل عن مدى الضرر، وأراد المدين التمسك به لتخفيف مسئوليته، فإنه يكلف بإثبات الشرط الجزائي ، فلا يستحق الدائن سوى هذا الشرط ولا يعوض بأكثر من ذلك.([36]) ومن هنا نرى أن المشرع الجزائري باتخاذه هذا الموقف مخالفا المشرع الفرنسي ربط الشرط الجزائي بفكرة التعويض بصورة كاملة في المواد من 183 إلى 185 من التقنين المدني التي تقوم على استحقاق المتضرر لتعويض يناسب الضرر الذي لحقه.
3- علاقة السبيبة بين الخطأ والضرر : فلا يستحق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السبيبة بين الخطأ والضرر بأن يكون الخطأ هو السبب في الضرر. ومتى انتفت هذه العلاقة بثبوت السبب الأجنبي أو بأن كان الضرر غير مباشر أو كان في المسؤولية العقدية مباشرا ولكنه غير متوقع فعندئذ لا تتحقق المسؤولية ولا يستحق الشرط الجزائي. والسبب الأجنبي الذي يقطع رابطة السبيبة بين الخطأ والضرر ، يعرف فقها بأنه كل أمر غير منسوب إلى المدين أدى إلى استحالة تنفيذ الالتزام أو إلى إلحاق الضرر بالدائن، وهو إما أن يكون حدثا لا ينسب لأي شخص وهو ما يعرف بالقوة القاهرة، وإما أن يكون فعلا صادرا من الدائن ذاته أو فعل شخص من الغير. ويتضح من هذا أنه يشترط في السبب الأجنبي النافي لمسؤولية المدين شرطان : - ألا يكون للمدين يد في تحققه، بألا يكون قد ساهم في حدوثه، وفي حالة العكس تقوم مسئوليته بالتعويض بحسب نسبة الخطأ الذي قام في جانبه. - أن يكون قد جعل التنفيذ على الوجه المتفق عليه مستحيلا، ولا يكفي أن يصبح التنفيذ مرهقا.([37]) والمعيار هنا ليس قدرة المدين ذاته وإنما التقدير وفقا لمعيار موضوعي هو معيار الرجل العادي في مثل ظروف المدين. | |
|
ThE sIleNt
عضو فضي
مشاركات : 2951
العمر : 124 الجنس : الدولة : sireio المدينة : بلد الفقر و السعادة تاريخ التسجيل : 28/03/2012
| موضوع: رد: تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الأربعاء مايو 01 2013, 15:07 | |
| الفرع الثانـي : شـرط الإعذار
جعل المشرع الإعذار شرطا لاستحقاق الشرط الجزائي من خلال نصه في المادة 179 من التقنين المدني على انه " لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين ما لم يوجد نص مخالف لذلك" ويكون الإعذار شرط لاستحقاق الشرط الجزائي، في جميع الأحوال التي يجب فيها إعذار المدين، ومادام التعويض لا يستحق إلا بالإعذار في الأحوال التي يجب فيها فإنه إذا لم يقم الدائن بإعذار المدين في هذه الأحوال، لم يكن التعويض الاتفاقي مستحقا.([38])
لكنه تجدر الإشارة بأنه في حالة ما إذا لم يقم الدائن بإعذار المدين فإن رفع دعوى المطالبة بالشرط الجزائي تعد في حد ذاتها بمثابة إعذار – كما سنبينه لاحقا- لذا فلا يترتب على عدم الإعذار دفع شكلي لا دفع بعدم القبول. ([39]) وهو لا يعد قيدا على رفع الدعوى كما يذهب إليه القضاء في بعض أحكامه.([40])
فإذا تمسك المدين أمام القاضي بعدم إعذار من طرف الدائن ، كان للقاضي منحه أجل للوفاء، متى كان عرضه للوفاء حقيقيا، وتبين للقاضي جديته. ولا يحق للمدين أكثر من ذلك.
فالإعذار إذا لا يترتب على عدم استفائه، بطلان الإجراءات أو عدم قبول الدعوى. وقد ذهبت المحكمة العليا في قرار لها بخلاف هذا الرأي إذ جاء في حيثيات قرار صادر بتاريخ 25/7/02 ما يلي " بمراجعة أوراق الملف ... تبين أن الطاعن كان قد أثار أمام مجلس قضاء الجزائر دفعا يتمثل في أن المطعون ضدها لم تقم بتوجيه إعذار مسبق قبل مقاضاته طبقا للمادة 180 من القانون المدني. لكن هذه الجهة القضائية لم تقم بتسجيل هذا الدفع إذ اكتفت بمجرد التصريح بخصوصه بما يلي : " حيث أن التمسك بالمادة 180 من القانون المدني ليس من شأنه أن يجعل الدعوى غير مقبولة شكلا."
وفي هذه الحالة يستوجب إبطال القرار". ([41])
ذلك أن الإعذار إذا لم يقم به الدائن وقام برفع الدعوى مباشرة ، ثم سارع المدين بالوفاء، فإن الشيء الذي يترتب على ذلك هو تحميل الدائن المدعي بالمصاريف القضائية.
وتأييد هذا الرأي عندي أن الغرض من وراء الاعذار هو وضع المدين في حالة المتأخر عن تنفيذ التزامه، ذلك أن مجرد حلول أجل الالتزام لا يعني جعل المدين في هذا الوضع القانوني، لأنه قد يحل أجل الالتزام ومع ذلك يسكت الدائن عن المطالبة بالتنفيذ فتنشأ قرينة على تسامحه مع المدين. وأنه لم يصبه ضرر من تأخر المدين في تنفيذ التزامه ، وأنه رضي ضمنا بمد أجل تنفيذ الالتزام.
أما إذا أراد الدائن أن ينفذ التزامه الذي حل أجله ، فعليه إشعار المدين بذلك عن طريق إعذاره بالطرق التي رسمها القانون، فيقطع بذلك مظنة التسامح، ويصبح المدين ملزما بتتنفيذ التزامه فورا، وإلا ترتب عن تأخيره في التنفيذ التعويض.([42])
ويتم الاعذار طبقا للمادة 180 من التقنين المدني بأحد الطرق التالية :
- بالإنذار
- بما يقوم مقام الإنذار
- ويجوز أن يكون الإعذار مترتبا على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذرا بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أي إجراء آخر.
أ. الإنذار : ويتم بعقد غير قضائي يحرره المحضر يبين فيه رغبة الدائن في أن يطلب من المدين تنفيذ التزامه.
وبتصوري فإن المحضر في إعلان الإنذار يتبع نص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية المتعلقة بتبليغ التكليف بالحضور، فيسلم صورة من الإنذار إلى المدين بالالتزام شخصيا أو إلى أحد أقاربه أو تابعيه أو البوابين أو أي شخص آخر يقيم بالمنزل نفسه.
وبينت المادة 180 السابقة الذكر أنه يجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في هذا القانون.
ومع أنه لا يوجد نص في التقنين المدني يبين كيفية توجيه الإعذار عن طريق البريد إلا أنني أتصور أن يتم ذلك عن طريق رسالة موصى عليها مع الإشعار بالاستلام، كما وضحته المادة 471 وما يليها من التقنين المدني بالنسبة للإخطار المتعلق برفع الثمن في عقد الإيجار.
- وقد يتم الإعذار بما يقوم مقام الإنذار ولم تبين المادة ما هو المقصود بما يقوم مقام الإنذار وتركت الأمر للفقه والقضاء، فاعتبر الفقه أنه يمكن للدائن إنذار المدين في نفس عريضة الدعوى التي يرفعها للمطالبة بتنفيذ الالتزام أو التعويض عنه فتكون هذه العريضة إنذارا ومطالبة قضائية في وقت واحد، ولكن إذا بادر المدين في هذه الحالة إلى التنفيذ بمجرد تبليغه بعريضة الدعوى تحمل الدائن مصروفات الدعوى.
- وقد أورد المشرع من خلال المادتين 180، 181 قانون مدني حالات لا ضرورة فيها للإعذار فيعتبر فيها المدين مسؤولا عن التعويض إذا لم يقم بتنفيذ التزامه بمجرد حلول الدين وهي :
1. ما نصت عليه المادة 180 مدني على أنه يتفق طرفا الالتزام على أن يكون المدين معذرا بمجرد حلول أجل الالتزام دون حاجة إلى أي إجراء.
2. ما نصت عليه المادة 181 مدني : إذا تعذر تنفيذ الالتزام وأصبح غير مجد بفعل المدين.
وقد أورد المشرع هذه الحالة لأنها تتفق وطبيعة الأشياء لأن الغرض من تقرير الإعذار هو دعوة المدين إلى تنفيذ التزامه، ومتى أصبح تنفيذ الالتزام متعذرا أو أصبح غير مجديا فما الفائدة من توجيه الإعذار ؟ فيرفع الدائن دعوى التعويض ويستحقه دون الحاجة إلى إعذار ولابد أن نوضح أن اشتراط المشرع أن يكون تعذر تنفيذ الالتزام أو أن يصبح غير مجد بفعل المدين له ما يبرره على اعتبار أنه متى نشأ تعذر التنفيذ بغير فعل المدين أي لسبب أجنبي قطع رابطة السبيبة بين الخطأ والنتيجة وهي عدم تنفيذ الالتزام فينقضي هذا الأخير من أصله ولا يستحق التعويض وذلك على النحو الذي سبق بيانه.
- ولهذه الحالة صور مختلفة منها أن يكون تنفيذ الالتزام غير مجد إلا إذا تم في وقت معين، فإذا فات هذا الوقت أصبح هذا التنفيذ غير ممكنا أو لا يحقق الفائدة المرجوة منه، ومثالها أن يلتزم محام برفع استئناف في حكم وينتهي ميعاد الاستئناف قبل أن يرفعه.
- إذا كان محل الالتزام تعويضا ترتب عن عمل مضر.
- إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه فالمدين هنا بين مسبقا أنه لا يريد القيام بالتزامه متى حل أجله فلا جدوى من توجيه الاعذار مادام أن هذا الأخير قد قرّر كما أسلفنا لأجل حمل المدين على تنفيذ التزامه.
- ولقد اشترط القانون أن يتم التصريح كتابة، فهل هذا يعني أنه لو تم التصريح أمام الشهود فلا يؤخذ به وبالتالي وجب الإعذار؟ بمعنى ما هي الحكمة من اشتراط المشرع للكتابة ؟
أرى أن المشرع اشترط الكتابة هنا للإثبات فقط لذا فلو أقر المدين بأنه صرح بنيته في عدم تنفيذ الالتزام لأغنى هذا الإقرار عن الكتابة ولم تعد الحاجة إلى الاعذار.
- إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق أو شيء تسلمه دون حق وهو عالم بذلك، فهنا يعد المدين سيئ النية باعتبار علمه أن الشيء مسروق أو أن ليس له حق فيه، وبالتالي وجب عليه بمقتضى القانون رد الشيء إلى الدائن دون أن يقع على هذا الأخير عبء إعذاره.
- يترتب على تأخر المدين في الوفاء بالتزامه بعد إعذاره أن يصبح مسؤولا عن دفع الشرط الجزائي الناتج عن التأخير في تنفيذ الالتزام وهذا من وقت الاعذار متى ثبت وجود ضرر أصاب الدائن وهذا بمقتضى المادتين 179 و 184/01 من القانون المدني.
المطلب الثالث : سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي
لقد وضحنا طبقا لما سبق أنه يجوز الاتفاق مقدما على مقدار التعويض في حالة استحالة تنفيذ الالتزام عينا أو التأخر في تنفيذه، ويكون هذا التقدير للتعويض ملزما للقاضي يتعين عليه الحكم به دون زيادة أو نقصان متى تحقق من توفر شروط الشرط الجزائي، وكان هناك تناسب بين التعويض المتفق عليه والضرر الواقع.([43])
وسلطة القاضي في هذا الشأن مطلقة لا معقب عليها من محكمة القانون.([44])
غير أنه استثناءا من هذا الأصل أجاز المشرع في حالات معينة للقاضي تعديل الشرط الجزائي بالتخفيض أو بالزيادة، وهذه السلطة الممنوحة للقاضي من النظام العام، بمعنى أنه لا يجوز للأطراف الاتفاق على حرمانه منها باتفاق خاص، فكل اتفاق بهذا الشأن يقع باطلا، إذ تنص المادة 184 من التقنين المدني على أنه " لا يكون التعويض المحدد في الاتفاق مستحقا إذا اثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.
ويجوز للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
ويكون باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين أعلاه ".
ويتضح لنا من نص هذه المادة أن سلطة القاضي تصل إلى حد الحكم بعدم استحقاق الشرط الجزائي، متى ثبت له عدم وجود الضرر، وهي حالة سبق لنا الإشارة إليها.
كما أن له تخفيض مبلغ التعويض الاتفاقي أو الزيادة فيه طبقا للمادتين 184/2 و185 من التقنين المدني، وذلك وفق شروط معينة حددها المشرع.
لذا فقد قسمت هذا المطلب إلى فرعين : فرع أول خصصته لسلطة القاضي في تخفيض الشرط الجزائي، وفرع ثان جعلته لسلطة القاضي في زيادة الشرط الجزائي.
الفرع الأول : سلطة القاضي في تخفيض الشرط الجزائي :
تنص المادة 184 فقرة 2 من التقنين المدني على أنه " يجوز للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض إذا اثبت المدين أن التقدير كان مفرطا أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه ".
وتنص المادة 187 من نفس التقنين " إذا تسبب الدائن بسوء نيته وهو يطالب بحقه في إطالة أمد النزاع ، فللقاضي أن يخفض مبلغ التعويض المحدد في الاتفاق أو لا يقضي به إطلاقا عن المدة التي طال فيها النزاع دون مبرر".
فيتبين لنا أنه يجوز للقاضي أن يخفض الشرط الجزائي في ثلاث حالات هي :
- إذا اثبت المدين أن تقدير الشرط الجزائي كان مفرطا.
- إذا كان الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
- إذا تسبب الدائن بسوء نيته في إطالة أمد النزاع.
1- حالة ما إذا كان تقدير الشرط الجزائي مفرطا :
وتستبين هذه الوضعية في حالة ما إذا لم يقم المدين أصلا بتنفيذ التزامه أو تأخر في تنفيذه مدة جعلت الشرط الجزائي مستحقا.
وتبرير منح القاضي سلطة تخفيض الشرط الجزائي المتفق عليه بين الدائن والمدين أن الدائن قصد تقدير الشرط الجزائي تقديرا مفرطا، وجعله شرطا تهديديا لحمل المدين على الوفاء بالتزامه، فيكون بمثابة عقوبة فرضها الدائن على المدين، ومن ثم يكون هذا الشرط باطلا.
ويتدخل القاضي بتقدير التعويض وفقا للقواعد العامة دون رقابة عليه من المحكمة العليا.
كما أن الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض الاتفاقي بمعنى أنه ليس مصدره ، وإنما هو مجرد تقدير مسبق وفقا لما ظهر لطرفي الالتزام من اعتبارات وظروف.
فإذا اتضح بعد ذلك أن الضرر الذي وقع لم يكن بالقدر الذي توقعه الطرفان ، وأن تقديرهما كان مبالغا فيه ، فالأمر يتعلق حينئذ إما بغلط في التقدير وقع فيه الطرفان أو إكراه وقع على المدين، فقبل شرطا يعلم مقدما أنه مجحف، إما تحت تأثير ضغط الدائن، وإما عن اندفاع وتسرع ، ليقينه بأنه سيقوم حتما بتنفيذ التزامه، فلن يتعرض لتوقيع الشرط الجزائي عليه، ففي جميع الأحوال وجب تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد الذي يتناسب والضرر.([45])
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من عدم الحكم باستحقاق الشرط الجزائي لعدم تحقق الضرر أو تخفيضه لكونه غير متناسب مع الضرر، فإن الجدوى منه تبقى قائمة، وذلك من حيث نقل عبء الإثبات من المدين إلى الدائن على النحو التالي :
أ. إن وجود الشرط الجزائي يجعل الضرر مفترضا بحيث لا يكلف الدائن بإثباته وإنما يقع على المدين إثبات أن الدائن لم يلحقه ضرر إذا أدعى ذلك.
ب. وجود الشرط الجزائي قرينة على أن التعويض المتفق عليه مساو للضرر،فإذا ادعى المدين أنه مفرط كان عليه عبء اثبات ذلك.
ج. قد يتجاوز التعويض الاتفاقي مدى الضرر، ومع ذلك فهو يستحق للدائن دون تخفيض، متى كانت قيمة الشرط الجزائي تجاوز مدى الضرر تجاوزا يسيرا، فعلى المدين أن يثبت أن التقدير كان مبالغا فيه لدرجة كبيرة وحتى إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا، فإن التخفيض يكون إلى حد يتناسب مع الضرر ولا يتحتم أن يكون مساويا له ذلك أن تقدير التعويض الذي يجبر الضرر مسألة تقديرية بحتة سواء تعلقت بإرادة الأطراف أو بعمل القاضي، وهي ليست مسألة حسابية بسيطة يمكن أن يصل فيها العديد من الناس إلى نتيجة واحدة تفيد مساواتها للضرر الواقع فعلا.([46])
2- حالة تنفيذ الالتزام الأصلي في جزء منه :
إذا ما قام المدين بتنفيذ جزء من التزامه ، فمن العدالة ألا يلزم بكل المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي.
ويكون القاضي قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه.
ويتم التخفيض على أساس المبلغ المقدر في الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ من الالتزام بمعنى أن القاضي ينقص المبلغ المتفق عليه إلى الحد الذي يتناسب والجزء الباقي دون تنفيذ من الالتزام الأصلي. ويقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي على المدين.([47]) ونشير إلى أنه إذا نفذ المدين التزامه تنفيذا معيبا لا يحقق الغاية المرجوة منه ، لا يمكن للقاضي اعتباره تنفيذا للالتزام في جزء منه ، فيستحق الشرط الجزائي كله، احتراما لاتفاق الطرفين.
أما إذا كان هذا العيب غير جسيم وكان الشرط الجزائي المقدر كتعويض عنه مفرطا في التقدير ، جاز للقاضي اعتباره تنفيذا للالتزام في جزء منه، فيستحق الشرط الجزائي كله احتراما لإتفاق الطرفين.
أما إذا كان هذا العيب غير جسيم ، وكان الشرط الجزائي المقدر كتعويض عنه مفرطا في التقدير، جاز للقاضي تخفيضه إلى الحد المناسب وفقا لما سبق بيانه.([48])
3. حالة تسبب الدائن بسوء نية في إطالة أمد النزاع :
وتقوم هذه الحالة على مبدأ التعسف في استعمال الحق([49]). ذلك أن الدائن متى تسب بسوء نية في إطالة أمد النزاع ، فهو يتعسف في استعمال الإجراءات المقررة له قانونا، فبدل أن يقصد أقصر الطرق للوصول إلى حقه يعمد إلى إطالة أمد النزاع حتى يستغرق الشرط الجزائي، بأن يجعل الضرر متناسبا معه.
لذا فقد أورد المشرع هذا النص منعا لتعسف المدين في إطالة النزاع بدون مبرر، ونحن نرى أن هذه الحالة تتحقق إذا ما كان الشرط الجزائي مقررا كتعويض عن التأخر في تنفيذ الالتزام ، ولا تشمل بالتالي حالة ما إذا اتفق عليه طرفا العقد كبدل عن استحالة تنفيذ الالتزام.
ذلك أنه في هذه الحالة الأخيرة يلزم القاضي بالحكم باستحقاق الشرط الجزائي كاملا دون تخفيض، متى تبين له استحالة تنفيذ الالتزام عينا متى حل أجله، وتحقق الضرر المتوقع ، ولا يكون لإطالة أمد النزاع دخل في تخفيض الشرط الجزائي لأنه لا يكون أصلا للدائن في هاته الحالة مصلحة في إطالة أمد النزاع.
ويشترط في إطالة أمد النزاع المخفض للشرط الجزائي أن يتم بسوء نية من الدائن بأن يتعمد ذلك ويقع على المدين عبء إثبات أن إطالة أمد النزاع هي بلا مبرر وكذا سوء نية الدائن.
ومتى تبين ذلك للقاضي قام بتخفيض التعويض الاتفاقي إلى حد معقول عن المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر. ونكون هنا أمام حالة خطأ مشترك بين المدين والدائن، فالمدين تأخر في الوفاء بالتزامه، والدائن أطال هذا التأخر بإطالة أمد النزاع.
ويمكن للقاضي ألا يحكم بالشرط الجزائي أصلا متى وصل خطأ الدائن جراء سوء نيته إلى حد استغراق خطأ المدين.
وتجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة للتشريعات المقارنة فقد أوردت هذا النص بمناسبة تعرضها لسريان الفوائد التأخيرية القانونية منها، أو الاتفاقية جراء التأخر في تنفيذ التزام محله مبلغ من النقود، ولم ترد بخصوص التعويض الاتفاقي المحدد مسبقا، كما فعل المشرع الجزائري. ([50])
الفرع الثاني : سلطة القاضـي في زيادة الشرط الجزائي:
جاء في نص المادة 185 من التقنين المدني ما يلي : " إذا جاوز الضرر قيمة التعويض المحدد في الاتفاق فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما ".
فيتضح من هذا النص أن الضرر إذا زاد عن التعويض المقدر في الشرط الجزائي، وأثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما، حكم القاضي بالزيادة في التعويض حتى يصبح معادلا للضرر الذي وقع، ولا يمنعه من ذلك أن التعويض مقدر في الشرط الجزائي ، لأن الدائن في اتفاقه مع المدين على تقدير التعويض لم يدخل في حسابه غش المدين أو خطئه الجسيم.([51])
وهنا تبرز وظيفة الردع للمسؤولية المدنية إلى جانب وظيفة الإصلاح. ويتمثل الردع في التفرقة بين مدين وآخر حسب جسامة الخطأ الصادر منه ، وفي الارتفاع بالتعويض العادل أو الإصلاح إلى التعويض الكامل الذي يحقق وظيفة الردع وجبر الضرر. ([52])
ولكن إذا ما قل الشرط الجزائي عن مدى الضرر وبالتالي عن التعويض الكامل، لم يجز المشرع للدائن للمطالبة بزيادة التعويض الاتفاقي إلى مستوى التعويض الكامل، طالما أن خطأ المدين كان يسيرا ، ولم يصل إلى درجة الغش أو الخطأ الجسيم.
ويمكن تفسير هذا بأن الشرط الجزائي يكفي لجبر الضرر ولا يشترط أن يكون كاملا.
إلا أنه حتى في حالة ما إذا كان الضرر الحقيقي يجاوز بكثير قيمة الشرط الجزائي، فلا يحق للدائن المطالبة برفعه، وهنا لا يمكن تفسير عدم رفع التعويض الاتفاقي إلى التعويض الكامل بأن إرادة الدائن قد اتجهت مسبقا إلى قبول تعويض محدد، لأن مدى الضرر في هذه الحالة يكون قد تجاوز ما ارتضاه الدائن.
ويفسر الدكتور محمد ابراهيم دسوقي مسلك المشرع هذا بأن العدالة في التعويض توجب الاعتداد بهذا التعويض الاتفاقي بالنظر إلى ظروف التعاقد ومدى التزامات كل من الطرفين قبل الآخر، قد تحددت على ضوء قيمة الشرط الجزائي وبالتالي يكون التعويض الكامل غير عادل بالنسبة إلى هذه الظروف.([53])
الفصل الثاني. حرية القاضي في تقدير التعويض المترتب عن المسؤولية المدنية
بعد أن بينا في الفصل الأول من هذه الدراسة الاستثناءات التي ترد على سلطة القاضي في تقدير التعويض، سنتطرق في هذا الفصل إلى حرية القاضي في تقدير التعويض أو ما يعرف بالتقدير القضائي للتعويض. فمتى لم يحدد القانون أحكاما لحساب التعويض أو لم تذهب إرادة المتعاقدين إلى تقديره، كان المجال مفتوحا أمام القاضي ليقدره. وينصب تقدير التعويض على الضرر اللاحق بالمتضرر، لذا أرتأيت تخصيص المبحث الأول إلى تحديد الضرر المستحق للتعويض. أما المبحث الثاني فسنخصصه إلى سلطة القاضي في تقدير التعويض ورقابة المحكمة العليا عليه.
المبحث الأول. مناط تقدير التعويض – الضرر المستحق للتعويض: إن كان قد سبق لنا التعرض إلى الضرر في المبحث الثاني من الفصل الأول باعتباره شرطا لاستحقاق التعويض الإتفاقي فضلا على أنه ركن من أركان المسؤولية المدنية، إذا انتفى انتفت بدورها، فإننا رأينا أنه من الواجب إعادة التطرق له بشيء من التفصيل، على اعتبار أن الضرر هو بذاته مناط تقدير التعويض ومحله، لذا سنبين في مطلب أول أنواعه، والمطلب الثاني سنخصصه إلى الشروط التي يجب أن يتمتع بها حتى يكون مستحقا للتعويض، أما المطلب الثالث فخصصناه إلى الوقت الذي يتم تقويمه فيه.
المطلب الأول. أنواع الضرر المستحق للتعويض: يكون الضرر إما ماديا أو معنويا، هذا وإن كان الضرر المادي لا يثير إشكالا في وجوب التعويض عنه بموجب النصوص الصريحة التي أوردها المشرع في التقنين المدني الجزائري، فالحال ليس كذلك بالنسبة للضرر المعنوي، لذا فقد خصصنا الفرع الأول للتعريف بالضرر المادي والفرع الثاني للتعريف بالضرر المعنوي من جهة ومن جهة أخرى إلى توضيح موقف المشرع الجزائري والقضاء الجزائري من التعويض عنه، خاصة بعدما أقرت معظم التشريعات ذلك([54])، وتلك التي لم تنص على التعويض عنه استقر القضاء لديها على ذلك([55]).
الفرع الأول. الضرر المادي: وهو ما يصيب الشخص من ضرر يتمثل في المساس بجسده أو ماله أو بانتقاص حقوقه المالية أو بتفويت مصلحة مشروعة له، تقدر فائدتها ماليا([56]). فيتضح من هذا التعريف بأن للضرر المادي وجهان أولهما يصيب الإنسان في سلامة جسده وحياته، ويعرف بالضرر الجسدي. والثاني يمس بحقوق أو مصالح مالية للشخص فيكون له انعكاس على ذمته المالية، فالضرر الجسدي هو الذي يمس حياة الإنسان أو سلامته، ويصيبه بضرر، قد يتمثل في جرح في الجسد، أو إحداث عاهة، أو إزهاق روح، أو التسبب بعجز دائم أو جزئي عن العمل([57]). وقد يصحب هذا الضرر الجسدي انتقاص في الذمة المالية للضحية، إن استوجب علاجها نفقات أو حرمت المصاب من القدرة على العمل. أما الضرر الذي يمس بحقوق أو مصالح مالية فهو الذي يصيب الشخص في كيانه المالي فيمس بمصالح له ذات صفة مالية أو اقتصادية كخسارة تحصل أو مصاريف تنفق، أو تفويت فرصة، أو ضياع كسب([58]).
الفرع الثاني. الضرر المعنوي: هذا النوع من الضرر يلحق بما يسمى الجانب الاجتماعي للذمة المعنوية أو الأدبية، فقد يكون مقترنا بأضرار مادية، فيلحق العاطفة أو الشعور بالآلام التي يحدثها في النفس والأحزان، وقد يستقل عن الضرر المادي، فيلحق أمورا أخرى غير ذات طبيعة مالية كالعقيدة الدينية أو الأفكار الخلقية([59]). وقد عرفه الدكتور السنهوري بأنه الضرر الذي لا يصيب الشخص في ماله، وإنما يصيب مصلحة غير مالية([60]). وللضرر المعنوي عدة صور، فقد يصيب الجسم، إذ أن الجروح التي تصيب الوجه والألم الذي ينجم عن ذلك، وما قد يعقب من تشويه في الوجه أو في الأعضاء، كل هذا يشكل ضررا ماديا ومعنويا، إذا نتج عنه إنفاق المال في العلاج أو نقص في القدرة على الكسب المادي، ويكون ضررا معنويا فحسب إذا لم ينتج عنه ذلك([61]). كما قد يتصل بشخصية المرء وبحقوقه العائلية، وما يؤذي الشعور والأحاسيس، وبما يمس العرض أو السمعة والاعتبار من قذف أو تشهير، أو ما يصيب العاطفة من حزن أو حرمان([62]). والأضرار المادية الناتجة عن الضرر المعنوي أو المختلطة به، تقبل التقييم ولا تثير صعوبة بذاتها، ولكن الضرر المعنوي كعنصر مستقل من عناصر التعويض، وباعتبار أنه لا تترتب عليه خسارة مالية، فإن البعض عارض التعويض عنه لصعوبة تقويمه بالمال، مما أثار جدلا كبيرا حول مبدأ التعويض عنه. ولقد اختلفت التشريعات في مدى الأخذ بالتعويض عن الضرر المعنوي، فقد نص القانون المدني الفرنسي على وجوب التعويض عن كل فعل يسبب الضرر، وهذا من خلال المادة 1382. وكما هو ملاحظ فقد جاء هذا النص مطلقا، لم يحدد نوع الضرر القابل للتعويض، مما جعل الفقه الفرنسي ينقسم إلى قسمين في تفسيره، فذهب الفريق الأول([63]) إلى أن التعويض عن الضرر المعنوي غير ممكن لأنه غير مادي، فيستحيل تقويمه نقدا، وأنه حتى لو منحنا المضرور ضررا معنويا مبلغا نقديا كتعويض عن الألم أو الحزن، فإن ذلك لا يقضي على الألم والحزن. وذهب الفريق الثاني إلى التمييز بين ضرر معنوي يحوز تعويضه، وضرر معنوي لا يحوز فيه ذلك، واختلفوا في وضع حد لهذا التمييز، فمنهم من يقصر التعويض على الضرر المعنوي الذي يؤدي إلى ضرر مادي، ولا يعوض إلا هذا الضرر المادي وحده، ومنهم من يحصر التعويض على الضرر المعنوي الذي يصيب الشرف والاعتبار، لأنه عادة ما يجر إلى ضرر مادي، ولا يجيزه في الضرر المعنوي الذي يصيب العاطفة لأنه ضرر معنوي لا يؤدي إلى ضرر مادي([64]). ومع ذلك فإن الفقه الفرنسي الحديث يذهب إلى أخذ نص المادة 1382 على إطلاقه وبالتالي إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي، يضاف إلى ذلك أن المشرع الفرنسي أجاز حالات خاصة للتعويض لمجرد الضرر المعنوي([65]). ويردون على النظرية الرافضة للتعويض عن الضرر المعنوي بأن الغرض من التعويض عن الضرر المعنوي، لا يقصد به محوه وإزالته، وإنما أن يستحدث المضرور لنفسه بديلا عما أصابه من ضرر، ولو كان غير ملائم فهو خير من لا شيء، ولا يصح أن يعوق هذا، التذرع بتعذر تقدير التعويض المعنوي، ذلك أن القاضي قد يستعصى عليه في بعض الأحيان حتى تقدير التعويض المادي([66]). ونفس الخلاف عرفه القضاء الفرنسي، إلا أن أغلبه سار إلى تعويض الضرر المعنوي واستقر على ذلك، وإن بقي الاختلاف في تعيين من يحق له المطالبة بالتعويض في هذه الحالة([67]). أما في مصر، فقد استقر الفقه والقضاء على جواز التعويض عن الضرر المعنوي، لأن المشرع المصري حسم الخلاف بنصه في المادة 222 من التقنين المدني "يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضا ..." ([68]). وكان غرضنا من الإشارة إلى كل من التشريعين الفرنسي والمصري، أن المشرع الجزائري، قد أخذ مواد التقنين المدني عنهما، وأن القضاء الجزائري يستأنس ويستنير باجتهاد القضاء الفرنسي في هذا الصدد. فلقد جاءت المادة 124 من التقنين المدني الجزائري – المقابلة لنص المادة 1382 من التقنين المدني الفرنسي – عامة ومطلقة لا تميز بين الضرر المادي والضرر المعنوي. فذهب رأي في الفقه إلى أن عدم وجود نص على التعويض عن الضرر المعنوي، في التقنين المدني، لا يسوغ أن يستنتج منه انتقاء التعويض عن هذا الضرر، إذ أن الأصل في الأشياء الإباحة، كذلك فإن المبدأ العام للتفسير القانوني يقضي بألا نميز بين الضرر المادي والضرر المعنوي، طالما أن القانون لم يميز([69]). لكن وبالرجوع إلى النصوص التي خصصها المشرع الجزائري للتعويض، نجد المادة 131 من التقنين المدني تنص "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 ...". وبالرجوع لنص المادة 182 من نفس التقنين نجدها تنص "إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب" ويظهر من هذا أن المشرع الجزائري لا يأخذ إلا بالتعويض عن الضرر المادي، ذلك أن عنصري ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب هما عنصران للضرر المادي([70]). كما أن المشرع الجزائري عند أخذه لمواد التقنين المدني عن كل من التشريعين الفرنسي والمصري، اتبع مسلك المشرع الفرنسي في عدم النص على الضرر المعنوي ولم يأخذ بتوجه المشرع المصري الذي خصص نصا خاصا للتعويض عن الضرر المعنوي. فيتضح مما سبق أن نية المشرع الجزائري اتجهت إلى عدم التعويض عن الضرر المعنوي، وإلا بما يفسر سكوته عن النص عن ذلك صراحة.
لكن ما يؤخذ على المشرع الجزائري أنه أغفل النص على التعويض عن الضرر المعنوي في القانون المدني([71])، رغم أنه الشريعة العامة، ونص عليه في قوانين خاصة نذكر منها على سبيل المثال الأمر رقم 74-15 المتعلق بالزامية التأمين على السيارات، وبنظام التعويض عن الأضرار المعدل والمتمم بالقانون رقم 88-91 الذي جاء في نصوصه بالتعويض عن الضرر المعنوي بسبب الوفاة لذوي الحقوق، وكذا التعويض عن ضرر التألم ... كما أنه ومن خلال المادة 3 الفقرة الرابعة من تقنين الإجراءات الجزائية نص على التعويض عن الضرر المعنوي حيث جاء فيها "... تقبل دعوى المسؤولية المدنية عن كافة أوجه الضرر سواء كانت مادية أو جثمانية أو أدبية، مادامت ناجمة عن الوقائع موضوع النزاع". ويستفاد من هذا النص أن الدعوى المدنية لا تقبل إلا إذا كانت مرتبطة بالدعوى العمومية، سواء كان الضرر موضوع التعويض ماديا أو معنويا، ومتى كان ذلك كان له الحق في التعويض عن الضرر المعنوي. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ما هو الحال لو أن المتضرر لم يطالب بالتعويض عن الأضرار اللاحقة به جراء الجريمة أمام القاضي الجزائي، وآثر رفع الدعوى أمام القاضي المدني، فهل يسقط حقه في المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي، بما أن القاضي المدني سيطبق في هذه الحالة قواعد القانون المدني ؟ إن الإجابة على هذا السؤال بالنظر إلى موقف المشرع الجزائري بعدم التعويض عن الضرر المعنوي هي: نعم. لكن هذا يؤدي بنا إلى نتائج غير منطقية، ذلك أن القاعدة العامة في الاختصاص هي أن المحاكم المدنية هي المختصة بالفصل في الدعاوى المدنية، وأن اختصاص المحكمة الجزائية فيها استثناء لا يتأتى إلا إذا ارتبطت الدعوى المدنية بالدعوى العمومية. لذا ففي اعتقادنا أنه من الواجب على القاضي المدني الذي ترفع أمامه دعوى للمطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي أن يقبلها، ويحكم للمتضرر بالتعويض عن هذا الضرر متى توفرت شروطه، معتمدا في ذلك على أن نص المادة 124 من التقنين المدني جاء مطلقا لم يحدد الضرر الواجب للتعويض، ويستعمل في هذه الحالة سلطته في التفسير مستندا على نص المادة 01 من التقنين المدني التي جاء فيها أنه في حالة عدم وجود نص تشريعي، يحكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة. ونظرا لوجود اختلاف فقهي حول مدى إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي في الشريعة الإسلامية([72])، فنحن نرى أن على القاضي أن يطبق المصدر الأخير وهو مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، هته العدالة التي تقتضي أن يتساوى جميع المواطنين، فمادام أن المتضرر من جريمة يحصل على تعويض عن الضرر المعنوي اللاحق به متى طالب به أمام المحكمة الجزائية، فإنه يكون نفس الحق مخولا لشخص آخر تعرض لنفس الضرر عن نفس الجريمة في أن يحصل على تعويض عنه متى طالب به أمام المحكمة المدنية. وهناك أحكام عوض من خلالها القضاء الجزائري عن الضرر المعنوي الناتج عن جريمة والذي تم المطالبة به أمام المحكمة المدنية في شكل دعوى مدنية مستقلة عن الدعوى العمومية. فقد جاء في حيثيات حكم صادر عن محكمة البليدة بتاريخ 13/11/99 تحت رقم 207/99 بخصوص تعويض ذوي الحقوق عن وفاة مورثهم نتيجة جناية قتل عمدي، ما يلي: "حيث أن وفاة الضحية نتج عنه ضرر مادي ومعنوي ألحق بذوي حقوقها حيث أن طلب المدعية أم الضحية بمبلغ 300.000 دج تعويضا عن الضرر المادي ومبلغ 200.000 دج كتعويض عن الضرر المعنوي مؤسس قانونا يتعين على المحكمة الاستجابة له". كما أن المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 14/01/2001 ملف رقم 214574 أقرت التعويض عن الضرر المعنوي الذي طالب به عامل أمام القسم الاجتماعي عن التسريح التعسفي، وجاء في حيثياته. "حيث أنه من قضاء المحكمة العليا المستقر، أن تقدير التعويض عن التسريح التعسفي يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، ولا رقابة للمحكمة العليا عليه في هذا الشأن، ويكفيه أن يعاين كما هو الشأن في دعوى الحال الطابع التعسفي للتسريح ويقدر التعويض حسب الضرر الذي لحق العامل وأن الحكم المطعون فيه يبين أن المبلغ الممنوح للمطعون ضده كان على أساس الضرر المادي والمعنوي الذي لحقه جراء التسريح التعسفي، وهذا كاف لإعطائه الأساس القانوني"([73]). وكل ما تطرقنا إليه يتعلق بالتعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية التقصيرية طبقا لنص المادة 124 من التقنين المدني، فما هو الحال عليه في المسؤولية العقدية ؟ يذهب القضاء والفقه في فرنسا إلى أن يكون للضرر المعنوي في نطاق المسؤولية العقدية، نفس الحكم الذي يأخذه في المسؤولية التقصيرية، والسند في هذا هو نص المادة 1142 من التقنين المدني الفرنسي التي تقابلها المادة 176 من التقنين المدني الجزائري والتي تنص على أنه "إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا، حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه". فهذا النص جاء مطلقا أيضا لم يخص الضرر المادي فقط، مما يمكن معه تفسيره على أنه يشمل الضررين المادي والمعنوي. وإذا كان تصور الضرر المعنوي في المسؤولية التقصيرية أيسر منه في المسؤولية العقدية، فإن ذلك لا ينفي إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي في الالتزامات التعاقدية. فقد أوردت مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري صورة عن ذلك، وهي إمتناع المودع لديه عن رد لوحة فنية لها عند المودع منزلة أدبية رفيعة، رغم أن قيمتها المادية ضئيلة، وحالة ما إذا تضمن إلغاء العقد المبرم مع أحد المهندسين إضرارا بسمعته([74]).
المطلب الثاني. الشروط الواجب توفرها في الضرر المستحق للتعويض: ينبغي أن يستجمع الضرر مجموعة من الشروط حتى يكون مستحقا للتعويض، وتتمثل هذه الشروط في أن يكون شخصيا، محققا، مباشرا، وأن يمس بحق ثابت أو مصلحة مالية مشروعة وهو ما سنتعرض له تباعا في الفروع التالية:
الفرع الأول. أن يكون الضرر شخصيا: ونعني بذلك أن يصيب الضرر الشخص المطالب بالتعويض عن الفعل الضار، فتتوفر فيه المصلحة الشخصية حتى تكون دعواه مقبولة. ويتحقق هذا الشرط بالنسبة للأضرار المرتدة عن الضرر الأصلي، إذ يعتبر الضرر المرتد ضررا شخصيا لمن ارتد عليه. كما لو أصيب شخص في حادث بما أعجزه عن القيام بعمله، وبالتالي يحول دون الإنفاق على من يعولهم، فلهؤلاء الحق في طلب التعويض عما لحق بكل واحد منهم من ضرر شخصي، وهذا التعويض يستقل تماما عما يطالب به الشخص العائل من إصلاح مما أصيب هو به من ضرر. فيكون للضرر المرتد كيان مستقل عن الضرر الأصلي، ويترتب على هذا أنه يمكن لمن أصابه ضرر مرتد المطالبة بالتعويض عنه، حتى لو اتخذت الضحية موقفا سلبيا من حقها في التعويض عن الضرر الذي أصابها أو تنازلت عنه([75]). وإذا توفيت الضحية المعيلة لأشخاص آخرين دون أن تكون قد طالبت بحقها في التعويض فإن هذا الحق ينتقل إلى ورثتها من بعدها، فيجتمع لديهم هذا الحق مع مل لحق بهم من ضرر مرتد بسبب حادث معيلهم، إلا إذا كانت الضحية قد تنازلت عنه حال حياتها فيبقى لهم الحق في التعويض عن الضرر المرتد الذي لحق بهم، وما يقضي به من تعويض لا يعتبر تركه، فلا يقسم بين الورثة([b][76])، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 14/04/82([77]) تحت رقم 24770 حيث جاء في حيثياته "إن تعويض ذوي الحقوق لا يعتبر إرثا لأن الإرث هو ما خلفه المورث من أموال كان قد جمعها حال حياته، أما التعويض عن الأضرار فهو يعطي لكل من تضرر من الحا | |
|
ThE sIleNt
عضو فضي
مشاركات : 2951
العمر : 124 الجنس : الدولة : sireio المدينة : بلد الفقر و السعادة تاريخ التسجيل : 28/03/2012
| موضوع: رد: تقدير التعويض في المسؤولية المدنية الأربعاء مايو 01 2013, 15:08 | |
| المطلب الثالث. وقت تقويم الضرر الموجب للتعويض: إن تحديد الوقت الذي يتم فيه تقويم الضرر الموجب للتعويض يرتب دراسة مسألتين جوهريتين تتمثل في: - تحديد وقت تقدير الضرر. - تحديد وقت نشوء الحق في التعويض عن الضرر.
الفرع الأول. تحديد وقت تدير الضرر: إن العبرة عند تقدير الضرر الذي يستتبعه تقدير التعويض بيوم صدور الحكم، اشتد الضرر أو خف، ارتفعت قيمة النقد أو انخفضت وليس بتاريخ وقوع الفعل الضار لأن الغاية من التعويض هي جبر الضرر، ولا تتحقق هذه الغاية إلا إذا روعي تقدير الضرر وقت إصدار الحكم([94])، وذلك على النحو التالي: - يتم تقدير الضرر الموجب للتعويض على أساس ما وصل إليه يوم الحكم، فإذا خف الضرر قبل يوم إصدار الحكم، فإن المسؤول يستفيد من ذلك حتى لو كان التحسن لا يرجع إلى تطور الإصابة في ذاته بل إلى سبب أجنبي، كما إذا كان المتضرر من حادث قد أصيب في حادث آخر فمات، فإن المسؤول عن الحادث الأول يستفيد من موت المضرور لأنه غير مسؤول عنه، إذ أن الموت قد وضع حدا للضرر الذي ترتب عن الحادث الأول([95]). أما إذا اشتد الضرر بسبب لا يرجع لخطأ المسؤول، فلا يكون هذا الأخير مسؤولا إلا عن الضرر الذي تسبب فيه دون ما يتعلق بما اشتد منه والذي تقع مسؤوليته على المسؤول عنه. وإذا حدث تغير في الضرر بعد الحكم بالتعويض، يكون للمضرور الحق في طلب تعويض تكميلي يناسب مقدار الزيادة في الضرر، دون أن يكون للمسؤول الاحتجاج بقوة الأمر المقضى به لأنه يطلب تعويضا عن ضرر لم يكن قد تحقق عند الحكم([96]). وفي حالة ما إذا كان الحكم المحدد للضرر والمقدر للتعويض قد استؤنف، وأثناء هذه الفترة ما بين صدور الحكم من محكمة أول درجة وبين صدور القرار من المجلس الناظر في الاستئناف تفاقم الضرر بما يبرر تقديم طلب يتضمن زيادة التعويض عنه، فهنا وتطبيقا لما سلف ذكره يقوم قضاة المجلس بتقدير الضرر وقيمته بالحالة التي صار إليها عند الحكم([97]). وإذا تقدم المضرور على هذا الأساس بطلب الزيادة في مبلغ التعويض، فإن هذا لا يعد طلبا جديدا، إذ تنص المادة 107/1 من تقنين الإجراءات المدنية "لا تقبل الطلبات الجديدة في الاستئناف ما لم تكن خاصة بمقاصة أو كانت بمثابة دفاع في الدعوى الأصلية". فالقاعدة العامة تمنع تقديم الطلبات الجديدة باستثناء الطلبات المتعلقة بالمقاصة أو إذا تعلق الأمر بوسيلة دفاع جديدة، وإلا ترتب عدم قبولها. إلا أن الفقرة الثانية من نفس المادة نصت على أنه "كما يجوز للخصوم أيضا طلب الفوائد أو متأخر الأجرة وسائر الملحقات التي تستحق منذ صدور الحكم المستأنف، وكذا التعويضات المستحقة عن أضرار وقعت منذ ذلك الحكم". فقد جاء النص صريحا بقبول طلب التعويض رغم أنه يعد طلبا جديدا في موضوعه، وقدم لأول مرة أمام جهة الاستئناف استثناءا على القاعدة العامة([98]). - العبرة عند تقدير قيمة الضرر بما تكون عليه الأسعار يوم الحكم سواء ارتفع النقد أو انخفض عما كان عليه وقت حدوث الضرر، أو زادت أسعار الأشياء أو المواد اللازمة لإصلاح الضرر أو نقصت، فالتغير في قيمة الضرر لا يعد تغيرا في الضرر ذاته، ولما كان المسؤول ملزما بجبر الضرر كاملا، فإن التعويض لا يكون كافيا لجبره إذا لم يراع في تقديره قيمة الضرر عند الحكم به([99]).
الفرع الثاني. تحديد وقت نشوء الحق في التعويض عن الضرر: تثير مسألة وجوب تقدير الضرر بتاريخ الحكم التي تم التعرض إليها في الفرع الأول من هذا المطلب إشكالية تتعلق بوقت نشوء الحق في التعويض عن هذا الضرر، بمعنى هل أن الحق في تعويض الضرر ينشأ للمضرور أيضا من تاريخ الحكم الذي يقضي به أم من وقت وقوع الضرر. ولهذه التفرقة أهمية عملية من حيث تحديد بعض المسائل التي يتعلق بعضها بـ: - تحديد تاريخ بداية حساب التقادم. - القانون الواجب التطبيق. - وقت التصرف في الحق. وقد انقسم الفقه والقضاء بصدد هذه المسألة إلى جانبين، جانب يرى أن نشوء الحق في التعويض عن الضرر تتقرر من تاريخ صدور الحكم، في حين يذهب الجانب الثاني إلى أن الحق في التعويض ينشأ من وقت وقوع الضرر.
1. نشوء الحق في التعويض عن الضرر من تاريخ صدور الحكم: فحق المضرور في تعويض الضرر حسب هذا الاتجاه يتولد للمضرور من يوم الحكم الذي يقضي به لا من يوم وقوع الضرر مستندين على أن هذا الحكم بالتعويض هو حكم منشئ للحق، لأن الحق في التعويض يظل حقا غير محدد المقدار، فالحكم هو الذي يحدد، ويجب الاعتداد بجميع العناصر التي توجد وقت الحكم، وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها([100]).
2. نشوء الحق في التعويض عن الضرر من وقت وقوعه: يذهب أغلب الفقه إلى أنه يجب الاعتداد بوقت وقوع الضرر كتاريخ لنشوء الحق في التعويض عنه، لأن الحكم الصادر بالتعويض لا يزيد على أن يكون مقررا لهذا الحق لا منشئا له، فالحق في التعويض إنما مصدره العمل غير المشروع الذي أتاه المسؤول فينشأ هذا الحق من وقت قيام أركان المسؤولية المدنية، والأخص من وقت وقوع الضرر لا من وقت ارتكاب الخطأ، ذلك أنه في بعض الحالات قد يتراخى حدوث الضرر لمدة معينة بعد ارتكاب الخطأ. إلا أن القول بهذا الرأي يؤدي إلى نتيجة مفادها أن تقدير التعويض عن الضرر لابد أن يتم بتاريخ وقوعه وليس بتاريخ الحكم، وهذا مخالف لما توصلنا إليه في الفرع الأول من هذا المطلب والذي مؤداه بأن قيمة التعويض عن الضرر تقدر بتاريخ الحكم، لذا فقد ذهب بعض الفقه -وهو الأجدر بالإتباع في نظرنا- إلى وجوب التمييز بين الالتزام بتعويض الضرر وبين الالتزام بدفع التعويض، فالأول ينشأ من وقت حدوث الضرر، وهو حق يخلف للورثة، ولكن تعويض هذا الضرر يتحول إلى التزام بدفع تعويض وقت الحكم، ولذلك يجب الاعتداد بهذا الوقت في تقدير مبلغ التعويض([101]).
المبحث الثاني: سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض ورقابة المحكمة العليا عليه: إن لقاضي الموضوع في تقدير التعويض سلطة واسعة من حيث فهم وتكييف الوقائع المادية، وتقدير مقدار الضرر، ومن ثم تحديد مقدار التعويض عنه بغير معقب من المحكمة العليا، وإنما لهذه الأخيرة الرقابة على ما يقوم به قاضي الموضوع من الاعتداد بعناصر تقدير التعويض، فليس له أن يختار منها ما يريد اختياره، ويغفل ما يريد إغفاله من بين هذه العناصر. وهذا ما سنتناوله من خلال هذا المبحث، إذ خصصنا المطلب الأول لسلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض، والمطلب الثاني لرقابة المحكمة العليا عليه.
المطلب الأول. سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض: متى تبين لقاضي الموضوع قيام شروط المسؤولية المدنية، حكم بالتعويض، ولقاضي الموضوع سلطة مطلقة في تحديد الطريقة التي يتم بها التعويض من جهة، وفي تقديره من جهة أخرى بغير معقب عليه من المحكمة العليا. فعندما ترفع أمام القاضي دعوى للمطالبة بالتعويض، وجب عليه في مرحلة أولى أن يفهم الوقائع المطروحة أمامه، وفي مرحلة ثانية تكييفها بتطبيق النص القانوني الملائم عليها من خلال التأكد بأنها كافية لتشكل أركان المسؤولية المدنية ليتأتى له في مرحلة ثالثة تقدير التعويض على اعتبار أنه لا تعويض بدون مسؤولية ولا تقدير حيث لا تعويض([102])، على أن يحدد بطريقة موازية الطريقة التي يتم بها هذا التعويض. ويختار القاضي طريقة التعويض من خلال تحديد ما هو الأنسب لإصلاح الضرر معتمدا في ذلك على نص المادة 132 من التفنين المدني التي جاء فيها: "يعين القاضي طريقة التعويض تبعا للظروف، ويصح أن يكون التعويض مقسطا، كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا، ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأمينا. ويقدر التعويض بالنقد، غير أنه يجوز للقاضي تبعا للظروف وبناءا على طلب المضرور، أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أو أن يحكم وذلك على سبيل التعويض بأداء بعض الإعانات تتصل بالعمل غير المشروع". فيستبين من هذه المادة أن طريقة إصلاح الضرر تختلف حسبما تكون الظروف الملابسة لحالة النزاع المطروح، وبما يبدي المضرور في طلباته عنها، كما أنها تختلف في نطاق المسؤولية العقدية عنها في نطاق المسؤولية التقصيرية. فإذا كان التنفيذ العيني هو الأصل في المسؤولية التعاقدية، فعلى النقيض من ذلك لا يكون لهذا الضرب من التنفيذ الإمنزلة الاستثناء في نطاق المسؤولية التقصيرية. فالتنفيذ بمقابل أي عن طريق التعويض المالي هو القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية([103])، والتعويض يكون إما عينيا أو بمقابل: فالتعويض العيني هو إصلاح الضرر بإزالة مصدره من أصله، وهو غير التنفيذ العيني لذا نجد مجاله في المسؤولية التقصيرية دون المسؤولية التعاقدية([104]). ذلك أن التنفيذ بطريق التعويض في المسؤولية العقدية لا يتأتى إلا إذا استحال التنفيذ العيني، إما بأن كان مستحيلا مطلقا لخطأ من المدين بأن استدعى الأمر تدخله شخصيا لكنه امتنع عن ذلك، أو كان مستحيلا نسبيا لأنه إذا تم فمن شأنه أن يرهق المدين دون أن يترتب على عدم القيام به ضرر جسيم للدائن، وهذا تطبيقا لنص المادة 176 التي جاء فيها "إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن تنفيذ التزامه ..."، فيكون تعويض الضرر الناجم هنا تعويضا بمقابل وليس تعويضا عينيا([105]). والتعويض العيني يتجسد في المسؤولية التقصيرية من خلال إصلاح المتسبب في الضرر، الضرر عينا وليس بمقابل، ومثاله أن يبني شخص حائط في ملكه يسد على جاره الضوء والهواء تعسفا منه، فيكون التعويض العيني عن هذا الفعل بهدم الحائط على حساب الباني. أو أن يضع شخص خلايا نحل بجانب دور للسكن، فللمتضرر الحصول على التعويض عيني عن الضرر الذي لحق به وذلك بالحكم بإبعاد هذه الخلايا. أما التعويض بمقابل فهو الذي يصلح في المسؤولية العقدية متى استحال تنفيذ الالتزام عينا وهو القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية لاستحالة التعويض العيني في أغلب الأحيان. وهو قد يكون نقديا أو غير نقدي، يكون لقاضي الموضوع سلطة كاملة في اختيار نوع التعويض الأنسب لإصلاح الضرر([106]). فالتعويض النقدي يكون في أغلب حالات المسؤولية التقصيرية، وفي بعض حالات المسؤولية العقدية([107])، وقد يأخذ صورة مبلغ إجمالي يدفع دفعة واحدة، أو مقسطا حسب الظروف، أو في صورة إيراد مرتب لمدة معينة أو لمدى الحياة، وقد يقترن بتقديم تأمين بقدره القاضي، أو بإيداع مبلغ كاف لضمان الوفاء بالإيراد المحكوم به. أما التعويض غير النقدي، فمثاله في المجال التعاقدي ما جاءت به المادة 119 من التقنين المدني، فيكون للدائن مطالبة المدين الذي لم يوف بالتزامه بعد إعذاره بفسخ العقد مع التعويض إذا اقتضى الحال ذلك، فيكون الفسخ وسيلة للتعويض غير النقدي. ومثاله في المسؤولية التقصيرية أن يأمر القاضي بنشر الحكم القاضي بإدانة المدعي عليه الذي ارتكب فعل السب والقذف، وهذا النشر يعد تعويضا غير نقدي([108]). ومتى تبينت للقاضي الطريقة المناسبة لإصلاح كافة الأضرار اللاحقة بالمتضرر، سعى لتقدير التعويض عنها وله في سبيل الوصول إلى هذا الهدف –كما أسلفنا- سلطة مطلقة، فهو غير ملزم بنصاب معين أو بمبلغ ثابت لجبر هته الأضرار، وإنما له كامل الصلاحية. إلا أن هذه السلطة أو الصلاحية تحكمها ضوابط معينة، لأنها لا تعتبر حالة نفسية بحكم من خلالها القاضي حسب أهوائه وميولاته، فتقدير التعويض هو مسألة موضوعية وقانونية، تستوجب على القاضي عند الاضطلاع بها استبعاد كل إجحاف أو مغالاة فيلتزم فقط بالضرر الفعلي ويقدر التعويض بقدره. وفي سبيل تحقيق ذلك مكن المشرع القاضي بموجب المادة 47 وما يليها من قانون الإجراءات المدنية من اللجوء إلى ذوي الخبرة والاختصاص([109])، إذا استعصت عليه أي مسألة يكون من شأن الكشف عليها إما إعطاء الوصف الحقيقي أو التكييف القانوني للوقائع بما فيها تحديد جسامة الضرر، ما لم يكن الأمر يتعلق بما يدخل في سلطته. ذلك أن الخصوم ملزمين بتقديم الوقائع، في حين يلتزم القاضي بتطبيق القانون على الواقع المعروض عليه، ولا يجوز له أن يفوض فيه أحدا غيره([110]).
وللقاضي اعتماد ما وصل إليه الخبير في حكمه وله رفضها، كما بإمكانه الأمر بخبرة مضادة للوقوف على الضرر الفعلي([111]). فتقدير أعمال الخبير أمر تستقل به محكمة الموضوع ولا رقيب عليها فيها من المحكمة العليا، كما وضع المشرع مجموعة من العناصر والمعايير أوجب على القاضي الاعتماد عليها للوصول إلى تقدير التعويض بما يتناسب والضرر، فلا يجوز له أن يستبعد عنصرا منها أو يضيف لها عناصر جديدة([112])، وهو يخضع في ذلك لرقابة المحكمة العليا. وتتمثل هته العناصر في: وجوب مراعاة: - الضرر المباشر المحقق. - الضرر المتغير. - ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب. - الظروف الملابسة ومدى حسن النية. وستكتفي في هذا المجال بدراسة العنصرين الأخيرين مستبعدين عنصري الضرر المباشر المحقق والضرر المتغير لأنه سبق لنا التطرق إليها في المبحث الأول من هذا الفصل. أ. معيار الخسارة الواقعة والكسب الفائت: تنص المادة 182 من التقنين المدني على ما يلي "إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ...". فيتضح من نص هته المادة أن القاضي ملزم عند تقديره للتعويض في المسؤولية العقدية أن يدخل في حسابه ما لحق الدائن من ضرر وما فاته من كسب، وهذا المعيار قديم إذ عرفه القانون الروماني([113]). والمقصود بالخسارة اللاحقة الضرر المباشر الذي لحق حقا أو مصلحة مشروعة للمضرور. أما الكسب الفائت فيحص كل الثمرات الطبيعية للشيء المتلف أو محل الالتزام و الأرباح المتوقعة في المسؤولية العقدية، يضاف إليها الأرباح غير المتوقعة في المسؤولية التقصيرية طالما كانت محققة([114])، بأن يتأكد المضرور أنه كان سيحصل عليها لو تم تنفيذ الالتزام، أو لو لم يقعده الفعل الضار عن هذا الكسب. فهذان العنصران يستعملهما القاضي في المسؤولية العقدية، بتقدير ما أصاب الدائن من ضرر بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي، أو بسبب تأخره في هذا التنفيذ، ثم يقدر بعد ذلك ما فات الدائن من كسب. ومثاله ما جاءت به المادة 375 من التقنين المدني عن حالة نزع اليد الكلي عن المبيع فللمشتري مطالبة البائع بالتعويض والذي يشمل قيمة المبيع وقت نزع اليد، قيمة الثمار التي ألزم المشتري بردها للمالك الذي نزع يد المشتري عن المبيع، جميع مصاريف دعوى الضمان ودعوى الاستحقاق ... وهذه كلها تدخل ضمن ما لحق المشتري من خسارة، ثم تضيف نفس المادة "... وبوجه عام تعويضه عما لحقه من خسائر وما فاته من كسب بسبب نزع اليد عن المبيع". وهذان العنصران لا تستأثر بهما المسؤولية العقدية بل يجب الاعتداد بهما في نطاق المسؤولية التقصيرية، ذلك أن نص المادة 182 من التقنين المدني وإن كان قد جاء بصدد التعويض عن المسؤولية العقدية، إلا أنه جاء مطلقا مما يبيح ضمنيا تقدير التعويض في المسؤولية التقصيرية عما لحق المضرور من ضرر، وما فاته من كسب، فللمصاب في حادث أن يعوض عما أصابه في جسمه من ضرر وألم وما بذل من مال في سبيل علاجه، وهذا كله تتضمنه الخسارة اللاحقة به، كما أن لهذا المصاب الحق في أن يعوض عن الكسب الذي ضاع عليه([115])، فإن كان عاملا أوتسبب الحادث في قعوده عن العمل فيدخل في الكسب الفائت ما كان سيجنيه من عمله طوال المدة التي سيقعد فيها عن العمل. كذلك ما نصت عليه المادة 566 من التقنين المدني من تمكين رب العمل من التحلل من العقد وإيقاف التنفيذ في أي وقت قبل إتمامه، على أن يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه من مصروفات، وما أنجزه من أعمال -وهو ما يعرف بالخسارة اللاحقة- وكذا ما كان يستطيع كسبه لو أتم العمل، وهنا يظهر عنصر ما فاته من كسب([116]). وغني عن البيان أنه لا يكون ثمة محل للتعويض إذا لم يصب الدائن بضرر، فلم يفته كسب ولم تلحقه خسارة، لأن التعويض لا يتقرر إلا إذا تحققت المسؤولية بعناصرها الثلاث. وتبعا لذلك يتعين على المتضرر طبقا للقواعد العامة إثبات الضرر بعنصرية الكسب الفائت والخسارة اللاحقة ليتأتى تقدير التعويض، فإن تعاقد تاجر مع مورد لتسليم بضائع ثم هلكت بفعل هذا الأخير، مما فوت على التاجر صفقة إعادة بيعها لتاجر آخر بثمن أكبر، فإن الخسارة اللاحقة وهي قيمة البضاعة تثبت بالفواتير، والكسب الفائت يتمثل في الزيادة في ثمن الشراء الذي كان سيقبضه التاجر لو تمت الصفقة، وهذه واقعة مادية تثبت بكافة طرق الإثبات منها شهادة التاجر الذي كانت ستبرم الصفقة معه.
ب. معيار الظروف الملابسة ومدى توفر حسن النية: تنص المادة 131 من التقنين المدني "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 مع مراعاة الظروف الملابسة ...". والظروف الملابسة هي الظروف التي تلابس المضرور، ويقصد بها الظروف الشخصية والصحية والعائلية والمالية التي تحيط بالمضرور، وهذه تقدر على أساس ذاتي لا على أساس موضوعي مجرد فننظر إلى المضرور نظرة شخصية، لأن التعويض يهدف إلى جبر الضرر الذي أصاب المضرور بالذات دون غيره، فيدخل في الظروف الشخصية حالة المضرور الجسمية والصحية، فالانزعاج الذي يصيبه من حادث يكون ضرره أشد مما يصيب شخصا سليم الأعصاب([117]). والأعور الذي أصيبت عينه السليمة كان الضرر الذي يصيبه أقدح من الضرر الذي يلحق شخصا أصيبت إحدى عينيه السليمتين([118]). والرسام الذي يصاب في أصابعه التي يرسم بها ويتقوت منها يكون ضرره أكبر من غير الرسام. والضرر الذي يلحق براقصة في رجلها فيؤدي إلى عرج يقعدها عن الرقص أفدح من غير الراقصة. ويكون محلا للاعتبار حالة المضرور العائلية والمالية، فمن يعول زوجة وأطفالا يكون ضرره أشد من الأعزب الذي لا يعول إلا نفسه، ولكن هذا لا يعني أنه إذا كان المضرور غنيا، يقضى له بتعويض أقل مما لو كان فقيرا، إذ أن العبرة بجبر الضرر، وهذا الضرر يتحدد باختلاف الكسب، فمن كان كسبه أكبر كان الضرر الذي يحيق به أشد([119]). أما الظروف الشخصية التي تلابس المسؤول فقد اختلف الفقه حولها على رأيين رأي يذهب إلى عدم الاعتداد بها والرأي الثاني يذهب إلى وجوب أخذها بعين الاعتبار. ويستند أصحاب الرأي الأول إلى أن التعويض يحدد قدره بالضرر، وهذا الضرر يتعلق بالمضرور وليس بالمسؤول ذلك أنه إذا كان المسؤول غنيا لم يكن هذا سببا ليدفع تعويضا أكثر، وإذا كان فقيرا لم يكن سببا ليدفع تعويضا أقل([120]). أما الرأي الثاني فيذهب إلى وجوب الاعتداد بها لأن نص المادة 131 السابقة الذكر جاء مطلقا بغير تخصيص لمضرور دون المسؤول. إضافة إلى أن مصطلح الظروف الملابسة ينطوي على جسامة الخطأ، الذي لابد أن يراعى أثناء تقدير التعويض دون أن يكون هو الاعتبار الوحيد، فقد يترتب ضرر يسير على خطأ جسيم، كما أنه قد يحدث ضرر بالغ بسبب خطأ يسير، وإنما تؤخذ جسامة الخطأ في الاعتبار مع بقية ظروف الدعوى([121]). من ذلك ما فعله المشرع عندما قرر أن المدين في المسؤولية العقدية لا يسأل إلا على خطئه المتوقع، ومع ذلك فإذا ارتكب غشا أو خطأ جسيما ترتبت مسؤوليته على خطئه غير المتوقع أيضا([122]). كذلك ما جاءت به المادة 126 من التقنين "إذا تعدد المسؤولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر، وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في الالتزام بالتعويض". فقد يتعدد المسؤولون عن العمل غير المشروع، بأن ينسب إلى كل منهم خطأ يساهم في إحداث ذات الضرر، فيمكن للقاضي استنادا لهذه المادة أن يوزع المسؤولية بالتساوي، كما له أن يحدد نصيب كل منهم في الالتزام بالتعويض، وبديهي أن أساس التقسيم في هذه الحالة هو مدى جسامة الخطأ. وهو ما يتناسب والعدالة فمتى استطاع القاضي أن يحدد مدى جسامة الخطأ لكل من الفاعلين، فلا يعقل أن يوزع المسؤولية بالتساوي فيما بينهم، في الوقت الذي يكون خطأ أحدهم جسيما بينما خطأ آخر يسيرا.([123]) كذلك إذا ساهم المضرور بخطئه في إحداث الضرر، فإن ذلك يوجب تخفيف المسؤولية برفع جزء من التعويض عن كاهل المسؤول، وقد يعفى تماما من التعويض، وذلك حسب مدى جسامة الخطأ المنسوب للمضرور، فتنص المادة 177 من التقنين المدني "يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أولا يحكم بالتعويض إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه"، فتكون جسامة الخطأ الصادر من المسؤول محل اعتبار في تحديد نصيبه في التعويض، وتوزيع المسؤولية بينه وبين المضرور([124]). والرأي عندي أنه متى تحققت المسؤولية قدر التعويض بقدر جسامة الضرر لا جسامة الخطأ، هذا كأصل، ولا يجوز في نظري الخروج عن هذا الأصل أي بالاعتداد بالظروف الملابسة للمسؤول بما فيها جسامة الخطأ إلا إذا ورد نص قانوني يبيح للقاضي ذلك، ويلزم القاضي بتطبيقه، كما هو الحال في الأمثلة التي سبق الإشارة إليها. وبالنسبة لرأي القضاء عندنا، فإن المحكمة العليا تذهب في عدة قرارات لها إلى الاعتداد بالظروف الملابسة للمضرور دون المسؤول. حيث جاء في قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 06/01/93 ما يلي "... وأنه ينبغي على قاضي الموضوع أن يستجيب لطلبات المطعون ضدهم للتعويض عن الأضرار اللاحقة بهم جراء فقدان قريبهم، فإنه ملزم مع ذلك بذكر العناصر الموضوعية التي تمكنه من تحديد التعويض وهي على وجه الخصوص سن الضحية ونشاطه المهني، ودخله الدوري أو أجره ..." ([125]). كما جاء أيضا في قرار لها صادر بتاريخ 14/07/99 "... كان يجب على قضاة الموضوع في حالة إثبات المسؤولية على عاتق سائق القطار وبالنظر إلى القانون رقم 90-35 أن يذكروا العناصر الموضوعية التي تساعد على تحديد مختلف التعويضات بدقة وتفصيل مثل سن الضحية ومهنتها ودخلها ونوع الضرر ..." ([126]). ولكن ما يلاحظ على هذه القرارات أنها وإن كانت تعتد بالظروف الملابسة للمضرور إلا أنها تقيسها بمعيار موضوعي وليس ذاتي ويستفاد ذلك مما جاء في القرارات من أن القاضي ملزم بذكر "العناصر الموضوعية" ويستبعد العناصر الشخصية، وهذا في نظرنا يخل بقاعدة وجوب التناسب بين التعويض والضرر الفعلي اللاحق بالمضرور، لأن الضرر شخصي ويختلف من شخص إلى آخر فلا يمكن قياسه بنظره مجردة عن الذاتية، مما يؤدي إلى حصول شخصين على نفس التعويض استنادا لهذه العناصر الموضوعية، رغم أن الضرر اللاحق بكل منهما يختلف في جسامته وما يؤيد هذا الرأي عندنا أن المشرع عندما ألزم القاضي بوجوب الاعتداد بالظروف الملابسة لم يحدد له وجوب تقديرها طبقا لعناصر موضوعية. لأنه متى اكتفى القاضي بالاعتداد بالظروف الموضوعية فقد معيار الظروف الملابسة معناه والهدف الذي قرر لأجله وهو محاولة الوصول إلى تقدير للتعويض يناسب الضرر اللاحق. كما أن عنصر مراعاة حسن النية يدخل في اعتقادنا ضمن الظروف الملابسة المتعلقة بالمسئول، ولكن لا يمكن الأخذ به بصفة مطلقة إلا إذا جاء نص قانوني صريح بوجوب الاعتداد به، كما وضحناه سابقا. ولقد تعرضت مختلف التشريعات لعنصر حسن النية كما أوردها المشرع الجزائري في عدة مواضع من التقنين المدني. على أنه تجدر الإشارة إلى أنه كأصل لا دخل لحسن النية في توافر المسؤولية، فتتوافر المسؤولية ولو حسنت نية المسؤول مادامت أركانها قائمة من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، وإنما يكون لها أثرها في تقدير التعويض([127])، ومثاله ما نصت عليه المادة 399 من التقنين المدني فيما يخص بيع ملك الغير والتي تنص على أنه "إذا أبطل البيع في صالح المشتري بمقتضى حكم وكان المشتري يجهل أن البائع كان لا يملك المبيع فله أن يطالب بالتعويض ولو كان البائع حسن النية". فالمسؤولية طبقا لهذه المادة تقوم في حق البائع ولا أثر لحسن نية هذا الأخير في منع توفرها([128]). ويأخذ عنصر حسن النية مظاهر متعددة([129]). فقد يأخذ مظهر التيقن القائم على اعتقاد غير صحيح في أن تصرفا ما يطابق ما يتطلبه القانون، فيرتب القانون على ذلك آثارا لحماية الشخص حسن النية، ومثاله ما نصت عليه المادة 837 فقرة 1 من التقنين المدني "يكسب الحائز ما يقبضه من الثمار مادام حسن النية ..." وتضيف المادة 838 من نفس التقنين "يكون الحائز سيئ النية مسؤولا عن جميع الثمار التي قبضها أو قصر في قبضها من الوقت الذي أصبح فيه سيئ النية". ويستفاد من هذا بأنه إذا ألزم الحائز برد الشيء إلى مالكه، فإن ما يلتزم برده هو الشيء ذاته، أما الثمار فلا يلزم بردها ولا بالتعويض عن قيمتها متى كان حسن النية. وقد يقصد بحسن النية الاستقامة والنزاهة والإخلاص وانتفاء الغش، كما في الحالة التي تنص عليها المادة 107 الفقرة الأولى من التقنين المدني "يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبحسن نية..." فيجب أن تتوفر حسن النية عند تنفيذ العقد فيستبعد المتعاقدان كل معنى للغش، وإذا أخل أحدهما بالتزامه وترتب مسؤوليته فإن التعويض يختلف قدره بحسب ما يكون من حسن نية الفاعل أو سوئها، فيكون التعويض كاملا جابرا لجميع الأضرار في حالة ارتكاب خطأ جسيم أو غش طبقا للمادة 182 الفقرة الأخيرة من التقنين المدني. فيسأل المدين عن الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع ويعوض عنهما، أما إذا كان المدين حسن النية فلا يكون ملزما إلا بما كان متوقعا من الضرر([130]). ونشير في هذا السياق أن تقدير حسن النية وتحديدها يتم من خلال مراعاة الظروف الخارجية للشخص، وذلك قياسا على مسلك الرجل العادي في يقظته وذكائه فللقاضي في تقدير حسن النية أو سوئها أن يدخل في اعتباره مدى إدراك المدين بالالتزام للأمور، وقلة تجاربه أو انعدامها، وإذا كانت الظروف الخارجية المحيطة به من شأنها أن تجعله يعلم بحقيقة الأمر أولا([131]).
المطلب الثاني. رقابة المحكمة العليا: سبق لنا أن بينا في المطلب الأول من هذا المبحث أن لقاضي الموضوع سلطة مطلقة في تقدير التعويض دون معقب عليه من المحكمة العليا. إلا أنه وإن كان هذا التقدير يدخل في سلطة قاضي الموضوع، فهذا لا يعني أن محكمة الموضوع لا تخضع مطلقا لرقابة المحكمة العليا، إذ يجب على القاضي أن يبين في حكمه عناصر وشروط الضرر الذي يقضي من أجله بالتعويض، وذلك حتى يتسنى للمحكمة العليا مراقبة صحة تطبيق القواعد المتعلقة بالتعويض([132])، ومن جهة أخرى رقابة مدى أخذ القاضي لعناصر تقدير التعويض السابق شرحها بعين الاعتبار. الفرع الأول. رقابة المحكمة العليا على عناصر الضرر وشروطه: باعتبار أن الضرر هو مناط تقدير التعويض، فلا بد أن يتناسب هذا التعويض مع الضرر ويقدر بقدره، ولا يتبين مدى هذا التناسب إلا بعد تحديد العناصر والشروط الواجب توفرها في الضرر حتى يكون مستحقا للتعويض. ولئن كان التثبت من وقوع الضرر ومداه مسألة واقعية يستقل بها قضاة الموضوع فإن تعيين هذا الضرر في الحكم وذكر العناصر المكونة له قانونا والتي يجب أن تدخل في حساب التعويض، يعتبر من المسائل القانونية التي تهيمن عليها المحكمة العليا، لأن هذا التعيين هو من قبيل التكييف القانوني للواقع([133]). ويعتبر استيفاء الضرر للشروط الواجب توفرها لاستحقاق التعويض مسألة قانونية يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة المحكمة العليا، من هذا كون الضرر ماسا بحق أو مصلحة مشروعة، وتكييفه بأنه ضرر محقق حال أو مستقبل أو بأنه إحتمالي، ووصفه بأنه ضرر مادي أو ضرر معنوي. إلا أن الملاحظ في الواقع العملي أن القضاة لا يحددون عناصر الضرر ولا شروطه في أحكامهم فلا يبينون نوع الضرر إذا ما كان ماديا أو معنويا، مباشرا أو غير مباشر، محققا أو احتماليا، متوقعا أو غير متوقع، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة منها ما جاء في حيثيات حكم صادر عن محكمة البليدة بتاريخ 20/05/2000 تحت رقم 209/2000: "حيث أن إخلال المدعي عليها بالتزام تعاقدي قد ألحق ضررا بالمدعية، مما يتعين القول بأن طلبها الرامي إلى الحصول على التعويض مؤسس قانونا...". فالحكم جاء خاليا من تحديد للضرر الذي لحق المدعي عليها، في عناصره أو شروطه، مما يجعله حكما معيبا قابلا للنقض، وقد جاء في هذا الشأن في قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 25/07/2002 ما يلي "حيث أن قضاة الاستئناف اكتفوا بحساب الغرامة المحكوم بها من طرف القاضي الاستعجالي فقط، في حين أنه وبناءا على المادة 471 من قانون الإجراءات المدنية، يلتزم قضاة الموضوع بتحديد الضرر وتقديره قصد مراجعة وتصفية الغرامة"([134]). كما نقضت المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 08/07/86 حكما صادرا عن محكمة الجنايات صرح بعدم أحقية والد الضحية في التعويض عن وفاة ابنه لأن هذا الأخير كان تحت نفقة والده بدعوى عدم تضرره، دون أن تبين نوع الضرر، فقد جاء في حيثيات هذا القرار. "حيث أنه تبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن القضاة أسسوا قضاءهم لا بطال دعوى والد الضحية على كون هذه الأخيرة كانت تحت نفقتها وأنه لم يلحقه أي ضرر. وحيث أن الضرر يكون إما مادي أو معنوي. وحيث أن القضاة راعوا في الدعوى الحالية سوى الجانب المادي فقط. وعليه فإنهم لم يحيطوا بالدعوى من جميع جوانبها، وجاء بذلك قضاءهم ناقضا..." ([135]).
الفرع الثاني. رقابة المحكمة العليا على عناصر تقدير التعويض: إن للمحكمة العليا ممارسة الرقابة على ما تقوم به محكمة الموضوع من الاعتداد بعناصر تقدير التعويض وفقا لما سبق شرحه أنفا، وليس لمحكمة الموضوع أن تختار ما نريد اختياره أو إغفاله من بين هذه العناصر، وهذا هو المبدأ. إلا أن هناك بعض قرارات المحكمة العليا تسير ضد هذا المبدأ، وذلك في تقديري لأنها تخلط بين تقدير القاضي للتعويض بمبلغ ثابت أو نصاب معين أو قيمة ثابتة وبين عناصر تقدير التعويض. فالأولى هي مسألة واقع تخضع لتقدير قاضي الموضوع وفقا لما توضح له من جسامة أو يسر الضرر، دون رقابة عليه من المحكمة العليا، ولكن كيفية تحديد هذه الجسامة أو اليسر، بمعنى كيفية تطبيق القانون على الواقع هو الذي يكون محل رقابة المحكمة العليا، وتنصب هذه الرقابة على مدى احترام القاضي للعناصر والمعايير التي وضعها المشرع أمام القاضي للوصول إلى تقدير للتعويض بما يتناسب الضرر. فإذا كان القاضي بصدد تطبيق معيار الخسارة اللاحقة والكسب الفائت فعليه أن يبين الواقعة الموضحة في الدعوى المثبتة، التي تصدق عليها وصف الخسارة أو الكسب. وفيما يتعلق بمعيار الظروف الملابسة، ومن وجوب اعتداد القاضي بالظروف الشخصية للمتضرر في حالته الشخصية والعائلية والمالية، فعلى القاضي أن يبين الواقعة التي تفيد إصابة الشخص بضرر في ذمته المالية، دخله، عدد الأشخاص الذين يعيلهم. وهذه كلها تخضع لرقابة المحكمة العليا لأنها من قبيل التكييف القانوني للوقائع. فقد جاء في قرار صادر بتاريخ 14/02/2001([136]) عن المحكمة العليا ما يلي "حيث أنه من قضاء المحكمة العليا المستقر أن تقدير التعويض عن التسريح التعسفي يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع ولا رقابة للمحكمة العليا عليه في هذا الشأن، ويكفيه أن يعاين كما هو الشأن في دعوى الحال الطابع التعسفي للتسريح ويقدر التعويض حسب الضرر الذي لحق العامل، وأن الحكم المطعون فيه يبين بأن المبلغ الممنوح للمطعون ضده كان على أساس الضرر المادي والمعنوي الذي لحقه جراء التسريح التعسفي، وهذا كاف لإعطائه الأساس القانوني". فلم يشترط هذا القرار أن يضمن القاضي في حكمه العناصر التي استعملها للوصول إلى تقدير التعويض بما يتناسب والضرر، بل اكتفى بوجوب معاينة الطابع التعسفي للتسريح، والضرر المادي والمعنوي الناتج عنه. ومع ذلك فإن المحكمة العليا في قرارات أخرى لها تأخذ بالمبدأ المذكور أنفا وتوجب ذكر العناصر التي اعتمدها القاضي في الوصول إلى تقدير التعويض فقد جاء في قرار صادر بتاريخ 25/07/2002([137]) ما يلي: إن قضاة المجلس منحوا للمطعون ضده تعويضا بسبب الضرر به نتيجة منعه من مواصلة الأشغال واعتمدوا في ذلك على عناصر تقرير الخبرة وعلى محضر معاينة المحرر بتاريخ 17/11/96 وأن هذا التقدير يدخل ضمن سلطتهم لا رقابة عليهم في ذلك من طرف المحكمة العليا. وجاء أيضا في قرار لها صادر بتاريخ 24/05/94 "حيث من المبادئ العامة أن التعويضات المدنية يجب أن تكون مناسبة للضرر الحاصل ولا تكون مصدر إثراء أو تفقير لأحد الأطراف. وحيث تكريسا لهذه القاعدة فإنه مستوجب على القضاة أن يبينوا في أحكامهم الوسائل المقدمة أمامهم والمعتمدة من طرفهم لتقدير التعويض. وحيث بالعودة إلى القضية نجد أن القرار المنتقد منح تعويضات هامة 47 مليون، بغير تحديد العناصر (فواتير ومستندات أخرى) التي بها قدر التعويض. وحيث أنه تأسيسا على ما تقدم يكون الوجه مؤسسا ويترتب عنه النقص"([138]). كما اشترطت في عدة قرارات صادرة عنها وجوب تحديد الظروف الملابسة وأناطتها بتلك التي تلابس المضرور فقط، مما يمكن معه القول بأن المحكمة العليا تأخذ بالرأي القائل بوجوب الاعتداد بالظروف التي تلابس المضرور دون المسؤول، فنقضت في هذا الشأن عدة قرارات لم تبين ظروف المضرور. فقد جاء في قرار صادر عن المحكمة بتاريخ 06/01/93([b][139]) "... وأنه ينبغي على قاضي الموضوع أن يستجيب لطلبات المطعون ضده للتعويض عن الأضرار اللاحقة به جراء فقدان قريبهم، فإنه ملزم مع ذل | |
|