هذا بيان للناس
الرحمة في القرآن 1-2
لا تقنطوا من رحمة الله
لا يفتأ المنجم الذي احتوته الآية الكريمة 83 من سورة الزمر، يخرج غنائمه
التي ما انقطعت منذ ان قال الله تعالى مخاطبا من اقر له بالعبودية قل يا
عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب
جميعا انه هو الغفور الرحيم، ومع كل قراءة لمنطوق هذه الآية الكريمة سواء
اكان ذلك ضمن سياقها في السورة التي حملتها، او جاء ذلك بها كآية تدلل على
اتساع رحمة الله، فان القراءة أيا كانت ظروفها تحمل من الدلالات والاشارات
ما يمكن ان يأتي جديدا يفتحه الله تعالى وهو يضع ما حملته آياته في قلوب
المؤمنين به حق الإيمان.
إن البحث في فضاء نزول هذه الآية، يرسم بوضوح الغاية التي ارادها الله
تعالى، وهو يرسم صورة جديدة من صور رحمته عز وجل وبألوان ما فتئت تتجدد مع
سياق كل آية، وحتى مع زاوية النظر اليها، هنا عند هذه الآية نجد:.
انها بدأت بنداء مخصص ينطلق من الاقرار بالعبودية، فالخطاب جاء من الله
تعالى الى عباده، عبر نبيه ورسوله، كأنه يخاطبه بأن قل لمن اقر بعبوديتين
واعترف بعبوديته لي بان له ان حقق هذه المقدمة، ما حملته هذه الآية من
نتيجة يغفر الذنوب جميعا، مثل هذه البداية المفتوحة على العباد جميعا، تغرس
في الذات اثرا نفسيا عميقا من تفاؤل يفضي الى صيانة حالة تحفز على البحث
عن سبيل للخروج من مأزق القنوط الذي ان استحكم النفس قضي عليها بهلاك ليس
له من نجاة، وهذا ما لا يريده النص كما حملته الآية.
اما التفصيل الذي تبع النداء الذي حدد الفئة المناداة، فقد جاء ايضا ليوسع
من دائرة احتمال شمول الرحمة، هذا الاتساع الذي وصل الى شمول الذين اسرفوا
على انفسهم، فهؤلاء الذين وضعهم اسرافهم هذا في ارتكاب المعاصي الى القنوط،
هذا الاسراف كان هو المقصود في بيان انه لن يعجز رحمه الله وسوف تتسع كي
تشمله، وهذا يفضي ليس في انتاج حالة نفسية مسكونة بالامل لهؤلاء الذين
اسرفوا على انفسهم فحسب، بل وايضا وسندا لقانون تحصيل الحاصل، الى من هم
اقرب منهم الى الاعتدال في الحياة، وابعد عن الاسراف الذي رغم وجوده امتدت
رحمة الله حتى شملته ايضا.
وعظيم هذه الآية، انها لم تزرع الامل، وتقتلع القنوط من نفوس المسرفين في
المعاصي فحسب بل قدمت حقيقة تفاؤلية عظيمة أخرى اعمق اثرا وابعد تأثيرا في
النفس، حين بشرت بان الله تعالى يغفر الذنوب جميعا، اذا كل ما حملته الآية،
من تداعيات المغفرة ترتب على حقيقة ان الله تعالى يغفر الذنوب جميعا،
وجميعا بدلالاتها كما جاءت هنا لا تحمل او تحتمل أي استثناء أيا كانت
طبيعته ما تحصنت النفس بالتوحيديين الاولوهية والربوية، يأتي هذا كله ليقف
تحت عنوان ثابت تقول حروفه مرسومة من الحقيقة المطلقة التي تحدثت عن الله
تعالى على انه هو الغفور الرحيم والله أعلم.