الشباب والمخدرات
بسم الله الرحمن الرحيم
اكتب هذا الموضوع في سياق بحثي انا كاشاب
لانصح اخواني واخواتي (الشباب و الشابات)
آفة المخدرات من أخطر ما يواجه عالمنا من مفاسد في العصر الحديث ونحن في
منطقتنا مستهدفين فعماد الوطن شبابه فإذا أفسد سقط الوطن وانهار . إن
الإنسان قد يفسد ولكنه بمسلكه فحسب أما صحته فتظل سليمة ويهديه الله
فيستقيم ويعود بشراً سوياً وقد يمرض الإنسان ويعالج ويشفى من مرضه ويعود
إنساناً صالحاً في مجتمعه لكن المخدرات تفسد الجسم والعقل معاً فيصبح
المدمن غير مؤهل لأن يصلح من أي جهة . أنا لا أتصور إنسان ربى أسرة ليجد
أحد أفرادها انحرف إلى المخدرات يظل على صفائه ويعتصم بمناعة أعصابه إنها
كارثة تصيب الأسرة بكاملها فإذا انتشر هذا الوباء في الأسرة العربية لا سمح
الله الانتشار الكبير وفتك بشبابنا أي برجال المستقبل سواء في حقل
التعليم أو الأمن أو الجيش والتوجيه فإذا فسد الشباب
وهو الرجاء والمعول سقط كل شيء . تعد مشكلة تعاطي المخدرات واحدة من أخطر
المشكلات التي تهدد المجتمعات في عالم اليوم، وذلك بعد أن أصبح التعاطي
غير المشروع لهذه المخدرات ظاهرة شائعة في معظم انتحاء العالم ولعل ذلك
يشير بوضوح إلى الخلل في القيم والأنظمة الاجتماعية لتلك المجتمعات وعلى
الرغم من أن خطورة مشكلة المخدرات تستهدف المجتمع بجميع فئاته العمرية
والاجتماعية إلا أن خطورتها الحقيقة تمكن في أستهدفها لفئة الشباب
بالذات مما ينعكس سلباً على كافة النواحي المتعلقة بالتنمية الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية ولقد أكدت معظم الدراسات والبحوث الميدانية
والأكاديمية على أن تعاطي المخدرات هو نقطة البداية لكثير من الجرائم بل
أنها تقود ضحيتها بالتأكيد إلى ارتكاب جريمة السرقة والاعتداء على الغير
بهدف الحصول على ثمن تلك السموم وعلى الرغم من أن الانتشار في الوطن
العربي لم يصل إلى حد الظاهرة المخفية الذي وصلت إليه هذه المشكلة في
المجتمعات كثيرة إلا أن الأجهزة الأمنية العربية وعلى رأسها مجلس وزراء
الداخلية العرب قد بادرت إلا مجابهة هذه الظاهرة أيمانا منها بأهمية
الوقاية المبكرة تفادياً لما قد ينتج عنها من آثار تنعكس على المجتمع كله
ولقد عملت أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية بصفتها الجهاز العلمي
لمجلس وزراء الداخلية العرب على إقامة مناشط علمية كثيرة في إطار مكافحة
المخدرات وشملت هذه المناشط الحلقات العلمية وبرامج التدريب المتقدم لرجال
الأمن العرب المتخصصين في مجال مكافحة المخدرات إضافة إلى المحاضرات
الثقافية ، والمشاركات العملية في الندوات والمؤتمرات التي تعقد لدراسة
هذه الظاهرة وسبل الوقاية منها في العالم العربي وغيره من بلدان العالم إن
الإنسانية وهي تحتفي باليوم العالمي لمكافحة المخدرات قد تنبهت و أدركت
حقيقة هذا الداء الوبيل وما يشكله من خطورة شديدة تنتهي بالفتك والتدمير
بالمجتمعات مما يستلزم التحالف والتكاتف والعمل على التوعية حرصاً على
المصير المشترك للشعوب والتي من ضمنها شعبنا العربي و في ظل ثورة
التكنولوجيا والمعلوماتية، وعصر السموات المفتوحة، التي بات فيها العالم
قرية كونية صغيرة، تبرز ظاهرة تسويق المخدرات بين صفوف الشباب
عبر شبكة الانترنت، والافلام التي تبثها الفضائيات بواسطة شركات "الكابل"
واشتراكات "الساتلايت" المنتشرة بكثافة في لبنان. هذه الافلام والبرامج
الآتية عبر الفضائيات غير قابلة للمراقبة، بسبب طرق البث السريع المتواصل
والمباشر في آن واحد. وهذا ما يسمح باباحة عرض كل شيء، حتى لو كان غير
سليم. وهذا ما يدفع الشباب
الذي يريد التمثل بالغرب وتقاليده الى التوجه نحو "الطريق الهاوية"،
فالتجار والمروجون للمواد المخدرة على انواعها، يعتمدون اسلوبا يرغبه
الشباب، من خلال وضع صورة امرأة جميلة على دراجة نارية حديثة، او تصوير
زيادة الدافع الجنسي بعكس الواقع، او عبر عرضه صور لشبان في سيارات سريعة
وحديثة يتناوبون على تعاطي المخدر في داخلها، ويشعرون بالنشوة. هذه الامور
الجاذبة عكست مشكلة جديدة، تتمثل في ازدياد عدد المتعاطين من الاعمار
الصغيرة على المستوى المحلي والعالمي ايضا. المجتمع العربي يمر بتغيرات
جذرية عميقة شملت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ورغم ما يبدو
في العديد من النظم العربية من ثبات ظاهري على قمة الهرم السياسي, فإن قاع
المجتمع العربي يمر بتيارات عنيفة من التغيرات, لا أظن أنها لن تؤثر على
ثبات هذه القمم. ولعل أكثر المتأثرين بهذه التغيرات المتلاحقة هم الشباب,
ونعني بالشباب هنا تلك الفئة العمرية التي تمتد من سن 15 إلى 30 من العمر.
وقد اختلف علماء التربية وعلم النفس في تحديد خصائص هذه المرحلة وطولها,
ولكنها المرحلة التي تشهد تحوّلات وتغيرات جوهرية في اهتمامات الشباب
وسلوكه الاجتماعي واتجاهه نحو الاستقلال والفردية. ولعل هذا هو ما يخلق
التناقض بينه وبين البيئة التقليدية التي تحيط به. فهو يريد أن يحرر نفسه
من قيود الأسرة والمدرسة التي قيّدته طويلاً, وهو يريد في تلك المرحلة
أيضاً أن يختار محيطه الاجتماعي الذي يندمج فيه ويتكامل معه ويكون قادراً
على اتخاذ القرار وتحقيق ذاته. الشباب
وعصر العولمة ولعل هذه الفئة العمرية هي المعنية بعصر العولمة وقضاياه
ومشكلاته, فالعولمة مشروع كوني للمستقبل كما يطمح واضعوه ومفكّروه والداعون
إليه. لذا فإن الجيل الجديد هو الأسبق بالتعاطي مع هذه العولمة وأدواتها,
فالكمبيوتر والإنترنت وشبكات المعلومات المعقدة أصبحت في متناول أيدي الشباب
في سهولة ويسر, بينما تعتبر هذه الأشياء بالنسبة للأجيال الأكبر سناً
معضلة لا حلّ لها. كما أن أنماط المعيشة التي تطرحها (العولمة) من مأكل
ومشرب وعادات ثقافية موجّهة بالدرجة الأولى لأجيال الشباب, لأنهم الأقدر
على الاستجابة والتقبّل السريع لأي مفاهيم جديدة خارجة عن المألوف, خاصة
إذا كانت تقدم لهم بوسائل باهرة وبطرق تقنية تؤثر في نفوسهم. إن أجيالنا
الشابّة تشكّل اليوم نسبة غالبة في الدول العربية من مجموع السكان, وتدل
الإحصاءات في الدول كثيفة السكان على أنهم يمثلون ثلث السكان. أما في
الدول العربية مرتفعة مستوى المعيشة, فإن هذه النسبة تزداد إلى أن تصل
أحياناً إلى النصف نظراً لقلة وفيات الأطفال بها وارتفاع درجة الوقاية
الصحية والغذاء. نحن إذن أمام عشرات من الملايين من الشباب
يتوقون - بالرغبة - إلى الأداء السريع وإحراز النتائج الفعّالة. أي أنهم
يريدون أن يقفوا بعالمنا العربي على أبواب القرن الواحد والعشرين في الوقت
الذي يعاني فيه هذا العالم كثيراً من تقاليد قبلية وفئوية وطائفية خانقة
وتخلّفاً وفساداً مستشرياً في العديد من البنى السياسية والاجتماعية ومن
محاولات مستميتة لإبعادهم وتهميشهم من أطر الحكم السائدة. ملامح ثورة
جديدة إن أول ملامح الثورة الجديدة التي يطرحها علينا هذا القرن الجديد هو
أنها تضع قيادة العالم في المرحلة القادمة في أيدي الشباب. وهناك ظواهر
عدة تؤكد هذا الدور الذي بدأه الشباب
في مجالات قيادة الشركات أو في الاستثمار أو داخل معامل الاختراع. فثورة
المعلومات وتراكمها جعلا هذا الجيل الشاب يستفيد من إنجازاتها دون حاجة
إلى انتظار تراكم الخبرة الحياتية, كما أن الشباب
أصبح يمثل القوة الاستهلاكية المؤثرة, وهم يضعون في هذه السوق مداخيلهم
المبكّرة من سوق العمل في نوعية جديدة وغير تقليدية من البضائع. وقد
أصبحوا يمثلون المستهلك الخفيّ الذي يوجه احتياجات الأسرة, ويفرض رغباته
في المأكل والملبس ونوعية السيارة ومكان الإجازة. أين نحن مما يجري حولنا?
وما هو حال شبابنا وحالنا معهم? وماذا أعددنا لهم من أدوات تساعدهم على
أخذ مواقعهم أسوة بشباب العالم في مضمار الرقيّ والحضارة? إن المشهد حزين
جداً, ورغم أنني لست من المتشائمين, فإنه يجب علينا أن نشخّص هذه الحالة
بدقة, لعل هذا يساعدنا على التقدم خطوة للأمام بدلاً من دفن رءوسنا في
الرمل. فشباب العالم العربي - الذي يمثل ثلثه أو نصفه - مازال يخضع لأنظمة
تعليمية واجتماعية غير صالحة للعصر الذي يعيشون فيه, ولا تلبي أدنى مطالب
حياتهم اليومية, فلاتزال المناهج التعليمية والمقررات الدراسية تنتمي لما
قبل عصر المعلومات والاتصال والعولمة الجارفة, ولانزال نتوجس ريبة من الشباب
وأفكارهم وطموحاتهم, ونضع الحواجز أمامهم لكبح جماح رغباتهم ومحاصرة
طموحاتهم, ومازلنا ندفع بأعداد كبيرة منهم وخاصة المتعلمين إلى البحث عن
مجتمعات جديدة تفتح لهم مجالاً لتحقيق طموحاتهم وتلبي رغباتهم وأحلامهم,
فامتصت الدول المتقدمة نخبة المتعلمين والطموحين والجادّين من شبابنا العرب
ووصلت أعدادهم في بعض الدول إلى عشرات آلاف, ومَن بقي حبيس مجتمعاته
العربية تحوّل إلى أدوات متفجّرة سياسياً أحياناً واجتماعياً أحياناً أخرى,
فجزء منه انجرف وراء الجريمة والمخدرات
والكحول وهو جزء لا يستهان به في بعض دولنا العربية, وجزء كبير جذبته قوى
التطرف وتحول إلى أدوات حادة ومعاول هدم لمجتمعاتهم ودولهم, وهذه ظاهرة
لا ننفرد بها وحدنا, بل هناك كثير من المجتمعات التي فقدت زمام قيادة الشباب
انجرف شبابها إلى مصائد التطرف والعنف وعالم المخدرات والكحول,
والإحصاءات تشير إلى بلد مثل روسيا, ففي السنوات العشر الماضية, أي منذ
انفراط عقد دولة الاتحاد السوفييتي انتشرت في المجتمع الروسي أمراض حادة
مثل العنف والمخدرات بين جيل الشباب, شباب المدارس والجامعات. الشباب وأزمة الاغتراب إن الشباب
العربي يعيش أزمة اغتراب حقيقي, وقد أكّدت الدراسات التي أجريت في العديد
من الدول العربية, وبين مختلف الطبقات الاجتماعية هذه النتيجة, إن مواجهة
الشباب
بالأنظمة البيروقراطية وأنماط السلطة غير الديمقراطية لا تبقيه خارجها
فقط, ولكنها تجعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها مما يشعره
بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته. والاغتراب هنا هو مرحلة وسطى بين
الانسحاب من المجتمع والتمرّد عليه. هو يلجأ إلى ثلاثة أنواع من
التصرّفات: إما الانسحاب من هذا الواقع ورفضه, وإما الخضوع إليه في الوقت
الذي يعاني فيه النفور, وإما التمرّد على هذا المجتمع ومحاولة تغييره ولو
كان ذلك بقوة السلاح. إن استمرار تجاهل قضية الشباب في مجتمعاتنا العربية وعدم معالجة ما يلاقيه من تدهور في مناهج التعليم, وابتعاد الشباب
عن الاهتمام بالسياسة, وجهلهم بتاريخ أوطانهم, وموقف اللامبالاة مما يجري
حولهم هو نتيجة حتمية لسياسات التجاهل لمواجهة قضاياهم, وقد حوّلتهم تلك
المشاعر المتناقضة في داخلهم إلى مخزن يغرف منه كل من لديه مصلحة خاصة في
تجنيدهم واستخدامهم. شبابنا اليوم إما أن يكونوا الأداة الأولى في بعث
نهضة حديثة لدولنا وشعوبنا, وإما أن يتحوّلوا إلى وسيلة لتدمير ما بنته
الأجيال السابقة, ففي عصر العلم والعولمة, ليس أمامنا كثير من الخيارات,
ولا الكثير من الوقت لنفكّر ونقرر, فنحن والزمن في سباق مميت, وعلينا -
حكومات وقيادات في كل المواقع - أن نبدأ في وضع قضيتهم في مقدمة المسائل
الوطنية, ونشرع في وضع الحلول وتطبيقها لمصلحة أجيال الشباب, هذا إذا
أردنا أن نجتاز حاضرنا إلى مستقبلنا بأمان, وعلينا أن نعيد تنظيم
مجتمعاتنا وحياتنا وفق واقعهم وحجم قوتهم ومدى تأثرهم بما يجري من حولنا
في العالم, وأن نعترف بأن شبابنا لن يكونوا أقل تأثّراً بالدور الذي يقوم
به نظراؤهم في بقية تلك القرية الكونية, فهم يراقبون وسيحاولون أن يكسروا
قيود الواقع ويتمرّدوا عليه, ومؤشرات التمرّد بدأت منذ فترة وبأشكال
مختلفة وحسب ظروف كل بلد, وسيحاولون أن يؤسسوا سلطتهم بمعزل عن مجتمعاتهم,
وكذلك عن السلطات الاجتماعية والثقافية التي يعيشون تحت مظلتها, ولكي
نتدارك الوضع, وقبل أن يتجاوزنا الزمن لابد من الاعتراف أولاً بأن نوعية
تعليمنا ومستواه لا تتناسبان مع العصـر وطموحات الشباب, فالعالم من حولنا
يتحدث بشـكل دوري عن (نوعية التعليم) الذي يحتاج إليه في كل مرحلة من
التطور المجتمعي, وربط هذا التعـليم بتطوّر الحياة في مجتمعاته, في الوقت
الذي نتحدث نحن في مجتمعاتنا عن الأميـّة وتزايدها وتدهور مدارسنا وتسـرّب
أطفالنـا من المدارس الذي وصل في بعض الدول العربية إلى ملايين من
الأطفال خارج المدارس, وفـي بعض الدول العربية يتساءلون عن مدى مواكبة ما
لديهم من تعلـيم لمتطلبات وحاجات مجتمعاتهم التي تتطور عشوائياً! إعادة
نظر شاملة لابد لمواجهة هذا التدهور من إعادة النظر في فلسفة التعليم
عندنا, والتحوّل من أسلوب الحفظ والتلقين, من دور الطالب متلقياً وقابلاً
ومطيعاً لما يلقّنه إياه معلمه, إلى فلسفة التعليم عن طريق الحوار
والمناقشة والتدريب على التعلم الذاتي, وأن ندمج التعليم بالثقافة بشكل
متواز, وأن تصبح برامج الثقافة جزءاً من مناهج التعليم, كالفنون بكل
أنواعها من موسيقى ومسرح ورسم وتربية بدنية إلى الثقافة العامة والقراءة
الحرّة, وأن تصبح المكتبة جزءاً من المنهج الدراسي. ومن ثم لابد من إقحام الشباب
للمشاركة وسماع رأيهم في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية, وتوسيع دورهم في المشاركة في كل ما يتعلق بحياتهم وتطلعاتهم
وطموحاتهم, ويأتي في مقدمة ذلك خفض سن الناخبين ليصبح عند الستة عشر
عاماً, وأن يمثل الشباب
في المؤسسات الديمقراطية والتشريعية, ويفسح في المجال لسماع مقترحاتهم
والأخذ بها عند التطبيق, فالثقافة السياسية جزء وشرط مهم في ثقافة الشباب
إن أردنا تدريبهم وتأهيلهم للقيادة في مرحلة لاحقة, ونحن بهذا ندخلهم في
نسيج المجتمع بدلاً من أن يتحوّلوا إلى أدوات للهدم والتخريب, فوضع ثقافة
متوازنة للشباب تراعي تراثهم وتاريخهم الوطني والقومي, وتسعى للحاق
بالثقافة الحديثة المنفتحة على العلم والتكنولوجيا والفلسفة المعاصرة
المتطلعة إلى مزيد من الكشف عن الكون وأسراره أمر لا مفر منه, وأن ندرّبهم
على اكتشاف ثقافة الشعوب والأمم المعاصرة ليتمكّنوا من التعامل والتفاعل
معها في هذا العالم الذي بدأت تتشابك فيه تلك الشعوب بثقافاتها المختلفة
على درب التعاون والتلاقي والاندماج في ثقافة كونية تسعى لإشاعة السلام في
العالم وتحتفظ في الوقت ذاته لكل شعب بخصائصه وعاداته وتقاليده وتراثه
الديني والقومي ضمن حركة التفاعل مع الثقافات الأخرى. إن نظرة سريعة على
واقع شبابنا اليوم تكشف لنا مدى عزوف الشباب عن المشاركة في قضايا المجتمع, والابتعاد عن النشاطات السياسية والاجتماعية, وهذا ناتج عن طول أمد الاستبعاد الذي مورس ضد الشباب
وعزلهم عن الحياة العامة وخاصة السياسية سواء في المدارس والجامعات أو في
المنظمات الشعبية والديمقراطية المحدودة. فشبابنا اليوم يسعى خلف الإعلام
الخارجي باحثاً عن الحقيقة, التي بدأ يشك في صدقها في إعلامه الرسمي,
متصوّراً أنه سيجدها عند الآخر, وهذا بداية الانسلاخ الثقافي وفقد الثقة
في ثقافته والقائمين على تسيير شئونه, ومؤشر إلى سهولة السقوط تحت تأثير
أي إعلام معاد له ولوطنه وتراثه الثقافي والحضاري, وسنرتكب أخطاء أكثر
فأكثر إن نحن تصوّرنا أن بإمكاننا الاستمرار في إبعاد جيل الشباب
في عالمنا عن المشاركة الكاملة في إدارة شئون حياته ورسم مستقبله,
فالكبار, في عصر يقوده الشباب, لن يتمكنوا من ضبط إيقاع الحياة دون الشباب
ومشاركتهم الكاملة, وقد دلت الدراسات والأبحاث الحديثة على أن المجتمعات,
التي تتعرض للتغير التقني السريع لا يعود الآباء فيها يملكون ما يقدّمونه
لأبنائهم, لأن معارفهم تفقد ملاءمتها للواقع الجديد والمستجد. فكيف بزمان
كزماننا الذي فاقت سرعة التغير التقني فيه بملايين المرات سرعة التغيرات
التقنية التي أصابت المجتمعات البشرية القديمة, فجيل الآباء في زماننا ما
عادوا يملكون معظم الإجابات عن أسئـلة أكثر وأعقد مما لا يقاس مما توافر
لمن سبقـهم, فهم يكادون أن يفقدوا الموقع الذي يخوّلهم أن يقـولوا للصغار
ماذا يفعلون وماذا لا يفعلون, وأصبحت العلاقة بين الطرفين بسبب التقنية
الجديدة حواراً لا تلقين دروس وأوامر.