شبابنا
بسم الله الرحمن الرحيم
بادئ ذي بدء لا بد أن نلجأ إلى تعريف قصير لمعنى الثقافة ، قبل أن نستهل
تحقيقنا ، فالثقافة حسب " تايلور " هي : ( ذلك المعتقد الذي يتضمن المعارف و
المعتقدات و الفن و القانون و الأخلاق و العادات و أي قدرات أخرى يكتسبها
الإنسان كعضو في المجتمع ) .
و رغم بعض المؤاخذات على هذا التعريف باعتباره تعريفا وصفيا مفتوحا ، إلا
أننا سنكتفي به مادام مستوفيا للجوانب التي يطرحها هذا التحقيق .
بشيء من التدقيق يمكن أن نلاحظ أن تقليد الشباب العربي للغرب ينحصر في
القشور التي لا تجدي فتيلا ، في كل ما هو فارغ .. تقليد استهلاكي بالدرجة
الأولى . و هذا محير بالفعل ، لأننا لم نكن لنشعر بالإحباط لو كان شبابنا يتأثر بعالِم ما مثلا ، لكن شبابنا اختار كل ما هو سطحي و تافه ليقلده .
آراء من هنا وهناك يقول زهير ، طالب في الثانوية العامة ، 20 سنة : " أحب الاستماع إلى
الأغاني الغربية ، خصوصا الحديثة منها . الأغاني العربية تبدو لي مملة و
بطيئة الإيقاع و أغلب كلماتها تصب في منحى واحد ، و نحن لسنا في حاجة إلى
المزيد من الحزن " .
وجهة نظر زهير قد تبدو معقولة . هو بالتأكيد مخطئ . لكنه معذور في كونه
أيضا لم يجد بديلا ، لم يجد أنشودات عربية تذكي حماسه الشاب التواق إلى كل
ما هو ثائر ،
و لا نتحدث هنا عن أغاني الغرام التي يبدو أن قريحة معظم شعرائنا لم تعد
تجود بغيرها . و هو بالتالي يتجه إلى البديل الذي يراه أقوى و أكثر حضارة ،
إلى الغرب . عقدة النقص تتجلى بوضوح هاهنا .
و عند مشاهدتك ليوسف يخيل إليك – من طريقة لباسه - أنك قد انتقلت إلى أحد
شوارع نيويورك حيث القبعات الغريبة و السراويل و القمصان الفضفاضة جدا .
يقول يوسف ، 21 سنة : " لا أعرف – بصراحة – لماذا أفضل هذا النوع من
اللباس ، لكني عند مشاهدتي للأفلام الأجنبية تروقني هذه الملابس و أرى أنها
أفضل من التي لدينا " .
ربما تكون رغبة في التميز أيضا ، و إن كان سبب آخر يطل علينا هنا و هو
الاقتحام الإعلامي المقيت لبيوتنا بدون استئذان . إن الصورة التي تمنحها
القنوات الأجنبية عن بلدانها تجعلها تبدو أشبه بالجنة الموعودة ، فهي تعرض
كل ما هو جميل و مثير ، كل ما نفتقده في معظم بلداننا . و هذا يضع الشاب في
حالة انفصام واضحة ، بين تراث و تقاليد لا يعرف عنها إلا النزر اليسير و
شاشةٍ تعرض أناسا يعيشون حياتهم بطولها و عرضها . و لا ننتظر – طبعا – من
هذا الصراع النفسي سوى أن ينتج لنا شبابا مهزوزا ، مرتبكا ، حائرا ، مقلدا
أكثر منه منتجا .
يقول محمد ، 25 سنة ، مغترب : " عشت سنوات في أوروبا ، و لحسن حظي لم
تبهرني الحضارة الزائفة ، لقد عرفت الحقيقة . كل ما يعرضونه هو بمثابة ذر
الرماد على العيون . الحياة هناك كاذبة في كل شيء . مع شيء من الوعي يمكن
أن ندرك هذا ببساطة " .
هاهو شاب يخالف الآخرين الرأي ، و طبعا رأيه ناتج عن مشاهدات و أحداث عاشها و وعي ملحوظ بالواقع .
شباب من فرنسا في زيارة لأحد البلاد العربية وترى هل تأثروا أم أثَّروا؟؟ لفتت نظري (ع.س) طالبة جامعية في الحادية و العشرين من عمرها بالوشم
المدقوق على ساعدها ..سألتها عن سبب دقها الوشم فقالت:إنه يناسبني و يناسب
طريقة تفكيري فلقد عشت مدة طويلة في الstates و تعجبني الفتاة الأمريكية في
حياتها فهي متحررة تفعل ما يحلو لها بدون خوف أو تردد..فالفتاة في بلداننا
العربية لا تعرف كيف تعيش...مقهورة و مغبونة بينما في أمريكا و البلدان
الغربية طموحة و تعرف كيف تفرض ما تريد..و تضيف الحياة على الطريقة
الأمريكية اجمل و أسهل و خالية من العقد!!!..
سألنا الأستاذة خديجة محمد (أخصائية علم إجتماع) عن السبب الذي دفع (ع.س)
لتفكر بهذه الطريقة ،فكان رأيها:اللوم ثم اللوم على أهلها الذين تركوها
تنغمس بأفكار قد تدمرها في المستقبل ف(ع.س) من الواضح أنها تنظر إلى الحرية
من مفهومها الخاطئ فهي تبحث عن التحرر و ليس الحرية بمعناها الحقيقي..و
أعود إلى دور الأهل فمن الواضح أنهم غائبون عن إبنتهم أو أنهم يوافقونها في
أفكارها..هنا يطفو على السطح طريقة التربية التي من الواضح أنها تعاني من
التصدعات الفكرية...
و نجد العكس مع (آمنة رزق) حيث تقول: لقد عشت لمدة أربعة سنوات في
بريطانيا حيث تطلب عمل والدي للإنتقال إلى هناك و في لندن أكملت دراستي
الجامعية...و حزنت لرؤية بعض الشباب العرب يقلدون الغرب بصورة ماسخة و
مثيرة للشفقة..ففي بريطانيا تعمدت أن أحافظ على عاداتي الشرقية ..و أرى أن
ثقافتنا العربية ثقافة غنية لكن الإعلام الغربي هو الذي يبهر شبابنا و يجعلهم أسرى لمعتقدات خاطئة..
أما محمد أحمد (27 سنة ) موظف ...يقول: هناك بعض الإيجابيات في المجتمع
الغربي..فلديه التنظيم و القدرة على مواجهة عيوبهم و أخطائهم..بينما نحن في
المجتمعات العربية نخاف أن نواجه عيوبنا و أخطائنا و كأننا مجتمع فاضل بلا
عيوب..و يضيف لدينا ثقافة عريقة و حضارة لكن هذا كان بالأمس و الآن نحن
نعاني من التفكك الثقافي..
و رأي الدكتور عاطف خليل (أخصائي أمراض نفسية)حول موضوع تأثر الشباب العربي بالثقافة الغربية..
ان الثقافة العربية الحديثة اكتشفت نفسها متأخرة في مرآة تَقدم الغرب الذي
أخذ لقاؤها به شكل "صدمة "بالمعنى النفسي العميق للكلمة..فالعرب بشكل عام
مصابون بعقدة "الخواجة" و يعتقدون أن الغرب أفضل بأفكارهم و ثقافتهم..و إذا
نظرنا إلى التاريخ فسنجد السبب الرئيسي هو الإستعمار الأجنبي للعديد من
البلدان العربية ،آثار الإستعار لا تزال متوغلة بشكل أو بآخر في تفكير
الشباب العربي ...و أرى أن هذه القضية لن تعالج بسهولة فهي تحتاج إلى
الكثير من التوعية و الوقت و الجهد ..و المسؤلية تقع على عاتق الأهالي في
تربيتهم ثم إلى المدارس و الجامعات و الإعلام، فالإعلام بات القوة الحقيقة
في التثقيف...
إن الثقافة تتكون من عادات يشترك فيها أعضاء المجتمع ، فالإنسان يسعى إلى
إشباع دوافعه البيولوجية بسلوك ما ، فإذا نجح في الوصول إلى هدف يرضي هذه
الحاجة فإن هذا يؤدي – حتما – إلى تكراره و العكس صحيح فالفشل يدفعه إلى
عدم التكرار .
كذا نجد أنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال فصل التقاليد و الرمزية عن أية ثقافة كانت .
فمن ناحية التقاليد يمكن أن نقول – بدون أدنى حرج – أنها آخر شيء يتمسك به شبابنا
، و الخطأ هنا خطأ المربي بالدرجة الأولى ، و الذي لا يمنح الطفل ( الذي
سيصير شابا ) كل ما يشبع نهمه من تقاليده و دينه ، فينشأ الطفل مع إحساس
فظيع بنقص يتحول مع مرور الأيام لبحث حثيث عن التعويض في ثقافة أخرى .
أما الرمزية ، فتاريخنا يحفل بشخصيات و رموز شتى في كل المجالات ، لكنها أصبحت في طي النسيان أو الإهمال إن أردنا الدقة .
فما هو الحل إذن ؟ من الصعب جدا أن ندعي أننا سنحل المشكلة في بضعة أسطر ،
فالمسألة أعمق و أصعب من هذا بكثير . و هذا ليس تعجيزا إنما هو اعتراف
بالواقع ..
و لعل هذا يكون أولى الخطوات نحو الحل . علينا أن نتحلى بالصبر إن نحن أردنا التغيير ، أشياء كهذه لا تغير بين عشية و ضحاها .
و لتكن البداية من التربية ، التي يجب أن تمنع الطفل من الشعور بالدونية ، و
أن تمنحه الثقة بتقاليده و عاداته ، و بالتالي بنفسه ، على أن تحرص – كل
الحرص - على المراقبة الجيدة لكل ما يعرض أمام الطفل ، الذي يبقى مستعدا
للتأثر بكل ما يشاهده و يسمعه .
و بما أنه لا يفلُّ الحديد إلا الحديد ، فيجب أن نوظف إعلامنا لإثبات عكس
ما يحاول الغرب إثباته من خلال قنواتهم التي تجيد الإبهار بدرجة كبيرة .
إن أمام الجميع مسؤولية جسيمة لإقبار عقدة النقص ، التي قد تكون السبب
الأول في كل هذا المشكل ، و كذا لاحياء كل ما أفل من تراثنا و تقاليدنا و
ثقافتنا .
فهل ننجح في ذلك ؟ ليس أمامنا سوى الأمل .