كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان قالهما الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى في إشارة إلى تداعيات اللقاءات الكروية الجزائرية المصرية وما خلفته من أضرار سياسية ومعنوية جراء كل أنواع الإساءات التي تعرضت لها الجزائر ولا تزال من قبل الإعلاميين والمثقفين والفنانين والرياضيين المصريين في مختلف الفضائيات.
منذ 18 نوفمبر من السنة الماضية، الجزائر الرسمية كانت هادئة صامتة ومترفعة، وصبرت حتى انتهت المباريات ليطلق أويحيى جملة مشفرة قال فيها أن المباراة انتهت، بمعنى أن العلاقات بين الجزائر ومصر انتهت، أو بالأحرى لن تكون أبدا مثلما كانت..
وحسب الكثير من المقربين من مصدر القرار في الجزائر فان الموقف الجزائري نابع من قناعة تامة لدى السلطات الجزائرية بأن الإساءة إلى الجزائر والجزائريين بعد أكذوبة أم درمان كانت بقرار سياسي من أعلى السلطات في مصر للتغطية على أحداث القاهرة وتبرير الإقصاء من التأهل إلى المونديال الذي كانت تراهن عليه السلطات المصرية لتمرير مشاريعها، فلجأت إلى تحريض الإعلاميين والمثقفين والفنانين بطريقة مباشرة وغير مباشرة مستغلين طيبة الشعب المصري وأحاسيسه ومشاعره تجاه وطنه، فصوروا لهم الجزائر بأنها سرقت حلمهم المشروع لوحدهم دون غيرهم، وبأن الجزائر تأهلت بالسكاكين والمطاوي..
وبعد أن كان المصريون يطالبون بالاعتذار وتأديب الجزائر ومقاطعتها سياسيا وثقافيا ورياضيا، وبعد أن حيرهم صمت الجزائر الرسمي، اتضح للمصريين بأن التمادي في الإساءة إلى الجزائر ورموزها وتاريخها وشعبها أساء إلى صورة مصر التي تتغنى بالحضارة والعروبة والأخوة أكثر مما أساء إلى الجزائر التي تضامن وتعاطف معها ومع منتخبها العدو قبل الصديق. وهنا تغير الخطاب بين عشية وضحاها قبيل المباراة الكروية في أنغولا، فكان القرار السياسي المصري بإطلاق الدعوات إلى المصالحة وتغليب العقل والمصالح المشتركة وطي صفحة الماضي وما إلى ذلك من شعارات.. لكن الوقت كان قد فات، وتسارع الأحداث ساهم في تغذية الأحقاد، واقتنع الجانب الجزائري بأن الاعتداء المصري الرسمي على الجزائر كان مع سبق الإصرار والترصد وبأن هشاشة العلاقات العربية - العربية عصفت بها تسديدة عنتر يحيى في مرمى عصام الحضري فما بالك لو كررها الجزائريون في أنغولا وفعل الحكم بالمصريين ما فعله بالجزائريين..
وإذا كانت الجزائر الرسمية قد اتخذت قرارها بعد صبر وصمت طويلين ولو لم تعلنه صراحة، فان الجزائر الشعبية اتخذت قرارها منذ مدة بعد أن فهمت بأن العروبة والأخوة والقومية هي مجرد شعارات جوفاء، حتى أنك عندما تسأل طفلا جزائريا صغيرا يقول لك للأسف بأنه يكره المصريين لأنهم يكرهون الجزائر ولأنهم أهانوا شهداءنا وأمهاتنا ورموزنا وتاريخنا، ولا يحبون لنا الخير..
وفي الجهة المقابلة وصلتني ايميلات من شبان مصريين تحمل نفس أنواع السب والشتم التي صدرت في حق الجزائر عن إعلاميين ومثقفين، وتدرك من خلالها بأن الجرح عميق وتخدير الشعب المصري بكل أنواع السب والشتم كان له مفعوله الذي لم يخفف من وطأته التتويج بكأس أمم إفريقيا، والدليل على ذلك استمرار مسلسل الاساءة إلى الجزائر في عز نشوة الفرحة والاحتفال بالتتويج.
مشاعر الحقد والكراهية التي زرعها تجار الفتنة بقرار سياسي ويحصدها جيل لا ذنب له سوى أنه جزائري ومصري لن تمحوها مشاركة الجزائر في المونديال وفوز مصر بكأس أمم إفريقيا، وللأسف لن يمحوها قرار سياسي أخر لأن الأمر لم يعد بأيدي المصريين لوحدهم يعتدون متى يشاءون ويتصالحون متى ما أرادوا لأن المباراة انتهت فعلا.
http://www.super.ae/blogs/details.php?bid=471