تيشي برازيلية في جمالها، باريسية في جنونها وجزائرية في مشاكلها سفيان . ع
مدينة تيشي السياحية
تصوير: (ح.م)
15
"تيشي" هي
المدينة الساحلية الجميلة التي تفنن في وصفها الشعراء، وفجرت موهبة
الأدباء وأثارت غيظ الحساد والأعداء، وكانت ملجأ التعساء ومزار العظماء،
ومقصد العرسان وساحرة الزوار، وحلم المفتونين بها لزيارتها ولو مرة واحدة،
فهي بذلك تمثل تلك الحسناء التي يتودد إليها المعجبون، والذين يلاحقونها
بنظراتهم، وهي هاربة بجمالها إلى أفق بعيد، لا يقل عن الكبرياء والشموخ
والأصالة، وعليه فهي جوهرة السياحة الجزائرية، وعروس البحر المتوسط، كيف
لا، وهي تجمع بين زرقة الماء وإخضرار الغابة وشموخ الجبل وطيبة السكان، فهي
بذلك تضاهي "ريو دي جانيرو" البرازيلية في جمالها.غير
أن المفسدين في الأرض لم يتركوها لحالها، فقد حوّلوها إلى مجرد مدينة
تمارس فيها كل شرور الدنيا ومفاسدها، فهي تعج بالحانات والملاهي والفنادق
التي انحرفت عن وظيفتها السياحية، فهي بذلك لا تختلف عن جنون عاصمة الجن
والملائكة "باريس"، فإلى وقت قريب كانت بمثابة عاصمة مغاربية، للفتيات
الباحثات عن الخبز والمتعة والحرية، من الغرب الجزائري والوسط والشرق
والجنوب، تونسيات، مغربيات وحتى لبنانيات، وبمرور الوقت، أخذت تبتعد عن
أصالتها، وتنغمس أكثر في الميوعة والرذيلة، وأصبح المرور عليها رفقة الأهل
والأقارب، بمثابة مغامرة قد تسبب حرجا كبيرا وتمزق حجاب الوقار والحشمة،
ولسنوات طويلة والسكان من خلال شكاويهم ومناشداتهم، يحاولون تطهير مدينتهم
من هذا الوباء والطاعون، غير أن هناك من لا يروق له تحقيق هذا الهدف
النبيل، وبالعكس فهم يوسعون في النشاط، ويشيدون المزيد من المنتجعات
والفنادق التي أخذت تنمو كالفطريات، وذلك تحت شعارات براقة كالشراكة،
التوسع السياحي، وتشجيع الاستثمار، ولا يهمهم سوى تحقيق الربح السريع وبكل
الطرق، فهم مجردون من أبسط القيم الإنسانية، فالمرأة عندهم هي مجرد سلعة،
والزبون مجرد كائن يجلب لهم حزم الأوراق المالية، ولكن دوام الحال من
المحال، فقد صمم السكان على تطهير مدينتهم، بالاعتماد على أنفسهم، فهاجموا
الفنادق والمراقص ونقاط بيع الخمور، وقاموا بتعليق اللافتة المشهورة "الشعب
يريد الرحيل النهائي للعاهرات"، وأصبحت المدينة شيئا فشيئا تسترجع وقارها
وجوها العائلي، واختفت كل المظاهر اللاأخلاقية، وأصبح من النادر رؤية
فتاة بلباس فاضح أو توحي بأنها فاسدة، مع التأكيد على استمرار وجود بعض
الفتيات في بعض الفنادق، واللواتي يتخذن من غرفها مكانا لمراودة الزبائن.
ومن جهة أخرى، لا تزال المدينة تعاني من مشاكل أخرى، فعمليات تهيئة
الطرق والأرصفة لم تكتمل بعد، رغم انطلاق الأشغال منذ أكثر من 4 سنوات،
ومشكل مياه الصرف الصحي لا يزال قائما في بعض الأحياء، إلى جانب مسألة
ربطها بغاز المدينة، مع تسجيل الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، مع
العلم أن ولاية بجاية قد ضخت مبالغ طائلة لتحسين صورة المدينة السياحية،
وجعلها تضاهي المدن السياحية لجيران الجزائر.