العلاقات
العلاقات الفرنسية العثمانية وأثرها على الجزائر
دخلت كل من فرنسا والدولة العثمانية طوال القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر الميلاديين في تحالف عسكري كان فرانسوا الأول الداعي إلى قيامه لمواجهة الاسبان وقد استجابة السلطان العثماني سليمان القانوني لفكرة هذا التحالف التي يمكن تفسيرها بما يلي:
أ - منع قيام أي تكتل أوروبي قوي ضد الدولة العثمانية تكون فرنسا طرفا فيه.
ب - تحطيم القوة البحرية الإسبانية التي كانت تسعى لفرض سيادتها على البحر المتوسط والشواطئ العربية . ج/ ضمن فرنسا لجانب الدولة العثمانية لخلق تفرقة بين القوى الأوربية ذاتها
ونتيجة لهذا التحالف اي العثماني - الفرنسي الذي دُعم بمعاهدة تجارية أعطت الدولة العثمانية للفرنسيين حرية الملاحية في كافة المياه الإقليمية التي تسيطر عليها. كانت فرنسا أولى الدول الأوروبية التي حصلت على امتيازات تجارية في الجزائر بعد دخولها تحت الحكم العثماني ، وقد مهد ذلك لقيام علاقات دبلوماسية حين تأسست أول قنصلية فرنسية في الجزائر عام 1580.
العلاقات الجزائرية الفرنسية قبل الثورة الفرنسية
كان حرص فرنسا على إقامة علاقات دبلوماسية مع الجزائر ينبع من رغبتها العميقة في استغلال خيرات هذه البلاد الاقتصادية واحتكار استثمار المرجان الذي كان الساحل الجزائري مصدرا هاما له.
وقد نجحت فرنسا بفضل علاقاتها الودية مع الدولة العثمانية في تأسيس أول شركة فرنسية لاستثمار المرجان شركة لانش وهذا في عهد البيلرباي حسن بن خير الدين في عام 1561بشروط : 1/عدم تسليح مراكز الاستثمار 2/ لا تحصن هذه المراكز التجارية من طرف الشركة . غير أن فرنسا في عهد شارل التاسع استغلت هزيمة الأسطول العثماني في معركة ليبانت 1571 وضعف مركز السلطان إثر ذلك فانتزعت منه الموافقة على إقامة قواعد عسكرية في المنطقة الممتدة بين القالة وعنابة في ساحل الجزائر الشرقي. فكان ذلك سببا في توتر العلاقات ، واستمرار الخلافات بين الحكومة الجزائرية والفرنسية حتى أن حاكم الجزائر خضر باشا أقدم على تحطيم حصن القالة ، واعتقال القنصل الفرنسي عام 1603 وقد عرّض هذا العمل أقدم عليه خضر باشا إلى العزل تحت الضغوطات الفرنسية للسلطان في الباب العالي . ولم يقف الضغط الفرنسي عند هذا الحد بل تعداه إلى مطالبة الوالي(الباشا في الجزائر ) الجديد بالسماح بإعادة بناء حصن القالة وتوقيع اتفاقية تضمن سلامة الأسطول الفرنسي في المياه الجزائرية.
وإزاء رضوخ محمد قوصو باشا الوالي العثماني الجديد في الجزائر لهذه المطالب ثار الديوان عليه ورفض التوقيع على الاتفاقية باعتبارها تمس بسيادة البلاد الوطنية ولما استجاب السلطان لهذه المطالب تجدد النزاع المسلح ثانية بين فرنسا
والجزائر فقد اشتدت حدة هذا الصراع على عهد لويس الرابع عشر الذي كان يطمح إلى تأسيس إمبراطورية استعمارية فرنسية ، فوجه عدة حملات عسكرية ضد الموانئ الجزائرية كان أهمها : *حملات سنة 1664 على ميناء جيجل *الحملات الواقعة بين 1683 - 1688 على الجزائر العاصمة . غير أن الفشل كان نصيب جميع هذه المحاولات اليائسة نظرا لاستمرار التفوق الحربي لدى الأسطول الجزائري.
توتر العلاقات وإعلان الحرب
رغبت الحكومة الفرنسية منذ عام 1620 في تحسين علاقاتها مع الجزائر ، فسافر من أجل هذه الغرض وفد جزائري برئاسة سنان باشا إلى مرسيليا ليعرض وجهة النظر الجزائرية في أُسس العلاقات المشتركة وإثناء الاجتماع وصلت شائعات حول مهاجمة الأطول الجزائري لبعض السفن الفرنسية . فأقدم الفرنسيون على قتل أعضاء الوفد الجزائري ، فكانت هذه الحادثة سببا في قطع العلاقات الدبلوماسية وإعلان الجزائر الحرب على الأسطول الفرنسي في البحر المتوسط مما ألحق بالتجارة الفرنسية أفدح الخسائر .وكعادة الحكومة الفرنسية بعد كل نزاع مع الجزائر، توجهت مجددا إلى السلطان العثماني مطالبة إياه بالتدخل لإعادة التعاون التجاري مع الجزائر والسماح لفرنسا بإعادة بناء المراكز التجارية وتحصينها.
العلاقات الجزائرية الفرنسية أثناء الثورة الفرنسية
تعرضت فرنسا مع بداية الثورة الفرنسية 1789 إلى حصار سياسي واقتصادي ضربته حولها الحكومات الملكية الرجعية في أوروبا . وقد عانت فرنسا من جراء هذا الحصار أثقال أزمة اقتصادية حادة تجلت في إشراف الخزينة على الإفلاس ، وتهديد البلاد بمجاعة كبيرة . وكمخرج من هذه الأزمة ، عمدت فرنسا إلى إعادة النظر في علاقاتها مع الدولة العثمانية بشكل تام عام ، ومع داي الجزائر بشكل خاص. ولم تتغاض الجزائر عن هذه الظروف الصعبة التي كان الشعب الفرنسي يجتازها . بل وقفت تجاهه موقفا إنسانيا تجلى في :
*منح الحكومة الفرنسية قرضا بدون فائدة مقداره 250.000 فرنك . *تزويد فرنسا بشحنات من الحبوب والمواد الغذائية.
بوادر الأطماع الفرنسية في الجزائر على عهد نابليون
رغم انتهاج نابليون لسياسة المهادنة مع الجزائر ، وحرصه على استمرار العلاقات الطيبة معها فإن شهوة الفتح والغلبة التي استبدت به ، جعلته يبيت مخططا عسكريا لإخضاع الجزائر لنفوذه وسلطانه حين تسمح ظروفه بذلك . وقد مهد لذلك ببث شبكات التجسس تحت ستار البعثات العلمية وتعزيز المبادلات التجارية . ويبدو أن فشل نابليون في حصاره القاري لبريطانيا أدى إلى تشتت قوته العسكرية بعد هزيمته في روسيا ، وقيام تحالف أوروبي ضده المتمثل في معاهدة شومون عام 1814 ، كل ذلك ساهم في الحيلولة دون تحقيق المخطط النابليوني لاحتلال الجزائر. إلا أن عملية الغزو الفرنسي التي تمت عام 1830 ، قد نفذت على ضوء التقارير والمعلومات والمخططات التي وضعاه الجاسوس الفرنسي بوتان بتكليف من نابليون الأول