إردتنا بين البدء و الاستمرار
يحكى أن أحد الأمراء العجم ولد أحدب مشوه القامة ، وأمضى ربيع حياته وهو موضع
استخفاف أصحابه و مصدر شفقتهم .. وفي أحد الأيام كان منزويا يندب حظه وقد
ضاقت به الدنيا، فأتاه وصيفه فرأى ما هو عليه، فقال:(( أطال الله عمر مولاي الأمير..
أنت والله تظلم نفسك، لقد ابتلاك المولى بعلة لم يكن لك فيها خيار.. فإما أن
تقومها بيدك، أو- إن لم تستطع - تترك الأمر ولا تجعله ينغص عليك عيشك )).
قال الأمير:(( وكيف يمكنني أن أغير ما خلقه الخالق؟))..
فأجاب الوصيف : (( وهل جربت يا مولاي ؟)).
بقي حديث الوصيف عالقا بذهن الأمير يفكر فيه طوال ليله..
وما إن أتى الصباح حتى نادى حاشيته وأمر بصنع تمثال له من الحجر يشبهه في
ملامحه، لكنه يختلف عنه في قامته.. اذ طلب أن يكون التمثال طويلا مستوى الظهر،
تماما كما كان يتمنى هيئته أن تكون..
وكان له ما أراد.. فأخذ الأمير يزور التمثال الجميل كل صباح ويتأمله، ويسعى أمامه
الساعات الطوال جاهدا كي يصلح من قامته حتى يشبهه ويبدو على هيئته..وكم
كانت سعادة ودهشة الأمير ووصيفه وهما يلحضان قامة الأمير تستوي اليوم بعد
اليوم.. ولم يمر عامان حتى أصبح الأمير طويل القامة جميل المنظر، وغدا موضع
احترام الجميع لثبات رأيه وقوة عزيمته.