دور علم النفس العيادي والاجتماعي وعلم نفس الشخصية في نشوء علم نفس الطفل
أشرنا من قبل إلى قيام جذور دراسة سلوك الطفل ولغته في منهج سيرة الأطفال
ونضيف إلى ذلك أن علم نفس الطفل استمد الكثير من المعلومات حول تنشئة الطفل
وحياته الانفعالية والعقلية من علم النفس العيادي والاجتماعي وعلم نفس
الشخصية 0
لم يبدأ التأهيل الاجتماعي للأطفال في أمريكا إلا في مطلع القرن التاسع عشر
0 وفي الوقت الذي كان فيه روسو وفروبل الأوربيان يناديان بطبيعة الطفل
الطيبة ارتفعت أصوات الكنيسة تهاجم التربية السمحة وتدحض الاعتقاد الشائع
بصدد براءة الطفل مدعية بأن الأطفال ليسوا صغاراً على دخول جهنم بسبب
سيئاتهم وهذا ما دفع الأهل إلى تربية صغارهم على الاستقامة بقراءة
الأخلاقيات وتلاوة العهد القديم والمواظبة على الكنيسة ولكن البروتستانتية
سرعان ما اصطدمت بقيم مجتمع رواد الحدود في أمريكا فتعرض الأهل للصراع بين
القيم الدينية والعلمانية الأمر الذي ساعد على إضعاف التشدد التربوي في
منتصف ذلك القرن فتخلى المربون عن نصح الأهل بالعقاب البدني بسبب وحشيته
وعدم جدواه 0 وبدأ الناس يرجعون خطأ الأطفال إلى فجاجة منطقهم أو إلى أخطاء
في المبدأ التربوي نفسه واستعيض عن الحب واللطف بالعقاب البدني كوسيلة
لتكوين الطبع الخلقي الجيد 0
ولم تظهر النظرة المتفائلة حول طبيعة الطفل إلا بعد الحرب الأهلية في
أمريكا حيث بدأ الناس يعتقدون أن الأطفال شأنهم شأن الحيوانات يتطورون نحو
أوضاع طباعية أفضل مما هم فيه بتكيفهم العفوي مع الأوساط التي يعيشون فيها 0
وأدى نشر جاكوب آبوت في عام 1871 لكتابه (( إجراءات لطيفة في تدريب الصغار
وإدارتهم )) إلى تأكيد التطورية الداروينية والإقلال من أثر فطرية الشر
الأمر الذي زاد من الاهتمام بتأكيد أثر الخبرة والتدريب في صناعة الطبع
الخلقي للناشئة كما أن الدراسات المتنوعة في العلوم النفسية المختلفة وخاصة
في علم النفس العيادي والاجتماعي وعلم نفس الشخصية قد ألقت الكثير من
الضوء على سلوك الناشئة وأكدت النظرة المتفائلة حول طبيعة الطفل لقد كان
للنظرات التقدمية النيرة بصدد طبيعة الطفل والتي طرحها رواد علم النفس
العيادي والاجتماعي وعلم نفس الشخصية العديد من النتائج البعيدة الأثر مثل
إعادة تقويم التخلف العقلي والاضطراب الانفعالي لدى الأطفال التي عدت
أمراضاً ترجع إلى الشروط البشرية وتستجيب للعلاج وليست أفعالاً شريرة يعاقب
عليها وتخفى عن أعين الآخرين كما كان الحال في السابق 0 وهذه النظرات
الإيجابية شقت الطريق لإقامة مراكز إرشاد الأطفال وحركات الصحة النفسية
وكانت بالإضافة إلى ذلك كتابات الاختصاصيين حول تنشئة الأطفال والعناية بهم
رائداً لأبحاث منهجية في مجالات الشخصية والنمو اجتماعي في بعض معاهد
الأطفال بعد الحرب العالمية الأولى