النقود والبنوك (Money and Banking)
السياسة النقدية (Monetary Policy)
والسياسة المالية (Fiscal Policy)
13.1) النقود (Money):
يمكن تعريف النقود بأنها وسيلة للتبادل، مخزن للقيمة، ومقياس للقيمة. ويمكن تعريف النقود بأنها "أي أداة أو وسيلة" يمكن من خلالها تبادل السلع والخدمات وسداد الدين. وفيما يلي نستعرض وظائف النقود:
1- وسيلة للتبادل (Medium of Exchange):
قبل استخدام النقود، كان هناك ما يعرف بنظام المقايضة (Barter System)، والذي يتم من خلاله مبادلة سلعة أو خدمة مقابل سلعة أو خدمة أخرى. ونظراً لصعوبة التعامل مع مثل هذا النظام، والذي يتطلب توافق الرغبات بين الأطراف المشتركة في عملية تبادل السلع والخدمات، وكذلك صعوبة تجزئة السلع التي نقوم بمقايضتها، فقد تم استخدام سلعة محددة كالذهب والفضة، لكي تكون وسيلة التبادل والحصول على السلع والخدمات المختلفة. ونظراً للصعوبات المرتبطة بالتعامل مع الذهب والفضة، كالوزن الثقيل واحتمال السرقة، فقد اتجه الأفراد إلى استخدام الأوراق النقدية والمعادن الرخيصة، من أجل استخدامها كوسيط لتبادل السلع والخدمات المختلفة، وذلك بسبب سهولة حملها وانخفاض تكلفة تصنيعها.
2- مقياس للقيمة (Unit of Account):
أن نظام المقايضة يتطلب معرفة الأسعار النسبية لجميع السلع والخدمات الموجودة في الاقتصاد. فلنفترض وجود ثلاث سلع في الاقتصاد (A, B, C)، فإننا نحتاج إلى معرفة أربعة أسعار نسبية بين هذه السلع. أما وجود (5) سلع، فإن ذلك يتطلب معرفة (10) أسعار نسبية على الأقل. إلا أن وجود النقود حل مشكلة تعدد الأسعار النسبية بين جميع السلع والخدمات، حيث تم اعتبار النقود وحدة الحساب، والتي من خلالها نستطيع المقارنة بين أسعار السلع والخدمات المختلفة.
3- مخزن للقيمة (Store of Value):
لا يمكن في ظل نظام المقايضة تخزين السلع من أجل استخدامها في المستقبل (ادخار)، وذلك بسبب اختلاف طبيعة السلع وقابليتها للتخزين، أو صعوبة الاحتفاظ بكميات كبيرة من الذهب والفضة مثلاً (في صورة ثروة). لكن في ظل نظام النقد الورقي، فإنه من السهل الاحتفاظ بالنقود من أجل تخزين القوة الشرائية في الوقت الحالي ومن ثم استخدامها في المستقبل.
ولكي يستطيع الأفراد استخدام النقود في عملية تبادل السلع والخدمات، لا بد من توفر شرطين أساسيين: أولاً صفة الإلزام القانونية للنقود والمدعومة من الحكومة، وثانياً ثقة الأفراد في قبول النقود لإتمام عملية تبادل السلع والخدمات.
13.2) قياس حجم النقود:
على الرغم من الدور الحيوي الذي تقوم به النقود، إلا أن كمية وحجم النقود المتداولة والمتوفرة في الاقتصاد يجب أن تكون ضمن حدود معينة كما سنرى لاحقاً. وللتعرف على حجم النقود المناسب يجب أولاً التعرف على مقاييس النقود:
1- المقياس الأول (M1): ويشمل النقد المتداول خارج البنوك (عملات نقدية ورقية ومعدنية) بالإضافة إلى ودائع تحت الطلب (حسابات جارية).
2- المقياس الثاني (M2): ويشمل المقياس الأول (M1) إضافة إلى الودائع الزمنية والادخارية.
3- المقياس الثالث (M3): ويشمل المقياس الثاني (M2) إضافة إلى ودائع الزمنية والادخارية طويلة الأجل.
العلاقة بين حجم النقود والمستوى العام للأسعار:
أن زيادة حجم النقود المتداولة لدى الأفراد سيشجعهم على إنفاق هذه المبالغ على شراء المزيد من السلع والخدمات المختلفة، مما يدفع المنتجين إلى تلبية هذا الطلب المتزايد عن طريق إنتاج المزيد من السلع والخدمات، أي أن ارتفاع كمية النقد المتداول أدى إلى تنشيط الاقتصاد. إلا أن الإفراط في زيادة حجم النقد المتداول سيؤدي إلى عجز الناتج الكلي (العرض الكلي) عن تلبية الطلب الكلي ومن ثم الوقوع في مشكلة التضخم (فجوة تضخمية). أما تقليص حجم النقد عن المستوى المطلوب فسيؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي (العرض الكلي)، وما يترتب على ذلك من انكماش في النشاط الاقتصادي (فجوة انكماشية). إذاً، يمكن القول أن هناك علاقة طردية بين حجم النقود المتداولة والمستوى العام للأسعار.
13.3) البنوك:
يقوم المستهلك بتقسيم الدخل الشخصي المتاح إلى ثلاثة أقسام: الاستهلاك، الادخار، وضريبة الدخل. وكما سبق ذكره، فإن الفوائض المالية (المدخرات) تتحول إلى السوق المالي، ومن ثم تتحول إلى المستثمرين الذين يواجهون نقصاً في الفوائض المالية. وتعتبر البنوك التجارية من أهم مؤسسات السوق المالي، والتي يتم من خلالها توفير التمويل اللازم، وذلك من أصحاب الفوائض المالية (المودعين) إلى أصحاب العجز المالي (المستثمرين). وفيما يلي نستعرض أهم الوظائف التي تقوم بها البنوك في الاقتصاد:
1- توفير واستغلال الفوائض المالية من المدخرين إلى المستثمرين.
2- إعطاء القروض والتسهيلات الائتمانية المختلفة.
3- فتح الحسابات الجارية وحسابات التوفير ذات الآجال الزمنية المختلفة.
4- تقديم التسهيلات المختلفة لرجال الأعمال والمستثمرين.
5- أعمال أخرى: تقديم المشورة للعملاء، إدارة ثروات الغير، أعمال الحفظ وتخزين الأمانات.
وتتكون ميزانية البنك التجاري من الأصول (Assets) والخصوم (Liabilities) كما هو موضح في الشكل رقم (13.1).
الأصول الخصوم
نقود سائلة ودائع تحت الطلب
أرصدة لدى البنوك ودائع ادخارية
أوراق مالية وتجارية ودائع زمنية
قروض خصوم أخرى
أصول أخرى
شكل (13.1)
ميزانية البك التجاري
13.4) البنوك التجارية وتوليد الائتمان:
تلعب البنوك التجارية دوراً أساسياً في تحديد عرض النقود حيث يوضح المثال التالي هذا الدور المهم.
مثال (13.1)
قام زميلك السيد (1) بإيداع مبلغ (1000) دينار كحساب جاري (وديعة تحت الطلب) في بنك (A). وتوضح الميزانية التالية هذه العملية:
أصول خصوم
1000 نقد سائل
المجموع 1000 1000 وديعة تحت الطلب (السيد 1)
المجموع 1000
في هذه الحالة يستطيع بنك (A)، إقراض مبلغ الوديعة كاملاً (1000) دينار، إلا أن البنك المركزي (كما سنرى لاحقاً) يلزم البنوك التجارية بالاحتفاظ بنسبة معينة من الودائع تحدد على أساس ما يسمى بنسبة الاحتياطي القانوني. فإذا كانت هذه النسبة (10%) تصبح ميزانية بنك (A) كما يلي:
أصول خصوم
100 احتياطي قانوني
900 احتياطي فائض
1000 المجموع 1000 وديعة تحت الطلب (السيد 1)
1000المجموع
يستطيع الآن بنك (A) القيام بإعطاء قروض تصل إلى (900) دينار، وهي قيمة الاحتياطي الفائض، فإذا قام شخص ما (السيد 2) باقتراض مبلغ (900) دينار من بنك (A)، تصبح ميزانية البنك كما يلي:
أصول خصوم
100 احتياطي قانوني
900 قرض (السيد 2)
1000 المجموع 1000 وديعة تحت الطلب (السيد 1)
1000 المجموع
إذا قام السيد (2) بإيداع (900) دينار كحساب جاري (وديعة تحت الطلب) في بنك (A)، يقوم البنك بإضافة (90) دينار إلى الاحتياطي القانوني (10%×900)، أما المبلغ المتبقي فيضاف إلى الاحتياطي الفائض وتصبح ميزانية البنك:
أصول خصوم
190 احتياطي قانوني
810 احتياطي فائض
900 قرض (السيد 2)
1900 المجموع 1900 ودائع تحت الطلب (السيد 1=1000 دينار) ( السيد 2= 900 دينار)
1900 المجموع
ومن هنا يتضح لنا أن الحجم الكلي للودائع أصبح (1900) دينار، علماً بأن الوديعة الأولى كانت (1000) دينار، وهذا ما يسمى بتوليد الودائع أو خلق النقود. في نفس الوقت فإن قدرة بنك (A) على إعطاء قروض تساوي (900) دينار.
إلا أن المثال السابق يتناول فقط الوضع الذي يوجد فيه فقط بنك واحد في الاقتصاد. أما المثال التالي فيوضح الحالة التي يكون فيها أكثر من بنك واحد (النظام البنكي).
مثال (13.2)
باستخدام المعلومات في المثال (13.1)، لنفترض أن بنك (A) قد قام بتحويل الاحتياطي القانوني إلى قرض للسيد (3)، والذي قام بدوره بإيداع المبلغ كحساب جاري في بنك (B)، وتكون ميزانية البنكين كما يلي:
Bank (A)
أصول خصوم
190 احتياطي قانوني
900 قرض (السيد 2)
810 قرض (السيد 3)
1900 المجموع 1900 ودائع تحت الطلب (السيد 1=1000 دينار) ( السيد 2= 900 دينار)
1900 المجموع
Bank (B)
أصول خصوم
81 احتياطي قانوني
729 احتياطي فائض
810 المجموع 810 وديعة تحت الطلب (السيد 3)
810 المجموع
يستطيع الآن بنك (B) القيام بإعطاء قرض بقيمة الاحتياطي الفائض تصل إلى (810) دينار. فإذا قام شخص ما (السيد 4) باقتراض مبلغ (810) دينار من بنك (B)، ومن ثم قام بإيداع المبلغ كوديعة تحت الطلب في بنك (C) تصبح ميزانية البنكين كما يلي:
Bank (B)
أصول خصوم
81 احتياطي قانوني
729 قرض (السيد 4)
810 المجموع 810 ودائع تحت الطلب (السيد 3)
Bank (C)
أصول خصوم
72.90 احتياطي قانوني
656.10 احتياطي فائض
729 المجموع 729 وديعة تحت الطلب (السيد 4)
729 المجموع
ومن هنا يتضح لنا أن الحجم الكلي للودائع أصبح (3439) دينار، علماً بأن الوديعة الأولى كانت (1000) دينار. وتستمر هذه العملية إلى أن تصل المبالغ الممكن إقراضها إلى الصفر.
ويمكن احتساب قدرة البنوك على خلق ودائع عن طريق استخدام مضاعف النقود (Money Multiplier (m)):
1
m =
نسبة الاحتياطي القانوني
ففي المثال السابق حيث أن نسبة الاحتياطي القانوني تساوي (10%)، فإن مضاعف النقود يساوي (10)، وهذا يعني أن وديعة مقدارها (1000) دينار، ستتضاعف إلى (10,000) دينار، حيث تصل قدرة البنوك على إعطاء قروض إلى (9,000) دينار. أن قدرة البنوك التجارية على توليد الائتمان يؤهلها للعب دور مهم وأساسي في التأثير على عرض النقد في الاقتصاد.
13.5) البنك المركزي (Central Bank):
يلعب البنك المركزي دوراً أساسياً في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي ودعم مسيرة النمو الاقتصادي في الدولة. ومن أهم الوظائف التي تقوم بها البنوك المركزية:
1- إصدار النقود من عملات ورقية ومعدنية حسب حاجة الاقتصاد.
2- الرقابة على البنوك التجارية: وتتضمن إصدار التعليمات والنظم واللوائح المنظمة لعمل البنوك التجارية والمؤسسات المالية المشابهة، وضمان حسن إدارة هذه البنوك وضمان عدم الاستهتار والمخاطرة بأموال الأفراد المودعة في البنوك.
3- إدارة السياسة النقدية في الاقتصاد باستخدام أدوات السياسة النقدية، والتي سنقوم بشرحها لاحقاً.
4- إدارة أموال الدولة: من ودائع وفوائض وأموال مملوكة للحكومة، وإتمام كافة التعاملات المالية للحكومة، ولذلك يسمى البنك المركزي ببنك الحكومة.
5- إدارة غرفة المقاصة: أي تسوية الحسابات والعمليات البنكية بين البنوك.
6- بنك البنوك التجارية: يقوم البنك المركزي بتوفير المساعدات والنصائح والتعليمات إلى البنوك التجارية التي غالباً ما تلجأ إلى البنك المركزي عند مواجهتها لأي مشاكل كبيرة. ويقوم البنك المركزي بهذا الدور من أجل تحقيق الاستقرار في النظام البنكي وكذلك رفع درجة الثقة في النظام المصرفي المحلي.
13.5.1) السياسة النقدية (Monetary Policy):
يمكن تعريف السياسة النقدية بأنها عملية استخدام مجموعة مختلفة من الأدوات والسياسات الهادفة إلى التأثير على عرض النقد والأداء الاقتصادي بشكل عام. وتتلخص أدوات السياسة النقدية في التالي:
1- عمليات السوق المفتوحة (Open Market Operations):
يقوم البنك المركزي بشراء وبيع السندات الحكومية باستخدام عمليات السوق المفتوحة، وذلك بهدف التأثير على حجم النقد المتداول وعرض النقود في الاقتصاد.
2- الاحتياطي القانوني (Required Reserve):
يقوم البنك المركزي بإلزام البنوك التجارية بالاحتفاظ بنسبة معينة من الودائع كاحتياطي قانوني، حيث لا يمكن للبنك التجاري التصرف بهذا المبلغ. وتسمى هذه النسبة بنسبة الاحتياطي القانوني أو الاحتياطي المطلوب (Required Reserve Ratio).
3- سعر الخصم (Discount Rate):
تقوم البنوك التجارية بالاقتراض من البنك المركزي الذي يقوم بدوره بفرض سعر فائدة معين يسمى بسعر الخصم. ويعتبر سعر الخصم من الطرق الأساسية التي يستطيع من خلالها البنك المركزي من التأثير على سعر الفائدة (تكلفة الاقتراض وعائد الوديعة).
13.5.2) استخدام أدوات السياسة النقدية:
يقوم البنك المركزي باستخدام أدوات السياسة النقدية بهدف التأثير على عرض النقد ومن ثم النشاط الاقتصادي بشكل عام. ويتم استخدام هذه الأدوات بالتحديد لمواجهة الفجوات التضخمية والانكماشية كما سنرى لاحقاً.
أولاً: استخدام أدوات السياسة المالية في الفجوات التضخمية:
تنتج الفجوة التضخمية نتيجة ارتفاع الطلب الكلي عن العرض الكلي (AD > AS)، ويمكن القضاء على هذه الفجوة عن طريق تقليل الطلب الكلي. وفي هذه الحالة يتم استخدام "السياسة النقدية الانكماشية" (Contractionary Fiscal Policy) كما يلي:
1- عمليات السوق المفتوحة: وتتضمن هذه الأداة قيام البنك المركزي ببيع السندات الحكومية إلى الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المختلفة، حيث أن عملية البيع هذه ستؤدي إلى انخفاض كمية النقد المتداول في الاقتصاد، مما يعمل على تخفيض القوة الشرائية للأفراد وتقليل حجم الإنفاق الاستثماري الذي يقوم به قطاع الإنتاج، وبالتالي ينخفض كل من الإنفاق الاستهلاكي (C)، والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعمل على تخفيض الطلب الكلي إلى أن يصل إلى مستوى العرض الكلي.
2- سعر الخصم: يقوم البنك المركزي برفع سعر الخصم مما يعني انخفاض حجم القروض المتوفرة لدى البنوك التجارية، والتي بدورها ترفع سعر الفائدة على الودائع والقروض، مما يعنى ارتفاع حجم الأموال المودعة في البنوك (حيث أصبح العائد على الأموال المودعة أعلى من السابق)، وانخفاض حجم القروض (بسبب ارتفاع تكلفة الإقراض). ويؤدي هذا إلى انخفاض حجم الإنفاق الاستهلاكي (C)، والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعني انخفاض الطلب الكلي. وتستمر هذه العملية لحين عودة الطلب الكلي إلى مستوى التوازن.
3- الاحتياطي القانوني: يقوم البنك برفع نسبة الاحتياطي القانوني مما يعني انخفاض قدرة البنوك على توليد الائتمان (تذكر قانون مضاعف النقود). ونتيجة لارتفاع نسبة الاحتياطي القانوني ينخفض الإنفاق الاستهلاكي (C)، والاتفاق الاستثماري (I)، إلى أن يتساوى الطلب الكلي مع العرض الكلي.
ثانياً: استخدام أدوات السياسة المالية في الفجوات الانكماشية:
تنتج الفجوة الانكماشية بسبب انخفاض الطلب الكلي عن العرض الكلي (AD < AS). ويمكن القضاء على هذه الفجوة عن طريق تحفيز وزيادة الطلب الكلي، أي يتم إتباع "السياسة النقدية التوسعية" (Expansionary Fiscal Policy) كما يلي:
1- عمليات السوق المفتوحة: وتتضمن هذه الأداة قيام البنك المركزي بشراء السندات الحكومية من الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المختلفة، حيث أن عملية الشراء هذه ستؤدي إلى ارتفاع كمية النقد المتداول في الاقتصاد، مما يعمل على زيادة القوة الشرائية للأفراد وزيادة حجم الإنفاق الاستثماري الذي يقوم به قطاع الأعمال، وبالتالي يرتفع حجم كل من الإنفاق الاستهلاكي (C)، والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعمل على زيادة الطلب الكلي إلى أن يصل إلى مستوى العرض الكلي.
2- سعر الخصم: ويقوم البنك المركزي بتخفيض سعر الخصم مما يعني تشجيع البنوك التجارية على الاقتراض وبكميات أكبر من البنك المركزي. وتقوم البنوك التجارية بتخفيض سعر الفائدة على الودائع والقروض مما يعنى انخفاض حجم الأموال المودعة في البنوك (حيث أصبح العائد على الأموال المودعة اقل من السابق)، وارتفاع حجم القروض (بسبب انخفاض تكلفة الإقراض). وتكون المحصلة النهائية أن يرتفع حجم الإنفاق الاستهلاكي (C) والإنفاق الاستثماري (I)، مما يعني ارتفاع الطلب الكلي وتستمر هذه العملية لحين ارتفاع الطلب الكلي إلى مستوى العرض الكلي.
3- الاحتياطي القانوني: يقوم البنك برفع نسبة الاحتياطي القانوني، مما يعني انخفاض قدرة البنوك التجارية على توليد الائتمان (تذكر قانون مضاعف النقود). ونتيجة ارتفاع نسبة الاحتياطي القانوني ينخفض كل من الإنفاق الاستهلاكي (C)، والاتفاق الاستثماري (I)، إلى أن يتساوى الطلب الكلي مع العرض الكلي.
12.3) السياسة المالية:
تقوم الحكومة بدور حيوي ومهم في استقرار الاقتصاد الوطني عن طريق مواجهة الاختلالات والمشاكل الاقتصادية التي يتعرض لها اقتصاد الدولة. فإختلال التوازن في الاقتصاد والذي ينتج بسبب التغيرات في الطلب الكلي والعرض الكلي، قد يعرض الاقتصاد كما رأينا سابقاً إلى مشكلة التضخم أو البطالة أو التضخم الركودي (Stagflation)، والذي يتميز بارتفاع معدلات البطالة والتضخم في آن واحد. وتستطيع الحكومة مواجهة هذه المشاكل عن طريق التأثير على حجم الطلب الكلي (AD) في الاقتصاد، وذلك من خلال استخدام أدوات السياسة المالية، والتي تتكون من الإنفاق الحكومي (G) والضريبة على الدخل (T). ويتم هذا التأثير بطريقتين: مباشرة وأخرى غير مباشرة، حيث تتمثل الطريقة المباشرة في الإنفاق الحكومي (G)، والذي يعتبر أحد مكونات الإنفاق الكلي أو الطلب الكلي في الاقتصاد:
AD = C + I + G + Xn
فعند اختلال التوازن في الاقتصاد (AD ≠ AS)، تستطيع الحكومة تغيير حجم إنفاقها الحكومي (G)، من أجل التأثير على حجم الطلب الكلي (تذكر تأثير المضاعف)، وبالتالي الوصول إلى مستوى التوازن من جديد.
أما الطريقة غير المباشرة فتتمثل في استخدام الضرائب (T)، التي تؤثر بالتالي على كل من الاستهلاك (C) والادخار (S). فارتفاع مستوى الضريبة المفروضة على دخول الأفراد يؤدي إلى انخفاض الدخل الشخصي المتاح، وبالتالي انخفاض حجم الاستهلاك والادخار، ومن ثم انخفاض حجم الطلب الكلي. والعكس صحيح عند قيام الحكومة بتخفيض حجم الضريبة.
12.3.1) أهداف السياسة المالية:
تقوم الحكومة بإتباع السياسة المالية (عن طريق استخدام أدوات السياسة المالية)، من أجل تحقيق العديد من الأهداف، من أهمها:
1- المحافظة على استقرار المستوى العام للأسعار، وبالتالي تجنب الوقوع في مشكلة التضخم.
2- استغلال جميع الموارد الإنتاجية المتوفرة في الاقتصاد المحلي، والتوصل إلى مستوى التوظف الكامل للاقتصاد المحلي، وتجنب الوقوع في مشكلة البطالة.
3- دعم مسيرة التنمية الاقتصادية، ورفع مستوى النمو الاقتصادي.
12.3.2) السياسة المالية والفجوات الاقتصادية:
لنفترض أن خللاً ما قد واجه الاقتصاد المحلي، بحيث أصبح الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي، أو (AD>AS). حيث يعني هذا أن كمية الناتج لا تستطيع تلبية الطلب الموجود في الاقتصاد. فعندما نكون في وضع أقل من وضع التوظف الكامل، فإن النقص في المخزون يدفع المنتجين إلى توظيف عناصر إنتاج جديدة مثلاً من أجل زيادة مستوى الإنتاج، ومن ثم يرتفع حجم الناتج (العرض الكلي)، إلى أن يتساوى مع حجم الطلب الكلي. أما إذا كان الاقتصاد في وضع التوظف الكامل، فإن هذا يعني أن جميع عناصر الإنتاج الموجودة في الاقتصاد موظفة بشكل كامل، وبالتالي فمن غير الممكن توظيف عناصر إنتاجية جديدة. إن ارتفاع حجم الطلب الكلي في هذه الحالة، وعجز العرض الكلي عن ملاحقة الطلب الكلي ستؤدي إلى مشكلة تضخم (ماذا يسمى هذا النوع من التضخم عندما يكون الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي؟).
لمواجهة هذه المشكلة، تقوم الحكومة بالتدخل من أجل تحقيق الهدف التالي: مواجهة الفجوة التضخمية (Inflationary Gap)، وهي الفجوة الناتجة عن زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي، وذلك عند مستوى التوظف الكامل، كما هو موضح بالشكل رقم (.111.1)، وبالتالي محاولة تقليص حجم الطلب الكلي في الاقتصاد. وبما أن الإنفاق الحكومي يعتبر عنصر من عناصر الإنفاق الكلي (أو الطلب الكلي)، فإن تقليص أو تخفيض حجم الإنفاق الحكومي سيؤدي إلى تقليل حجم الإنفاق الكلي إلى المستوى الذي يكون فيه الطلب الكلي مساوياً للعرض الكلي.
من جانب آخر، تستطيع الحكومة استخدام الأداة الثانية من أدوات السياسة المالية، وهي الضرائب. فعند فرض ضريبة على الدخل، فإن ذلك سيؤدي إلى تقليص مستوى الدخل الشخصي المتاح بقيمة الضريبة ومن ثم انخفاض مستوى الاستهلاك ومستوى الادخار. إذاً، تقوم الحكومة بإتباع سياسة مالية انكماشية (Contractionary Fiscal Policy) والتي تتمثل في تخفيض حجم الإنفاق الحكومي، أو زيادة الضرائب من أجل مواجهة الفجوة التضخمية.
لنفترض الآن أن خللاً ما قد واجه الاقتصاد بحيث أصبح الطلب الكلي أقل من العرض الكلي، أو (AD
وتقوم الحكومة بالتدخل من أجل مواجهة الفجوة الانكماشية، من خلال محاولة زيادة حجم الطلب الكلي في الاقتصاد عن طريق إتباع سياسة مالية توسعية (Expansionary Fiscal Policy)، وتتمثل هذه السياسة في زيادة حجم الإنفاق الحكومي، والذي سيؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق الكلي إلى المستوى الذي يتساوى فيه كل من الطلب الكلي مع العرض الكلي.
أما عند استخدام الحكومة للأداة الثانية من أدوات السياسة المالية التوسعية وهي الضرائب، فإن مواجهة الفجوة الانكماشية يتم عن طريق تقليل حجم ضريبة الدخل، حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة مستوى الدخل الشخصي المتاح بقيمة الضريبة، ومن ثم ارتفاع مستوى الاستهلاك ومستوى الادخار. إذاً، تقوم الحكومة بإتباع سياسة مالية توسعية وذلك لمواجهة الفجوة الانكماشية.