نطرح
السؤال أيهما كانت ستختار السلطة من المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي
توماس جيفرسون التي قال فيها ''لو أنني خيّرت بين أن تكون لدينا حكومة بدون
صحافة أو صحافة بدون حكومة، لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الثاني''. ولن
ننتظر جوابها عن ذلك، لأن واقع الحال لا يترك مجالا للشك في أن مثل هذه
الخيارات ليست في ''أجندة'' السلطات العمومية، بدليل ترك قطاع الإعلام
بنوعيه المرئي والمكتوب، العمومي والخاص تحكمه قوانين ''أكل وشرب عليها
الدهر'' دون أن تجد طريقها للتغيير أو التعديل.
ويعكس استهلاك رئيس
الجمهورية لأكثر من 8 وزراء للإعلام في ظرف 10 سنوات، أن عدم
''الاستقرار''، هو البرنامج الوحيد الذي اعتمد في التعاطي مع قطاع الإعلام
وفي معالجة قضاياه ومتطلباته، والنتيجة أنه في الوقت الذي يجري النقاش في
العالم عن تحرير البث الفضائي والإلكتروني، ما زال الجدل في الجزائر يقتصر
منذ 10 سنوات على ضرورة مراجعة قانون الإعلام والإشهار وسبر الآراء دون أن
يتمكن الوزراء المتعاقبون على وزارة الاتصال من إيصاله إلى سدرة المنتهى.
وكان آخر المتحدثين عن الموضوع الوزير المنتدب للاتصال، عز الدين ميهوبي،
الذي أعلن منذ يومين عن ''فتح 5 ورشات'' لمناقشة هذه الملفات، وهي أمنية
تضاف إلى الأمنيات السابقة التي ذهب أصحابها دون أن يتحقق منها شيء.
ومثل
هذا التردد للسلطة في التعاطي مع ملف الإعلام لا يمكن فهمه إلا من زاوية
عدم رغبتها في تمكين مهنة المتاعب من الدور الطبيعي المنوط بها، وهو ما
فعلته ونجحت فيه مع المؤسسات الدستورية الأخرى، كالبرلمان والأحزاب وجمعيات
المجتمع المدني التي حوّلت إلى مجرد ''بوق'' للإشادة بالحاكم وتناست
مهامها الأساسية. ولن نتهم السلطة بأنها الوحيدة التي تسعى لاحتواء
الصحافة، بل كل حكومات العالم ترغب في ذلك، لكن ليس بالصيغة المعمول بها في
الجزائر، حيث يفكر في المقام الأول في كيفية وأدها وممارسة التضييق
والحصار عليها، أكثر من أي عمل آخر لصالح تطويرها وإبعاد ''الطفيليين''
عنها.
صحيح أن الدستور قد جعل من حق المواطن في الإعلام حقا مكرسا،
مثلما جاء في مواثيق حقوق الإنسان، لكن كيف يتحقق ذلك ولا يوجد ناطق رسمي
باسم أكبر الهيئات ولاتوجد حرية في تداول المعلومات ولا في الوصول إلى
مصادر الخبر وفوق هذا وذاك، رفض مؤسسات الدولة ووزاراتها فتح قنوات اتصال
حقيقية، ولمن يشكك في ذلك ما عليه سوى الإطلاع على مواقعها في شبكة
الأنترنت التي تستهلك ميزانيات دون تقديم معلومات ''آنية وطازجة