قلم :د.كامل القيّم /العراق /جامعة بابل
على الرغم من إن
الدراسات والمفاهيم الأساسية للاتصال قد ولدت من تخصصات وميادين مختلفة
ومتعددة ،كعلم الاجتماع ،وعلم النفس ،والتربية ،والتاريخ ،والسياسة
،والاقتصاد… ,.الخ،إلا انه في عقود قليلة قد أسس لذاته نظريات ومفاهيم
مستقلة ،تفرد بها كعلم رِيادي من العلوم الاجتماعية.ويتأتى هذا الاقتراب
من طبيعته كعلم يخضع بموجبه عملية تبادل المعلومات والأفكار والمهارات
ومتغيراتها إلى الدراسة بمستوياتها المختلفة ،الشخصية والاجتماعية
والدولية . لكن هذا لايعني أن أنشطته وعناصره لم تذكر أو تدّرس أو تؤشر
قديماً، ذلك أن معلومات هامة ومحأولات رائعة قد انضوت تحت هذا المعنى من
حضارات قديمة ، كحضارة وادي الرافدين والنيل ،والصين ،والإغريق،مروراً
بأنموذج الاتصال الإسلامي والتي بمجملها قد أخضعت عملية الاتصال لتصورات
واجتهادات واهتمامات متباينة ،أجمعت على أهميتها وقوتها في التأثير
والتحكم.
وإذ كانت هذه الحضارات قد أولت اهتماما منقطع النظير ،بطرق
ورموز وعناصر الاتصال وطورت لنفسها أساليب وافاق لكثافة التأثير على الآخر
،سواء أكان باتجاه ،الطبيعة ،آلهة ،بشر ،حضارات مجاورة ،بالطقوس والشعائر
والرسم والنحت والتمثيل والخطابة …الخ . فإنها بذلك قد خضعت عملية
الاتصال(Process Communication )الى زاوية الاهتمام الشديد ،كما نفعل نحن
الآن ،ولكننا نخضعها ا بالشكل المعقد المُسند بالبحث والعلم .
ولما كان
جوهر عملية الاتصال ( اجتماعية Social ) فإنها بالضرورة تخضع لعلاقات
وعناصر وقيم متعددة ومختلفة ،ربما تقترب من اغلب العلوم والمعارف الحديثة
،ذلك ان البناء الاجتماعي وسياقاته وتفاعلاته الرمزية معقدة ومتشعبة ،إلى
الحد الذي لايمكن في أحيان كثيرة إخضاع ظاهراته الى الدراسة والتقصي
والقياس ،مثله كمثل باقي العلوم التي لاتزال تبحث عن تفسيرات لظاهرات
لايمكن في ضوء إمكانيات العلم (حاليا) أن يتوصل لها .
وعلى ذلك فان
تفاعل البشرية الرمزي منذ ولادتها حتى الآن كما الإنسان ، يخضع لعناصر
الاتصال ومحدداته ونظرياته ، ومما زاد من تلك الأهمية المفروضة ، تلك
السبل و الاكتشافات المذهلة التي سخرها الإنسان لذاته لكي يتصل بشكل أفضل
وأعمق و أسرع وبرموز و طرق هائلة ابتدأت كصرخة الحيوان واشاراته ولازالت
تبحث عن جديد بما يزيد و‘يسرع التفاعل البشري مروراً باللغة اللفظية
والكتابة والطباعة والتلغراف والإذاعة والـ TVوصولاً إلى البريد
الإلكتروني ( E-MIAL )والانترنيت ،هذه المعطيات التي جعلت العالم (قرية
صغيرة ) وبالأحرى (شاشة صغيرة)، بحسبماعبرعنه عالم سوسولوجيا الاتصال
(مارشال ماكلوهان) في عقد الستينيات.
فالقدرات الاتصالية لدى الإنسان
تعاظمت وبشكل غير محدد سواء أكان مصدراً اتصالياً أو متلقياً بعيداً ،
فالوسيلة الاتصالية أصبحت جماهيرية وليست (فردية ) في نشاط ملئه التبادل
والتفاعل والترميز ،وهذا ما جعل جماهيرية الوسيلة ينتج عنها جماهيرية
الرسالة .
ان السمة الرئيسة التي تميز العصر الحالي بفضل صناعة
الإلكترونيات الاتصالية هو انه عصر الاتصال ( Communication Age of )
ويشار اصطلاحا إلى الصناعة التي حملت هذا العصر وملأته بتكنولوجيا الاتصال
( Communication Technology ) ،بعدما اتسمت قرون ماضية بثورات كبيرة هزتها
وأخرجتها من جمودها التاريخي ،كما هو الشأن في الثورة التجارية ،والزراعية
،والصناعية ،وتبقى السمة الغالبة في هذا لقرن ومذ بدايته على أنه قرن
الاتصال والمعلومات علماً وصناعة وتفاعل .
ان دراسة علم الاتصال
أصبحت بلا شك من أساسيات العلوم ،وهي إذا كانت لا تلقي اهتماماً ملحوظا
ًفي الدول النامية ،فأن الدول المتقدمة أو التي في ركابها قد أولت اهتماما
واحتضانا له بوصفهِ عصب التأثير والهيمنة والانتشار الثقافي ، حيث أنشئت
له مراكز بحوث ومعاهد وكليات مختصة لدراسة الظواهر الاتصالية التي تنساب
مع تفاعل مجتمعاتها ،بعدما غدا الاهتمام ليس مقصورا للتعرف على آثاره
الاجتماعية المختلفة ،إنما توسع ليشمل اطراداً في الاستخدامات الحياتية
والمهنية ،فظهرت فروع له،كالاتصال المحلى ،والاتصال
الدولي،والتربوي،والريفي ،والإداري فضلاً عن الاتصال الفني ، وتفرعت منه
تخصصات متعددة ،كالدعاية،والحرب النفسية،والإشاعة،والعلاقات
العامة،والإعلان،والمعلوماتية ،بالإضافة إلى ميدانه الأساس
والواسع(الإعلام Information ) وما يتمخض عنه من أنشطه وميادين. وإذا ما
تفحصنا طبيعة المشكلات على المستوى الدولي والإنساني نراها(اتصالية) ذلك
أن التفاهم والتباغض،الفوضى والاستقرار،الخير والشر
أساسهما،الكلمة،السلوك، الفكر،الصورة النمطية،التأريخ ،ثم القدرة على
التأثير،وهذه جميعا مستلزمات وميكانزيمات اتصالية ،فضلا على ان أية صورة
من صور التفاعل ( Interaction )سواءً أكان ذلك على المستوى الذاتي (تصورات
الإنسان الذهنية تجاه المثيرات) أم كان مع الآخرين ،أم على المستوى
الدولي،يدخل ميدان الاتصال واحكامه،وإذا ما أردنا التوسع في رصد علاقات
الاتصال بالحياة الاجتماعية والمهنية نقول (جميعنا اتصاليون)ذلك إننا بشكل
أو بآخر نبغي التأثير في الآخرين ،أو لنقل نعمل على تسهيل تفاهمنا مع
الآخرين بشكل افضل،أو للتعبير عما بداخلنا وما نريد إشراكه مع الآخر، لذلك
ابتدع الإنسان قنوات له للسير بهذا المنحى،حينما كان تلقائياً،وما
الرقص،والطقوس،والشعائر،والرسم ،والتمثيل،والخطابة،ماهي إلا أدوات أراد
بها التعبير عن نزعتها الاجتماعية،ولازال هذا الوازع متأصلا في الإنسان
بعدما غدا الاتصال في بعض روافده منظماً،رسمياً،كما في التدريس،والمراسم
الاجتماعية والتأليف،وصناعة المعلبات الثقافية من خلال السينما
والفيديو،والـ( C D)وغيرها كثير.
ان تداعيات العصر من مكتشفات وصراعات
،أوجدت حاجة ماسة إلى ان نفهم ونتقصى كيفية عمل الفعل الإنساني،وكيف
يتأثر، وما حدود إشراك أدوات الاتصال في هذا الصراع في ظل التعقيدات
الهائلة التي خلفها تواتر المعطيات الهائلة من المعلومات والأفكار من قبيل
،الإنتاج المطبوع – كتب ،صحف، مجلات،- إصدارات علمية- إنتاج السمعبصريات،
الإذاعات الموجهة ،والمحطات التلفزية ،وانتاج البرامج المدمجة( C D) ،هذه
المعطيات التي فاقت في السنوات الأخيرة عما أنتجته البشرية جمعاء منذ
ولادتها .
ونحن في طبيعة الحال نقع في خضم هذا التواتر وفي وسطهِ
،فعلينا إذاً أن نتعلم وان نعي بعناصر هذه الثورة المعلوماتية وما تشكله
من تأثيرات سياسية ،واجتماعية وتربوية.
،لذا علينا أن نفهم ولو بشكل
بسيط ،لماذا يؤثر المؤثرون … وكيف،والاهم من ذلك أن نستخدم ما نتعلمه
سنداً في حياتنا المهنية باعتبارنا مؤثرين ومسؤولين عن مفاهيم غاية في
الدقة والخطورة لنقلها إلى الطلبة باصطلاحات مبسطة وشيقة تنمّي مستوياتهم
الثقافية والفنية والذوقية ،بل وتجعل ما يتعرضون له من نتاج وافد (من
الغرب) عن طريق وسائل الاتصال الإلكترونية – التي شاع استخدامها حديثاً-
في إطار الفهم الدقيق والفائدة البنّاءة ،وبما يحمي الخصوصية الثقافية
والوطنية والدينية في ظل عالم يسوده السحق الثقافي وصراعات قصف العقول
والعواطف والتهميش المعرفي عبر قنوات الاتصال ونظرياته .
فمن المفترض
اعادة الحسابات ، في ظل هذا الوضع الجديد وعلى المعنيين والقائمين على
مؤسسات الاعلام ان ينطلقوا من احقية العلم وتنظيراته ، وان يتم الكفاف عن
الاتكاء على التجربة باعتبارها السلم الاعلى في الارتقاء والابداع ، فنحن
اليوم نتعامل مع ظواهر بالغة الخطورة لاتكفي الرؤبة الشخصية ولاالتنظير
الثقافي ولاحتى الملاحقة الالكترونية دون النظر الى اساسيات العلم الذي
ظهرت تاثيراته ولم تلاحق بمزيد من الاهتمام ، فالجميع يتباكى على الخصوصية
الثقافية وعلى الغزو الثقافي وخطورة البث الوافد ...الخ ولكننا لم نسال
كيف يمكننا التعامل مع تلك المشكلات بافق علمي ، ماذا احضرنا من مراكز
بحثية ومن ورش ومن ندوات ( لها طابع اكاديمي ) وليس مقالي او جعجعة
الكلمات التي رحلت مع استخدامات الفضاء
كيف يصاغ الخطاب الفضائي ؟ لمن ؟ هل نحن سائرون كونياً في رحبةوحاضنة الاعلام والاتصال الدولي ؟ هل نحن مؤثرون ؟ لماذا ؟ كيف ؟
لااعتقد
هناك منظر ثقافي يستطيع الاجابة ، لان الاعلام ليس خطاباً لغوياً بقدر
ماتحول الى خطاباً صورياً واستعمالياً وربما رياضياً ( من الرياضيات )(
وهذه كلها يتوجها العلم والتخصص)
ففهم الجمهور وترميز الرسائل ، وقياس
الاثر ...غايات ومطالب اساسية لم نراها في عقول الاعلام الثقافية وهذا
ناتج المراوحة التي نعيش في عالم الاعلام والدعاية المتنامي
فنحن بلا
اجندة واضحة ...وبلااتكاءات علمية ...وبلا مراكز بحوث اعلامية حقيقية
...وبلا كوادر يمكنها التمييز بين علم التاثير ونشوى النشر ....فالمشكلة
ليست بصياغة واطلاق الخطاب الاعلامي ...بل بتاثيره وتراكمه النفسي
والاجتماعي .كيف نتحول الى مدرسة كبرى للصناعة الاعلامية الايجابية ؟كيف
نغذي اطفالنا وشبابنا وشرائحنا رسائل تساعدهم في اتخاذ القرارات ، وتحفز
لديهم حب العمل ، واحترام الزمن ، وضرورة التنمية والبناء ، وملاحقة الاخر
بالعطاء ، العطاء البناء الحقيقي الذي يفسر الامور ويبسطها ويعين الناس
على فهم البيئة بكل عناصرها ....لاان نزيده بخطابنا ووجوهنا ( المتكئة على
الخبرة ) لاادارة وصناعة الوعي الجمعي فالمسؤولية كبيرة وعلينا ان نتعلم
ونتعلم بلاهوادة ...اذا كنا مسؤلون عن ثقافة ووعي الناس