" فلسفة العلوم التجريبية"..
مقالة جدلية: 03 " حول الحوادث النفسية"
الأسئلة: *إلى أي حد يمكن القول أن المنهج الاستنباطي كاف لفهم حقيقة الحياة النفسية؟
المقدمة: (طرح الإشكالية)
الإنسان كائن متعدد الأبعاد يؤثر ويتأثر بغيره (البعد الاجتماعي) وله ذكريات تعود إلى الزمن الماضي (البعد التاريخي) وله مشاعر و انفعالات (البعد النفسي ) وهذا الأخير عرف جدلا وتناقض في الآراء حول المنهج المناسب لدراسة الحالات النفسية وجدير بالبيان أن المنهج الاستنباطي يقوم على تأمل النفس لذاتها:
*فهل يا ترى المنهج الاستنباطي كاف لفهم حقيقة الحالات النفسية؟
التحليل: (محاولة حل الإشكالية)
1/عرض الأطروحة الأولى :
يذهب دعاة المنهج الاستنباطي إلى القول:"أن الظواهر النفسية تتميز بخصائص فهي لا تقبل الملاحظة والتجربة باعتبار أنها كيفية وليست كمية" ويلزم عن ذلك إن السبيل الوحيد لفهم حقيقتها هو منهج الاستنباط القائم على(التأمل،الوصف،التحليل)وهذا ما أكد عليه "ريبو"بقوله "المنهج أساسي في علم النفس"وحجتهم في ذلك أن الحوادث النفسية فرديا(خاصة)لا يعرف حقيقتها إلا صاحبها وهذا ما يثبت ضرورة الاعتماد على الاستنباط وكما قال: "موتتاني" "لا احد يعرف من أنت إلا أنت" والهدف من المنهج الاستنباطي هو الوصول إلى قوانين علمية تكشف عن حقيقة الحالات النفسية ومن الأمثلة التوضيحية أن الغضب ما هو إلا امتزاج لثلاثة عناصر نفسية(الكدر،الشدة،الاستثارة) وبذلك يحق القول أن أفضل منهج لدراسة الحالات النفسية هو المنهج الاستنباطي.
النقد: يمكن الرد على المنهج الاستنباطي من حيث الشكل بأنه منهج متناقض لأنه يستحيل أن يعيش الإنسان الحالات النفسية ويصفها في نفس الوقت أما من حيث المضمون فنرد عليهم بان منهجهم ضيق مادام يستعمل اللغة.
2/عرض الأطروحة الثانية:
على النقيض من الأطروحة الأولى هناك من العلماء من يرى (أن المنهج الأمثل لدراسة الحالات النفسية والكشف عن قوانينها هو المنهج السلوكي) ويركز هذا المنهج على ملاحظة ردود الأفعال العضوية التي تصدر عن الكائن الحي في موقف ما ومن أنصار هذه الأطروحة "واطسون" الذي قال:"السلوكيين شعبة تجريبية من العلم الطبيعي" وحجتهم في ذلك أن الحالات النفسية الحزن و الفرح لها ظاهر مرئي يمكن ملاحظته من خلال التصرفات و السلوكات المختلفة ومن الأمثلة التوضيحية أن الخوف يمكن حصره في ثلاث عناصر فيزيولوجية (عضوية)(منبه يفيد القلق،تنفس سريع متقطع،توتر وتقلص عضلي)واعتمد أصحاب هذا المنهج على التجارب التي قام بها (بافلوف)والمعرفة بالمنعكسة الشرطية وخلاصة هذا المنهج نجدها في قول "روزنتال": "السلوكية تمثل الاتجاه الآلي في علم النفس وعليه ترجع الحالات النفسية إلى أسباب عضوية".
النقد: يمكن الرد على المنهج السلوكي من حيث الشكل بأنهم ركزوا على الظاهر (السلوك) واهملو الباطن (الشعور)وحقيقة الإنسان تكمن في الشعور أما على مستوى المضمون فليست جميع الحالات النفسية سببها عضوي فقد تعود إلى عقد لاشعورية.
التركيب: (الفصل في الإشكالية)
بداية نقول أن الاهتمام بالحياة النفسية قديما بالفلسفة على اختلاف مذاهبها وعصورها ركزت على هذا الجانب وقديما قال"سقراط" :"اعرف نفسك بنفسك" أما اليوم فعلم النفس يهتم بهذا هو تحديد المذهب المناسب لدراسة الحالات النفسية وهذه مشكلة للفصل فيها نقول كموقف شخصي (الحالات النفسية متنوعة و متعددة الشعور) فيلزم عن ذلك تعدد المناهج في علم النفس لأنه يستحيل الاقتصار لقول "بيارجتيه":"الحوادث النفسية ترتبط بالإنسان ككل"ولاشك أن كل منهج في علم النفس(الاستبطاني،السلوكي،التحليل النفسي،الجاشطالت...) يساعد في تسليط الضوء على الحياة النفسية.
الخاتمة: (حل الإشكالية)
خلاصة القول أن المشكلة التي بين أيدينا كما يدل على ذلك منطوق السؤال تندرج ضمن فلسفة العلوم وقد تبين لنا ذلك من خلال استعراض أطروحتين الأولى ركزت على الجانب الباطني واهتمت بالشعور(المنهج الاستبطاني)والثانية اهتمت بردود الأفعال وركزت على السلوك (المنهج السلوكي)وبالعودة إلى منطق التحليل نصل إلى حل المشكلة فنقول:دراسة الحياة النفسية والكشف عن قوانينها يستلزم تعدد المناهج في علم النفس.