عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال : (صنفان من أهل النار لم أرهما :قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ..ونساء كاسيات عاريات ،مائلات مميلات ،رؤوسهن كأسنمة البُخْت المائلة ،لايدخلن الجنة ،ولايجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا..وفي رواية أخرى :وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائةعام).
رواه مسلم
الأبحاث العربية:
لم أرهما :المراد لم يكونا في زمانه صلى الله عليه وسلّم،وأنهما سيحدثان في المستقبل، وفيه معجزة للرسول الكريم حيث أخبر عن أمور مغيبة،وقد وقعت كما أخبر الصادق المصدوق .
سياط:جمع سوط وهو الجلد المظفور وهو آلم من العصا ،وقديراد بالسوط أنواع وضروب العذاب قال تعالى:(فصبّ عليهم ربّك سوط عذاب .)
كاسيات عاريات :المعنى كاسيات في الصورة ،عاريات في الحقيقة،لأنهن يلبسن ملابس شفافة رقيقة لاتسترجسدا ولاتخفي عورة ،والغرض من اللباس إنما هو الستر قال تعالى :(لباساً يواري سوآتكم)فإذا لم يستر اللباس كان صاحبه عاريا.
مائلات مميلات: أييتبخترن في مشيتهن بقصد الفتنة والإغراء، فهن (مائلات)في مشيتهن (مميلات)لقلوب الرجال بخلاعتهن، يتصنعن الدلال ويتقصّدن إثارة الرجال ،وهذا من عمل الفاجرات والعياذ بالله.
كـأسنمة البخت :أصل السنام: الشئ المرتفع ،وسمي القتب الذي على ظهر الجمل (سناما)لأنه مرتفع ،(والبخت)الإبل،والمراد أنهن يصففن شعورهن فوق رؤوسهن حتى تصبح مثل سنام الجمل.
الأبحاث النحوية :
(صنفان ):صنفان مبتدأ وخبره جملة(لم أرهما)،وجوِّز الإبتداء به مع أنه نكرة لأنه موصوف فهو كقول ابن مالك (رجل من الكرام عندنا).
(قوم)خبر لمبتدأ محذوف تقديره أحدهما قوم ،وجملة (معهم سياط)صفة لقوم وجملة (يضربون) صفة لسياط .
(رؤوسهن):مبتدأ وهو مضاف و(كأسنمة البخت) الجار والمجرور في محل رفع خبر.
الأبحاث البلاغية :
قوله (سياط كأذناب )فيه تشبيه يسمى المرسل المجمل أما أنه مرسل فلوجود أداة التشبيه،وأما لأنه مجمل فلأن وجه الشبه غير مذكور وهو الغلظ والمتانةأو الإيلام والشدة.
قوله(رؤوسهن كأسنمة)فيه أيضا تشبيه يسمى (مرسلا مجملا )كسابقه وذلك لوجود أداة التشبيه ،وحذف وجه الشبه.
قوله (كاسيات عاريات )و(مائلات مميلات)فيه من المحسنات البديعية مايسمى ب (السجع)وفي الجملة الأولى (طباق).
قوله (لايدْخُلن الجنّة)جملة خبرية غرضها (التحذير والتخويف ).
الشرح :أوخلاصة الحديث:
معجزة من معجزات الرسول الكريم تظهر في هذا الزمان ،الذي كثر فيه الفساد ، وظهرت فيه الميوعة والإنحلال ،وانتشر العري والفسوق ،والتكشف بين النساء باسم التمدن وباسم التحرر،وباسم تطور الزمان ،فلم يعد هناك وازع من دين أو وجدان،وإنا لله وإنا إليه لراجعون،
فالرسول الكريم *وهوالصادق المصدوق*يخبر عن أهل النار ،ويخص بالذكر منهم صنفين من البشر:
الصنف الأول :الظَلَمَة الذين يعتدون خلق الله وعباده بالضرب والإهانة والتعذيب والتنكيل ،لاعن استحقاق بل لمجرّد حب التعالي والظهور، وإشباع نفوسهم المتعطشة إلى سفك الدماء ،وتعذيب الأبرياء،والله تبارك وتعالى يقول (إن الذينفتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم ولهم عذاب الحريق).
ولقدصوّر الرسول الكريم هؤلاء الظلمة وكأنه يشاهدهم ويراهم وهم يعتدون على الناس ضربا وتنكيلا وتعذيبا،لايرحمون أحدا لضعفه ،وهذا ماظهر في زمانناوانتشر على أيدي الزبانية ،من أعوان الحكام الجائرين ،الذين لا يخشون الله،ولايحسبون حسابا لذلك الموقف الرهيب (يوم يقوم الناس لرب العالمين).
أما الصنف الثاني :فهن النسوة الفاجرات اللواتي خالفن تعاليم الدّين وآداب الإسلام فخلعن ملابسهن،وكشفن عن سواعدهن وأفخاذهن ،ولبسن الملابس الرقيقة التي لاتستر جسدا،ولاتخفي عورة وإنما تزيد في الفتنة والإغراءومشيتهن فيها لفت لأنظار الرجال.
ولقد صوّر عليه أفضل الصلاة والتسليم هؤلاء هؤلاء النسوة وهن يتبخترن في الشوارع والطرقات،ليس لهن عمل غير إغواء الرجال ،وإفساد الشباب والمراهقين.
وقد ختم عليه الصلاة والسلام هذا الحديث الشريف بما يفزع له القلب فقال :(لاتدخلن الجنّةولايجدن ريحها )...
وأي عذاب أشد من هذا العذاب أن يُحرَم الإنسان الجنّة ونعيمها وألا يجد ريحها مع أن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام، اللهم احفظنامن الفتن ماظهر منها وما بطن ،إنك سميع مجيب الدعاء.