الشباب يناقشون وجهات نظر حول تحرر الفتاة

اذا ما تحدثت الفتاة أو المرأة في موضوع ما وناقشته بشكل متحرر وعقل متفتح، يتهامس الذي أمامها في نفسه بعدة أمور، فإذا وجدها غلبته في المحاججة حوّل الموضوع إلى هوامش كي لا يعترف أمامها
أن فكرها غلب فكره. وما إن ينتهي اللقاء بينهما حتى يخبر لأصدقائه أنها لا تفهم شيئا في الحياة سوى الماكياج والملابس وقصص الطبيخ. لكنها إن أعطته ( ريق ناعم) كما يقولون، أصبحت في نظره فتاة راقية متحررة تدرك ما تقوله، كونه بدأ يشعر بعلاقة رومانسية نحوها.

وهناك إختلاط كبير في مفهوم تحرر الفتاة عند الكثيرين من الشباب وكذلك الأمر عند معظم الفتيات في المجتمعات العربية. فمعظم الشباب وكذلك الفتاة ذاتها تتفهم تلك الكلمة بمنظور خاطئ أدى إلى عدم قبولها داخل المجتمعات العربية المحافظة

ويعتقد عدد من الشباب أن الفتاة العربية تظن أن التحرر يعني تحررا فكريا وجسديا في آنٍ واحد، الأمر الذي صاحبته ظواهر سلبية. وساعدت الكثير من الفتيات اللاتي يفهمن بـ 'المقلوب'، في ترسيخ هذا المفهوم، ولذلك فإن الرجل يرفض فكرة تحرر الفتاة بالمطلق، ولا يقبل الإرتباط بها لأسباب عدة.

وأجمعت غالبية الشباب على جملة واحدة، وهي عدم قبول تلك الفتاة كزوجةٍ. ويقولون إن معظم الفتيات العربيات يفهمّن التحرر على أنه تحرر لمظاهر خارجية وليست داخلية فكرية. وهو ما أكده الشاب أحمد عبد الرازق (27 عاماً) الذي قال 'بالتأكيد لن أقبل الإرتباط بفتاة متحررة، فهذا النوع من الفتيات سترهقني كثيراً في إكمال بقية حياتي معها في حال تزوجتها'.

ويضيف عبد الرازق لإيلاف 'الإسلام حدد حرية الفتاة بما يتناسب مع وضعها وطبيعتها وسيكولوجيتها. فالفتاة لا يجب أن تخرج بمفردها وتتصرف كيفما تشاء تحت شعار التحرر. هناك ضوابط وتقاليد وعادات عليها أن تراعيها، وإلا فإن استهتارها بتلك العادات ستؤثر سلبياً في سمعتها وحياتها وسمعة ذويها وأسرتها'.
وترى الأخصائية الإجتماعية هيام نعمان أن المجتمعات العربية هي ذكورية بحتة، حيث يمكن لك التحدث عن أي حق إلا حق المرأة. والغريب أن المجتمع أقنع المرأة بذلك، فأصبحت ترى نفسها عورة وتتوارى عن الأعين في خجل. ولكي تأخذ المرأة حقها، يجب أن تعلم أن لها حقا في الأساس. فالمرأة العربية لم تعد ترى في نفسها إلا ما يراه الرجل العربي فيها. يجب توعية المرأة أولا بأنها مخلوق كامل ولها عقل حر وإرادة حرة
كاملة وألا تختصر نفسها في إشباع حاجاتها وحاجة الرجل.


وتضيف نعمان 'تخسر المرأة كثيرا حين تغادر ذاتها ومدارها الذي تسبح فيه، وهناك العديد من الحالات التي ندمت عليها الفتاة بعد إعتقادها أن تلك الأمور هي من قبيل التحرر لها'.

ويقول الشاب فادي عبد السلام إن 'الفتاة العربية غير ناضجة بما يكفي لتتعامل مع هذه الكلمة، فالعديد منهن يعتقدن أن شرب النرجيلة أو الدخان أو الخروج بماكياج صارخ ولبس غير محتشم، هو التحرر بعينه. ونادراً ما تجد فتاة متحررة فكرياً وتحافظ في الوقت نفسه على التقاليد الإسلامية التي تمنع خروجها متبرجة'.

وأكد عبد السلام لإيلاف أن هناك أمثالا كثيرة عن سقوط فتيات في وحل الأخطاء المختلفة نتيجة فهمها الخاطئ للتحرر أو المبالغة فيه. والنتيجة الحتمية لذلك هي ضياع سمعتها الطيبة وسط مجتمعها. وأضاف 'التحرر الفكري مطلوب جداً عند الفتاة، لكن أن يتحول هذا المفهوم إلى إساءة أخلاقها، فهذا ما لا يقبل به أحد بتاتاً'.

وحرّم الإسلام وأد المرأة وأعطاها حقوقها وبيّن لها واجباتها وأكرمها بأن جعل الجنة تحت أقدامها، فالمرأة هي النصف الثاني في تكوين الأسرة، وهي عنصر مهم وفاعل في المجتمعات، لكن في بعض المجتمعات فإن هناك شيئا من التجاهل لدورها وهذا ناتج من العادات والتقاليد لهذه المجتمعات، وانحرف مفهوم التحرر عند الفتاة على وجه الخصوص.

وأكد الدكتور رأفت عوض الله أن المرأة العربية تبدو متناقضة في القوامة بمسؤولياتها على النظام الإسلامي، والندية والمساواة على النمط الغربي، من خلال التحرر الخاطئ في مفهومها'. وتساءل: هل تستطيع الفتاة العربية أن تندفع بسرعة أكبر في حياتها دون الطواف المستمر حول كعبة الرجل، رغبة في أن تكون مكانه، أو رهبة منه!!؟
وأوضح لإيلاف في المقابل أن الطريق ليست مفروشة بالورود، 'فالرجل قد يعتبر المساواة تعديا على مكانته وامتيازاته التي اكتسبها بحكم العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية، في حين أن معظم النساء لا يزلن غير واعيات لحقوقهن وما عليهن بشكل أدق'.

وأضاف الدكتور عوض الله أن مجتمعنا العربي الذي يطبق نظاما أبويا (رجوليا)، 'يستخدم ... الذي يطبق نظاما أبويا (رجوليا)، 'يستخدم العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، لإبقاء المرأة في مكانة دونية، سواء في العمل والتعليم والثقافة والسياسة، واعتبار المرأة مخلوقا ضعيفا عاطف
يا، يحتاج دوما للوصاية وإشراف الآخرين'. وعادة ما تُربط هذه المسألة بشرف العائلة الذي يشكل حجة تقود إلى حجز المرأة وحرمانها من العمل خارج البيت بحجة انه يتعارض مع دورها الاجتماعي داخله'.

وقال ' قد تكتشف الفتاة أو لا تكتشف أن المطلوب منها أكثر وأعقد بكثير من لون القماش أو طول الخمار بالنسبة إلى تحررها، أو حين تكتشف أن التحرر أبعد وأعمق من السفور أو تدخين النرجيلة، أو إطلاقه للريح تداعبه، فالتحرر أبعد من هذا التصور'.
عند الزواج، يفضل الشباب في المجتمع العربي الفتاة التي لا تجلب معها المصائب والهموم. ومن وجهة نظرهم فإن المتحررة تريد ميزانية مالية خاصة لمواكبة الموضة والماكياج والرحلات المختلفة.

ويرى عدد من الشباب في الفتاة المتحررة أنها أكثر جاذبية وعقلانية من غيرها. ويقولون إن مفهوم التحرر يكون في الغالب عند الفتيات الثريات أكثر من الفتاة الفقيرة. ويعترف هؤلاء الشباب إنهم يفضلون إقامة علاقات خاصة مع المتحررة، لكنهم يرفضون الزواج منها.

ويقول الشاب لؤي 'العلاقة مع هذا النوع من الفتيات جيد، فهي تملك الحرية لأن تتحدث في أمور كثيرة، لكنه يرفض فكرة الزواج منها لأسباب كثيرة لم يوضحها

وتؤكد نورا عبد الله '23 عاماً'، ابنة رجل أعمال، أن تفكير معظم الشباب نحو الفتاة المتحررة هو خاطئ. وتقول 'إنهم يعتبروننا نتعالى فوق مجتمعنا. العكس تماماً، فأنا أساعد صديقاتي في العديد من الأمور، ولا داعي لأن أوضح ذلك'.

وتضيف نورا لإيلاف 'بالنسبة إلى تفكير الشباب، فلا ذنب لي إذا فكّر أحدهم باتجاه سلبي نحوي، فأنا أعيش حياتي بشكل طبيعي، وعندما أبدأ في حوار أو نقاش مع أحدهم، فإنني أتحدث بمعلومات ووقائع أكون قد سمعتها أو قرأتها'.

وحول تحرر اللبس، تقول نورا 'اللبس ليس مقياسا للفتاة، فالمجتمعات العربية تتحكم في تقاليدها الإسلامية بأنواع اللبس، فضلا عن تربيتنا الإسلامية داخل البيت، وتبقى أخلاق الفتاة وتنشئتها هي مقياس علاقتها بالمجتمع والناس'.

وتشير إلى أنها تتمتع في حياتها بشكل جيد. وتقول 'علاقتي مع صديقاتي طيبة جدا وجميلة، وعلاقتي بزملائ
ي في الجامعة كذلك جيدة، الكل يحترمني، والعديد منهم يحاول ربطي بعلاقة عاطفية، لكن هذا الأمر لا يروق لي أبداً. فتفكيري الآن منصب على إكمال دراستي إلى نهاية الماجستير في اللغة الإنكليزية'.

الحقيقة أن الفرص التي تتيحها المجتمعات العربية أمام الفتيات للتعلم واكتساب مهنة، لا تشير إلى تحرر حقيقي. بل إن المجتمع عمليا يحد من خيارات الفتاة في تحقيق ذاتها الإنسانية حسب قدراتها وميولها، ويوجّهها نحو اختيار مسار تأهيل ومهنة تتوافق مع الدور الأساسي النمطي الذي حدده لها. وتتحكم التنشئة الأسرية والمؤسسة التربوية والنظام الاجتماعي الاقتصادي والرسمي السائد في خدمة هذا النهج.

شكرا لك اخي كريم على ابداء رايك وعلى مرورك