المؤتمر الوطني
للبحث العلمي والتطوير التقاني
دمشق 24-26 أيار 2006
المحور الثاني:
واقع ومتطلبات تنمية الموارد البشرية
للبحث العلمي وإدارتها
إعداد: د. ياسين مصري /الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية
د.هاشم ورقوزق/جامعة دمشق
د.محمد مرعي مرعي/مركز التنمية الإدارية
د.غسان عاصي/المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا
المحتويات
1- مقدمة
2- واقع الموارد البشرية للبحث العلمي و الإمكانات المتاحة
3- الصعوبات والعوائق الإدارية والمالية والعلمية والثقافية
3-1- صعوبات وعوائق مالية
3-2- صعوبات وعوائق إدارية و تنظيمية
3-3- صعوبات وعوائق علمية
3-4- صعوبات وعوائق ثقافية واجتماعية وسياسية
4- بعض نقاط القوة
5- سبل تنمية الموارد البشرية والمادية والتنظيمية والعلمية والثقافية
5-1- سبل تنمية الموارد البشرية
5-2- سبل تنمية الموارد المادية والمالية
5-3- سبل تطوير البنية التنظيمية والإدارية
5-4- سبل التطوير العلمي
5-5- سبل التطوير الثقافي والاجتماعي والسياسي
6- متطلبات تنمية الموارد البشرية والمادية والتنظيمية والعلمية والثقافية
6-1- متطلبات مالية ومقترحات لتحقيقها
6-2- متطلبات إدارية وتنظيمية وكيفية تحقيقها
6-3- متطلبات علمية وكيفية تحقيقها
6-4- متطلبات ثقافية واجتماعية وسياسية وكيفية تحقيقها
7- خاتمة توصيات مستقبلية
- مراجع
1- مقدمة
نستعرض - بشكل موجز - في هذه المقدمة الآليات الأساسية المتعلقة بإدارة الموارد البشرية، والتي يمكن تطبيقها بشكل عام في مؤسسات البحث العلمي والتعليم العالي، هذه الآليات هي:
- استقطاب الموارد البشرية
الاستقطاب هو البحث المنظم عن الأفراد المؤهلين لشغل الوظائف في المؤسسات, ممن يمتلكون مؤهلات وخبرات ومهارات محددة، وتشجيعهم على التقدم للعمل فيها، بالأعداد المناسبة، وفي الوقت المناسب، والمكان المناسب، لانتقاء الأفضل من بينهم، وتلبية الاحتياجات الوظيفية.
يهدف الاستقطاب بشكل رئيس إلى تنفيذ خطط القوى العاملة بالمؤسسة عبر تحديد عدد الأفراد اللازمين للوظائف ، وخصائصهم، ومصادر الحصول عليهم، وكيفية ذلك، كما يسعى إلى توسيع قاعدة الاختيار من بين المرشحين المؤهلين عبر زيادة عددهم لاختيار الأنسب منهم في حدود التكاليف المخصصة .
من أهم العوامل المؤثرة في الاستقطاب شفافية السياسة المتبعة في المؤسسة والعمل، ووصف العمل للمتقدمين، وأنظمة الأجور والتعويضات والحوافز، والخدمات الاجتماعية والثقافية المقدمة من قبل المؤسسة، والمرونة في أوقات العمل.
تتكون عمليات الاستقطاب من وضع الخطط المناسبة للبحث عن الكفاءات العالية ، وتحديد مواقعهم ، وكيفية جذبهم للعمل في المؤسسات، وتكون الخطط مبنية على أساس تحليل الوظائف وخطط القوى العاملة فيها، وتشارك في إعداد الخطط إدارات الموارد البشرية في المؤسسات والوحدات التنظيمية الأخرى فيها، وبعد ذلك يتم تحديد الوسائل المناسبة للاستقطاب، والجهات التي تتولى عمليات الاستقطاب عبر اختيار الجهات المركزية أو الجهات الفرعية تبعاً للأعداد المطلوب استقطابها .
من مشكلات الاستقطاب زيادة الوقت والجهد المصروف على عملية الاستقطاب، وبالتالي التكلفة.
- تخطيط الموارد البشرية
يرتبط تخطيط التنمية الشاملة ارتباطاً وثيقاً بتخطيط الموارد البشرية، وبالتالي فإن تخطيط الموارد البشرية هو العملية التي بموجبها تسعى المؤسسات للحصول على احتياجاتها من العمالة القادرة والمؤهلة لتنفيذ المهام الموكلة إليها في الوقت المناسب لتحقيق أهدافها.
يمكن توزيع العوامل المؤثرة في تخطيط الموارد البشرية إلى صنفين : عوامل خارجية، مثل السكان وخصائصهم، والقوانين والتشريعات المعتمدة، والسياسات في مجال التعليم والاستخدام والهجرة، والوضع الاقتصادي، والتطور التقاني، والقيم الاجتماعية السائدة. والصنف الثاني يرتبط بعوامل داخلية في المؤسسة، مثل فلسفة المؤسسة وحجمها ودرجة استقرارها، والتقانات المستخدمة فيها، والقيم المسيطرة في إدارتها.
يظهر الشكلان التاليان كيفية التخطيط للموارد البشرية في المؤسسات والوزارات، والعوامل المؤثرة في هذا التخطيط.
نموذج تخطيط الموارد البشرية على صعيد كل وزارة / مؤسسة
- التوجيه المهني والاندماج في العمل
هي العملية التي يتم خلالها إعداد الموظفين الجدد وتهيئتهم لأعمالهم الجديدة, بشكل منظم ومخطط ,عبر تعريفهم بأعمالهم وأدوارهم الوظيفية, وإلى زملائهم ورؤسائهم في العمل, وأنشطة المؤسسة وأنظمتها وسياساتها بما يساعدهم على التكيف معها وتكوين اتجاهات ايجابية نحو أعمالهم، وتنفيذها بالشكل الأفضل .
- تطبيق منهجية الإدارة التنبؤية للموارد البشرية
هذه أداة في خدمة إدارة الموارد البشرية، تسمح بإدارة الملاك البشري، في الوقت المرغوب، وبامتلاك قدرات ومحفزات كافية من حيث المعرفة والمهارات، لتولي الأعمال والمهام وممارسة النشاطات المفيدة للعمل وتطوره.
وهي تتكون من التنبؤ ومن إسقاط الحاجات المستقبلية من الموارد البشرية على المدى المتوسط والطويل بغية تحليل الانحرافات، واستخدام وسائل مقبولة لتسوية الوضع بين واقع الموارد البشرية الحالية والحاجات المستقبلية فيها.
2- واقع الموارد البشرية للبحث العلمي و الإمكانات المتاحة
بلغ تعداد الموارد البشرية السورية الحائزة على شهادة جامعية فما فوق نحو (165) ألف شخص حتى عام 2004. أما الموارد البشرية الحائزة على شهادة جامعية فما فوق، والعاملة في التعليم العالي فيبلغ تعدادها نحو 13 ألف شخص (المجموعة الإحصائية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء لعام 2005).
ويبين الجدول التالـي تطوير اعتمادات التعليم العالي في القطر خلال السنوات الخمس الأخيرة:
الوحدة: مليون ل.س 2002 2003 2004 2005 2006
الاعتماد المرصود للتعليم العالي 11260 15541 16891 15925 18088
الاعتماد المرصود لوزارة التعليم العالي 1403 1607 2079 2823 4952
المرجع: (هيئة تخطيط الدولة).
3- الصعوبات والعوائق الإدارية والمالية والعلمية والثقافية
3-1- صعوبات وعوائق مالية
- وجود مشاكل إجرائية طويلة ومعقدة في تأمين الموارد المالية لتلبية متطلبات البحث.
- عدم وجود آليات واضحة وفعّالة لصرف الميزانيات المخصَّصة للبحث العلمي في الوزارات بشكل عام، ووزارة التعليم العالي على وجه الخصوص.
- انشغال معظم العاملين والباحثين العلميين في مختلف الشرائح وفي المواقع كافة بأوضاعهم المادية، واضطرار كثير منهم لممارسة أعمال مهنية بعيدة عن التعليم العالي والبحث العلمي، وتسربهم للعمل الحر داخل الوطن، أو للهجرة خارج الوطن، وهذا نزيف لرأس مال فكري لا يمكن القبول به.
- ضعف الرواتب والحوافز وتأمينات نهاية الخدمة، وعدم توفر أساسيات الحياة، وبخاصة بالنسبة للعائدين الجدد من الإيفاد (سكن، وسيلة نقل،..).
- الخدمة الإلزامية في الجيش التي تمثل مشكلة مادية بالنسبة لبعض الراغبين بالعودة إلى الوطن، ومواجهة مشكلة التخلف عن أداء هذه الخدمة.
- عدم وجود آلية لمساهمة القطاع الخاص في تطوير البحث العلمي، على عكس ما هو معمول به في البلدان المتقدمة التي يتبنّى فيها القطاع الخاص دعمها مادياً لتنفيذ البحوث، وتطبيق نتائجها مباشرة.
-...
3-2- صعوبات وعوائق إدارية وتنظيمية
- عدم وجود استراتيجية واضحة تحدد أولويات البحث العلمي وفق احتياجات التنمية، وتضع خطة زمنية لتنفيذ عملية التطوير والتحديث، مبينةً مراحل التنفيذ والتكلفة ومصادر التمويل، والموارد البشرية اللازمة لتحقيق هذه العملية وهذا التطوير، وكيفية تأمين هذه الموارد المناسبة.
- عدم وجود بنية تنظيمية محددة تتبنّى عملية الترابط والتنسيق بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي من جانب، وقطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جانب آخر.
- عدم تفعيل هيئة البحث العلمي.
- من الضروري وضع أسس ومنهجية وآليات واضحة لطرح محاور ومشروعات البحث العلمي في الجامعات ومراكز البحث العلمي، وتخصيص تمويل محدد لها، بحيث يجري تحديد جميع مراحل العمل من البداية وحتى استثمار نتائجه. كما يجب الاهتمام بتكليف الباحثين ذوي الخبرة والكفاءة المناسبة بالمشروعات البحثية وإعطاؤهم الصلاحيات اللازمة لإدارة المشروع، يساعدهم فيها باحثون شبان لاكتساب الخبرة.
- البطء الشديد في اتخاذ القرارات وإصدار التعليمات الخاصة بحل القضايا الشائكة ومشاكل التعليم العالي والبحث العلمي، ومشاكل العاملين في هذا المجال، مما أضعف ثقة العاملين في هذا القطاع بمصداقية أجهزة الدولة المعنية بالتطوير والرغبة بأن تأخذ منظومة العلم والتكنولوجيا دورها الحقيقي في التنمية وتطوير المجتمع المعرفي.
- عدم وضوح المشروع التنموي الوطني العام، هو أحد الأسباب الهامة لضعف الالتزام والجدية من قبل العاملين في التطوير والتحديث وتنشيط قطاع البحث العلمي والتطوير التقاني.
- ضعف التنسيق والتعاون بين المؤسسات العلمية المحلية فيما بينها، ومع المؤسسات العلمية في الخارج.
- ضعف التحفيز والتقييم.
- ضعف تخطيط الموارد البشرية في مؤسساتنا نظراً لغياب التخطيط العلمي ( نقص أو عدم صحة المعلومات اللازمة، عدم معرفة اتجاهات التنمية وبرامجها، عدم إدراك الفرص و التهديدات أمام الأجهزة الإدارية ).
- عدم تبني الإدارة التنبؤية للموارد البشرية.
- سياسات التعليم العام و الفني و المهني غير مرتبطة مع خطط وبرامج التدريب والـتأهيل، وكذلك مع برامج التنمية الشاملة .
- قصور خطط وبرامج التنمية الإدارية والتدريب عن تلبية متطلبات التنمية الشاملة.
- ضعف التدقيق في تحديد الاحتياجات التدريبية للموارد البشرية بعد التعيين .
- ...
3-3- صعوبات وعوائق علمية
- التوجهات العلمية النظرية لكثير من البحوث التي لا تتضمن دراسة الواقع الراهن، ووضع الحلول للمشاكل العالقة، ومقترحات للتطوير والابتكار. كما وتتعارض بعض البحوث النظرية ذات التكلفة العالية مع الإمكانات المادية المتاحة .
- عدم تحديث معلومات معظم أساتذة الجامعات والباحثين العلميين، للصعوبة الكبيرة في إيفادهم إلى الخارج لمدد قصيرة بقصد رفع مستوى التأهيل وتعميق الخبرة وحضور المؤتمرات والندوات الدولية، وتعقيد إجراءات الإيفاد وربطها بموافقة رئاسة الوزراء، حتى ولو كانت على حساب جهات دولية مانحة. وغالباً ما يحرم ذلك سوريا من فرص كثيرة للتواجد في المحافل الدولية، ويضيّع عليها فرصاً كثيرة لاستجرار مشاريع مموَّلة من الجهات الدولية المانحة.
هذا مع الإشارة إلى أن معظم الأساتذة الجامعيين لا تنالهم إلا فرصة واحدة خلال حياتهم، تتراوح مدتها بين (4-6) أشهر للإيفاد للبحث العلمي، وهي لا تكفي أصلاً لإجراء أي بحث حقيقي.
- عدم فتح المجال بشكل واسع لاستدعاء خبراء أجانب في بعض المشاريع لفترات قصيرة ومأجورة، بقصد حل بعض المشاكل الفنية التي لم يسبق للباحثين معرفتها.
- عدم تأمين شبكات الانترنيت المدفوع للحصول على الأبحاث الهامة و الضرورية لتنفيذ البحث.
- تنظيم الدورات التدريبية غير المنظمة، وتكليف الباحثين بالحضور و المتابعة لا يؤدي إلى حسن تنمية الموارد البشرية.
- أدى ضعف التحفيز والتواصل مع الخارج إلى انتشار نوع من التقوقع والإحباط لدى العديد من الأساتذة، و هذا يزيد من الثغرة بينهم و بين الأبحاث العالمية.
- مشكلة جدية لهجرة العقول، إذ ما يزال موضوع هجرة العقول مستفحلاً بالرغم من الإشارات والمقالات، والدراسات، والتعليمات والقرارات (إن وجدت)، لدعوة العقول العربية السورية للعودة إلى الوطن، وممارسة دورها في تطوير الاقتصاد والمجتمع.
تُعزى أسباب هجرة العقول بشكل أساسي، وكما هو معروف، إلى الأوضاع الاقتصادية والإدارية والفنية والاجتماعية والسياسية السائدة في الوطن. ولدى أصحاب العقول المهاجرة عدد من الهموم، يمكن تلخيصها بما يلـي :
- ضعف الرواتب والحوافز وتأمينات نهاية الخدمة.
- مواجهة مشكلة التخلف عن أداء الخدمة.
- مكان التعيين المناسب بعد الإيفاد، وإجراءات التعيين المعقدة لغير الموفدين.
- ضعف البنية التحتية ومستلزمات البحث.
-...
يمكن حصر أهم العوامل التي أثرت سلباً على أداء الموفدين كما يلي:
* عدم تحديد الاختصاص المطلوب بشكل دقيق بالنسبة للموفدين إلى الخارج في معظم الأحيان، وبالتالي قيام الموفد بمتابعة الاختصاص الدقيق الأسهل تحت عنوان الاختصاص العام، أو ما يتوفر من اختصاصات في المكان الذي يفضِّله شخصياً في بلد الإيفاد.
* التوجّه السابق للدولة لإيفاد الطلاب بمنح خارجية وبأعداد كبيرة جداً إلى جامعات بعض الدول، بدون الأخذ بعين الاعتبار مستوى التعليم فيها، وأثر ذلك سلبياً على أداء أولئك الموفدين بعد عودتهم للوطن.
* عدم اختيار الطلاب الموفدين للدراسات العليا في الخارج بشكل دقيق، وإعدادهم علمياً ولغوياً قبل إيفادهم، وكثرة الاستثناءات من شروط الإيفاد التي حصلت في السابق لايفاد طلاب غير مؤهلين.
* عدم متابعة أوضاع الموفدين إلى الخارج في بلاد الإيفاد بشكل جدي.
* ضعف الاستفادة من تشغيل بعض الموفدين العائدين من الإيفاد للخارج في الجهة التي أوفدته، لعدم وجود بنية تحتية جاهزة لعمله، أو لسوء تصرف الإدارة.
أثَّرت العوامل السابقة في مجملها سلبياً على أداء أساتذة الجامعات بشكل خاص، وعلى الباحثين العلميين في مواقعهم كافة بشكل عام، وانعكس ذلك على كمية البحوث ونوعيتها ومدى الاستفادة منها.
- ضعف الاستفادة من البحوث في التنمية، إذ يجري تحديد مواضيع البحوث وعناوينها عادةً في إطار الخطط الفنية الاستثمارية السنوية في الجامعات أو في الهيئات والمراكز البحثية الأخرى في القطر. وغالباً ما تطلب الإدارات من العاملين فيها إدراج أكبر عدد ممكن من البحوث والدراسات في الخطط السنوية، قد يكون لتعظيم دور المؤسسة العلمية المعنية، إلا أن ذلك غالباً ما يكون على حساب نوعية البحوث، وبالتالي مدى الاستفادة منها.
وإذا تم إحصاء عدد البحوث والدراسات والتجارب التي خُطط لها، أو نفَّذتها المؤسسات البحثية في القطر كافة خلال العقود الخمسة الأخيرة، لوجدناها بالآلاف، إلا أن آثارها في قطاعات الاقتصاد الوطني والمجتمع المدني المختلفة لم تكن بالمستوى المتوقَّع، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى عدم وجود آلية لمساهمة القطاع الخاص في تطوير البحث العلمي.
- ...
3-4- صعوبات وعوائق ثقافية واجتماعية وسياسية
- لا تزال هناك قطاعات واسعة من المجتمع تعاني من تخلف وجهل عميقين، بعيدةً عن الانفتاح والتطور. إن هذه البيئة الاجتماعية لا تشكل أرضاً صالحةً لنشوء الجيل الجديد من الباحثين المتفتحين العاشقين للعلم والتطور الحضاري.
- يؤثر تفشي الفساد وضعف المحاسبة على العقلية المجتمعية السائدة، مما يقلل من قيمة العمل والتميز فيه كوسيلة أساسية لتحصيل دخل مادي مناسب.
- الفكر السائد لمعظم أفراد المجتمع – وبشكل عام – يرتكز بجوهره على السعي لتلبية الاحتياجات الغرائزية القائمة على الحصول على أعلى دخل مادي من أجل تأمين أفضل مأكل ومشرب ومنزل وسيارة ونفوذ وشهرة، كل ذلك عن طريق بذل أدنى جهد ممكن، ولا مانع لدى البعض من تحقيق ذلك عن طريق غير قانوني. يساعد في ذلك الإعلام في بثه الدعايات التجارية والبرامج التي تدفع بهذا الاتجاه، بالمقابل، فإن الخطاب السياسي والثقافي والديني لم ينجح في كبح هذا الاتجاه وتطويقه، والدفع باتجاه سمو المواطن وارتقائه حضارياً وأخلاقياً بشكل قوي وفعّال.
- ...
4- بعض نقاط القوة :
- هناك عدد من المؤسسات العلمية القوية، مثل: مركز الدراسات والبحوث العلمية، وهيئة الطاقة الذرية، والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، والمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا،..
- هناك ماجستيرات وأطروحات دكتوراه، التي تتبلور في بعضها مستويات علمية مقبولة.
- مستوى معيشة منخفض نسبياً، مما يجعل تكلفة الموارد البشرية متواضعة (حتى بعد زيادة الرواتب)، بالمقارنة مع دول أخرى مجاورة.
كمثال عن إنجازات البحوث العلمية لدى الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، نورد أهم هذه الإنجازات:
• أصبح القطر مصدراً للقمح بعد أن كان مستورداً، وذلك نتيجة إنتاج أصناف جديدة من القمح عالية الغلة، ومقاومة للأمراض، ومناسبة للجفاف.
• أدت بحوث القطن إلى زيادة في غلته وتحسين نوعيته، وبالتالي زيادة الدخل من تصديره.
• أدت بحوث أمراض النبات إلى النجاح في استخدام التقانات الحيوية في المقاومة الحيوية للحشرات الضارة.
• نجحت البحوث في ترشيد استخدام السماد المعدني، وتوفير مبالغ طائلة على الدولة.
• تطبيق التقانات الحديثة في الري، مما أدى إلى توفير المياه وترشيد استخدامها، وخفض كلفة الإنتاج.
• نجحت البحوث في مجال الثروة الحيوانية في زيادة إنتاجية أغنام العواس.
• أدت البحوث في مجال الصحة البيطرية إلى إنتاج عدد من الأدوية واللقاحات اللازمة الضرورية للثروة الحيوانية، مما قلَّل من الميزانيات المخصَّصة لاستيرادها من الخارج.
وقدرت عائدات البحوث العلمية الزراعية بنحو(16)مليار ليرة سورية سنوياً وسطياً.
5- سبل تنمية الموارد البشرية والمادية والتنظيمية والعلمية والثقافية
يبين الشكل التالي العناصر الأساسية التي يرتبط وجودها بقوة بعملية التنمية للموارد البشرية في البحث العلمي.
5-1- سبل تنمية الموارد البشرية
- زيادة عدد الباحثين وفق متطلبات التنمية، خصوصاً في مجالات المعلوماتية، الإدارة، الاقتصاد والتجارة، السياسات الاستراتيجية، العلاقات الدولية،..
- تحسين مستوى الكفاءات العلمية، وتنظيم وتطوير طريقة عمل الباحثين ومساعديهم ( التقنيين، الإداريين،.. ).
- إعداد وتأهيل الكوادر اللازمة بمستوى ونوعية مناسبين.
- مراجعة منتظمة ( سنوياً مثلاً ) لتوزع الكفاءات البشرية في المواقع الإدارية والعلمية، والتأكد من أن الشخص المناسب هو فعلاً في المكان المناسب.
- معالجة مشكلة هجرة العقول بشكل جدي، وتشجيع عودة العقول المهاجرة إلى الوطن.
-...
5-2- سبل تنمية الموارد المادية والمالية
- توفير أدوات عمل الباحثين، من خلال تحسين وتحديث وإنشاء المخابر والتجهيزات باستخدام التقنيات الحديثة.
- تأمين الموارد المالية الكافية للموارد البشرية ومتطلبات البحث.
- ...
5-3- سبل تطوير البنية التنظيمية والإدارية
- تطوير البنية التنظيمية والإدارية في المؤسسات العلمية كافة، واستخدام التقانات الحديثة في عملها، بما فيها أنظمة المعلوماتية والاتصالات.
- تطوير إدارة الموارد البشرية وتحفيز العاملين وتقييم أدائهم بشكل فعال.
- تحسين البيئة التشريعية والقانونية، بهدف تطوير المؤسسات العلمية وضمان استقلاليتها.
- ...
5-4- سبل التطوير العلمي
- زيادة عدد العاملين في البحث العلمي والتطوير العلمي ورفع مستواهم وكفاءتهم.
- خلق وتعزيز روابط وتعاون الباحثين مع أقرانهم في الخارج.
- خلق وتعزيز الروابط بين المؤسسات البحثية فيما بينها، ومع المؤسسات الاقتصادية.
- تأمين الوصول لمصادر المعلومات باستخدام التقانات الحديثة، وبشكل خاص الإنترنت التي تعتبر مصدر هام وحيوي للمعلومات والتواصل بين الباحثين والمؤسسات العلمية والاقتصادية.
- رفع سوية نشر البحوث وفعاليتها، بما يلبي بشكل رئيس احتياجات القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة ومتطلبات التنمية الشاملة.
- ...
5-5- سبل التطوير الثقافي والاجتماعي والسياسي
- تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي في سوريا. وبالخصوص السعي لتفادي الصعوبات والعوائق المذكورة آنفاً بهذا الخصوص.
- ...
6- متطلبات تنمية الموارد البشرية والمادية والتنظيمية والعلمية والثقافية
6-1- متطلبات مالية ومقترحات لتحقيقها
- لدى التصدي لأي بحث علمي من الضروري تحقيق مايلي :
- تحديد الجهة الممولة للبحث ( المؤسسة العلمية – الجهة صاحبة العلاقة ..)
- تحديد آلية للصرف، وعدم الاعتماد على المركزية في أخذ القرار لصرف احتياجات التمويل اليومية والطارئة للبحث.
- تحديد الحصة المالية للباحثين المشاركين في المشروع من باحثين ومهندسين و فنيين،.. ، وذلك وفق نسب المساهمة في المشروع.
- تسهيل عملية الشراء المباشر للأجهزة اللازمة، دون العودة دائماً لرئاسة الجامعة أو الجهة العليا في مراكز البحث.
- رفع النسبة المخصصة للبحث العلمي والتطوير التقاني والابتكار من الناتج الوطني، من خلال :
- إنشاء صندوق لدعم البحث العلمي والتطوير التقاني والابتكار، يجري تمويله من الدولة (ضرائب على السلع الكمالية أو الفاخرة، وعلى التبغ والمشروبات الكحولية،.. )، ومن القطاع الخاص، ومن الدول والمنظمات العربية والإسلامية والدولية...
- مطالبة وتشجيع مؤسسات القطاع العام والخاص لتمويل مشاريع البحث العلمي والتطوير التقاني التي تقع ضمن اهتماماتها واختصاصها، بحيث يمكنها المساهمة في تعريف هذه المشاريع والاستفادة بشكل مباشر من نتائجها. كما يمكن تخصيص جزء من العائدات المالية لدعم هيئة البحث العلمي بنسبة من الأرباح الصافية للشركات العامة والخاصة ( مثلاً 1% ، كما هو الحال في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي).
- تشجيع البحوث التطبيقية ذات العائد المادي، من خلال إبرام عقود مع مؤسسات اقتصادية من القطاعين العام والخاص.
- هناك أقلية من الموارد البشرية تعمل بدون شروط، وأقلية أخرى لا تعمل ولن تعمل مهما كانت المحفزات، ولكن غالبية الموارد البشرية تعمل بشكل متناسب طرداً مع درجة التحفيز. من هنا نجد من الضروري جداً وضع نظام تحفيز قوي للموارد البشرية، بجوانبه الأساسية الأربعة : تحفيز مادي إيجابي للمتميزين، تحفيز مادي سلبي للمقصرين، تحفيز معنوي إيجابي للمتميزين، وتحفيز معنوي سلبي للمقصرين. بالإضافة إلى حوافز أخرى كالحافز الذاتي والحوافز الثقافية والايدلوجية والوطنية والدينية، وغيرها..، كما يبين الشكل التالي.
- حوافز مادية إيجابية :
- دخل مادي لائق ومتناسب مع مستوى الأداء والنتائج، وبحيث يصبح سقف الدخل المادي مرتفعاً قدر الإمكان، كي يترك مجالاً واسعاً للأمل والطموح لدى العاملين.
- مكافآت مجزية عن أعمال متميزة ( نتائج علمية ناجحة، مردود اقتصادي، نشر علمي،.. ). مثلاً، تحفيز الباحثين وتشجيعهم للقيام بالبحوث ذات المستوى العلمي العالي، يمكن وضع مكافأة مالية مجزية مقابل كل مقالة علمية محكمة ( كما هو الحال في هيئة الطاقة الذرية ).
- تأسيس جوائز وطنية قيّمة للباحثين المتميزين سنوياً في مختلف الاختصاصات النظرية والتطبيقية، بالإضافة إلى جوائز أخرى لمشاريع تطويرية ذات مردود اقتصادي هام.
- تعويض مناسب لمهام علمية خارجية.
- ...
في ظل الوضع الحالي لندرة الكوادر، من الأفضل مرحلياً التركيز على الحافز الإيجابي أكثر من السلبي، ولكن لابد من وجود رادع للتقاعس والإهمال بالواجب.
-...
- حوافز مادية سلبية :
- حسم تعويضات ومنح.
- تأخير الترفيع أو عزل من منصب.
- عدم تكليف بمشاريع أو مهام خارجية.
-...
6-2- متطلبات إدارية وتنظيمية وكيفية تحقيقها
- لابد من تعريف المشروع التنموي الوطني وإعلانه بشكل واسع، وفتح المجال لمناقشته والتداول بشأنه من قبل جميع الأطراف المعنية، بحيث يجري تحديد الإمكانات الحقيقية المتاحة لتنفيذه، وفق خطة زمنية محددة تبين مراحل التنفيذ ومصادر التمويل والإطر البشرية اللازمة وكيفية إعدادها. سيشكل هذا المشروع - بعد تعريفه بالدقة الممكنة – الإطار العام الذي تتحدد من خلاله معالم مشروع التطوير والتحديث في قطاع البحث العلمي والتطوير التقاني والابتكار، بما يتناسب ويخدم بشكل مباشر الخطة التنموية في القطر. تسمح هذه الرؤية الشاملة والحركة المتكاملة للتطوير برفع درجة الالتزام والجدية من قبل العاملين في التطوير والتحديث والتنشيط لهذا القطاع الاستراتيجي.
- مما سبق تتبين ضرورة إعادة النظر في الاسترايجية الموضوعة لتطوير التعليم العالي من قبل وزارة التعليم العالي، بحيث تتضمن خطة تنفيذية دقيقة قابلة للتنفيذ، يشارك في وضعها جميع الأطراف المعنية بالتعليم والبحث والتطوير والابتكار، بالإضافة إلى الأطراف المعنية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من القطاعين العام والخاص.
- تبني الإدارة التنبؤية للموارد البشرية في المؤسسات العلمية والبحثية المختلفة.
- قد يكون من المناسب، تعديل اسم هيئة البحث العلمي، لتصبح " هيئة البحث والتطوير والتنمية "، الهدف من هذا التعديل هو أن تهتم هذه الهيئة بالتنسيق والإشراف على تطبيق نتاج منظومة البحث والتطوير في عملية التنمية الشاملة.
- تفعيل ودعم هيئة البحث والتطوير والتنمية، ورفدها بالكوادر المتخصصة بأسرع وقت، واعتمادها على الخبرات المتميزة، وأعطاؤها استقلالية واسعة وإمكانات كبيرة، تتناسب مع أهميتها.
- للمباشرة بتنفيذ ما سبق من مقترحات، يمكن تكليف كل جامعة وكلية ومؤسسة تعليمية بتشكيل لجنة لرصد واقع الموارد البشرية والمادية ( من تجهيزات ومخابر،..)، ورفع التقارير الخاصة بذلك – بشكل منتظم - إلى هيئة البحث والتطوير والتنمية، بغية التمكن من بناء قواعد معطيات خاصة بذلك، مما يساعد على التنسيق والتعاون والتخطيط.
- تكليف كل جامعة وكلية ومؤسسة تعليمية برفع خطة تطويرية دقيقة ( على المدى القريب والمتوسط والبعيد، مع بيان الخطة الزمنية والتكلفة، والإمكانات المتاحة ) خلال وقت محدد ( على الأكثر سنة واحدة ). تبين هذه الخطة متطلبات التأهيل والتدريب والمشاريع والتجهيزات والهيكل التنظيمي، بعد التنسيق مع مؤسسات اقتصادية عامة وخاصة، ومؤسسات ومنظمات عربية ودولية ( لبيان إمكانيات التعاون والمنح الممكنة...)، يجري بعد ذلك مناقشة هذه الخطة من قبل وزارة التعليم العالي وهيئة البحث والتطوير والتنمية مع رئاسة كل جامعة وعمداء الكليات أو المعاهد.
- استكمالاً لما سبق من ضرورة وضع حوافز مادية، يدخل في إطار المتطلبات الإدارية والتنظيمية، الحاجة لوضع حوافز معنوية إيجابية وسلبية قوية :
- حوافز معنوية إيجابية :
- إقناع بأهمية الدور والمساهمة لكل فرد من العاملين، ولأهمية العمل المطلوب في المشروع البحثي أو التطويري وضرورته وتطبيقه، يعزز هذا الإقناع رؤية النتائج وقد تم تطبيقها والاستفادة منها.
- إظهار اهتمام المسؤولين والمدراء في المؤسسة العلمية وفي الوزارة،..من خلال المتابعة المنتظمة ولقاء هؤلاء المسؤولين مع الباحثين والعاملين في الكليات والمعاهد ومناقشة مشاكلهم، ومن خلال تأمين المتطلبات ( التجهيزات والتأهيل والتدريب والمشاركة في أنشطة علمية داخلية وخارجية،..) بسرعة. وأيضاً من خلال تكريم المتميزين والإشادة بهم.
- فتح آفاق واسعة للتطور الوظيفي والعلمي والمادي للمجدّين والمتميزين، مما يساعد في استثمار ذوي الطموح بشكل أفضل.
- تنظيم مسابقات لنيل جائزة السيد الرئيس للبحث العلمي والتطوير التقاني، بحيث تجري المسابقة سنوياً أو مرة كل عامين، ويُقام حفل توزيع الجوائز وتكريم الفائزين بشكل لائق، مع تغطية إعلامية مناسبة. يمكن تصنيف المسابقات إلى أكثر من مجال حسب الاختصاص، مثل العلوم الأساسية، العلوم التطبيقية، علوم الاقتصاد والمجتمع، والآداب والفنون.
- تفعيل المنافسة مع الآخرين ( مؤسسات محلية، عربية، دولية،..)، قد يكون من المفيد في هذا الإطار، تنظيم مسابقات محلية وعربية بين الجامعات والمعاهد العليا في مشاريع علمية وتطويرية محددة ( مثل مسابقة روبوت صغير متحرك ) في العلوم الهندسية والإنسانية وغيرها من العلوم التي تخدم التنمية.
- اهتمام الإعلام والمجتمع.
- ترفيع لمنصب علمي و/أو إداري.
- ترشيح لمهام علمية داخلية و/أو خارجية.
- كتب شكر وتقدير وهدايا واحتفالات بالمناسبات السعيدة، وخصوصاً عند تحقيق نتائج عمل جيدة.
- وضع العاملين في البحث العلمي مع أقرانهم من دول متقدمة علمياً يساهم في تحفيزهم ( شعور بالاحترام وتفوق الآخرين يدفعهم إلى الرغبة بالوصول لمستواهم وعدم التخلف عنهم، ولما لا التفوق عليهم ). تشجيع مشاريع وأنشطة التعاون العلمي مع الدول المتقدمة.
-..
- حوافز معنوية سلبية :
- كتب تنبيه وإنذار.
- تهميش وظيفي واجتماعي في المؤسسة وخارجها.
- مواجهة مع المسؤولين المباشرين والكبار.
- تقييم العاملين وتصنيفهم ووضع درجات وعلامات تقييم لهم. قد تكون هذه الخطوة صعبة التنفيذ، لكن لابد من السعي لإيجاد آلية فعّالة لتقييم العاملين في البحث وتصنيفهم ووضع أسس موضوعية لترفيعهم. هذه العملية ليست بقصد التصنيف، بقدر ما هي بقصد حث الجميع على العمل و تحسين الواقع.
- ...
- إدارة الباحثين
هناك خصوصية ترتبط بإدارة الباحثين، لا بد من التنويه إليها، ورفع بعض المقترحات بشأنها، كما يلي :
- لا بد من تخفيف الروتين والإجراءات الإدارية البيروقراطية المعقدة والطويلة التي تقف عقبة في وجه مسيرة عمل الباحثين منذ اللحظة الأولى في تحديد البحث واعتماده، مروراً بتأمين التجهيزات ومستلزمات المشروع، وانتهاءاً بتقييمه وتبنيه. من الضروري أيضاً تبني إجراءات إدارية ومالية مرنة في المؤسسات العلمية، بالإضافة إلى إعطاء استقلالية إدارية ومالية أكبر لها.
- الاستفادة من الكوادر البحثية بالشكل الأمثل حسب الاختصاص والمؤهلات والخبرة،...
- إيجاد تشريعات جديدة لها من المرونة ما يسمح بتحقيق متطلبات التنفيذ السريع. وهنا يجب التأكيد على ضرورة إعطاء الإدارات الصغيرة في المؤسسة العلمية ( كلية،..) صلاحيات الشراء و الصرف، ولا مانع من مراقبتها والتفتيش عليها، من فترة إلى أخرى من قبل جهات علمية حقيقية خبيرة.
- التخفيف من البنية التنظيمية الهرمية، والبحث عن بنى أكثر مرونة وسرعة استجابة والتركيز على النشاط البحثي وليس غيره. وهناك حاجة لخلق جو محبب يتمتع فيه العاملون في البحث. هذا تطبيق لتوصيات :
( 5F = Fast, Flexible, Focused, Friendly, Fun ).
- تطوير سياسة جديدة لإدارة الباحثين، تتناسب مع طبيعة عملهم الخاصة. إذ يميل الباحثون إلى البقاء أحراراً ومستقلون في عملهم، ولا يحبذون القيود والتنظيم الإجرائي الدقيق والصارم.
- يجب أن يعمل مدراء الباحثين في البحث العلمي نفسه، وليس فقط في إدارة الباحثين، الأمر الذي يوفر لهم مصداقية واحترام، وهذا يتطلب أن يبذل المدراء جهداً مضاعفاً في البحث العلمي وإدارته.
- من المناسب السعي لانتقاء العاملين في البحث من العناصر المميّزة والملتزمة. وبعد التوظيف، لابد من توفير الظروف المناسبة لعملهم بغية المحافظة عليهم. مبدأ ( hire and fire ) هنا غير محبذ، خصوصاً في الوضع السوري الراهن.
- الحافز الذاتي والالتزام لدى الباحثين في عملهم هام جداً للحصول على نتائج مميزة ومبتكرة، لذا يجب إبقاؤه وتشجيعه، وتجنب محاصرته من خلال توصيف العمل البحثي في إجرائيات محددة وجامدة.
- تأمين مستلزمات العمل الأساسية مثل المكاتب اللائقة والمستقلة للباحثين، هو أحد مؤشرات اهتمام المؤسسة العلمية بالباحثين.
- يمكن لأدوات المعلوماتية والاتصالات أن تفيد في عمل الباحثين وتنظيمه، وإيجاد المعلومات الضرورية عند الحاجة مباشرة وتوثيقها، بالإضافة إلى التواصل مع الآخرين.
- بناء شبكات محلية وعربية ودولية بين باحثين من ذوي الاختصاص الواحد أو المتقارب أو المتكامل ( 12 – 15 ) باحث، بحيث يجري تنسيق وتعاون وثيق بينهم، تشرف على هذا التعاون والتنسيق هيئة البحث والتطوير والتنمية، إذ إن وضع الباحثين في مجموعات عمل علمية بحثية يساعد في رفع مستوى الباحث وجعله يكتسب خبرة من الآخرين، ويدفعه لإظهار مقدراته، وبالتالي تطويرها .
- إيجاد آليات الربط المناسبة بين المؤسسات العلمية ضمن الاختصاص الواحد، وبين الاختصاصات المتكاملة، مما يسمح بعرض أفكار ومشاريع البحث في الجامعات على بعضها الآخر من خلال مجموعات البحث ذات الاختصاص الواحد، وعدم ترك الجامعات ومراكز البحث تبحث كلٌ في وادٍ.
- رفع مستوى الأداء والإنتاجية، ليس على المستوى التنظيمي المؤسسي فحسب، بل يجب أيضاً أن يمارس على المستوى الشخصي للباحثين، من خلال التنظيم الأفضل للوقت وطريقة العمل وتوثيق المعلومات والنتائج، وتحسين المنهج العلمي في التفكير والتحليل وفي التواصل والحوار مع الآخرين، والتعامل مع أدوات المعلوماتية والإنترنت.
- لا يحب الباحثون أن يعملوا بمشروعات مفروضة عليهم، بل يحبذون المشاركة في تعريف المشروع وبلورته والاقتناع بجدواه وأهميته.
- ليس للمؤسسة الاعتماد فقط على كوادرها الداخلية، بل قد يكون من المفيد في بعض الحالات النظر في استخدام خبرات خارجية outsourcing من خارج المؤسسة، وحتى خارج سوريا. كما يمكن لمؤسسة طلب حل مسألة محددة من أكثر من مؤسسة علمية، ويجري بعد ذلك دفع المال المخصص لذلك للمؤسسة التي تنجح بإنجاز العمل المطلوب open sourcing.
- تطوير ودعم وإحداث ( إن دعت الحاجة ) لمراكز أبحاث ومراكز تميز ومعاهد عليا متميزة ( مثل المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، في المعلوميات والاتصالات )، فلمَ لا يجري دراسة إنشاء مراكز ومعاهد أخرى مماثلة في علوم أخرى ذات أولوية وفق الخطة التنموية لسوريا ، مثل الإدارة والاقتصاد والعلوم المصرفية والعلاقات الدولية والمعلوميات والهندسة الصناعية والطبية والمدنية والزراعية، والسياسات الاستراتيجية،.. . بحيث يجري اختيار الطلاب المتفوقين وتحفيزهم لدخول هذه المراكز، مثل الإيفاد للجيدين منهم إلى دول متقدمة علمياً لمتابعة دراستهم.
- ...
6-3- متطلبات علمية وكيفية تحقيقها
1- إعداد الكوادر ( باحثين ومساعديهم ) بشكل مناسب، من خلال :
- تطوير مناهج التعليم وسياساته بجميع مراحله، من الحضانة وحتى المرحلة الجامعية ضمناً.
- إعطاء فرصة للطلاب لأخذ مبادرات باختيار مواضيع علمية يقومون بدراستها وتقديمها أمام زملائهم الطلاب.
- الابتعاد عن التدريس السلبي القائم على :
فرض سلطة الاستاذ بالقهر لا الاحترام والقدوة الحسنة علماً وثقافةً وخُلقاً. فالطلاب يتأثرون بشدة بأساتذتهم.
التلقين والحفظ عن ظهر قلب، لا للاستيعاب والتحليل والمناقشة، مما يكبح الفكر النقدي لدى الطالب، ويقلص فضاءه.
...
يجب التركيز على إظهار أهمية وجمال العلم والمعرفة، وجعل الطلاب يحبون العلم ويجدون متعة حقيقية في التعلم واكتساب المعرفة، وإثارة فضولهم ومساعدتهم وتشجيعهم على قراءة المراجع والكتب بشكل مستقل.
- يجب التركيز على توسيع خيال ومدارك الطالب.
- قد يكون من المناسب، إدخال مادة مستقلة تتعلق بأدوات ومنهجيات التفكير والإبداع ومهارات التواصل لطلاب المدارس والجامعات ( سنة أولى )، كما هو الحال في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا.
- وضع خطط للإيفاد الدراسي الداخلي والخارجي إلى الدول المتقدمة ( الاتحاد الأوروبي، ماليزيا،..) حسب الاحتياجات، ووفق اتفاقيات تعاون ( على غرار ما كان معمول به في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا : إيفاد المتميزين من طلاب السنة الثالثة إلى المدارس الهندسية الكبرى في فرنسا ).
2- التركيز على التأهيل والتدريب للعاملين في البحث العلمي، من خلال :
- إقامة دائرة أو مديرية للتأهيل والتدريب المستمر في كل كلية ومؤسسة علمية وبحثية.
- تنمو الموارد البشرية بالعمل الموجّه، لذا لا بد من إجراء الدورات التدريبية المنظمة، تبعاً لمتطلبات البحث العلمي القائم، وعدم إجراء الدورات من أجل إجرائها.
- اختيار المشاركين في هذه الدورات من العاملين الجديين في مجال اختصاصهم، بحيث يكون اهتمامهم وخطة عملهم مرتبط بهذه الدورات، إذ إن استدعاء عاملين للمشاركة في الدورات، دون الحاجة لها، هو من أهم عوامل فشل الدورات العلمية.
- مشكلة نوعية الموارد البشرية وتردي مستواها العلمي، يؤكد ضرورة إنشاء مراكز تدريب وإعادة تأهيل ورفع مستوى ( خصوصاً في العلوم الهندسية التي تتطور بوتيرة عالية ) ، يمكن أن يساهم فيها مختصون محليون وعرب وأجانب. يتضمن نشاط هذه المراكز أيضاً دورات في اللغات الأجنبية وخصوصاً اللغة الانكليزية. قد يكون من الضروري ربط الدورات المنفذة بالترفيع الوظيفي واستلام المناصب الإدارية العلمية.
- استدعاء أخصائيين أجانب لفترات قصيرة ضمن مهمات محددة وواضحة لاجراء عمليات التدريب و التأهيل.
3- هناك حاجة ماسة لإعداد ( إيفاد دراسي،..) أساتذة جامعات وباحثين في المعلوماتية والاتصالات، وفي الإدارة، وفي الشؤون الاقتصادية، والعلاقات الدولية، والسياسات الاستراتيجية،..
4- هناك حاجة حقيقية لوضع أسس واضحة ومنظمة لخطط ومحاور البحث العلمي وعلاقتها بالمؤسسات الاقتصادية والتنموية. يجب الأخذ بالاعتبار أن قيام أساتذة الجامعات بالأبحاث العلمية، لا يؤثر على الساعات التدريسية أو النصاب التدريسي، كما أنه يجب أن تُحسب بعض ساعات البحث العلمي من ضمن النصاب التكميلي المطلوب من الأستاذ أداؤه.
5- تأمين متطلبات أدوات العمل البحثي : المخابر والتجهيزات والبرمجيات. وهنا لابد من التأكيد على تجنب أن يكون تأمين هذه الأدوات نابع من رغبات نظرية بضرورة تواجدها، بل يجب تأمينها تماشياً مع محاور البحث المعتمدة والمطلوب تنفيذها من قبل جهات محددة.
6- توفير النشرات العلمية والدوريات، ومهمات السفر داخل القطر وخارجه لحضور الندوات و المؤتمرات، ومن الضروري بعد المشاركة في هذه الندوات العودة إلى مجموعة البحث لوضعها بواقع ما يجري خارج مجموعة البحث من نشاط وفعاليات.
7- تحديد مواضيع رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات ومراكز البحوث انطلاقاً من متطلبات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. بحيث أن عمل مجموعات البحث سيكون له فائدة عملية لدى تنفيذه.
8- تسهيل الإجراءات المالية لقدوم الأساتذة الأجانب إلى القطر بقصد إلقاء المحاضرات والإشراف على مشاريع الدكتوراه، وغيرها.
10- تأسيس مجلة علمية ثقافية عامة على مستوى سوريا، تشرف عليها هيئة البحث العلمي والتنمية، وتصدر منها أربعة أعداد سنوياً على الأقل.
11- إنشاء مكتب لرعاية المخترعين والمبتكرين، يتبع لهيئة البحث والتطوير والتنمية، يقدم هذا المكتب دعماً مادياً وإدارياً وحمايةً فكرية،..
12- دعم وتطوير معرض الباسل للاختراعات، وتوسيعه ليشمل الابتكارات، وإعادة النظر في آلية اختيار المعروضات والتأكد من نوعيتها وسويتها العلمية، وتغطية المعرض إعلامياً بشكل أفضل، ورفع مستوى الجوائز فيه.
13- إنشاء موقع الكتروني لكل مؤسسة علمية (جامعة، كلية، معهد عالي،..)، تقدم فيه هذه المؤسسة تعريفاً عن نفسها وأهدافها وكوادرها ونشاطاتها الحالية والمخطط لها،..
14- تعاون مع الدول المتقدمة علمياً، في بحوث مشتركة وفي نقل التقانة..
15- الاستفادة من نقطة الاستعلام التي جرى افتتاحها رسمياً عام 2005 في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، عبر مشروع تعاون مع الاتحاد الأوروبي يدعى EuroMedaNet II. تسمح نقطة الاستعلام هذه بالمشاركة في مشاريع البحث في الاتحاد الأوروبي والتعاون في مشاريع بحث جديدة في إطار برنامجي FP6, FP7. وهناك ميزانية ضخمة للمشاريع المعرّفة في هذا الإطار لغاية عام 2013.
16- خلق فرص التعاون الحقيقية بين الباحثين، وذلك بتوفير فرص عدم الاحتكار للمعلومة، والوصول لدرجة من الوعي العلمي أن نشر المعلومة فيه فائدة لصاحب المعلومة وللآخرين.
17- لدى طرح بحث معين، وعند توفر قواعد معطيات عن الباحثين الموجودين واختصاصاتهم على المستوى الوطني، يمكن اختيار الباحثين الأقرب اختصاصاً للعمل، وتكليفهم بالموضوع مع ضرورة متابعة العمل من جهة ذات خبرة في المجال. يمكن للمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا أن يساهم في تطوير النظام المعلوماتي المناسب لهذا الغرض.
18- تشجيع الاتصالات العلمية بين الباحثين في القطر والباحثين خارج القطر يؤدي إلى تحسين مستوى الباحثين المحليين ورفع قدراتهم العلمية.
19- إيجاد وسائل ترغيب حقيقية لكبح هجرة الباحثين المدربين إلى خارج القطر أو بتعبير آخر، عدم إشراك الباحثين في الندوات وحلقات التدريب إذا لم تكن لهم الرغبة في الاستمرار بالعمل ضمن هذا المجال. ولدى محاولة الهروب من العمل يلزم اتخاذ إجراءات رادعة.
20- جذب الخبراء السوريين الموجودين في الخارج، من خلال عقود استشارية وتعليمية وبحثية مغرية. في هذا السياق، من الضروري أن تضع الجهات الإدارية والأمنية المعنية بعودة العقول المهاجرة الآليات العملية لحل تلك المشاكل، سواء رغب أصحاب الكفاءات العلمية بالعودة نهائياً إلى وطنهم، أم رغبوا بتوطيد العلاقات العلمية بين المؤسسات البحثية التي يعملون فيها، والمؤسسات البحثية الوطنية، من خلال الزيارات النشيطة للوطن.
- ...
6-4- متطلبات ثقافية واجتماعية وسياسية وكيفية تحقيقها
- العمل على رفع قيمة ومكانة محترمة للعلم والعلماء في المجتمع، من خلال تكريم العلماء والكتّاب المتميزين ليس فقط مادياً بل أيضاً مجتمعياً وثقافياً وإعلامياً،..
- تطوير الذهنية المجتمعية والثقافية، بخطة طويلة الأجل معتمدة من الحكومة لنشر الثقافة العلمية ( تساهم فيها بشكل متكامل وزارات عدة مثل التربية والتعليم العالي والثقافة والإعلام،..). تعمل هذه الخطة على تشجيع نشر الفكر المنفتح الموضوعي القائم على التحليل المنطقي وعلى العلم، وتقبل أفكار جديدة. بالإضافة إلى ترسيخ فكرة عمل " كلٌ في اختصاصه " فالعلماء للعلم، والسياسيون للسياسة، والقانونيون للقانون، ورجال الدين للدين فقط. هناك مقترح لوضع هدف لجعل سورية " أفضل بلد عربي في المعلوميات " في عام 2015 مثلاً. هذا المقترح يحفز الجميع ( في إطار منافسة نبيلة ) لتحقيق هذا الهدف. ( هذا يتقاطع مع الاستراتيجية الوطنية الموضوعة عام 2004 للمعلوميات والاتصالات).
- تشجيع المراكز الثقافية والنوادي العلمية والمسابقات الثقافية والعلمية ( بين الجامعات والمدن،.. كما هو الحال بالنسبة للرياضة ) وتأسيس مسابقات للكتابة والترجمة والابتكارات العلمية.
- تدشين متحف علمي، وتنظيم معارض علمية، بغية جذب المواطنين والطلاب وبيان جمال وأهمية العلم واختراعاته، ودعوة الجامعات المختلفة للمساهمة في تزويده بجزء من معروضاته، ودعوة مؤسسات عامة وخاصة لدعمه مادياً.
- تشجيع فكرة العمل في فريق، والتعاون من أجل تحقيق الهدف الموضوع، وهذا يتطلب ترسيخ فكرة الحوار واحترام الرأي الآخر. يمكن أن تساهم أجهزة الإعلام والندوات في نشر وترسيخ هذه الفكرة.
- مكافحة الظواهر المسيئة التي تؤثر سلباً على منظومة البحث والتطوير ، من فساد إداري ومالي ومهني، وتدخل من أصحاب النفوذ والمسؤولين (واسطة).
- أحد الأوجه الرئيسة لمشكلة تدني الأداء على مستوى الموارد البشرية هي في أن هذه الموارد لا تعطي القضية " تطوير البحث والتطوير ودعمهما " الحجم والأهمية التي تستحقها من المنظور الوطني ( فالمقاتل مثلاً لا يطلب قصراً وسيارة و..، كي يصبح مستعداً للتضحية بحياته، لأنه يرى في الدفاع عن الوطن قضيةً تستحق التضحية بدون شروط ).
- اقتراح وضع أعلام وطنية عند المداخل الرئيسة لكل جامعة وكلية (عامة وخاصة) ومؤسسة علمية وبحثية.
- يجب أن يشمل البحث والتطوير والإبتكار جميع العلوم وليس فقط الهندسية.
-...
7- خاتمة وتوصيات مستقبلية
جرى في هذه الورقة استعراض سريع للمعالم الرئيسة الخاصة بواقع الموارد البشرية وأهم الصعوبات والعوائق التي تعترض استثمارها بالشكل الأمثل. إنطلاقاً من هذا الواقع، تم وضع السمات والسبل الأساسية التي يتوجب السعي لتحقيقها. بعد ذلك، تقدم الورقة مقترحات عملية لتنمية الموارد البشرية العاملة في البحث العلمي والتطوير التقاني والابتكار. تناولت هذه المقترحات أبعاداً متعددة ومتكاملة، كالبعد المالي والمادي، والبعد التنظيمي والإداري، وأيضاً البعد العلمي وتأهيل الكوادر، بالإضافة إلى البعد الثقافي والمجتمعي والسياسي.
للوصول إلى النتائج المرجوة من هذا المؤتمر، لابد من وجود آلية للمتابعة الجدية للمقترحات المقدمة في أوراق عمل المؤتمر، من قبل لجان خاصة تشكلها المؤسسات المنظمة للمؤتمر، تقوم بإعادة صياغة للمقترحات المقدمة بشكل متكامل، وجدولة المقترحات على المدى القصير والمتوسط والبعيد وفق الأولويات والإمكانيات.
بالنتيجة، لابد من الوصول إلى بلورة استراتيجية للنهوض بمنظومة البحث والتطوير والابتكار في سوريا، بحيث تكون متكاملة ومحددة المعالم، وقابلة للتنفيذ مادياً وإدارياً وفنياً، وتقوم على الاستخدام الأفضل للموارد البشرية المتوفرة، بدون إهمال عمليات التوسع الأفقي والشاقولي، وتأمين المستلزمات الضرورية