بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد...
فبمناسبة انتهاء السنة الهجرية بنهاية شهر ذي الحجة، وابتداء سنة جديدة بحلول شهر محرم، وكذلك السنة الميلادية، نقول: إن التهنئة بالعام الجديد لا أصل لها، ولا دليل عليها، وذلك لأنه نهاية شهر وابتداء آخر، ولم يكن السلف والأئمة والعلماء يتبادلون التهنئة بكل عام جديد، وإنما يعرف ذلك في هذه الأزمنة المتأخرة، حيث أصبحوا يهنئ بعضهم بعضًا في أول يوم من كل سنة بواسطة الصحف والمجلات، التي تُنشر فيها هذه التهاني، أو بواسطة الجوالات والهواتف المتنقلة، حيث ترسل فيها الكثير من التهاني، أو بواسطة المراسلات والخطابات.
والإنسان عليه أن يعرف أن هذا العام الذي مضى قد نقص من عمره، وأن عليه أن ينتبه لهذا النقص ويعمل عملاً صالحًا ويزيد في عمله، فقد روي في بعض الآثار أن كل يوم تطلع شمسه ينادي بلسان الحال: (إني يوم جديد، وعلى ما تعمل فيَّ شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود)، وما روي عن بعض الأنبياء أن هذه الأيام خزائن لما يعمل فيها، ثم تفتح الخزائن، فالمحسن يجد العزة والكرامة، والمفرط يجد الخيبة والندامة.
وكل هذا ينافي التهنئة التي يُفرح بها، وإن كان الإنسان يفرح بطول عمره إذا عمل فيه عملاً صالحًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله".
كما يلاحظ أيضًا أن بعض الأشخاص يقيمون عيدًا لبدأ كل عام من الأعوام الهجرية، أو الأعوام الإفرنجية، أي في السنة الشمسية أو القمرية، وهذه الأعياد بدعة محدثة في الدين، فلا يجوز إقامة الأعياد لها، وإنما أعياد المسلمين عيد الفطر وعيد الأضحى، ويوم الجمعة الذي هو عيد الأسبوع، والمسلم يعمل في الأعياد الشرعية الأعمال الصالحة، كصلاة العيد، والتكبير والذكر، والعمل الخيري، ويفرح فيها بما وفقه الله من إكمال العبادة التي تقرب بها قبل ذلك العيد، فلا يجوز جعل رأس السنة عيدًا كما يفعله النصارى، ولا تجوز التهنئة بعيدهم، ولا يجوز التشبه بهم.
كذلك أيضًا يلاحظ توصية بعض الشباب وبعض الإخوة بختم العام الهجري ونحوه بصيام أو صدقة، أو صلاة خاصة، أو نحو ذلك، وهذه التوصية حسنة، وصدرت من الناصحين عن حسن قصد، وكأنهم يظنون أن ختم السنة بتلك الأعمال الصالحة يكفر ما فيها من الذنوب ونحوها، ولكن لا نعلم دليلاً عن السلف بمثل هذه التوصية، ولا بمثل هذا العمل، وليس مثل ختم المجالس بكفارة المجلس، ونحو ذلك، الإنسان عليه أن يكون مداومًا على العبادة، يختم كل يوم أو كل ليلة بعمل صالح، ولا يخص بذلك آخر يوم من السنة الهجرية القمرية، أو السنة الإفرنجية الميلادية الشمسية، بل يكون مداومًا على الأعمال الصالحة، مجددًا للتوبة في كل يوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يسبط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" وهذا فيه الحث على العبادة وعدم الانقطاع منها. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجهم على يوم الدين.
قاله وأملاه
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
27/12/1429هـ