لم يترك الصينيون شاردة أو واردة تتعلق بشؤون الحياة والإنسان إلا وأدلوا بدلوهم فيها. من الإبر الصينية التي برعوا فيها وحققت تقدمها فيما يسمى بـ «الطب البديل» إلى عمليات «المساج»، التي يتفننون فيها، بخاصة تدليك القدمين، من أجل منح الراحة والإحساس بالسعادة الصحية، لا يتوقف بحثهم وجديدهم في هذا المجال.
فهم يعتقدون أن لكل إنسان قلبين، واحدا يحمله بين ضلوعه، والآخر يكمن في قدميه، ومن هنا يأتي اعتقادهم بأنه إذا كانت راحة الإنسان تبدأ من القدمين، فإن شيخوخته أيضا تبدأ من نفس المكان.
«تشان جيان» خبير في العلاج بالطب الصيني التقليدي والإبر الصينية والتدليك، في جامعة «تشجيانغ»، صاحب مركز خاص في المقاطعة نفسها للعلاج بالطب الصيني التقليدي والتدليك.
يقول: «التدليك الصيني يختلف عن الغربي. الأخير قائم في الأساس على منح الإحساس بالاسترخاء للشخص أثناء العملية نفسها، أما الأول، أي الصيني، فيتميز بكونه مؤلما أثناء التدليك، ومريحا بعده، حيث يركز الطبيب على نقاط الأعصاب المختلفة ويضغط عليها بإبهامه في محاولة لتنشيط الدورة الدموية، بعدها يحس الشخص براحة شديدة ويزول عنه تعبه وإرهاقه».
وبرغم تنوع أنواعه، فإن تدليك القدمين وهو الأكثر شعبية، وله أشكال متنوعة، فهناك ما هو بالطين الطبي والأملاح، وما هو بالحليب أو ماء الورد المضاف عليه بعض من أوراق الورد البلدي، بالإضافة إلى الزيوت العطرة.
ويتراوح سعر تدليك القدمين بحسب نوعه وحسب إمكانيات مركز التدليك الذي تذهب إليه.
وعملية التدليك نفسها يجب أن يتوافر لها مناخ خاص، يقول «تشان جيان»: «من المهم جدا أن نوفر مناخا يساعد على الاسترخاء، فالكراسي يجب أن تكون كبيرة ومريحة، وأن تكون مزودة بخاصية تحريك مسندها كهربائيا، كما يجب أن تكون الإضاءة خافتة بعض الشيء، ويفضل أن تكون غير مباشرة، مع ضرورة ضبط أجهزة التكييف على درجة معينة تكون مناسبة لا يشعر فيها الشخص لا ببرد ولا بحرّ».
والحقيقة أن الأمر لا يتوقف على ذلك، حيث يوضع إلى جوار كل شخص كوب من الماء أو الشاي الأخضر بالإضافة إلى طبق من الفاكهة.
ما إن تجلس على هذا الكرسي المريح، حتى يأتي لك الشخص المختص، بإناء خشبي يخيل لك أنه هو نفسه الإناء الذي كان مستخدما منذ ألوف السنين في الحضارة الصينية.
يحتوي الإناء على المياه الساخنة وبعض الزيوت العطرية الصينية، أو الأملاح أو غيرهما، فالمحتوى حسب نوع المساج المطلوب.
وأثناء وضع القدمين لفترة ليست بالطويلة في الإناء، يقوم المتخصص بتدليك للكتفين والرقبة - بدلا من تضييع الوقت - بعد ذلك يتم تنشيف القدمين جيدا ولف إحداهما بمنشفة ساخنة، ودهن الأخرى بزيت خاص، لتبدأ العملية، التي يتم فيها التركيز على مناطق معينة. بعدها يتم لفها بمنشفة ساخنة والانتقال للقدم الأخرى.
كخطوة أخيرة، تستخدم آلات خشبية للدق بها على بعض مناطق في كلتا القدمين.
اختيار المناطق التي يتم التركيز عليها أثناء عملية التدليك سواء بالضغط عليها بإصبع الإبهام أو بالدق عليها بلطف بالأدوات الخشبية ليس أمرا عشوائيا، وإنما يتم بدقة شديدة.
كما يقول «تشان جيان»: «بحسب الطب الصيني التقليدي، فإن باطن القدم يمثل كافة أعضاء الجسم مثل القلب والعينين والأذنين والمعدة والأمعاء والعمود الفقري والأجهزة التناسلية وغيرها. فكل عضو من هذه الأعضاء مرتبط بالأعصاب الموجودة في القدم، وعند تدليك هذه الأعصاب فإن العضو المرتبط به في الجسم يشعر باسترخاء شديد».
أثناء عمله لا يستخدم «تشان جيان» أصابعه فقط في تدليك القدمين، بل يولي كل تركيزه للقدمين الممددتين أمامه على أريكة صغيرة، في بعض الأحيان تجد أصابعه المدربة وقد توقفت تماما، ثم بدأ يدقق النظر في نقطة معينة من القدم، ويتحسسها ويضغط عليها جيدا بإصبعه.
يشرح: «هناك عشرات من مراكز الأعصاب الموجودة في القدم، في بعض الأحيان تجد بعضها متصلبا، وهو ما يتطلب منك تدليكه بشكل جيد، قد يكون مؤلما بعض الشيء، إلا أنه في النهاية يعيد الأمور إلى نصابها، ويجعل العضو المرتبط بهذه النقطة يعمل من جديد بشكل طبيعي».
اعتقاد الصينيين بأهمية تدليك القدمين وتحفيز مراكز الأعصاب فيهما، لا يجعلهم يكتفون بارتياد هذه المراكز فقط، وإنما أيضا يرتدون في أقدامهم بعض الأحذية غير المريحة بالمرة والتي تحتوي على نتوءات مدببة، كل منها مركز على عدد من مراكز الأعصاب المرتبطة بأعضاء الجسم، إيمانا منهم أن ارتداء مثل هذه الأحذية لبعض الوقت كاف لأن يعمل كل عضو في الجسد بشكل طبيعي.
المصدر:
موقع الجمال دوت نت 16 فبراير 2010م