في رؤيا هرمس خاطبه صوت النور المالئ الكون بأسره و كاشفه بالسر الإلهي : النور الذي تراه هو الروح الإلهي الحاوي كل شيء بالقوة المتضمن رسوم كل الكائنات أما الظلمة فهي العالم المادي العائش فيه بنو الأرض و الضياء المتدفق من الأقاصي هو الكلمة الإلهية .
أما روح الإنسان فحياتها على وجهين : الأول تقلبها في المادة و الثاني ترقيها في النور .
إن الأرواح بنات السماء و سفرها تجربة لها , ففي التجسد تفقد ذكرى نشأتها السماوية و سُكرها بخمرة الحياة في أثناء اعتقالها في المادة ينحدر بها كسيل ناري إلى مواطن العذاب و الهوى و الموت , و ذلك بولوجها السجن الأرضي الذي أنت فيه الآن و تحسب الحياة الإلهية أضغاث أحلام .
إن الأرواح الشريرة المتدنية تبقى معتقلة في الأرض بأغلال تناسخات مترادفة , أما الأرواح السامية فترتقي إلى الأفلاك العلوية لتحظى من جديد بمرأى الإلهيات و تسعد فيها بقوة ما أحرزت من الإحساس و الإرادة الفعالة المكتسبة في غمرة معاناة الآلام و الأوجاع و مغالبة الأهواء و الشهوات الأرضية و تصبح بذاتها نيرة لأن النور الإلهي موجود في جوهرها و أفعالها .
فثبِّت إذاً قلبك يا هرمس و سكّن روعك عند نظرك إلى الأرواح الصاعدة في معرج الأفلاك العلوية توصلاً إلى الأب الذي منه يبدأ و إليه ينتهي كل شيء منذ الأزل و إلى الأبد .
ثم سبّحت الأفلاك السبعة هاتفة : الحكمة , الحب , العدل , البهاء , العظمة , الخلود .
في هذه الرؤيا تجد يا بني كل شيء و كلما توسعت في إدراكها اتسعت لديك حدودها لأن ناموساً نظامياً واحداً يدير العوالم كلها .
إن الحقائق العظيمة مستورة تحت حجاب السر , و لا يكاشف بالمعرفة التامة إلا من جاز في التجارب التي جزنا فيها .
الحقائق تُعطى على قدر مبلغ العقول و لا يجوز إفشاؤها للضعفاء لئلا يتهوسوا بها و لا للأشرار لئلا يسخروها لعمل الشر , فأحفظها في صدرك , و انشرها بلسان أعمالك و ليكن العمل قوتك و الناموس سيفك و الصمت ترسك .
- الكلُّ روح و العالم ذهني .
- ما هو فوق مماثل لما هو تحت , و ما هو تحت مماثل لما هو فوق .
- لا شيء ساكن كلُّ شيء يتحرك , كل شيء يتذبذب .
- كل شيء مزدوج و لكل شيء قطبان . للمماثل و للمغاير معنىً واحد . للقطبين المتعارضين طبيعة واحدة مع تفاوت في الدرجة . الطرفان الأقصيان يلتقيان . جميع الحقائق أنصاف حقائق . جميع المفارقات قابلة للتوفيق بينها .
- كل شيء يسري في الداخل و في الخارج . لكل شيء أجل . كل شيء يتقدم ثم ينتكس . تمايل الرقاص تراه في كل شيء و قياس تمايله إلى اليمين مساوٍ لتمايله إلى اليسار . الإيقاع ثابت .
- لكل سبب نتيجة و لكل نتيجة مسبب , كل شيء يحدث وفاقاً لناموس . الحظ ليس إلا ناموساً لم يعرف . مستويات السببية متعددة و لكن لا شيء يفلت من الناموس .
- لكل شيء جنس و في كل شيء جنسا الذكورة و الأنوثة و الجنس يظهر في جميع المستويات .
أفلاطون
- الإنسان روح متجسدة تتوق دوماً إلى العود إلى المكان الذي انحدرت منه .
- تضطرب الروح عند استعمالها الجسد , و يعتريها الدوار لأنها تداخل أموراً من طبيعتها التقلب , و عندما تنظر إلى جوهرها الذاتي فإنها تميل إلى ما هو نقي و أزلي و خالد و تبقى متحدة به و يفارقها التيه و الغرور و الضياع فهو ثابت لا يتغير و هذه حالة في النفس ندعوها الحكمة .
- يتعذر على الروح ما دامت رهينة الجسد أن تصل إلى الحق بسبب رغبات الجسد و متطلباته , و بسبب الجهل و الخوف لكن بعد الموت و قد تخلصت من حماقة الجسد فإنها تستطيع معرفة جوهر الأشياء لذلك يتمرن الحكماء الحقيقيون على الموت لأن الموت طريق الخلاص .
- أما الروح النجسة فلا ينقذها الموت من الآلام بل تبقى دائرة حول القبور و الرموس نافرة من عالم الغيب خائفة منه تقاسي العذاب جزاء ما ارتكبت في ماضي حياتها من آثام إلى أن تعود ثانية إلى الأرض في تجسد جديد .
- بعد موتنا يقتادنا الأرواح الموكول إليها أمرنا في هذه الحياة إلى مكان يساق إليه كل ذاهب لتأدية الحساب و بعد المكث هناك الزمن الضروري تعود ثانية إلى التقمص في جسد جديد .
- الأرواح تملأ ما بين السماء و الأرض و عن طريقها توحي الأرواح العلوية إلى الإنسان إن في اليقظة أم في المنام لأن الأرواح السامية لا تناجي الإنسان مباشرة .
- الحكيم لا تهمه هذه الحياة العارضة , بل يهتم بالحياة الأخرى الأبدية فهي اولى بالاهتمام ما دامت الروح أبدية .
- يبقى في الروح بعد انفصالها عن الجسد كل ما كان للجسد من طبائع و ميول و أفعال , و ليس من بلاء أشدُّ على الإنسان من أن يرحل إلى عالم الغيب و روحه ملطخة بالآثام .
- لا تقابل الإساءة بالإساءة ولا تُلحق الضرر بأحد و إن أساء إليك من الثمرة تعرف الشجرة .
- الغنى خطر و بلاء . من أحبَّ المال لم يحب نفسه و ما هو لنفسه بل أبعد عنها كل ما هو لها .
- لا تُسر الذات الإلهية بالصلوات و الذبائح بقدر ما تُسرُّ بروح فاضلة تبذل جهدها للتشبه بها .