أضحت مشكلة البطالة عائقا تنمويا كبيرا في الكثير من دول العالم الثالث وأصبحت سببا في تهديد استقرار العديد من الأنظمة والحكومات في ظل المعدلات المتزايدة للنمو السكاني في هذه البلدان وزيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
ووفقا لتعريف منظمة العمل الدولية فإن البطالة هي حالة الفرد القادر على العمل ويرغب في العمل ويبحث عن فرص عمل ولا يجد فرص العمل المطلوبة وليس له مورد رزق.
وقد حذرت الأمم المتحدة من ارتفاع البطالة حول العالم إلى معدلات قياسية بلغت حوالي 186 مليون عاطل، وأشار التقرير الذي أعدته منظمة العمل الدولية إلى العديد من العوامل التي لعبت دورا مؤثرا في ارتفاع مؤشرات البطالة إلى 6,2 في المائة من إجمالي القوة العاملة في العالم .
وشدد التقرير على أهمية خلق حوالي 8 مليون وظيفة جديدة خلال الـ12 عاما المقبلة في دول جنوب الصحراء الإفريقية حيث تبلغ معدلات البطالة 10,9 في المائة وإلا فإن الأهداف التي وضعتها قمة الألفية عام 2000 بتحقيق نسبة سكان العالم الذين يعيشون عند خط الفقر إلى النصف بحلول عام 2015 لن تتحقق.
الاقتصاد العربي دون الطموحات
وتعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق المتأثرة بالظاهرة حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى 12,2 من 11,9 في المائة.
وتضمن التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2002 الكثير من المؤشرات الاقتصادية الحيوية ذات الصلة بتوجهات التنمية والتحديات التي تواجهها مستقبلا .
وأشار التقرير إلى أن البطالة تعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاديات العربية في هذه المرحلة وخلال السنوات المقبلة نظرا لانعكاساتها العميقة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية .
ويوضح التقرير أن عدد سكان الوطن العربي بلغ نحو 284 مليون نسمة عام 2001 وارتفع إلى نحو 300 مليونا بنهاية العام 2002 وذلك بمعدل زيادة سنوية .25 % وهو من بين أعلى المعدلات مقارنة بمعدل النمو السكاني في العالم ولكن مقابل هذا التطور يلاحظ تذبذب الأداء الاقتصادي من خلال أرقام الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية في السنوات الأخيرة إذ بلغ معدل نمو الناتج 5,5 % عام 1996 ثم تراجع إلى 3,6 % عام 1997 وكان التراجع الكبير في عام 1998 عندما سجل النمو معدلا سالبا وهو ( -2,5 % ) وعلى الرغم من تحسنه خلال العامين الماضيين بفضل تحسن الاقتصاديات النفطية إلا أن التقرير يصف مستوى نمو الاقتصاد العربي بأنه كان "دون الطموحات".
وذكر التقرير أنه أمام حالة عدم النمو الحقيقي في هذه الاقتصادات فإن المعدل المرتفع لنمو السكان يدل حتى مع عدم وجود بيانات كافية على تردي المستويات المعيشية للسكان وارتفاع عدد ذوي الدخول المنخفضة منهم في الدول العربية بصورة عامة وبالتالي عظم المشكلة التي تواجهها الاقتصادات العربية حاليا وخلال الفترة المقبلة.
إذا كان هذا هو حال الاقتصادات العربية فكيف ستستطيع هذه الدول مواجهة مشكلة البطالة والقضاء عليها ؟ هذا مع الوضع فى الاعتبار أن عدد سكان الوطن العربي يتجاوز حاليا 340 مليون نسمة وسيرتفع إلى 482,8 مليون نسمة عام 2025 وهذا يتطلب توفير فرص عمل تواكب هذه الزيادة، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة إلى 100 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020 لمواجهة مشكلة البطالة التي تسجل معدلات مرتفعة جدا في دول هذه المنطقة وفقا لما ذكره الدكتور إبراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربية فى بيان سابق للمنظمة.
بركان البطالة يوشك على الانفجار
إرهاب ومخدرات وسرقة واغتصاب والبقية تأتي ! تنعكس بلا شك البطالة التي يعاني منها الشباب على سلوكهم وتلقي بظلالها على المجتمع الذي يعيشون فيه حيث بدأت تظهر في مجتمعنا صورة متكاملة لأوضاع شاذة في شكل تعاطي المخدرات والسرقة والاغتصاب والإحساس بالظلم الاجتماعي وما تولد عنه من قلة الانتماء والعنف وارتكاب الأعمال الإرهابية والتخريبية وهناك فئة أخرى تقوم بالكبت بداخلها مما يتحول بمرور الوقت إلى شعور بالإحباط ويخلق شبابا مدمرا نفسيا وعضويا.
وما الجرائم التي نطالعها يوميا على صفحات الحوادث من اغتصاب وسرقة وقتل وعنف ، ما هي إلا أصدق ترجمة وأدل تعبير عن حالة التخبط والواقع المتردي لشباب عاجز عن نيل أبسط حقوقه ، شباب يمتلك الطاقة والطموح ولا يجد المنفذ الطبيعي لتوجيهها، وللأسف قبل أن يبادر المجتمع بالسؤال : لماذا انتشرت هذه الجوانب السلبية بادر بالإدانة دون أن يبحث وينقب في جذور المشكلة الأصلية وهي البطالة وقلة فرص العمل المتاحة أمام الشباب.
للبطالة آثار نفسية واجتماعية
تفيد الإحصاءات العلمية أن للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية كما أن لها آثارها على الصحة الجسدية ، وأن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ويشعرون بالفشل وأنهم أقل من غيرهم، كما وجد أن نسبة منهم يسيطر عليها الملل وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة وأن البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي .
شعور بالنقص وتقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية : أن البطالة تولد عند الفرد شعورا بالنقص بالإضافة إلى أنه يورث الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالرذيلة والسرقة والنصب والاحتيال، وتضيف أن الفرد العاطل يشعر بالفراغ وعدم تقدير المجتمع فتنشأ لديه العدوانية والإحباط ، والبطالة تحرم المجتمع من الاستفادة من طاقة أبنائه، وكذلك في الأسر التي يفقد فيها الزوج وظيفته فإن التأثير يمتد بدوره إلى الزوجات سلبا وينعكس الأمر على العلاقة الأسرية ومعاملة الأبناء .
وتؤكد الدكتورة عزة على جانب خطير لمشكلة البطالة وهو تأخر سن الزواج حيث كشف تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة وبحوث الإحصاء حول الحالة الاجتماعية في مصر عن أن عدد عقود الزواج خلال عام 2004 قد انخفض إلى 491 ألف عقد مقابل 511 ألف عام 2003 وذلك بالرغم من تزايد عدد السكان، وتشير الدراسات كذلك إلى أن متوسط عدد الفتيات والشباب في سن الزواج من 20 ـ 30 سنة في مصر لهو أكبر من حيث النسبة مقارنة بعدد الشباب في نفس السن في المجتمعات الأوروبية، والنتيجة هي ارتفاع متوسط سن الزواج وإدراك الشباب بأنه ليس لديه أمل في الزواج فنشأت مأساة أخرى وهي وجود حاجة قائمة لم يتم إشباعها فكان البحث عن وسائل أخرى للتفريغ والإشباع فكان انتشار ( الزواج العرفي ) كمخدر وكمخرج لعدم القدرة على الزواج الشرعي وكغطاء للعلاقات المحرمة البعيدة عن القيم والأخلاق.
نماذج مشرفة في محاربة البطالة وبحثا عن سبيل لمواجهة البطالة فقد أطلق الداعية الإسلامي عمرو خالد حملة لمحاربة البطالة العربية والعمل على إيجاد فرص عمل لنحو 16مليون عاطل في الوطن العربي .
وأشار الداعية عمرو خالد في موقعه على شبكة الإنترنت إلى أن كثيرا من الإحصائيات العالمية تقول بأن معظم الوظائف في الدول المتقدمة ( ما يزيد عن 80 % ) موجود في منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، بينما إجمالي المشروعات الصغيرة في الوطن العربي حوالي 700 ألف منشأة فقط .
وأوضح الداعية الشاب أنه يريد أن يحول قضية محاربة البطالة إلى مشروع قومي كبير يلتف الناس حوله مثل مشروع السد العالي .
وأكد عمرو خالد في إحدى حلقات برنامج ( صناع الحياة ) التي ركزت على مكافحة البطالة أن هذه المشكلة ستولد مصائب رهيبة مترتبة على بعضها توصل لأمراض نفسية أو للإدمان والجرائم وأن الكارثة قد تصل لحد ضعف الانتماء للبلد وكراهية المجتمع لينتهي الأمر بالعنف والإرهاب لأن هذا الشاب العاطل منهار وكاره للمجتمع، وأضاف خالد أن البطالة ستعمل على تأخر سن الزواج وانتشار الزنا والزواج العرفي .
سؤال يبحث عن إجابة : الهجرة والسفر إلى الخارج
هل هي المشكلة أم الحل ؟ ساعدت البطالة على جعل الهجرة والسفر إلى الخارج حلما يراود أذهان الكثير من الشباب، وتقول الإحصائيات انه خلال الـ15 سنة الماضية تزايد عدد من يعبرون الحدود سعيا وراء حياة أفضل بشكل مستمر ، ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين هناك فرد واحد من كل خمسة وثلاثين شخصا حول العالم يعيش كمهاجر، وإننا إذا جمعنا كل المهاجرين في مكان واحد فإنهم سيكونون دولة هي الخامسة على مستوى العالم من حيث تعداد السكان.
ويلخص العالم الديموجرافي الفرنسي الكبير ألفريد صوفي إشكالية الهجرة بقوله "إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر، وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات".
ويستقطب الشرق الأوسط أكثر من 10% من مجموع المهاجرين في العالم وتستضيف الدول الغنية في الخليج العربي أعلى تركز للعمالة المهاجرة في العالم، وتقدر المنظمة الدولية للهجرة بتحفظ بأنه يوجد حاليا 14 مليون مهاجر دولي و 6 مليون لاجئ في الشرق الأوسط وتستضيف السعودية أكبر عدد من السكان الأجانب في المنطقة يقدر بـ 6,2 مليون، ويقدر عدد الأجانب في الإمارات بـ 1,7 مليون، والكويت بـ1,3 مليون .
ويكون الهنود أكبر مجموعة من المهاجرين في المنطقة3,2 مليون ويأتي بعدهم المصريون 1,8 مليون ، والباكستانيون 1,2 مليون ، ويتركزون في السعودية بشكل رئيسي وبلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
هجرة الكفاءات العربية
وجانب آخر مظلم للبطالة ! على الرغم من أن الدول العربية تعتبر من الدول النامية علمياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً فهى لم تكن كذلك فى الماضى ، ويشهد لها التاريخ بأنها لطالما قادت العالم ، وكان أبناؤها أعلاماً فى العلوم والفنون والحضارة .
والناظر المتفحص فى سجلات التاريخ يجد أدلة صارخة على أن الأمة العربية لديها مواهب ممتازة والتى إذا ما أتيحت لها الفرصة فإنها تحقق إنجازات باهرة يشهد لها الجميع ، وما التأخر الذى تعانى منه هذه الأمة الآن إلا بسبب عدم وجود البيئة الصالحة للكشف عن هذه الكنوز وصقلها.
وأكبر دليل على ذلك هو استقطاب الدول الغربية للعديد من صفوة الكفاءات العربية وتقديم كافة المغريات وسبل الرعاية
لهم ، ويبقى الوطن العربى محروماً من التطوير والإبداع ، ولعل هذا من أخطر الأسلحة التى يستخدمها الغرب فى مواجهة عمليات التنمية فى الوطن العربى .
وللأسف الشديد فقد باتت هجرة هذه الكفاءات ظاهرة عامة تنتاب الوطن العربى بأكمله ولا تقتصر على قطر واحد ، بل وأصبح الأمر لا يشمل فقط الدول العربية الفقيرة وإنما امتد أيضاً إلى الدول الغنية كذلك ، وأخذت هذه الهجرة تتزايد باستمرار وبنسب عالية جداً من عام لآخر ، مما نتج عنه خسائر كبيرة لا تقدر بثمن سواء فى الموارد البشرية أو الاقتصادية ، فحوالى 75 % من كفاءات العالم الثالث موجودة فى ثلاث دول غنية هى أمريكا وكندا وإنجلترا .
كما يقدر الخبراء أن ما تجنيه الولايات المتحدة من وراء هجرة الأدمغة إليها بنصف ما تقدمه من قروض ومساعدات للدول النامية ، وبريطانيا 56 % ، أما كندا فالعائد الذى تجنيه يعادل ثلاثة أضعاف ما تقدمه من مساعدات للعالم الثالث .
وتعزى هجرة المواهب والكفاءات العلمية العربية إلى عوامل داخلية وخارجية ، وتتمثل العوامل الداخلية فى التغيرات الاجتماعية والحضارية التى يشهدها الوطن العربى ، فهجرة الكفاءات والمواهب العربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع السائدة فى المجتمع العربى ، وهى ظاهرة تكونت نتيجة سوء تكوين المجتمع والخلل القائم فى تركيباته الاجتماعية وعدم استقرار الأوضاع مما يضطر الموهوبين للبحث عن سبل لتأمين الحياة فى مجتمعات أخرى ، فضلاً عن الدوافع الاقتصادية والتى تمثل أهم أسباب الهجرة نتيجة الفقر والبطالة وسوء النظام الاقتصادي ، بالإضافة إلى عجز النظم التعليمية عن مواكبة التطورات المعرفية الحديثة وغلبة أسلوب الحفظ والتلقين عليها ، كما أن غياب التخطيط العلمى يكرس تشتيت جهود العلماء وعدم وضعهم فى الأماكن المناسبة .
أما العوامل الخارجية فتتمثل فى أن الدول المتقدمة أخذت فى وضع خطط علمية مدروسة لاستقطاب هذه الكفاءات وتقديم كافة سبل الرعاية والتسهيلات لهم .
ومن هنا يتبين أن هجرة الكفاءات العربية تشكل خسارة فادحة للوطن العربى على المدى القريب والبعيد ، ويكرس مزيداً من التبعية للغرب ، مما يتطلب وضع استراتيجية عربية عاجلة يتضافر فيها الجميع وترتكز على تشجيع الإبداع والمبدعين ، وتطوير نظم التعليم ، ووضع الفرد المناسب فى المكان المناسب ، والعمل على استعادة العلماء ، وتسهيل تبادل الكفاءات العلمية بين الأقطار العربية المختلفة .
كل هذا إن أردنا استعادة ريادتنا العلمية المفقودة والتى قامت النهضة والحضارة الغربية على أكتافها.
إن مشكلة البطالة من اخطر المشكلات التى تواجه وطننا العربى نظرا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الأمة عنصرا هاما من عناصر التنمية ألا وهو عنصر الموارد البشرية وذلك سواء من خلال عدم الاستفادة بهم وتهميشهم أو من خلال هجرتهم إلى الخارج أما اجتماعيا فان البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعية وجرائم العنف والسرقة والقتل والاغتصاب والانتحار .
الخ ، وأمنيا تؤدى إلى انتشار ظاهرة الإرهاب الذى يجد فى أبنائنا العاطلين عن العمل ملاذا له حيث يستغل نقمتهم على حكوماتهم من اجل خدمة أغراضه وأهدافه الإرهابية.
مما سبق نجد أن مشكلة البطالة تحتاج منا إلى الوعى جيدا بخطورتها والعمل على إيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء عليها.