ناظرته بحدة و كأنها تتفحصه من أخمص قدمه إلى قمة رأسه .. نظرة جعلته يستغرب هل من شيء غريب ..ماذا قلت لها ؟.. رفع رأسه بعد إن كان منحنيًا قليلًا ليرى هل من غريب في شكله ..فرآها مبتسمة من منظره المندهش أمامها .
قالها في نفسه يا ترى لماذا تبتسم ؟.. هي غريبة الأطوار للحظة رأيتها تناظرني بحدة و الآن مبتسمة.. هل من شيء غريب ؟.. دفعته في كتفه دفعته كاد منها يسقط أرضًا .. بانت ملامح الغضب على وجهه الجميل و ثار قائلًا :ماذا فعلت ؟
لم تكترث له تركته غاضب من تصرفها المجنون ذهب عنها و تركها تلاحقه و هي تركض في تلك الساحة الكبيرة .. ساحة كبيرة تجمع الكثير من الأشخاص .. أسرعت بالركض حتى أمسكت بقميصه و أدارته بجانبها و هو لا يعرف ماذا يفعل بتلك المجنونة التي أمسكت به .
للحظة وصل طاقم التمريض إليها ليهدئوها .. و لكن بلا فائدة .. حتى جاء شخص كبير في السن غطى الشيب شعره الناعم ..كان يرتدي نظارة طبية و بدلة رسمية ترسم الوقار على شكله و كان يرتدي فوقها معطف الأطباء الأبيض ..ناظرها نظرة واحدة جعلتها تترك ذلك الشاب بهدوء و برقة و تنسحب بالتدريج..هاربة إلى الخلف كأنها خائفة من الإمساك بها.
تعجب ذلك الشاب من تصرفها فنظر إلى الطبيب و كان وجهه مبتسمًا و كأنه عرف ماذا يدور بعقل ذلك الشاب فأجابه : لا تستغرب هي هكذا ما إن تكاد ترى شابًا جميلًا حتى تحاول الإمساك به .
فرد الشاب بتعجب :عفوًا أيها الطبيب و لكن أنا حاوطني العجب من تصرفها الأخير ..لماذا هربت ؟.. تركتني عندما رأتك أمامها مع أنه كان هناك مجموعة من الممرضين و لكنهم لم يقدروا على سحبها
فتبسم الطبيب قائلًا :هي خائفة .. خائفة من جلسات الكهرباء .. لأنها كلما رأتني كأنها تقرنني بجلسة الكهرباء فتراها تفر بعيدة هاربة .
جلس ذلك الشاب يتمعن في كلام الطبيب و بعد فترة قليلة أظهر مسجل صوت صغير و دفترًا صغيرًا و جلس يدون ما يقوله الطبيب
وقف الطبيب عن الكلام برهة ثم قال :هل أنت صحفي يا بني ؟
أجاب ذلك الشاب :نعم جئت لأزور هذا المستشفى فأرى كيف حال المرضى و أكتب عنهم في زاويتي في المجلة .. أتمم حديثك لو سمحت
فأكمل ذلك الطبيب حكاية هذه الفتاة و كيف وصلت إلى هذه الحالة و الشاب يكتب بتمعن شديد حتى وصل إلى نقطة معينة فقال :ماذا قلت ؟
أنزل ذلك الطبيب رأسه :هذه الفتاة كانت فتاة سليمة و لها طموحات عالية و مهاراتها في الذكاء لا يوجد مثلها حتى وقعت في يوم من الأيام بحب شاب دمر حياتها أفقدها شرفها
تعجب الشاب من كلام الطبيب و حرك رأسه أسفًا على شباب هذه الفتاة و قال وكيف هو حال أهلها و ماذا جرى بعد ذلك ؟
اعتاد ذلك الطبيب على هذه الحالات و كان رده طبيعي كأنه لم يتأثر .. لم يقدروا أهلها على فعل أي شيء إلا ضربها ضربًا مبرحًا حتى أصيبت بنزيف في رأسها و كانت هذه نهايتها ..هل عرفت لماذا تشبثت بك عندما ذهب لها ؟
اكتفى ذلك الشاب بالإجابة بنعم و هو يفكر في حال تلك الفتاة التي جار عليها الزمان بجوره و رمى بها في مستشفى المجانين و كانت إحدى ضحايا الحب الغير متوازن أو حب اللعب .
أخذ الشاب أدواته و أعادها إلى حقيبته و شكر الطبيب ثم ذهب خارجًا عن مستشفى المجانين لكي يلتقي بعالم الخارج الذي يحاط بالمجانين العاقلين .
ركب سيارته المتواضعة واضعًا حقيبته في المقعد الخلفي للسيارة ليسير في خطه المعتاد ..إلى العمل في تلك المجلة ليلتقي برئيس التحرير أمامه فيسأله كيف كان عملك اليوم ؟
فأجاب الشاب على رئيسه:لقد جئتك بقصة قد تكون هي مشروع هذه المجلة ..قصة أذابت قلبي
فطلب منه الرئيس الذهاب معه إلى مكتبه لكي يتناقشا في القصة حتى عرض الشاب القصة على الرئيس الذي بانت على وجهه ملامح الحيرة و التعجب فطلب من الصحفي الذهاب إلى مكتبه ليتمم عمله اليومي .. فجلس على ذلك المكتب الصغير ليبدأ بأول سطر في الكتابة و من ثم ينتهي بخط تلك القصة بيد مبدعة و إرسالها إلى العالم كله حتى يتمعنوا بمثل هذه القضايا التي يجهلها البشر .
15_11_2009
بقلم
محمد العصفور