أنبياء الله ورُسُله مباركين فكونوا كذلك
جعل الله أنبياءه ورُسُله مباركين كثيري الخير، يزداد بهم الخير، وتزدان بهم الأرض وتُقرن بجميل اتباعهم البركة، فقال عن نوح بعدما أنجاه وقومه من الكرب العظيم: ''قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ'' (هود 48)، يعني بالبركات عليه وعلى مَن معه أنْ يهبطوا واللهُ عنهم راضٍ، إذ كانوا أهل رحمةِ الله من أهل ذلك الدهر، وقال له: ''وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ'' (المؤمنون 29)، فأنزلهم إنزالاً مُباركاً أي جعل نزولهم نزولا مباركاً، وجعل مَنزِلَهم منزلاً مباركاً على القراءتين، وجعلهم كثيراً بعد أن كانوا قليلاً، وأسبغ عليهم من النِّعَم والخيرات، ومن أعظم ذلك أن مكنهم من عبادته آمنين على أنفسهم، من بعد أن أهلك عدوهم. وقد بارك الله على إبراهيم وعلى إسحاق، ''وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ'' (الصافات 113)، فثنَّى عليهما النِّعمة، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، وقال عنه وعن أهل بيته لما تعجَّبت امرأته من أن تلد وهي عجوز: ''قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ'' (هود 73). وقال عن موسى لما أن رأى ناراً: ''إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ(7) فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ'' (النمل)، وأقرب وأفضلُ ما قيل في معنى الآية ما قرره بعض المحققين من أنَّ مَن فِي النَّارِ مَلَائِكَةٌ وَحَوْلَهَا مَلَائِكَةٌ وَمُوسَى، وَأَنَّ مَعْنَى: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ، أَيْ: الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ فِي ذَلِكَ النُّورِ، وَمَنْ حَوْلَهَا، أَيْ: وَبُورِكَ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ حَوْلَهَا، وَبُورِكَ مُوسَى لِأَنَّهُ حَوْلَهَا مَعَهُمْ، وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ هَذَا: السُّدِّيُّ. وقال عيسى: ''قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً(31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً'' (مريم).
وأعظم الأنبياء بركة، وأعمُّهم نفعاً وخيراً، وأولاهم بالبركة من ذاته مباركة، وخصاله مباركة، ودينه دين الخير والبركة والثبات والاستقرار، من جاء بالقرآن والهدى فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ومن الأعيان المباركة التي ذكر الله بركتَها في كتابه بيته المعظم، إذ يقول تعالى: ''إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ'' (آل عمران 96)، ومعنى الآية أنه وُضِع مُباركاً يحصل الثوابُ لقُصَّادِه، ويأمن حتى مَن دَخَله مِن الوحش والطير والبهائم، وتُضاعفُ فيه الحسنات، وتُجبى إليه الثمرات. وكذلك بارك الله المسجد الأقصى -حرره الله وخلَّصه من ذل يهود- وبارك ما حوله، إذ يقول الله تعالى: ''سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا'' (الإسراء1)، حيث جعل الله أرضه مباركة، وجعلها بلد الأنبياء، وبارك فيما حوله في الزرع والثمار، وفي النجاة من الفتن في آخر الزمان. وقد كتب الله في الأرض (أرضنا هذه) أرزاقها لما خلقها، واستودعها من بركته، كما قال جل جلاله: ''قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ'' (فصلت)، قال السدي: أنبت شجرها، وقدَّر فيها أقواته: أي أقوات أهلها مما يقوتهم من الغذاء، ويصلحهم من المعاش، ولم يخُصَّ قوتاً دون قوت، بل عمَّ الخبر عن تقديره فيها جميع الأقوات.
أرأيت يا عبد الله أعظمَ بركةٍ مِن تابِعٍ لشرعِ ربِّه، منتظمٍ أمر خالقِه، سُلك وهذه المباركات من الأشياء والأعمال في سلك عبودية الله وطاعته. أحبتي في الله، ومن أعظم أسباب نيل البركة في الرزق والمطعم: اكتسابه من الحلال، والحذر من أكل الحرام، وسخاوة النفس مع البعد عن الشح والحرص: فعن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ''سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي.. ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا''. وعن خولة بنت قيس -وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب- تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ''إن هذا المال خضرة حلوة من أصابه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار''. رواه الترمذي، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ''وَفِيهِ أَنَّ الْمُكْتَسِب لِلْمَالِ مِنْ غَيْر حِلّه لَا يُبَارَك لَهُ فِيهِ لِتَشْبِيهِهِ بِاَلَّذِي يَأْكُل وَلَا يَشْبَع''.
العلاج بالتفكر في خلق الله
وهذه طريقة جديدة للعلاج، بأن نتأمل مخلوقات الله مثل النباتات من حولنا، والنجوم والقمر والسماء في الليل، ونتأمل الحيوانات والحشرات وكيف أتقن الله صناعتها، نتأمل عالم النمل، وعالم النحل، وعالم الإبل... إنها أرقى طريقة في العلاج، لأن التفكر في خلق الله تعالى يعطي قوة كبيرة للنظام المناعي للجسم، وهذا الكلام عن تجربة شخصية طويلة، وأنصح بها كل من يعاني من أمراض مستعصية جداً عجز الطب عن شفائها مثل السرطان، والتهاب الكبد الوبائي والالتهابات بأنواعها، والأمراض المزمنة والحادة مهما كان نوعها.
الله موجود، ولا موجود سواه
تقصيرنا جلب عدوان الطغاة علينا
اتهم نفسك، لا تحابِ نفسك، اتهم نفسك، الله عز وجل غني عن تعذيبنا، غني عن إيقاع الأذى بنا، غني عن الألم، غني عن الفقر، هو غني، لذلك: عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمنِ بما يصلحك، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد. إذا كنت في كل حال معي فعن حملي زادي أنا في غنى. لا تقل: الطغاة البعيدون أوقعوا الأذى بنا، نحن السبب، وتقصيرنا جلب عدوان الطغاة علينا، بتفلتنا من منهج سلط ربنا الأعداء علينا. فلا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، ولا يلومن إلا نفسه.
صدقوا أيها الإخوة، أن منتهى العقل أن تلوم نفسك وحدها، أنا مقصر، هناك واجب لم أؤدّه، هناك معصية ارتكبتها، هناك مال ليس مشروعا اكتسبته، هناك علاقة آثمة فعلتها، فاستحق من الله هذا التأديب، أنت حينما تتعامل مع الله في هذا المنطق، وبهذا الفهم، وبهذا التنزيه للذات العلية، لا يلومن أحد إلا نفسه، لوم نفسك لا يعني عدم المطالبة بحقك لا أنفي أن تطالب بحقك، لا، هذا موضوع ثان. تطالب بحقك، هل أسمح لإنسان أن يقود مركبة بشكل طائش، وأن يرتكب حادثا وأن أقول: هذا ترتيب الله؟ لا، أحاسبه، وأضعه في السجن تأديبا له، هذا موضوع آخر، أنا أتحدث عن التوحيد، لئلا تحقد على أحد، هذا الذي أوقع بك أذى سمح الله له أن يفعل ذلك، ولولا هذا الذي وقع بك له حكمة بالغة قد تكشفها بعد حين لما وقع، لذلك عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ''لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ''. أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه.