صور وفاء " قصة قصيرة "

صور وفاء " قصة قصيرة "

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لحظة وفاء
( بين الأستاذ وتلميذه ... )
كان
أستاذاً في كلية الطب ، وكان بين طلبته شاب لامع مُجد ، لم يشأأن يتوقف
عند تلك المرحلة التي يركن إليها الكثيرون بعد أتمام دراستهم الجامعية ،
فراح يمضي في طريق العمل ينهل منه حتى حصل على الماجستير ، ثم بدأ يُعد
للدكتوراه ، وأختار موضوع بحثه الجديد في العلاج بالذرة ، وقصد أستاذه الذي
أصطفاه بين طلبته ، فكان يساعده ويشجعه ، ويمد له يده معاوناً كلما وجده
يتعثر .. و أمضى الأستاذ شهوراً طويلة ساهراً يبحث مع طالبه في جديد من
مجال هذا العلاج الحديث .. إلى أن أنتهى الطالب من بحثه ، ونجح بتفوق ....
وكانت
سعادة الأستاذ بطالبه لا تفوقها سعادة ، وهو يرى صديقه الصغير يجني ثمار
هذا الجهد الكبير ، وفي مساء ذلك اليوم جلس الأستاذ في غرفة مكتبه في البيت
ينتظر .. لم يكن يطمع في أكثر من زيارة قصيرة يرى فيها فرحة النجاح على
وجهه ويسمع منه كلمة صغيرة يعبر فيها عن مشاعره نحو أستاذه .. وطالت جلسته
في مكتبه و أنقضى الليل .. و أنقضت ليال أخرى كثيرة ، ولم يظهر الصديق
الشاب الطبيب .. لقد أختفى تماماً لم يعد له أثر لا في الجامعة التي كرمته ،
و لا في البيت الذي عاش فيه سنوات دراسته وكفاحه ، و لا في المدينة كله ..
( ... وعاد القدر يجمع بينهما )
و أنقضت أربع سنوات ، وشاء القدر أخيراً أن يجمع بين الرجلين .. بين الأستاذ وتلميذه .. وكان أغرب لقاء ..
لقد
أصيب الأستاذ في حادث سيارة ، ونُقل إلى المستشفى وهو بين الحياة و الموت
.. كانت دماؤه تنزف بغزارة بعد الصدمة العنيفة التي تعرض لها في المصيف
الذي أختاره لقضاء إجازته مع أسرته .. وفحصوا فصيلة دمه ، فوجوده من هذا
النوع الذي يمكن أن ينقل إلى جسم أي أنسان أخر ، ولكن لا ينقل إليه إلا دم
من فصيلته ..
وبحثوا
في المستشفى كلها عن فصيلة دمه ، وأخيراً وجدوها في طبيب شاب يعمل هناك ،
إلتحق أخيراً للعمل بالمستشفى .. ونقلوا الأثنين إلى غرفة الجراحة وبدأت
عملية نقل الدم من الطبيب المعالج إلى الطبيب المصاب ..
وبدأت
الحياة تدب من جديد في جسم الطبيب الجريح .. وفتح عينيه ، ونظر إلى هذا
الجسد الممدد على الفراش الذي يجاروه ، و أفلتت من شفتيه صيحة خافتة ..
صيحة تحمل معاني شتى لم يفهم منها أحد شيئاً .. وبدأ الطبيب الشاب يفيق من
الغيبوبة التي أصابته نتيجة الضعف الشديد الذي أحس به و الدماء تخرج من
عروقه لتعيد الحياة إلى الرجل المصاب .
و
ألتق العيون و تمتمت الشفاه ، و أمتدت اليدان تتعانقان بعد أربع سنوات
كاملة ... لقد كانت أروع صورة من صور الوفاء الذي تأخر أربع سنوات .. وفاء
التلميذ لأستاذه ، لقد أعطاه الأستاذ من علمه وفكره ، فأعطاه التلميذ دمه
وأعاد إليه الحياة .

منقول " مجلة العربي العدد 203 أكتوبر 1975

وهنا ايضا
ساعود في وقت اخر