فن التعامل الناضج

بقلم أ, أحمد بوعبدالله

فنّ
التعامل الناضج
مع هفوات الآخرين وحماقاتهم

يفترض بنا –عزيزي القارئ- أن نكون سادة "فن التعامل الناضج" لكوننا أتباع الرسول القائل: (الدين المعاملة) وكأنه عليه الصلاة والسلام يختزل الدين في المعاملة, وقد كان فعله صلى الله عليه وسلم ترجمة صدق لقوله, كما كان حاله نموذج حق لأمره حتى يتسنى الإقتداء ويسهل التأسي, وليت علماءنا ومشايخنا ودعاتنا يركزون على هذا الجانب الحافل, لخير الأمة والبشرية قاطبة, أما نحن-أنا وأنت عزيزي القارئ- فسنبحث في الأمر من جانبيه "التقني والعلمي" بوصفه مهارة حياتية تحتاج إلى إتقان وامتلاك.
إن ما هو مختبر ومعروف ومؤكد في واقع الناس الحياتي أن العلاقات المشحونة والأجواء المكهربة والروابط المضطربة كل ذلك إنما يأتي نتاج التعامل السفيه, كما أن العلاقات المشحونة تضعنا في حالة استنزاف لقوانا النفسية والعقلية والروحية, إنها باختصار"مصدر تعاسة ومرض", وانظر حولك لتجد الفاشل في علاقاته فريسة الإنهاك رهين المعاناة.
في حين تعد العلاقات الناجحة "مورد سعادة وفلاح" وحاجتنا إليها ضرورة ملحة قبل أن تكون اختيارا موفقا لجعل حياتنا ثرية ومتنوعة, وسبيلا لسمو"الأنا الاجتماعي".
والقصد -عزيزي القارئ- أن العلاقات الناجحة يؤسسها التعامل الناضج ويعلي بنيانها, لكن ثمة أمر بالغ الأهمية ألا وهو فن التعامل الناضج Frown

مهما تميزت العلاقات بينك وبين من يحيطون بك, فلا بد من ظهور بعض الهفوات والأخطاء وربما خطايا, وطريقة تعاملك معها هي ما يحدد مستوى "ذكاءك الاجتماعي" و يكشف جوهر شخصيتك ويرسم معالم حكمتك وحنكتك) والقاعدة هنا: "لا يهّم ما يحدث, مثلما يهّم كيف تتعامل مع ما يحدث".
فإذا كان الأمر كذلك فمهارة التعامل الناضج تغدو قضية رحلتك المباركة على ظهر كوكبا الرائع "الأرض".

أسس التعامل الناضج مع أخطاء الآخرين
سنكتفي بذكر أربعة أسس ورغم كونها كافية لبناء تعامل ناضج إلا أنني أنتظر تواصلك معنا عبر بريدنا الإليكتروني المثبت أسفل الصفحة.
1)- إدراك وتفهّم الطبيعة البشرية:- فنحن نتعامل مع بشر والخطأ متوقع منهم بقصد أو بغير قصد, وتفهمك هو ما يحافظ على هدوءك واتزانك ويكسبك معالجة الأمر بروّية وحكمة, ولتتذكر أن طريقة تعاملك مع الأخطاء هي ما يجعلك مختلفا "عذرا أو نذرا" ويعلي مقامك أو يهوي بك في مهاوي الردى ولكل امرئ لنفسه وما اختار.
و مما يساعد على تقبل أخطاء الآخرين القواعد التالية:-
قاعدة:- "أن الناس في سلوكياتهم ينطلقون من بواعث إيجابية -على الأقل بالنسبة إليهم" فالسلوك قد يكون خطأ لكن النية حتما إيجابية. خذ مثلا:- السارق حينما يسرق إنما يريد لقمة العيش أو اكتساب الغنى, وكل منهما نية إيجابية تستحق الاعتراف, أما السرقة فهي سلوك سلبي يستحق العقاب, ولذلك نفرق دائما بين السلوك وبين النية.
قاعدة:- "أن الناس يتصرفون على نحو مثالي"فإذا كان ثمة خطأ فهو يعود إلى الإستراتجية, فالإستراتيجية المختلفة تعطي نتيجة مختلفة.
قاعدة:- "الناس يختارون أفضل الاختيارات بالنسبة إليهم في وقت بعينه" فلو كانت لهم نفس خبرتك وتربيتك لتصرفوا نفس تصرفك.
وستعذرني -أخي القارئ- لعدم الاستفاضة في شرح القواعد لأن المقام لا يتسع لذلك وفي الإشارة ما يغني عن العبارة.
2)- بناء موقف ايجابي:- فالموقف الذهني الايجابي تجاه الآخرين هو القوة العقلية التي تفسح مجال التسامح بسعة اتجاه الأخطاء ومرونة أكبر في إصلاحها, وإذا لاحظت في علاقاتك السابقة لاحظت ثمة علاقة كان الموقف السلبي (الشك مثلا أو الخوف من فشلها) سببا رئيسا في فشلها, فالموقف الذهني إذا سيد الموقف, وإذا برزت إلى السطح حقيقة في هذا المقام فستبرز حقيقة "أنت ما تفكر" عوضا عن الحقيقة العتيقة "أنت ما تأكل" أو معها.
فلوا توقعت مثلا أن شخصا معينا سيكون من الصعب التعامل معه فحتما سيكون لقاؤك به مشوبا بالتوتر والسلبية وربما العدوانية أيضا لأنك قد جهزت نفسك ذهنيا للنزال, فالموقف الذهني يكاد يكون القانون الأول في مجال العلاقات الإنسانية بلا منازع.
3)- الاحتفاظ بالدفء والمرحمة في تعاملك:- فالأصل في التعامل إرادة الخير والحب اللامشروط وإقالة العثرات والعفو عن الزلاّت, فأشعر الآخرين بالاهتمام فنحن نميل إلى من يهتمون بنا كما أفادت الدراسات.
وسترى كيف أن مواقف الإزعاج قد تتحول إلى مواطن للإفادة والتعلم ومواسم خير من أجل مساعدة الآخرين على تغيير إيجابي ودائم, وتحفيزهم ليخرجوا أفضل ما عندهم والله المستعان.
4)- تعلم فن التعامل الناضج:- وهو فن متفرع من علم السلوك الإنساني يرتكز على فهم الطبيعة الإنسانية وأبعاد السلوك الإنساني, ومراعاة القوانين النفسية وطريقتها في العمل, كما يعتمد على دراسات وأبحاث لحزمة من التطبيقات العملية في مجال التعامل المثمر, وإذا بحثت عن الناجحين فقد لا تجدهم فائقي الذكاء خارقي المواهب, لكنك ستجدهم بالتأكيد فنانين في تعاملهم مع الآخرين من حولهم إلى حد التأثير الإيجابي الفعّال.